سارة الأمين
يُقدم مسلسل ظلم المصطبة نموذجًا واقعيًا لآليات السلطة في المجتمعات الريفية، من خلال شخصية "حمادة كشري"، التي لا تعتمد على القوة وحدها، بل على مزيج من المال، الدين، التحالفات، والصمت المفروض.
المال ليس كل شيء.. لكنه البداية
يسيطر "حمادة" على أراضي العائلة وأموالها، لكنه يدرك أن المال وحده غير كافٍ لضمان بقائه في القمة، لذا يصنع شبكة من الولاءات والمصالح، تتلخص في مقولته:
"اللي ياكل من عندي، يسمع كلامي".
فمن يُطعِم، يُسيطر، ومن يُحسن، يفرض شروطه.
الدين كسلاح ناعم للهيمنة
يفهم "حمادة" أهمية الشرعية الدينية، لذا يُمسك بيد شقيقه الشيخ علاء، ليس كأخ فقط، بل كأداة تبرير لكل قراراته.
بوجود رجل دين إلى جانبه، يستطيع تحويل ظلمه إلى ابتلاء، ومعارضيه إلى مثيري فتنة، وأوامره إلى واجب ديني، مما يجعل صوته القانوني والديني والاجتماعي مسموعًا بلا منازع.
تحالفات المصالح والصمت المفروض
لا يحكم "حمادة" بالقوة وحدها، بل بالصمت الجماعي المفروض على الجميع.
يُرضي أحدهم بقطعة أرض
يخيف الآخر بكلمة تهديد
يكسب ولاء شيخ أو مسؤول بـ"واجب اجتماعي"
هكذا تُبنى السلطة في القرى، عبر شبكة المصالح المتشابكة، المموّهة بعبارات مثل "الناس لبعض"، والتي تجعل الجميع متورطين في حماية نفوذه.
العائلة كإمبراطورية.. وحمادة هو الحاكم
في بيت "آل كشري"، لا نقاش ولا معارضة. "حمادة" ليس فقط الأخ الأكبر، بل هو المدير، المالك، والمُتحكم في مصائر الجميع.
"وليد" لا يُعامله كشقيق، بل كموظف متمرد يجب تأديبه.
"هند" ليست امرأة لها حقوق، بل عنصر مزعج يجب إخضاعه وترويضه.
هكذا تتحوّل العائلة إلى مؤسسة سلطوية مصغّرة، حيث تُبنى السيطرة على تقليص وجود الآخرين وتحجيم دورهم.
الدهاء قبل العنف.. السيطرة قبل البطش
رغم قسوته، لا يعتمد "حمادة" على التهديد المباشر دائمًا، بل يمتلك ذكاءً استراتيجيًا في اختيار متى يبتسم، ومتى يُرعب، ومتى يتحرك بصمت.
حتى تهديداته تأتي بأسلوب هادئ يحمل في طياته كل أدوات القهر، كما في جملته الشهيرة:
"أنا مش بحب أزعّل حد… بس في ناس بتنسى مين الكبير".
كلمات تبدو بسيطة، لكنها تحمل خلفها منظومة كاملة من العقاب، وتُظهر أسلوبه في فرض السيطرة دون صراخ أو انفعال.
حمادة كشري.. السلطة الفاسدة أم السلطة الواقعية؟
قد يعتقد البعض أن شخصية "حمادة" مبالغ فيها، لكن الواقع يُثبت العكس.
ففي العديد من المجتمعات الريفية، هناك شخصيات تشبهه:
رجال يملكون المال
يستغلون الدين
يبنون شبكات من المصالح والتواطؤ الاجتماعي
وهذا ما يجعل "حمادة كشري" ليس مجرد شخصية درامية، بل مرآة لواقع السلطة في المجتمعات الصغيرة، حيث تُبنى الهيمنة على مزيج من القوة، الذكاء، التواطؤ، وتبرير الظلم بالأعراف الدينية والاجتماعية.
الصمت يبني السلطة.. والكلام يهدمها
لا يُقدّم المسلسل "حمادة كشري" كشرير مطلق، بل كمثال على كيف تُبنى السلطة حين يسكت الجميع… وكيف يمكن أن تهتز حين يقرر أحدهم كسر الصمت والتحدث.
$$