استفاد صنّاع مسلسل «البطل» (ورشة كتّاب، وإخراج الليث حجو) من سقوط النظام بشكل واضح، خاصة في مشهد النهاية الذي يُحرر فيه السجناء، بمن فيهم من ارتكبوا جنايات مشينة وجرائم مثبتة عليهم. كذلك، يبدو أن النص خضع فعلاً لتعديل جذري أخذ فيه في الحسبان كل الملاحظات الدرامية التي سجّلتها لجنة رقابة النصوص في وزارة الإعلام السابقة، خاصة في ما يتعلق بـ «تحرّر» الحكاية من اللهجة التي كانت ستعطيها حتمًا بعدًا طائفياً.
غياب التشويق في الحكاية بدأت الحكاية بطريقة خلقت مسافة مع الجمهور بسبب غياب أي عنصر تشويقي أو حدث جذاب يمكنه ترجيح الكفة لمصلحة القصة، وهو ما يحتاجه أي عمل في الحلقات المفتاحية ضمن المنافسة الرمضانية. لكن سرعان ما تمكّن المسلسل من استعادة المبادرة، وتصاعدت القصة منذ الحلقة الرابعة بالاعتماد على تكريس الحالة العاطفية، ومدّ الجسور الإنسانية بين شخصيات المسلسل من جهة، ومع المتلقي من جهة ثانية. مع التعويل الواضح على موضوعة كان يُراد منها التوثيق لمرحلة عايشها السوريون وعانوا منها عند ارتفاع وتيرة الحرب. وكأن الزمن المفترض للمسلسل هو قرابة عام 2016، فيما المسرح الجغرافي للحكاية هو ريف الساحل السوري.
جمالية بصرية عوّضت غياب التشويق يبدو أن الليث حجو عرف إمكانات حكايته المتواضعة، فقرر أن يعوّض بصريًا عن زخم الحدث وتصاعده المشدود وغياب الفرضيات الجديدة، بالإضافة إلى اعتماد النص على حكايات إنسانية بسيطة من وحي الحرب السورية. هكذا، بدا متأثرًا على المستوى البصري بما قدّمته السينما السورية الحديثة عن البيئة الساحلية، وتمكّن من صوغ صورة لافتة ولقطات جذابة، طوّع فيها سحر المكان لمصلحة الدراما، فيما حرص على ضبط ممثليه إلى الحد الأقصى لدرجة يبدو فيها الجميع في أحسن أحوالهم.
ثنائيات ملفتة ميّزت الحكاية ربما كانت الميزة في حكاية «البطل» هي التركيز على علاقة الأب بابنته بطريقة استثنائية، لدرجة أنه يؤخر زواجها بسبب تعلقه الزائد بها، ثم تدفع الثمن بحملها من خطيبها الذي سيموت في الحرب. الحالة المترفة بالواقعية بين «الأستاذ» (بسام كوسا) وابنته (نور علي) هي طرح جديد يوغل في خصوصية مثل هذه العلاقات الإشكالية. وعلى خط موازٍ، طرح العمل ثنائية مختلفة ضمن عائلة متعصبة فكرياً إلى حد ما، وكانت هذه المرة بين الأب (جرجس جبارة) وابنته (رسل حسين)، لتستمر الثنائيات الناجحة كسمة للعمل من ناحية الشغل التمثيلي. وقد لفت وسام رضا ونانسي خوري المتابعين، وصاغا معًا إحدى قصص الحب التي لا بد أن عاشها كل مراهق في سنوات شبابه الأولى!
الأداء التمثيلي نقطة مضيئة الأداء اللافت لبسّام كوسا لم يكن مفاجئًا. فهو صاحب تاريخ عامر بالإنجاز، وها هو يثبت مجدداً أنه قادر على إقناع مشاهده إلى الحد الأقصى، حتى ولو لازم كرسيًا نقالًا طوال الأحداث، فيما أبدع بالتعليق الصوتي عبر رسائله التي يظهر أخيرًا أنه يبعثها لحفيده «يوسف» الذي حمل اسمه. كما تمكّن محمود نصر من دخول الحكاية بسوية أدائية متصاعدة تنسجم مع الحدث، وبطريقة مقنعة جدًا، خاصة لناحية التحوّل الجذري الذي طرأ على شخصيته، وانقلابه الحاد من رجل ضعيف وفقير ومهيض الجناح، إلى أحد تجّار الحرب وواجهة لحيتان المنطقة ورمز للفساد! أما نور علي، فتحضر هذه المرة بطريقة مغايرة تمامًا عن كل ما سبق لها تقديمه. وهي إذ تلعب أمام كاميرا الليث حجو للمرة الأولى كما سبق وتمنّت في لقاء أجرته معنا، فإنها تصنع شخصية مؤثرة وتتمكن من قطف نجاح يضاف إلى تاريخها.
نهاية مقحمة وغير مقنعة البداية المربكة والبطيئة للعمل وغياب أي من ملامح التشويق تقاطعت مع نهاية غير مقنعة ومفتعلة، لا سيما أنها تغيّرت جذرياً أثناء التصوير. إذ سيغيب «الأستاذ» بطل الحكاية بطريقة مصطنعة، ثم يعود فجأة في لحظة حساسة، ليحمل جريمة القتل عن ابنه الذي رأيناه يملك مسدسًا من دون سابق إنذار ويطلق الرصاص على «فرج» (محمود نصر) ليرديه قتيلًا. ثم سيخرج حرًّا طليقًا بعد سقوط النظام ليجد عائلته بانتظاره بمنطق يخلو من المبررات الدرامية الوافية.
أفضل أعمال الموسم في كل الأحوال، «البطل» هو أفضل ما قدمته الدراما السورية في رمضان 2025، وهي التي تمر بأسوأ مراحلها. أما الفضل في ذلك، فهو الاجتهاد الإخراجي، والصوغ البصري الجذاب، والبراعة التجسيدية اللافتة عند كل الممثلين، إضافة إلى الماكياج الذي صممته بعناية ردينة تابت سويدان، إلى جانب تضافر مجموعة من العناصر الفنية التي جعلت للمسلسل مكانة مختلفة. وهو بالفعل وصل إلى ما يصبو إليه، ليكون بمنزلة توثيق درامي لمرحلة حساسة في تاريخ البلاد المنهكة من الحرب!
