في أواخر الستينات، وفي خضم الثورة التي كانت تشهدها ساحة فن الأنمي والمانجا، وُلدت أسطورة عظيمة تحمل في طياتها عمقا دراميا ورياضيا فريدا من نوعه
هذا العمل الذي سيظل يُخلد في ذاكرة عشاق الأنمي، والذي أصبح أيقونة لا يمكن نسيانها
هذا هو Ashita no Joe، الأنمي الذي تتداخل فيه الروح الرياضية للملاكمة مع دراما الحياة المليئة بالتحديات
تفاصيل العمل 🎬
الاسم: Ashita no Joe (غد جو)
تاريخ عرض الموسم الأول: 1970
تاريخ عرض الموسم الثاني: 1980
التصنيف: رياضة، دراما
المانجاكا: Ikki Kajiwara
العمل مزيج بين رياضة الملاكمة وقصة درامية فريدة من نوعها، بأسلوب شخصياتها وفلسفة المانجاكا في رسم شخصية البطل، الذي يُعد من أعمق الشخصيات ويملك بُعدا آخر في تفكيره وحديثه مع نفسه
هذا البطل الذي سيرهقك إذا ما حاولت قراءة شخصيته والتنبؤ بأفعاله وتصرفاته، عوضا عن محاولتك للتعمق في هواجسه وطريقة تفكيره
إن العمق القصصي والحواري لهذا العمل هو من أروع الأمور التي ساهمت في إبراز روعة هذه الجوهرة، فهي أسطورة تُدرس لباقي الكتاب في هذا المجال وغيره
فتارة تجد قصة تستوقفك كثيرا وتفتح أبواب تفكيرك وسرحانك مع روعتها وأسلوب طرحها!
وتارة أخرى تستوقفك حوارات ومحادثات تجعلك تعيد وتكرر المشهد، وليس ذلك فقط، بل سترسخ في ذاكرتك وتعيدها بين الفينة والأخرى
يابوكي جو 🥊
الشاب جو نشأ يتيما وقد هرب من دار الأيتام لتعصف به رياح الوحدة والترحال بقلبه الفارغ ومشاعره الباردة! 🌫️🥶
كان هادئ البال حزين الوجه فارغ القلب، يرتحل هنا وهناك بلا هدف أو حلم 😔، لكنه كان قوي الإرادة 💪 ومنذ ولادته وشعلة قلبه لم تنطفئ 🔥
قُدر لجو أن يكون عظيم الشأن بعد مصادفته لذلك العجوز الذي رأى في جو وحشا كاسرا بنظرات حادة 👀💥
شاب عاش حياة بائسة بعد هربه من دارِ الأيتام لا صاحب له سوى الليل 🌙 ولا أنيس له إلا الترحال
قضى عمره البائس تجوالا لعله يجد طريقا لحلم أو هدف يضع لحياته معنى، ولوحدته مأوى! 🛤️💭
لعلك عزيزي القارئ حينما تشاهد جو يُخيل لك لوهلة أنه شخص عادي بذيء اللسان قوي القبضة مشاعره باردة وبلا قلب! لكن ذلك ما صقلته عليه حياته البائسة حتى غلفته بقشرة قاسية
على الحلبة وُلدت أحلامه لتصعد به إلى القمة على ظهر إرادته الجبارة وروحه المختارة! وفيها انتهت حكاية الأسطورة... 🏆✨
لم يكن من جو الصغير إلا أن يكتشف العالم وحيدا، ويبحث عن ذلك الحلم السرابي ليمنح حياته معنى ويجعل من اسمه ذا مغزى 🌍✨
لك أن تشعر، عزيزي القارئ، بحجم المعاناة والألم لهذا الطفل اليتيم وهو يبحث عن مأوى ولقمة يسد بها جوعه 😔🍞 فكيف بسبيل لسد وحدة هذا القلب المنفطر والفؤاد المكسور؟ 💔
حتى أنه كانوا يسمونه بالكلب الضال، فهو لا يملك شيئا سوى نفسه وإرادته، يجوب العالم بلا مأوى ولا أمل! 🐕
ما كان من صاحبنا إلا أن يتشبث بحبل إرادته القوية وعزيمته المحملة بمآسي حياته! 💪🔥
سجن الإصلاحية ونقطة التحول 🏯
لعل أبرز ما ميز هذا العمل القصة الممزوجة بروح التحدي والقتال ضمن إطار رياضة الملاكمة وتلك الأحداث والقصص الدرامية
كان على جو أن يروض تلك النفس المشتعلة بدخوله لسجن الإصلاحية، وهناك التقى بذلك الرجل الذي غير من شخصيتنا الشيء الكثير! ريكيشي.. هذا الرجل الهادئ أصبح ملهم بطلنا والنجم الذي ينتظره على القمة! 🌟
بدخول جو لهذا السجن، أخذت القصة منعطفا آخر وتغيرت حياة البطل، وأصبح هدفه هذا الملهم على حلبة الأحلام في قمة عالم الملاكمة! 🥊
شق جو طريقه نحو حلبة الأحلام بكل روح متحدية ليصل لهدفه الذي ابتغاه ووجده أخيرا!
