فرض الله سبحانه علينا فرائض وجعل أغلبها محدَّدة بميقات معَيَّن لا تتجاوزه، فالصلاة لها مواقيت معروفة ( إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا) والزكاة مرتبطة بتمَام الحوْل أو وقت الحِصاد ( وآتوا حقَّه يوم حِصاده) والحج له زمن محدد (الحج أشهر معلومات).
ويقول عز وجل عن أهمية الأهِلَّة ودورِها ( يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج)... وهكذا ترتبِط الشعائر الدينية من الصلوات والأعياد وغيرها بميقات مُحدَّد لا تزيغ عنه.
وفي ذلك كله إيحاء وتعليم للإنسان بدور الوقت، وأنه لا يمكن أن نقوم بعمل ما، أو نحقِّق هدفا ما دون أن نربِطه بوقت وميزان معين.
و لكن الذي يطبع حياة أغلب المسلمين – للأسف – عكس ذلك تماما؛ إن أغلبنا يعيش بعشوائية وعبث في الحياة دون برمجة أو تخطيط أو وضع أهداف لحياتنا بصفة عامة، ولكل مدة زمنية معينة بشكل خاص.
إن العشوائية والعبثية ناتجتان عن عدم تقدير لأهمية الوقت، في حين يدل التخطيط والبرمجة على بُعد نظر، واعتبار الحياة رأسمالا للإنسان يجب أن يربَح منه لا أن يَخسرَه. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: " نِعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ".
وإذا أدركنا ذلك علِمنا أنه كما نُخطِّط لنزهة او رِحلة استجمام، يجِب أن نُخَطِّط لرحلة العمر؛ فالكسب كبير إذا عرفنا كيف نستثمِر الوقت لصالح ديننا ودنيانا، كما أن الخيبة كبيرة لمن ضيَّع وقته الثمين في تفاهات أو معاصي أو ما لا جدوى منه لا دنيا ولا آخرة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " إني لأمقُت الرجل أراه فارِغا ليس في شيء من عمل دُنيا ولا آخِرة " .
وطريقة البرمجة والتخطيط لحياتِنا يكون - حسب فهمي المُتواضع - بما يلي:
أ. وضع أهداف كبيرة في الحياة، حسب ظروف كلِّ إنسان وحسب هواياته واتجاهاته في الحياة؛ فمثلا يمكِن أن يكون الهدف حفظ القرآن الكريم، أو تعلُّم لغة ما، أو حِرفة ما...
ب. تقسيم الهدف الكبير إلى مراحِل صغرى، وتحديد الوسائل المُساعِدة على تحقيق ذلك، مثل الالتحاق بمدرسة مُعيَّنة أو الانتساب لموقِع أو غير ذلك...
ج. اعتماد التراكمِية في العمل: إن العمل نصف ساعة مثلا يومِيا على تحقيق الهدف المُراد،ِيُؤدي في النهاية إلى نتيجة مُبهِرة. وهذا لن يتأتَّى إلا إذا إذا التزم الإنسان ما أمكن بما وضعه في مُخطَّطِه.
د. اعتماد النظرة الشمولية لا الجزئية: إن المرأة مثلا التي تُخطِّط لطعام كل يوم تُجهِد نفسها، في حين إذا خطَّطت لوجبات الشهر بأكملِه أو للأسبوع كاملا ستُوفِّر الجهد والوقت.
وهكذا فالنظرة الشمولية في كل الأمور تجعلُنا أكثر اقتصادا للوقت وأكثر حِكمة في التدبير.
ه. تنويع الانشغالات والاهتمامات: إن من شأن الاقتصار على هواية واحدة أو عملٍ واحد أن يؤدي إلى الملل والسآمة، في حين أنه إذا راعينا التنويع، فهذا يُريح أكثر ويُدخِل البهجة في النفس. فمن عِنده مثلا هواية القراءة لا يجعل وقتَه مُنصبّا على كتاب واحد؛ بل يُنوِّع الكتب، ويقرأ كتابين فأكثر بالتناوب؛ وهكذا يشعُر بالتجدُّد والحماس. ومن ذلك أيضا تجديد ديكورات البيت والأطعمة المُقترحة وغيرها... فكل ذلك فيه منفعة للفرد والأسرة.
وأخيرا يجب أن نُدرك أنه كلما زادت دائرة التخطيط في جميع مجالات حياتِنا، كلما نَقصت دوائر الجُهد والعشوائية والتخبط. ومن ثم كانت الحياة مُثمِرة ومفيدة وعامِرة بكل خير.