لقد سعَتِ الدول فرادى وجماعات إلى منح المعوقين حماية قانونية، سواء على المستوى الدولي أو على المستوى الوطني؛ فقد عقدت بعض المؤتمرات الدولية التي ناقشت قضايا الإعاقة والمعوقين، وتوصلت إلى توصيات خاصة بحقوقهم، وحددت مسؤولية الدولة والمجتمع الدولي حيالهم.
مثال ذلك:
المؤتمر الدولي الأول للإعاقة والتأهيل، الذي عقد خلال الفترة من 7 إلى 10 نوفمبر 1992م، والمؤتمر الدولي الثاني للإعاقة والتأهيل، الذي عقد في الرياض واختتم أعماله يوم 26/ 10/ 2000م، والمؤتمر العالمي لمجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل، الذي عقد أربع دورات، كان آخرها المؤتمر الرابع من 10 إلى 12 فبراير 2001م بالخرطوم، جمهورية السودان، كما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1984م [1]، وقد بدأ بديباجة ذكرت أنه "لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم"... وأنه "من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان؛ لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم..."، كما تناول في العديد من مواده مبدأ المساواة بين الناس، وهو لا شك من أهم الحقوق الأساسية للإنسان بصفة عامة، وفيما يخص حقوق المعوقين بصفة خاصة، فنصت المادة الأولى منه على أنه: "يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميرًا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء"، ثم أضافت المادة الثانية منه أن: "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أيِّ تمييز...".
كما نصت المادة السابعة منه على أن: "كل الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أيَّة تفرقة، كما أن لهم جميعًا الحق في حماية متساوية ضد أيِّ تمييز يخل بهذا الإعلان، وضد أي تحريض على تمييز كهذا"، ثم قررت المادة (21/2): "أن لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلُّد الوظائف العامة في البلاد"، وأضافت المادة (22/1) أن: "لكل شخص - بصفته عضوًا في المجتمع - الحق في الضمانة الاجتماعية، وفي أن تحقق بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها، والحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته"، ثم تكلَّمت المادة (23) عن حق الفرد في العمل، فنصت على أن:
1- لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، كما أن له حق الحماية من البطالة.
2- لكل فرد - دون تمييز - الحق في أجر متساوٍ للعمل.
3- لكل فرد يقوم بعملٍ الحقُّ في أجر عادل مُرضٍ، يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، تضاف إليه عند اللزوم وسائل أخرى للحماية الاجتماعية.
وقررت المادة (25/1) أن لكل إنسان الحق في مستوى معيشة لائق، فنصت على أن "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية، والملبس، والمسكن، والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة، والمرض، والعجز، والترمل، والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش؛ نتيجة لظروف خارجة عن إرادته".
أما المادة (26/1) فتكلمت عن الحق في التعليم؛ إذ نصت على أن: "لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية بالمجان، وأن يكون التعليم الأوَّلي إلزاميًّا، وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع، وعلى أساس الكفاءة"، وقررت المادة (27/ 2) أن: "لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني".
ويتضح من هذه النصوص أنها تضع قواعد عامة لحماية حقوق الإنسان، وللمساواة بين أفراد المجتمع، دون الإشارة الصريحة إلى حقوق المعاقين بالذات، ومِن ثَم فإن قيمتها تبدو في أنها تشكل أساسًا قانونيًّا لحماية حقوقهم بوصفهم جزءًا لا يتجزأ من أفراد المجتمع، ولعل نص المادة (25/1) سابق الإشارة إليه، يُعَدُّ من أهم نصوص هذا الإعلان العالمي في مجال حماية حقوق المعوقين؛ نظرًا لأنه قد ألمح إلى حقوق المعوقين عندما قرر حق الإنسان في الرعاية الصحية، والرفاهية، والتغذية، والملبس، والمسكن، والخدمات الاجتماعية، التي تؤمِّن له معيشته في حالات البطالة، والمرض، والعجز، والترمل، والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش؛ نتيجة لظروف خارجة عن إرادته، إلا أنه رغم ذلك يظل نصًّا عامًّا يشير - على استحياء - إلى حقوق المعوقين، ولم يُشِر إلى لفظة المعوقين أو غيرها من الألفاظ المرادفة لها.
ثم ساد المجتمعَ الدولي صمتٌ استمر أكثر من ربع قرن لم تصدر فيه وثيقة أو إعلان يتحدث عن حقوق الإنسان، أو يضع الآليات لتنفيذ الإعلان العالمي، أو يضع قواعد تفصيلية تتناول جوانبها المختلفة، مثل حماية حقوق المعوقين.
وفي عام 1975م صدر إعلان آخر عن الأمم المتحدة مقررًا صراحة: "وجوب احترام الكرامة الإنسانية للمعوقين، وحماية حقوقهم الأساسية، أُسوة بأقرانهم في المجتمع، بغضِّ النظر عن مصدر أو طبيعة أو شدة إعاقتهم".
