المستشفيات.. النشأة والإدارة في العصر الإسلاميآخر
الصفحة
مطيع الرحمان

  • المشاركات: 51395
    نقاط التميز: 146001
عضو فريق العمل
عَضو فَعَال بِالمُنتَدَى
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
مطيع الرحمان

عضو فريق العمل
عَضو فَعَال بِالمُنتَدَى
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
المشاركات: 51395
نقاط التميز: 146001
معدل المشاركات يوميا: 10.1
الأيام منذ الإنضمام: 5068
  • 01:56 - 2025/04/12
 

 

 

 
 

 

 

  المستشفيات.. النشأة والإدارة في العصر الإسلامي

عرفت الحضارة الإسلامية المستشفياتِ كدُورِ علاجِ المرضى والجرحى منذ فجر الإسلام، فصحَّةُ الإنسان والحفاظ عليها وعلاج أمراضها من أهم متطلبات الإنسان والحياة.

 

وتعتبر خيمة رُفيدةَ، وهي صحابية كانت تعالج الجرحى والمصابين محتسبة الأجر عند الله، في غزوة الخندق، وقد ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله حين إصابة سعد بن معاذ بسهم: ((اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب))[1].

 

وفي العهد الإسلامي، عُرفت المستشفيات باسم بيمارستان؛ وهي كلمة فارسية مكونة من كلمتين: (بيمار)؛ بمعنى مريض، و(ستان)؛ بمعنى دار أو مكان، فالكلمة تعني دار المرضى والمصابين، ثم اختصرت الكلمة في الاستعمال فصارت (مارستان)، واستمر هذا الاسم مستعملًا حتى العصر الحديث؛ حيث أُنشئ مستشفى أبي زعبل بضاحية القاهرة كأول مستشفى على النظام الحديث في مصر، عام 1825م.

 

نبذة عن بدايات الطب العربي الإسلامي:

عرف العرب والمسلمون الأوائل الطبَّ والمداواة، بل إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اشتهرت بالمداواة والطب؛ حيث يذكر الذهبي في تاريخ الإسلام:

قال عروة بن الزبير: "ما رأيت أعلم بالطب من عائشة، فقلت: يا خالة، من أين تعلمتِ الطب؟ قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه"[2].

 

وفي الموطأ عن زيد بن أسلم: ((أن رجلًا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أصابه جرح، فاحتقن الجرح بالدم، وإن الرجل دعا رجلين من بني أنمار، فنظر إليهما فزعما أن رسول الله قال: أيكما أطبُّ؟ فقال: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فقال رسول الله: أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء)).

 

وروى أبو داؤود رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال: ((بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبِي طبيبًا، فقطع منه عرقًا)).

 

واشتهر من العرب قديمًا أطباء ومتطببون، بعضهم خلط بين الرُّقى والطب، وبعضهم تعلَّم الطب في فارس أو غيرها من البلاد المجاورة لجزيرة العرب، ثم عاد ممارسًا الطب، ومنهم الحارث بن كلدة وابنه النضر بن الحارث، تعلما الطب في جند يسابور من مقاطعة خوزستان أحد أقاليم فارس.

 

وكذلك أبو رمثة التميمي الذي كان جراحًا مشهورًا.

 

ويذكر ابن حجر العسقلاني في (الإصابة في تمييز الصحابة) الشمردلَ بن قباب الكعبي النجراني كأحد الأطباء المشهورين في زمن النبوة.

 

وزينب طبيبة بني أود كانت خبيرة بالعلاج، ومداواة العين والجراحات، مشهورة عند العرب.

 

ورأينا أن خيمة رفيدة في غزوة الخندق تعتبر أول مستشفى إسلامي، بل مستشفى عسكري، كانت رفيدة تعالج فيه المصابين والجرحى.

 

المستشفيات الإسلامية ... نظرة إدارية:

قد يتعجب الكثيرون أن المستشفيات الإسلامية منذ نشأتها الأولى عَرَفت قواعد وعلوم الإدارة الحديثة، وطبَّقت أساسياتها؛ من تخطيط وتنظيم، ومراقبة أداء وتقييم، بل وتطبيق قواعد ومبادئ جودة الأداء.

 

فقد تم تقسيم المستشفيات الإسلامية إلى نوعين: ثابت ومحمول أو متنقل.

 

فالمستشفى الثابت هو المبنى المخصص للمستشفى بمفهومه، وكان منتشرًا في العواصم والمدن الكبرى؛ كالقاهرة وبغداد ودمشق.

 

ومن الآثار الباقية لهذه المستشفيات الآن البيمارستان المنصوري (قلاوون) بالقاهرة، والبيمارستان المؤيدي بالقرب من القلعة بالقاهرة أيضًا، والبيمارستان الكبير بدمشق، وبيمارستان أرغون بحلب.

 

أما المستشفى المحمول أو المتنقل، فهو يشبه القافلة العلاجية أو الإسعاف في الوقت الحاضر، وهو مستشفى متنقل من مكان لآخر في حال الأوبئة والحروب والكوارث.

