صناعة الضحك فن، وتحويله إلى بناء درامي متماسك هو تحدٍّ، لكن تقديم جزء ثانٍ من عمل ناجح يعد مغامرة حقيقية. استطاع «أشغال شقة جداً» (تأليف شيرين وخالد دياب الذي تولى الإخراج) أن يمزج بين القصة المتماسكة والإيقاع السريع، مع حس كوميدي يعتمد على الموقف لا الابتذال. هذا المزيج جعله يتصدّر نسب المشاهدة على منصة «شاهد»، متفوّقاً على أعمال درامية ضخمة في موسم رمضان 2025.

نال المسلسل إعجاب الجمهور وحظي بإشادات من نجوم كنيللي كريم، تامر حسني، طه دسوقي، سلمى أبو ضيف، كندة علوش، والإعلامي عمرو أديب. وأرجع المخرج عمرو سلامة نجاحه إلى السيناريو الجيّد، فيما علّق السيناريست تامر حبيب مازحاً بأنه يتمنى جزءاً ثالثاً بعنوان «أشغال شقة مؤبدة»، وهو ما تلقفه بطل العمل هشام ماجد، قائلًا إن الفكرة قد تتحقق بالفعل!

كالعادة، لم يخلُ العمل المؤلف من 15 حلقة من الانتقادات، بدءاً من اتهامات بالعنصرية بسبب تقديم الممثلة السودانية إسلام مبارك في دور الخادمة البدينة، مرورًا بانتقادات لدقة تفاصيل مهنة الطب الشرعي، وصولًا إلى بلاغات تتهمه بـ «التحريض على الفسق»...
لكن رغم ذلك، ظل الجمهور وفياً له، معتبراً أنّ المشاهد المثيرة للجدل جاءت في سياقها الدرامي من دون مبالغة!

يتميّز المسلسل بكوميديا الموقف، إذ تنبع الفكاهة من الأحداث والتناقضات بين الشخصيات، وليس من النكات العابرة. تألقت العلاقة الديناميكية بين الدكتور «حمدي» (هشام ماجد) ومساعده «عربي» (مصطفى غريب)، ما أعاد إلى الأذهان ثنائيات كوميدية كلاسيكية. تمثل «الفهلوة» الصارخة في شخصية «عربي» وانعدام ضميره في مقابل منطقية «حمدي»، معادلة كوميدية ناجحة تجعل المشاهد يضحك من تفاعل الشخصيات لا من افتعال المواقف.

لم يعتمد المسلسل على تكرار نجاح الجزء الأوّل، بل وسّع نطاقه عبر التصوير في أماكن خارجية مثل الغردقة، وأعاد توزيع أدوار البطولة، مما منح «عربي» مساحة أكبر على حساب دور «ياسمين» (أسماء جلال)، من دون الإخلال بتوازن الأحداث.
واللافت أنّ مصطفى غريب شكّل مفاجأة العمل، إذ وجد فيه الجمهور ملامح من الراحل طلعت زكريا وعبقرية علاء ولي الدين، في تأكيد على أن للكوميديا المصرية ورثة.

في عالم كرة القدم، هناك لاعبون يصنعون الفرص لغيرهم، وهكذا كان دور هشام ماجد في «أشغال شقة جداً»، إذ أفسح المجال لزملائه للتألق بدلاً من احتكار الكوميديا. وهذا ما ظهر جليًا في مشاهده مع زوجته «ياسمين» وزميله «عربي»، ما جعل الأداء متكاملاً ومنسجماً.

ومن المفارقات أنّ المسلسل ظل لسنوات يبحث عن جهة إنتاج من دون جدوى. كما كشف المخرج محمد دياب عن رفضه مرارًا، حتى من بعض النجوم، بينما اعترف المنتج هشام سليمان بأنه لم يكن مقتنعًا بالفكرة في البداية، واقترح حذف خط المساعدات المنزليات بالكامل!

«أشغال شقة جداً» ليس مجرد مسلسل كوميدي، بل تجربة تؤكد أنّ الضحك الذكي قوة لا تُقاوم. وفي موسم درامي مزدحم بالأعمال «الدسمة»، تمكّن هذا العمل من أن يكون خفيفاً بثقل، وجاداً بسخرية... فهل يبصر جزء ثالث النور فعلاً؟

أنس محمود - الأخبار