ثم بدأت المسافات الزمنية بين المجهودات والإعلانات الدولية تتقلص؛ نتيجة لزيادة الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، ومنها حقوق المعوقين، فقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1981م عامًا دوليًّا للمعوقين، تتم فيه دراسة قضاياهم، وحث الدول والشعوب على التوصل إلى حلول عملية لها، ثم أعلنت عقد الثمانينيات من القرن العشرين عقدًا دوليًّا للمعاقين.
وفي عام 1983م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة برنامجًا خاصًّا أُطلق عليه تسمية "برنامج العمل العالمي للمعوقين"، الذي أكد على حق المعوقين في المساواة، والمشاركة المتكافئة في أنشطة الحياة المختلفة، أسوة ببقية أفراد المجتمع، وتم التوقيع على الاتفاقية الدولية الخاصة بالتأهيل المهني والعمالة للمعاقين في عام 1983م، وفي إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت عدة توصيات للدول، منها توصية بضرورة أن تضع كل دولة سياسة التأهيل المهني لتلائم كل المعاقين، وتعزز استخدامهم في سوق العمل الحر، مع احترام المساواة في المعاملة بين المعاقين من الجنسين.
كما عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمرًا خاصًّا بحقوق الطفل عام 1989م، أقرت فيه "بحق المعوقين جسميًّا أو عقليًّا في حياة كريمة تعزز من قدرتهم على الاعتماد على النفس، وتيسير مشاركتهم في حياة المجتمع"، كما أوصى هذا المؤتمر بضرورة توفير المساعدة للأطفال على نحو يسمح لهم "بالحصول على التعليم والتدريب وغير ذلك من الخدمات؛ لتحقيق أقصى درجة ممكنة من النمو والاندماج الاجتماعي"، وتم إقرار الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في 20/ 11/ 1989م، التي تضمنت في موادها الأربع والخمسين العديد من الحقوق المدنية، والاقتصادية، والسياسية للطفل [2]، والتي خصصت المادة (23) منها للأطفال المعوقين، فمنحتهم حماية خاصة وضمان التعليم والتدريب بما يساعدهم على التمتع بحياة كريمة بأقصى درجة من الاعتماد على النفس والانخراط في المجتمع، ثم صدر الإعلان العالمي حول "التربية للجميع"، الذي تضمن العديد من النصوص التي تقرر حق المعوقين في التعليم، والضوابط اللازمة في هذا الصدد؛ حيث تنص المادة (3/ 5) منه على "ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حصول مختلف فئات المعوقين على فرص تعليم ملائمة كجزء من خدمات النظام التربوي العام"، وأوصت المادة (8/ 1) منه الدولَ "بضرورة توسيع خدمات الطفولة المبكرة والأنشطة الإنمائية، خاصة للأطفال الفقراء والمعوقين، بما في ذلك تدخل العائلة والمجتمع"، ثم جاء ميثاق الطفل العربي فأقر حقوقًا كثيرة للطفل في إطار الالتزام بتأمين الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الطفل، وحقه في الأمن الاجتماعي، والنشأة في صحة وعافية قائمة على العناية الصحية الوقائية والعلاجية، وأكد على ضرورة كفالة حقه في التعليم المجاني، وضرورة صون هذه الحقوق بالحماية التشريعية في كل دولة عربية، وضرورة تأسيس نظام للرعاية والتربية الخاصة للأطفال المعوقين تضمن لهم الاندماج في المجتمع، والحياة الطبيعية والإنتاجية[3].
ورغم هذه الإعلانات الدولية والتوصيات، لم تتحقق حماية قانونية فعالة لحقوق المعوقين على المستوى الدولي؛ نظرًا لكون هذه التوصيات غير ملزمة قانونًا للدول، بل هي مجرد توجيه إليها بأن تحسن معاملة المعوقين، فضلاً عن أنه لا توجد هيئة أو سلطة دولية عليا تستطيع أن تتابع عملية تنفيذها، وتفرض عقوبات على الدول التي تنتقص من حقوق المعوقين [4]؛ لذا فإن التشريعات الوطنية الداخلية يمكن أن تكون أكثر فاعلية في حماية هذه الحقوق.
[1] انظر حول هذا الإعلان: د. عزت سعد البرعي: "حماية حقوق الإنسان في ظل التنظيم الدولي الإقليمي"، القاهرة: دار النهضة العربية، 1985م؛ عز الدين فودة: "الضمانات الدولية لحقوق الإنسان"، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 20 لسنة 1964م، ص79 - 125؛ وحيد رأفت: "القانون الدولي وحقوق الإنسان"، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 33 لسنة 1977م، ص13 - 66.