قابل جو ريكيشي على الحلبة وقدم الإثنان مستوى يليق ببطلين! 🏆
وحدثت الفاجعة بعد المباراة مباشرة! 😱
لقد مات ريكيشي!!! 💔
مات نتيجة جهده الكبير لإنقاص وزنه بغية النزول إلى وزن جو، لكن ذلك أحدث ضررا كبيرا عليه، ومات جراء الوزن الناقص والتعرض للكمة من جو على رأسه التي تسببت بوفاته
صُدم جو بذلك وتغيرت حياته، وأخذت القصة مجرى آخر لشخصية جو، فقد ذهب هنا وهناك يحرقه تأنيب الضمير! 😞
{ ..
ريكيشي.. لقد فقدت وزنا كبيرا لتلعب معي
لقد أحرقت نفسك، لكنك رحلت وتركت جرحا كبيرا في قلبي
لا يندمل..
ذهبت هنا وهناك، أفعل أي شيء في أي مكان
وعدت للملاكمة وأنا أظن أنني تغلبت على التفكير فيك..
لكن لا فائدة!
.. }
صاحبنا جو فقد صديقه الحميم ومنافسه اللدود وعاد ضائعا من جديد بتأنيب ضميره وحُرقة فؤاده، ما كان من جو إلا العودة لمعاناته القديمة مع التجول هنا وهناك مع تفكيره وحديث نفسه الذي أتعبه
وبات جو غارقا في بحر وحدته وحزنه مجددا! 🌊 لم يهنأ له حال، فبعد رحيل ريكيشي ملأه الحزن والأسى وتأنيب الضمير حتى شحب وجهه وهجر بيته
الوحدة! الفراغ! لوم الذات وفقدان الإرادة .. !! يا لهذه المشاعر الحادة والشائكة، وتأنيب الضمير متى يذهب!? 😞
حلبة الأحلام 🥊✨
على الحلبة بذل جو الغالي والنفيس وأعطى نفسه وجهده لهذه الزوايا الأربع!
في إحدى الحوارات المميزة بينه وبين نوري، يعبر جو عن مشاعر لم تُذكر في أي حوار آخر، إذ يتطرق إلى معنى "الاستمتاع بالشباب" والهوية التي شكلها هوسه بالملاكمة
🔴 تقول نوري لجو "هل سبق وشعرتَ بالوحدة يا "يابوكي"؟ الأشخاص في مثل عمرك يستمتعون بشبابهم في كل مكان، في المدينة، في الريف، في جانب البحر...
ومع ذلك، أنت تقضي شبابك في ذلك النادي ذي الإضاءة الخافتة الذي تفوح منه رائحة العرق والفازلين والروزين
تقفز على الحبل، تتمدّد، تضرب كيس الملاكمة، وعندما تخرج إلى الضوء مرة، يكون ذلك للقتال في حلبة ساطعة الإضاءة تكاد تكون كالقفص... وهناك تقاتل ككلب مقاتل وتغدو مغطى بالدماء. ذلك هو شبابك
ليس ذلك فحسب، جسدك لا يزال في طور النمو، لكن لا يمكن أن تأكل أو تشرب ما تشاء... ذلك بائس، ذلك فظيع! كيف يمكنك أن تهدر شبابك في حياة كهذه؟!"
