. . . .
يستيقظ نهاري متعبا منهارا.. حاملا حزنَ الدنيا بين ذراعيه.. يفتح لي باب الشمس من دون ضوء!
يحاول أن ينير لي الدهاليز المظلمة في يومي..
. . . .
أفرك عيناي من أحلام الأمس الفضيعة، أتثائب كمن لم يغمض له جفن، أقف وأنا أجر أذيال أرقي، أستجمع بعض القوى للوقوف أمام المغسلة..
وفور أن أرش بضع قطرات تنعش وجهي حتى أتذكر من أكون:
نقطة استفهام أنا، وسط علامات الجنون..
علامة مبهمة، تعيش وسط التناقضات.
قلب فزع، وسط القلوب الميتة..
. . . .
يبكي حزني معي يجلس بجانبي وأنا أحتسي قهوتي، يراقبني بصمت حتى لا يزيد وجعي..
يخاف أن تنزل عبَراتي.. تلطخ وجه قهوتي الأسود الحالك حتى لا يسود أكثر..
. . . .
ما بالُ الخريطة تمتد بيننا وبين أحبتنا..؟ وما بال الأرض تزداد جورًا، وما بال أخبار العالم تُحجِّمنا، تُقزّمنا، تُذِلّنا.. تزيدنا تعاسة.
. . . .
صرت أخجل من منشورات صديقة غزاوية، أراقب يوميا صفحتها، فأفرح إذا نشرت شيئا، لأطمئن أنها لا تزال حية، رغم مرارة ما تنشره!
كيف أنسى وجه المرأة الغزاوية الخمسينية، وهي تجر أذيال حزنها، بالكاد تستطيع المشي، تمشي أمام الخلق كأنها في عالم لوحدها.. تتذكر وجوه أحفادها المبتسمين.. قد اختفوا من حياتها فجأة!
كيف أنسى صرخة الشاب الذي رزق بتوأم، وذهب ليسجلهم، وفور عودته بورقتين، وجدهما وأمهما أشلاءا منثورة!!
كيف أنسى صور الرجال الذين يحملون في أيديهم أكياسا ويبحثون عما تبقى من مجزرة الأمس ليجمعوهم ويدسوهم تحت التراب!
...
لقد أسقطوا عنهم أبسط ما يحق لهم: أن يحتضنوا موتاهم قبل الدفن.
لقد اختلطت الأجساد المتناثرة ببعضها، وأصبحت تدفن في أكياس!
لم يعد هنالك مجالٌ ليفرقوا بين جسد طفل ورجل، بين يد امرأة وطفلة..
رباه كيف أنسى صورة الأب الذي يقلب تحت ركام بيته عن رأس ابنته!
لم يتبق لنا عقل، فكيف صارت عقولهم هم؟
لقد انحرقت أفئدتنا عليهم، فكيف حال أفئدتهم؟
يعيشون حياةً غير حياتنا، يُفرّق بيننا وبينهم إيمانهم العميق وارتقاؤهم الفوري، فما أكثر أعداد شهدائهم..
وما أكبر ترددنا.. وما أفضع خذلاننا.. وما أعظم لا مبالاتنا..
. . . .
اجتمعنا لنحصد الميداليات والتكريمات لأبطال ما يسمى أولمبياد.. واجتمعوا ليحصدوا أرواح أحبتهم..
صفقنا وهللنا وفرحنا بفوز أبطالنا، وجهزنا لهم الاحتفالات واستقبلتهم الجماهير.
وكبروا وهللوا وزغردوا لارتقاء شهدائهم!
كبَّرنا المواضيع التافهة في جميع المواقع.. وجعلنا لها شعارات رنانة، ونسينا قضيتنا الكبرى!
. . .
شتان بين حياتنا وحياتهم
شتان بين أهدافنا وأهدافهم
لقد عقدوا العزم أن يعيشوا أبناءًا للآخرة
وعقدنا العزم أن نعيش عيشة الهزيمة والذل والهوان..
. . . .
أنهيتُ اجترار فنجاني المُر.. نفضت غبار صداعي المزمن، وجررت هزيمتي ومن ورائي سيل همومٍ لا ينتهي..
فإن كان همي ماذا سأطبخ اليوم، فهمّهم من سيرتقي فيهم اليوم!
النهاية.