 

ويرجح أن الحكَّام المسلمين هم أول من أوجد هذا النوع من المستشفى المتنقل، واعتنَوا به من الأوجه الإدارية التنظيمية؛ حيث جهَّزوه بكافة ما يلزم المرضى من أدوية وأطعمة وملبس وأطباء، بل إن المسلمين سبقوا الغرب في علاج ورعاية المرضى من المساجين بالمرور عليهم للعلاج، أو نقلهم إلى هذه المستشفيات المتنقلة للرعاية والعلاج، وكان أول من اتخذ هذا القرار هو الوزير علي بن عيسى بن الجراح أثناء تقلده الدواوين للخليفة المقتدر بالله العباسي؛ فقد كتب ابن عيسى إلى سنان بن ثابت الذي يتقلد بيمارستانات بغداد بأن المرض والوباء انتشر في الحبوس (المساجين)، ولا بد من علاجهم ورعايتهم[3].

 

ومن ناحية التنظيم الإداري، قسم المستشفى الإسلامي إلى قسمين منفصلين؛ قسم للذكور وآخر للإناث، وجُهِّز كل قسم بما يحتاجه من أبنية وأجهزة ومعدات، وخدم وفرَّاشين[4].

 

كما عرف المستشفى الإسلامي التقسيمَ حسب تخصصات الطب أو نوعية المرض، فهناك قاعة للأمراض الباطنة، وقاعة للجراحة، وقاعة للتجبير والكسور، وأخرى للكحالة وأمراض العيون.

 

بل إن الأمراض الباطنة عرفت التقسيم حسب تصنيف المرضى؛ فهناك قسم للمحمومين أو المصابين بالحمى، وقسم لمن به إسهال، وقسم للممرورين أو مرضى (مانيا) أو الجنون[5].

 

واتسمت قاعات المرضى بحسن البناء والتهوية، وكان الماء فيها جاريًا، وكان لكل بيمارستان صيدلية تسمى (شرابخانه)، ولها رئيس يسمى شيخ صيدلي البيمارستان، وللبيمارستان رئيس يسمى ساعور البيمارستان.

 

التنظيم الإداري للمستشفيات الإسلامية:

كان للبيمارستان ناظر يشرف على إدارته، وكانت هذه الوظيفة من الوظائف المحترمة عالية المكانة في الوظائف الديوانية؛ حيث يقول أحمد القلقشندي: "من الوظائف الديوانية نظر البيمارستان، وكان مرتبطًا بالنائب - أي نائب السلطان - يفوض إليه من يختاره"[6].

 

وكان التنظيم الإداري للبيمارستان الإسلامي كما يلي:

رئيس الأطباء: وهو الذي يحكم على طائفة الأطباء، ويأذن لهم في الطب وينظم العمل بينهم.

رئيس الكحالين: وحكمه على طبقة الكحالة حكم رئيس الأطباء في طبقة الأطباء.

رئيس الجراحية: وهو المسؤول عن الجراحين والْمُجَبِّرين[7].

 

ويُذكَر أن وظائف الأطباء كانت من أعظم الوظائف في الدولة الفاطمية بمصر، فكانت رياسة الطب من الدرجة الأولى لإمرة المجلس.

 

ومن الوظائف عظيمة القدر والمكان، الطبيب الخاص، وهو طبيب الخليفة أو السلطان، وكان مقيمًا بالقصر، ويساعده بعض الأطباء.

 

وعرفت المستشفيات الإسلامية توظيف وتعيين الأطباء بنظام التواقيع من ناظر البيمارستان، بتعيينهم وتوزيعهم على البيمارستانات المختلفة.

 

كما قدرت الدولة الإسلامية للأطباء أرزاقهم أو رواتبهم، واختلفت حسب درجة الطبيب، من أطباء الخاصة (الخليفة أو السلطان)، وأطباء القصر، وأطباء البيمارستان.

 

نظام العلاج والتعليم الطبي.

 

عرفت المستشفيات الإسلامية الأولى النظام المتبع الآن عالميًّا في المستشفيات، فقد كان هناك المريض الخارجي الذي يعالجَ فيما يعرف الآن بالعيادات الخارجية، والمريض الداخلي المنوم بالمستشفى، وكان لكل قسم طبيب أو اثنان أو ثلاثة حسب احتياج القسم وعدد المرضى، وهو ما يعرف الآن في الطب الحديث (الطبيب المقيم).

 

وعرفت البيمارستانات كذلك الدروس الإكلينيكية، والمرور على المرضى المنومين، المطبَّقة الآن في المستشفيات الجامعية وكليات الطب؛ فقد ذكر أبو العباس بن أبي أصيبعة في كتابه: "كنت بعدما يفرغ الحكيم مهذب الدين، والحكيم عمران من معالجة المرضى المقيمين بالبيمارستان، وأنا منهم، أجلس مع الشيخ رضي الدين الرحبي، فأعاين كيفية استدلاله على الأمراض، وما يصنعه للمرضى، وما يكتب لهم، وأبحث معه في كثير من الأمراض ومداواتها، وقد كان معه الحكيم عمران، وهو من أعيان وكبار الأطباء فتتضاعف الفائدة"[8].

