الأخ المتألق النشيط فتحي،
أحيي فيك هذا الفكر العميق والطرح المتزن،
فمن يبحث عن الحقيقة بهذه الدقة والوعي، يسير بلا شك في دروب المعرفة بثبات.
طرحك يفتح أبواب التأمل، ويحث على التحقق بدل التسليم الأعمى، وهذا جوهر السعي نحو الحكمة.
واسمح لي أن أضيف بعض الأفكار على ما تفضلتَ به :
ما الحقيقة ؟
وأين تكمن المعرفة الصادقة ؟
سؤالان يطرقان الأذهان كلما تلاطمت أمواج المعلومات من حولنا.
نسمع، نقرأ، نرى، لكن، أيّها يستحق أن يُحفَر في القلب، وأيّها مجرد سراب في صحراء الكلمات ؟
أول ما يُثَبِّت قدمَ المعرفة هو كما تفضّلتَ التجربة،
فهي الشاهد الذي لا يكذب، والبرهان الذي لا يقبل الجدل.
أن تلمس الشيء بنفسك، أن تراه بعينك، أن تختبره بروحك
هنا فقط تصبح المعرفة يقيناً، ويخفت ضجيج الظنون.
ثم يأتي في مرتبة ثانية العقل المتأمّل،
ذاك الذي لا يرضى بالأخذ دون تمحيص.
يجمع الآراء، يزنها في ميزان المنطق،
يقارن بينها كما يفعل الصائغ مع المعادن النفيسة، ليختار الأصفى والأمتن.
فالمعرفة ليست مجرد تراكم، بل تصفية وانتقاء،
والحقّ يظل ناصعاً مهما اختلط بالباطل.
ويأتي بعد ذلك بالطبع نور العلماء،
أولئك الذين أفنوا أعمارهم في البحث والتنقيب،
شموعا تهدي السائر في دروب الفكر.
لكن حتى في ضوئهم، علينا أن نترك مساحةً للتساؤل،
فالحقيقة طريقٌ متجدد، وليس محطة نهائية.
وهكذا، بين التجربة والعقل ورأي العارفين، تـتشكل صورة أكثر وضوحاً
تزداد إشراقاً كلما تعمّقنا، وتسكن القلب كلما زاد صدقها.
فالمعرفة ليست أن تمتلئ، بل أن تُبصر.
تحياتي لك.
أبو فارس
🌷