🔵 جو، الذي يعيش في عالم من الحروب الداخلية، يجيب قائلا:
"عزيزتي "نوري"... لعلي لم أفسر الأمر جيدا من قبل. أنا لا ألاكم بدافع تأنيب الضمير أو حس الواجب، أنا ألاكم لأني أحب الملاكمة. تلك هي الحقيقة، يا "نوري"
ثم يضيف بصوت مليء بالصدق:
"لعل ذلك لا يتناسب مع تعريفك للاستمتاع بشبابي، لكنني شعرت بالنار التي تشتعل بداخلي، تمنحني شعورا بالإنجاز... هناك في تلك الحلبة الدموية، ناري لا تشبه بتاتا تلك الاحتراقات الناقصة التي تراها في كل مكان...
قد تدوم لحظة فقط، لكن ناري تعلو بسطوع وحرارة شديدين، وتكاد تعمي الأبصار... ثم، كل ما يبقى هو رماد أبيض نقي... لا يتبقى أي جمر، فقط رماد أبيض نقي... ✨🔥
المأساة والتضحية 😢
كما اعتدنا من أغلب المانجاكا، تطرقهم الدائم لقضايا الحرب وأثرها الأزلي على الشعوب والمجتمعات، لم ينس مؤلفنا هذه القضية العالمية، حيث تناول في قصته مأساة قاسية مر بها صاحبنا الملاكم الكوري كين
كين، عندما كان صغيرا، ذهب والده للحرب في الجيش الكوري، لكنه تجرع مرارة فقدان والدته وأصبح مشردا يبحث عن لقمة تبعده قليلا عن حفرةِ موته القريبة 🍂
وجد كين جنديا بحالة بائسة فسرق طعامه وهرب، لكن الجندي أمسك به، فالتقط كين صخرة قريبة منه وهشم بها رأس الجندي 💥
فيما بعد، تبين أن هذا الجندي لم يكن سوى والد كين! 😨 يا لهذه المأساة الشنيعة... كيف سيتحمل كين العيش وهو يحمل هذه الصدمة النفسية القاتلة؟
كين يغسل يديه لساعات طوال الوقت 🩸 لعلها تتطهر من دماء والده... لكن هل يغتسل الندم بالماء؟
كانت هذه مأساة صاحبنا كين وآثار الحرب عليه وعلى حياته، وكيف أوقعت به وألقت عليه أثرًا نفسيا أزليا
تلك هي إسقاطات الكتاب اليابانيين، وهذه من الأمور التي تُحسب لهم في طرح القضايا البشرية! ✍️
شاشة مسطحة، ومنحنية، في عام 1980 🖥️
منذ سنوات صرنا نجد في المولات والأسواق الكبرى شاشات التلفاز الكبيرة المسطَّحة والمنحنية، وهي على العموم ليست في متناول الجميع لأسعارها الباهظة 💰
فضلا عن تساؤلنا حول ما إذا كان لانحناء الشاشات فائدة حقيقية تستحقّ كل ذلك السعر، أم أنها مجرد حيلة تسويقية لا أكثر!
لم يشع هذا النوع من الشاشات عندنا إلا منذ سنوات قليلة نسبيا، وهو ما جعلنا نظن بأنه من المخترعات الحديثة في مجال التكنولوجيا
غير أنني تفاجأتُ حين رأيت شاشة بتلك المواصفات في الأنمي الأيقوني Ashita no Joe 2 الصادر عام 1980! 📺😲
حتى أني أوقفت اللقطة لأتأمل جيدا ما أراه، وأتأكد: هل هي بالفعل شاشةُ تلفاز مسطحةٌ منحنية؟!
