من أجل منهج تعليمى بناء

بقلم : محمد خطاب
الإشكالية الأولى : غياب المعنى
الانخراط فى العملية التعليمية، والخضوع لروتينها العمل اليومى ربما يجعلنا كمعلمين ننظر لتلك العملية كما لو أنها بحد ذاتها غاية، دون أن ندرك بفعل القصور الفكرى

بأنها وسيلة إلى أهداف وغايات أخرى، فلو سألنا معلمًا عن جوهر الأهداف التى يسعى إلى تحقيقها فى مادته فإننا فى بعض الحالات لا نحصل على إجابة شافية، أو ربما نقع على إجابات مختلفة حيال الغايات التى يهدف إليها، وقد لا يكون لدى بعض المعلمين رؤية أو مفهوم واضح للأهداف لكنهم يملكون حماسًا وإدراكًا غامضًا يدفعهم إلى العمل بهمة عالية من أجل إيصال المادة التعليمية للطلاب بأكثر الطرق سلاسة وإيجابية، فهم هنا يقومون بعمل تربوى ممتاز بالرغم من أنهم لا يملكون تصورًا نظريًا واضحًا حيال الأهداف التربوية.

الإشكالية الثانية: الأهداف

لابد أن تكون هناك خطط تربوية تنطوى على أهداف وغايات، تلك الأهداف تعتبر بمنزلة المعايير التى فى ضوئها يتم اختيار المواد التعليمية وتنظيم محتوياتها، ولهذا فإن أساليب التدريس والاختبارات وطرق التقويم وما يتصل بكل البرامج المدرسية إنما هى الوسائل لبلوغ تلك الأهداف، وهناك طريقتان حددهما بلوم لمعرفة وتحديد تلك الأهداف.

الطريقة الأولى :

هى طريقة التقدميين، وتقوم على دراسة حاجات التلاميذ والمشكلات التى يواجهونها لتكوين المعلومات التى تساعدهم فيما بعد على اشتقاق الأهداف من خلال النتائج التى تتوصل إليها دراسة تلك الحاجات والمشكلات المتصلة بالطلاب والتلاميذ.

الطريقة الثانية :

هى طريقة الأساسيين التى تقوم على تحديد الأهداف من خلال التراث الثقافى وتراكم المعارف التى تتضمنها العلوم التربوية بالإضافة إلى الخبرات التعليمية السابقة للأجيال، فهى المصدر الأساسى الذى تنبثق عنه الأهداف التربوية.

الإشكالية الثالثة: المحتوى

هناك قيم أساسية فى الحياة تنتقل إلى حد كبير من جيل إلى آخر عن طريق التربية، وظيفة المدرسة فى جوهرها: نقل تلك القيم الأساسية التى يمكن تحديدها عن طريق دراسة شاملة لفلسفة المجتمع وقيمه، ويمكن صياغة الأهداف التربوية، إما من خلال تحديد نشاطات وبرامج معينة، أو بصياغتها عبر كتابة قائمة محددة للموضوعات والمفاهيم، وهناك من يضعون صياغة الأهداف فى صورة أنماط سلوكية لا توضح نواحى الحياة أو المحتوى الذى ينطبق عليه السلوك على نحو خاص، بالإضافة إلى صياغات أخرى قد تختلف من بيئة مدرسية إلى أخرى.

الغرض من صياغة الأهداف هو فى الواقع: توضيح أنواع التغيرات المرغوبة التى يمكن أن تحدثها فى التلميذ.

كما أن المؤلف يحدد صياغة الأهداف بتحقيق بعدين أساسيين منها هما: بعد المحتوى الذى يتضمن القيم الفكرية والتربوية للأهداف، وبعد السلوك الذى يترجم محتوى القيم فى السلوك والمواقف المتصلة بالحياة العامة.

تنظيم خبرات المنهج

تتصل فكرة تنظيم خبرات المنهج بالوقوف على الطريقة المثلى لإدراك فعالية الأهداف التعليمية التى تم التأسيس لها من خلال وسائل الدرس المختلفة، بحيث يتم فحص خبرات الدرس خلال السنوات بين الصفوف المختلفة بطريقة رأسية عند تناول المادة الواحدة بين صفين مختلفين، وطريقة أفقية عند تناول مادتين مختلفتين بين الصف الواحد.

فعلى سبيل المثال حين نفحص العلاقة بين خبرات الصف الخامس والصف السادس فى مادة الرياضيات مثلاً فإننا نتناول فى هذه الحال التنظيم الرأسى خلال سنوات الدراسة، بينما إذا بحثنا العلاقة بين خبرات الرياضيات وخبرات العلوم فى نفس الصف فإننا نتناول التنظيم الأفقى لخبرات التعلم... فإذا بنيت خبرات العلوم فى الصف السادس على خبرات نفس المادة التى حصل عليها التلميذ فى الصف الخامس على نحو سليم، فسوف يؤدى ذلك إلى تنمية المفاهيم العلمية والمهارات، وإلى زيادة التعمق فيها، وإذا ارتبطت خبرات العلوم فى الصف الخامس بخبرات الرياضيات فى نفس الصف ارتباطًا مناسبًا وسليمًا من الناحية التربوية، فإن كلًا منهما قد يعزز الآخر، ومن ثم يوفر معنى وتكاملًا أعظم ويصبح البرنامج التعليمى أكثر فاعلية، ومن جهة أخرى إذا كانت الخبرات غير متسقة ومتضاربة فإن بعضها سوف يعمل على تقليل أو نفى أثر البعض الآخر.

وكذلك إذا لم يكن هناك ارتباط مناسب بين هذه الخبرات فإن التلميذ سوف يحصل على خبرات مجزأة لا يرتبط بعضها بالبعض الآخر، ومن ثم لا تكون لها فاعلية كبيرة حين يواجه التلميذ مواقف معينة فى الحياة اليومية.

وأخيرا:

تطوير المناهج يحتاج لجهد كبير من خبراء المادة وأساتذة الجامعات والمعلم نفسه باعتباره صانع قرار ومقدما للخدمة التعليمية والتوجيه ورجال الأعمال والفنون والثقافة وأولياء الأمور والتلاميذ حتى تكتمل المنظومة وتتضح الرؤية ويتم وضع مناهج متناسقة ومتدرجة ومتصلة منذ الصف الأول الابتدائى حتى نهاية المرحلة الثانوية مناهج لا تخضع لأهواء أو سياسات ولا تخدم أنظمة لأن الأنظمة تتبدل والمنهج يجب أن يكون متوافقا مع مستحدثات العصر والتكنولوجيا وتغيير الفكر من عقد لآخر وتجدد تيار العلم وتبدل نظرياته مما يستلزم التغيير المتواصل الشامل كل فترة ليست بالقصيرة من الزمن لاستيعاب الإيقاع المتسارع للحياة