توسّمنا خيراً بمسلسل «تحت سابع أرض» (كتابة عمر أبو سعدة، وإخراج سامر البرقاوي) على اعتبار أننا أمام ثلاثية سبق واختُبرت لعامَيْن متتالِيَن في «الزند» و«تاج»، محققةً نجاحاً نقدياً وإقبالاً جماهيرياً. تتمثل هذه الثلاثية بالكاتب عمر أبو سعدة، والمخرج سامر البرقاوي، والنجم تيم حسن الذي يشكّل ضمانة أكيدة لغالبية مشاريعه. لكن حتى الآن، يبدو واضحاً أنّ الخطوة الثالثة لهذه الورشة الفنية ليست على قدر الطموح، أو أنّها خذلتنا نسبياً بعد انتصاف العمل الذي لا يزال تصويره مستمراً حتى اليوم في دمشق!
تبدأ الحكاية بطريقة لافتة وتحبس الأنفاس، فيتعشّم الجمهور بأنه أمام دراما بوليسية مشوّقة، لا تترك فرصة لالتقاط الأنفاس، بل ستحبسها الدراما المُحكمة حتى موعد عرض الحلقة التالية، وهو ربما يكون قد حصل في الحلقات الأولى. علماً أنّه أُخذت على المسلسل منذ انطلاقته الصيغة الأدائية التي اقترحتها النجمة كاريس بشار، والاستسهال في صوغ شخصية غنية يمكن أن تكون مغرية لأي ممثلة محترفة! لكن بشار اختارت الاعتماد على المدرسة المصرية القديمة، فوقعت في شرك المبالغة الزائدة في إظهار الأنوثة وحركات الغنج بطريقة أخذت جمهور السوشال ميديا نحو المقارنة بين شغلها على شخصية «بلقيس» وأداء زميلتها النجمة سلافة معمار التي لم تكن أفضل منها عندما جسّدت العام الماضي «سكّر» بنت الدبّاغات في «ولاد بديعة» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج رشا شربتجي).
وبعيداً من هذه المقارنة، ستقع كاريس في مشكلة إضافية تتعلّق بإقحام حدثي في شخصيتها، وهو حبّها للضابط «موسى» (تيم حسن) من دون مبررات كافية ولا طريقة متصاعدة ومدروسة. هكذا، يجد المشاهد نفسه أمام قصة حب فجّة بينها وبين ضابط نزيه يصبح بطريقة مباغتة وجذرية مجرماً منظّماً يقتل يميناً ويساراً بدم بارد، فيما يشرف على تزوير مئة مليون دولار أميركي ستُنهش فعلياً من حصة الفقراء عندما ترمى في السوق. علماً أنّه يزجّ بهذه السيدة في السجن في بداية علاقتهما، وهي صاحبة التاريخ المشبوه وأمضت حياتها خارجة عن القانون، كما أنّها دائماً ما تباهت بأنّها امرأة لعوب! على هذا المنوال، ستكون مشاهد الحب والمشاعر بين «بلقيس» و«موسى» غير مقنعة، ولن تُخفق في إقناع المشاهد بهذه الثنائية الباهتة!
على مستوى النص وبعد بداية موفّقة، يقع العمل في فخّ الاستسهال وتلاشي المنطق، وفقاً لشروط البناء الدرامي السليم. المقصود تحديداً هو الانقلاب الجذري في شخصية «موسى» أولاً وبروده الشديد أثناء الإشراف أو تنفيذ جرائم قتل، خاصة تلك التي طالت أحد أصدقائه المقربين وهو أب لثلاث بنات. ثم تبنّيه لأفكار إجرامية محضة لن يكفي التلميح بأنّه استمدّها من صهره (مجد فضّة) لإقناع الجمهور بالأمر، عدا عن الاتكاء على شخصية يبدو أنّها ضليعة في الجريمة وهي منى واصف، لكن سرعان ما نكتشف أنّها «هاوية» تعتمد على أطفال يسهل سحقهم. وستكون مهلهلةً للحد الأقصى الطريقة التي سيخترق عبرها «العجّان» (تيسير إدريس) اتفاقية «موسى» و«بلقيس» عندما يهدد الأخيرة ببنتها وأبيها، فتنصاع له كلياً وتخون شريكها وحبيبها برمشة عين. وعندما يكتشف «موسى» الأمر عن طريق المصادفة، تتكرر مراراً وهو استراق النظر في اللحظة المباغتة، سرعان ما يسامحها ويستسلم معها للعجّان الذي يسطو على المطبعة مع رجاله بنيّة ابتلاع المال المزّور كله!
طبعاً الغرق في شبر ماء على مستوى الحكاية ومبرراتها وحلولها، لن تنقذه براعة سامر البرقاوي في تصدير صورة مترفة بالجمال عن دمشق، رغم ما يسيّجها من عتم وخراب. ولن تفيد أيضاً محاولات تيم حسن تطعيم شخصيته بلوازم كلامية وأسلوبية أدائية تقتبس من شخصية أحد أمراء الحرب في سوريا بقصد الكوميديا، فيما سيظلّ أداء كلّ من أنس طيارة ومجد فضّة علامتَيْن فارقتَيْن مبهجتَيْن في المسلسل بسبب التبنّي العميق والاجتهاد الصريح والبحث بجدارة ليصلا إلى شخصيّتَيْن مشغولتَيْن بحرفة الصانع عندما يتبنّى مادّته بعمق.