ظهرت الشاشة عند "شيراكي يوكو"، الشخصية الثرية في المسلسل 💼، وعلمت ببعض البحث أن الشاشات المسطحة قد اخترعت عام 1964
لكن الاختراع شيء والتسويق شيء آخر، كما لم أجد معلومة دقيقةً حول تاريخ اختراع الشاشات المنحنية... 🤔
ما دام ذلك الأنمي واقعيا ولا يبدو أنه يعنى بالخيال العلمي، فهل يُعقل حقا أن هذه الشاشات التي تبدو لنا ثورةً تقنية إنما كانت مستعملة في اليابان منذ ثمانينيات القرن الماضي، وربما قبل ذلك؟ 😵💫📡
الملاكم الأعلى تصنيفا 🥊🏆
حين وصل إلى اليابان الملاكم الفنزويلي المحترف وسادس العالم في وزن الديك "كارلوس ريڤيرا"، دُعي إلى حضور مباراة يخوضها بطل المسلسل "يابوكي جو"
تقضي التقاليد أن يبدأ الملاكم الضيف بإلقاء التحية على الملاكم الأعلى تصنيفا، لكنه - ولسبب ما - بدأ بإلقاء التحية على "جو" رغم أنه كان لا يزال مغمورا غير مصنف
تظاهر "كارلوس" بأنه أخطأ عن غير قصد، لكن الواضح أن فعلَه كان متعمدا، لأنه كان يرى في "جو" إمكانيات عظيمة لم تتفجر بعد 💣🔥
كان هذا المشهد الرائع في الحلقة السادسة من المشاهد التي ظلَّت عالقة في ذهني، وأكثر ما أعجبني فيه برود "جو" ونظراته المحايدة، وعدم مد يده لمصافحة "كارلوس" رغم أن الأخير بدأه بالمصافحة
كأنه يقول له من وراء صمته ونظراته: 🗣️ "إن كنت هازئا فلست أبالي بك، وإن كنت صادقا فلا تهمّني مجاملتك"
قد يكون من السهل نوعا ما رسم العيون 👀، لكن رسم "النظرات" يحتاج إلى مهارات فائقة وضبط شديد للأعين والحواجب وزاوية الرؤية ووضع الرأس والجسم وشكل الشفاه
كلها تفاصيل فنية أشرفت عليها ريشة سحرية قدمت لنا هذه اللوحات العظيمة التي استحقت مكانها في تاريخ الفن 🎨✨
الإخراج والموسيقى 🎥🎶
بعد النجاح الكبير للموسم الأول، أتى الموسم الثاني بقيادة المخرج أوسامو ديزاكي، الذي قام بترقية العمل بشكل كبير
قدم ديزاكي أسلوبا جديدا يُسمى Postcard Memories، حيث يعتمد على الصور الثابتة بألوان ساحرة، مما أضاف بعدا فنيا مميزا للأنمي
هذه اللمسات الجمالية جعلت الموسم الثاني يحقق نجاحا باهرا وأصبح جزءا لا يُنسى من تاريخ الأنمي
لتشاهدوا هذه الصورة من الموسم الأول
وتمعنوا النظر هنا
هو أسلوب من ابتكاره، إليكم المزيد من الأمثلة 😊
هذا الأسلوب الساحر ✨ أحد أهم العوامل التي ميزت الجزء الثاني وجعلت منه بصمة خالدة في عالم صناعة الأنمي 🎞️
لقد عمل هذا الرجل كذلك على عدة أعمال منها... جزيرة الكنز 🏴☠️ وليدي أوسكار 🎀 وألخ
رجل يستحق الثناء على جهوده التي ظلت بصمة لا تُنسى 👏
فما فعله مع الأسطورة أشبه بجوهرة 💎 وُضعت في سلة مليئة بالأحجار الكريمة!
النهاية الأسطورية 💔
النهاية في Ashita no Joe تُعد واحدة من أروع النهايات في تاريخ الأنمي، حيث جسدت بشكل لا يُنسى معنى الكفاح حتى آخر لحظة
جو، الذي عاش حياته بين الصراعات والمعاناة، وجد نفسه في الحلبة التي كانت رمزًا لحلمه ونضاله... وعلى الحلبة ذاتها، كتب آخر فصول أسطورته
هذه الخاتمة لم تكن مجرد نهاية لشخصية، بل لحظة ألهمت أجيالا من الكُتاب والفنانين، وأصبحت موضوعا للدراسة في العديد من المحافل الأدبية والفنية
ليس غريبا أن نرى تماثيل جو تُزين شوارع طوكيو، كتخليدٍ لإرثه الكبير 🏆✨ رغم حزنها، كانت هذه النهاية مسك الختام لتحفة فنية خالدة...
نهايةً تظل محفورة في ذاكرة كل من شاهدها، وتجعل جو حاضرا في القلوب والعقول حتى يومنا هذا
خاتمة ✨⚡
Ashita no Joe ليس مجرد أنمي رياضي، بل هو عمل يتجاوز الحدود التقليدية ليقدم لنا دراما إنسانية معقدة تلامس القلوب، هو قصة عن الأمل، الألم، والفوز في ساحة الحياة
مع كل ضربة على الحلبة، نرى كيف أن الحياة نفسها مليئة بالتحديات التي لا يمكن للفرد أن يواجهها إلا بالإرادة والروح القتالية ✊
