عند الإعلان عن مسلسل «قطع وريد»، بدا أنه يحمل مقومات عمل بوليسي مشوق، خاصة مع إعادة كتابة السيناريو من قبل محمود إدريس، الذي حاول تقديم حبكة متشابكة تجعل المشاهد في حالة ترقب دائم. لكن سرعان ما اتضح أن العمل يعاني من مشكلات بنيوية عميقة، جعلته يبدو وكأنه مسلسل هارب من تسعينيات القرن الماضي، سواء من ناحية الإخراج أو الموسيقى التصويرية أو حتى بناء الشخصيات.
كان من المفترض أن يتولى المخرج فادي وفائي تنفيذ العمل، ولكنه انسحب بعد خلافات مع الشركة المنتجة، ليتولى الإخراج تامر إسحق، في محاولة لإنقاذ سيناريو يعيد إحياء أسلوب قديم في السرد البصري والموسيقي، قريب من طريقة يوسف رزق في أعمال مثل «قتل الربيع» و«الخط الأحمر».
في الحلقات الأولى، ينجح المسلسل في تقديم قصة بوليسية جذابة، تعتمد على جريمة قتل تقع في البداية، لتتشابك الخيوط بطريقة معقدة، إذ لا يُعرف أي من الشخصيات الفاعل الحقيقي. لكن سرعان ما تتهاوى القصة بسبب قرارات غير منطقية للشخصيات وثغرات في السرد.
فـ «طلال الخاطر» (أنس طيارة) يجد نفسه متهماً بجريمة لم يرتكبها، بسبب وشاية من عمه «رياض» (سلوم حداد)، الذي يقنعه بأن والده هو القاتل، فيقرر «طلال» التضحية بحياته دون حتى أن يواجه والده بالحقيقة. الأكثر غرابة أن الحكم بالإعدام يُنفذ خلال خمسة أشهر فقط، وهي مدة غير واقعية في النظام القضائي السوري، ولكن هذه الثغرة تمر مرور الكرام وسط إشكالات درامية أكثر تعقيداً.
أما عائلة «الخاطر» التي يُفترض أنها تشكل مافيا نافذة في المال والسلاح، فتبدو عاجزة تماماً أمام القانون، ولا تملك نفوذاً حقيقياً، بل ترتعد من مجرد مساعد أول في الشرطة يهدد رياض بالقتل، وهو تناقض جوهري في بناء العالم الدرامي للعمل.
أحد أبرز عيوب العمل هو الاستسهال في استدرار دموع المشاهد، فإعدام «طلال» يُستثمر درامياً بشكل مبالغ فيه، إذ تستمر الجنازة لحلقتين كاملتين، لدرجة يبدو معها أن الكاميرا ستدخل القبر بحثاً عن لحظة درامية إضافية. يتكرر الأمر مع إدخال أغنية الشارة بشكل مكثف، ما يفقدها تأثيرها العاطفي ويجعلها أداة ابتزاز شعوري للجمهور.
إخراج مرهق بصرياً وغياب الاتساق الزمني أما الإخراج، فيعاني من مشكلات جوهرية، أبرزها استخدام مواقع تصوير وديكورات توحي بأننا في التسعينيات، رغم أن الأحداث تدور في الزمن الحالي، بالإضافة إلى لقطات مكررة داخل فيلا، مسبح، وسيارات فارهة، ما يخلق صورة بصرية مملة تفتقد للواقعية.كما إن هناك فجوات زمنية غير مبررة، مثل ظهور طارق مرعشلي برفقة «طلال» في السجن ليلة الإعدام، ثم خروجه فجأة في اليوم التالي لحضور الجنازة، دون أي تفسير درامي منطقي.
تقليد مستهلك وغياب الأصالة الحبكة لم تخلُ من استعارات واضحة من أعمال أخرى، مثل فكرة الأبوة المنسوبة للعم، التي تشبه أحداث مسلسل «صرخة روح»، حيث تكتشف «رندة» (شكران مرتجى) أن ابنها في الحقيقة هو ابن زوجها «رياض»، نتيجة علاقة سرية جمعتها به قبل زواجها من «عاصم» (باسم ياخور). لكن هذه القصة تفشل في إحداث الصدمة المطلوبة، نظراً إلى عدم تناسق أعمار الممثلين، إذ إن الفرق العمري بين سلوم حداد وشكران مرتجى واضح جداً، ما يجعل مشاهد «الفلاش باك»غير مقنعة.
وسط كل هذا الخواء يعطي العمل فرصة لظهور متوازن لمجموعة من الوجوه الشابة، على رأسهم راما زين الدين ومرح حسن، بأداء وشغل تجسيدي مقنعَين ينمّان عن موهبة متقدة يمكن أن تفضي إلى مآلات إبداعية مستقبلية.