 

ولقد كان للطبيب الحرية التامة في العمل والتجريب، واستنباط الأساليب المناسبة للعلاج، وكانت التجارب تدوَّن في كتب خاصة يقرؤها جمهور الأطباء؛ ومن هذه الكتب: كتاب الطبيب أبي البيان المدور المتوفى بالقاهرة 580 هجريًّا، وكذلك كتاب الطبيب الشهير محمد بن زكريا الرازي (قصص وحكايات المرضى)، ومنه نسخة محفوظة في خزانة كتب بودليان في أكسفورد، وقد طبع الدكتور العالم المستشرق مكس مايرهوف جزءًا منه.

 

هذا استعراض سريع لتاريخ المستشفيات الإسلامية، التي عرفت التنظيم الإداري بعلومه الحديثة، وطبقت أساسيات الإدارة من تخطيط وتنظيم، ومتابعة وأداء، وعرفت التعليم الطبي والدروس الإكلينيكية في سبق لأنظمة الطب الحديث.



[1] صحيح البخاري.

[2] تاريخ الإسلام للذهبي، ص: 138.

[3] ابن القفطي، ص: 193.

[4] طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ج 1، ص 310.

[5] المصدر السابق ج2 ص 260.

[6] صبح الأعشى للقلقشندي، ج4، ص 184.

[7] المصدر السابق ج 5، ص 467.

[8] طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ج1، ص 179.

0📊0👍0👏0👌
ramiraji

  • المشاركات:
    394780
مشرف دردشة وفرفشة
مشرف التنمية البشرية
ramiraji

مشرف دردشة وفرفشة
مشرف التنمية البشرية
المشاركات: 394780
معدل المشاركات يوميا: 55.4
الأيام منذ الإنضمام: 7132
  • 02:25 - 2025/04/12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع رائع و هام يحتوي على معلومات قيمة و جميلة
بوركت يمينك التي نشرك و بيان فكرك الذي انتقى
بانتظار جديدك دوما
لك كل تحية و تقدير
0📊0👍0👏0👌
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
  • 20:28 - 2025/04/12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلــم الأيــــادي على الإنتقـــاء المميز والقيـــم
وبارك الله فيك على الطرح الرائـع وجزاك الله خيرا
لمـــا تقدمــــه من مجهــــودات طيبـــة .
واصل تميــــزك وتألقـــك ، في إنتظــــار جديـــدك
تحيـــــــاتي.
0📊0👍0👏0👌
أستاذ أبو فارس

  • المشاركات: 5605
    نقاط التميز: 4349
عَضو فَعَال بِالمُنتَدَى
مسؤول مجلة حدث في مثل هذا اليوم
رئيس فريق العمل
مسؤول التكريم اليومي
كاتب مميز
أفضل عضو للشهر المنصرم بمنتدى اللغات واللهجات
أفضل عضو بالشهر الماضي بمنتدى التاريخ الإسلامي
أستاذ أبو فارس

عَضو فَعَال بِالمُنتَدَى
مسؤول مجلة حدث في مثل هذا اليوم
رئيس فريق العمل
مسؤول التكريم اليومي
كاتب مميز
أفضل عضو للشهر المنصرم بمنتدى اللغات واللهجات
أفضل عضو بالشهر الماضي بمنتدى التاريخ الإسلامي
المشاركات: 5605
نقاط التميز: 4349
معدل المشاركات يوميا: 103.8
الأيام منذ الإنضمام: 54
  • 23:43 - 2025/04/12

أفدتنا بموضوعك،
وشرفتنا بمشاركتك،
وأسعدتنا بحضورك،
وشوقتنا لمتابعة جديدك،
وفي انتظار بهاء إطلالتك،
لك مني أطيب المنى.
أبو فارس
🌷

0📊0👍0👏0👌
محمد التورجي

  • المشاركات:
    24027
مشرف كووورة مغربية
مشرف التاريخ العالمي والإسلامي
مشرف الشهر بقسم منتديات كووورة العربية والأفريقية
محمد التورجي

مشرف كووورة مغربية
مشرف التاريخ العالمي والإسلامي
مشرف الشهر بقسم منتديات كووورة العربية والأفريقية
المشاركات: 24027
معدل المشاركات يوميا: 9.8
الأيام منذ الإنضمام: 2457
  • 13:05 - 2025/04/13
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بارك الله فيك أخي الغالي على هذا الطرح المميز والموضوع التاريخي القيم والمفيد
واصل تألقك الدائم
أخوك محمد
0📊0👍0👏0👌

الرد على المواضيع متوفر للأعضاء فقط.

الرجاء الدخول بعضويتك أو التسجيل بعضوية جديدة.

  • إسم العضوية: 
  • الكلمة السرية: 

 المستشفيات.. النشأة والإدارة في العصر الإسلاميبداية
الصفحة