ذكر المضمر الواقع بعد عسى (4)
اعلم أنّ المضمر الواقع بعد عسى لا يكون إلّا متصلا ولكن فيه لغتان، باعتبار كونه ضميرا مرفوعا، أو غير مرفوع فاللغة الكثيرة منها أن يكون مرفوعا متصلا (5) نحو: عسيت عسينا للمتكلّم، وعسيت عسيتما عسيتم عسيت عسيتنّ للمخاطب، وعسى عسيا عسوا عست عسين للغائب. كما تقول: رميت رمينا إلى رمين، وأمّا اللغة التي ليست بكثيرة فهو أنّه جاء بعد لولا ضمير مجرور، وبعد عسى ضمير
__________
- 2/ 615 ومعجم الشعراء، 158 - 240 ووفيات الأعيان، 2/ 235 والبيتان وردا في ديوانه، 189 وورد البيت الأول منسوبا له في الكتاب، 1/ 46 وورد البيت الثاني منسوبا له في شرح المفصل، 3/ 107 وشرح الشواهد، 1/ 118 وروي البيتان من غير نسبة في الإنصاف، 2/ 823، وروي البيت الثاني من غير نسبة في المقتضب، 3/ 98 وشرح الكافية، 2/ 19 وشرح الأشموني، 1/ 118 ويروى دع مكان ذر ومغنيا مكان مجزيا وأرضعته مكان غذته وأمه مكان أمها، رأيت أخاها: أراد الزبيب لأنهما تغذيان من شجرة واحدة.
(1) الكتاب، 2/ 273 وشرح المفصل، 3/ 118 وشرح الكافية، 1/ 20.
(2) من الآية 31 من سورة سبأ.
(3) الإنصاف، 2/ 687 وشرح المفصل، 3/ 118.
(4) الكافية، 403.
(5) شرح المفصل، 3/ 119.
منصوب متصل بها، نحو: لولاي لولاك لولاه وعساي عساك عساه إلى لولا هنّ وعساهنّ، قال الشّاعر (1):
وكم موطن لولاي طحت كما هوى … بأجرامه من قلّة النّيق منهوى
وقال ابن أبي ربيعة: (2)
أومت بكفّها من الهودج … لولاك هذا العام لم أحجج
وقد اختلف في الضمير المذكور المتصل بلو لا وعسى، فعند سيبويه (3) أنّ الياء في لولاي والكاف في لولاك في موضع جرّ لبطلان الرفع والنّصب، أما بطلان الرفع فلكون الكاف والياء ليسا من ضمائر/ المرفوع وأمّا النصب فلعدم النّاصب، فيتعيّن الجرّ قال سيبويه: ويكون للولا مع المضمر حال ليس لها مع المظهر كما أنّ للدن حالا مع غدوة ليست لها مع غيرها (4)، لأنّها تجرّ ما بعدها وتنصب غدوة فقط، فكذلك لولا تجرّ المضمر المتصل فقط،
فحالها معه مخالف لحالها مع غيره (5) وأمّا عسى فعند سيبويه محمولة على لعلّ (6) فينصب الاسم، كما حملت لعلّ على عسى
__________
(1) البيت ليزيد بن الحكم، ورد منسوبا له في الكتاب، 2/ 474 والكامل، 3/ 345 والأمالي للقالي، 1/ 67 والخصائص 2/ 259 وأمالي ابن الشجري، 1/ 181 - 2/ 212 وشرح المفصل، 3/ 118 - 9/ 23 وشرح الشواهد، 2/ 206 وخزانة الأدب، 5/ 336 وروي البيت من غير نسبة في المنصف 1/ 72 والإنصاف، 2/ 691 وشرح المفصل 7/ 159 وشرح الكافية، 2/ 20 ورصف المباني، 195 وهمع الهوامع، 2/ 33 وشرح الأشموني، 2/ 206 - 4/ 50. وروي من قنّة مكان من قلّة.
النّيق بكسر النون: أرفع الجبل، والقلّة: ما استدقّ من رأسه، ومنهوى: ساقط، وأجرامه جمع جرم وهو جثته.
(2) هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي يكنى أبا الخطّاب شاعر غزلي مشهور انظر أخباره في الشعر والشعراء، 2/ 457 والبيت ورد في ديوانه، 43 برواية بعينيها مكان بكفيها وروي البيت من غير نسبة في أمالي ابن الشجري، 1/ 181 وشرح المفصل، 3/ 118 - 120 وشرح الكافية، 2/ 20 وهمع الهوامع، 2/ 33 ورواه البغدادي في خزانة الأدب، 5/ 339 - 342. منسوبا لعمر بن أبي ربيعة. وقال: يقال إنه للعرجي أيضا ولم أجده في ديوانه.
(3) انظر الكتاب، 2/ 373.
(4) الكتاب، 2/ 375.
(5) شرح الوافية، 280. وانظر خلافهم حول هذه التراكيب في الكتاب، 2/ 373 والإنصاف، 2/ 687 وشرح المفصل، 3/ 118.
(6) قال في الكتاب 2/ 374 - 375: وأما قولهم عساك فالكاف منصوبة ... والدليل على أنها منصوبة أنك إذا -
في دخول أن في خبرها قال الشاعر: (1)
لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة … ...
وقد قيل: إنّ عسى في مثل هذا حرف لا فعل، فتقول: عساك أن تقوم كما تقول: لعلّك أن تقوم، وقال: (2)
يا أبتا علّك أو عساكا
فلو أنّ عسى فعل لم يصحّ عطفها على لعلّ، لأنّها حرف وأمّا الأخفش فيرى أنّ الياء والكاف في قولك: لولاي لولاك في موضع رفع (3) وقد أوقعوا الضمير المجرور موقع الضمير المرفوع، وكذلك الضمير بعد عسى في موضع رفع واحتجوا لسيبويه، أنّ تغيير لولا أقل من تغيير الضمير الذي بعدها، لأنّه اثنا عشر مضمرا، للمتكلّم اثنان ولكلّ من المخاطب والغائب خمسة، فتغيير المضمر على رأي الأخفش يؤدّي إلى اثني عشر تغييرا على
سبيل الاستقلال، وتغيير لولا على رأي سيبويه تغيير واحد على سبيل الاستقلال، واحتجّوا للأخفش أن وقوع الضمائر بعضها موضع بعض كثر في
__________
- عنيت نفسك كانت علامتك «ني» قال عمران بن حطان:
ولي نفس أقول لها إذا ما … تنازعني لعلّي أو عساني
فلو كانت الكاف مجرورة لقال: عساي ولكنهم جعلوها بمنزلة لعل في هذا الموضع.
(1) هذا صدر بيت لمتمّم بن نويرة وعجزه:
عليك من اللائي يدعنك أجدعا
ورد البيت منسوبا له في الكامل، 1/ 196 - 2/ 38 والمفضليات، 270 وشرح المفصل، 8/ 86 وشرح شواهد المغني، 2/ 567 وخزانة الأدب، 5/ 345 وورد من غير نسبة في المقتضب، 3/ 74 وشرح الكافية، 2/ 20 ومغنى اللبيب، 1/ 288.
الملمّة: البليّة النازلة، الأجدع: المقطوع الأنف.
(2) الرجز لرؤبة بن العجاج، ورد في ملحقات ديوانه، 3/ 181 وبعده:
تقول بنتي قد أنى أناكا
وورد منسوبا له في الكتاب، 2/ 374 - 375 وشرح المفصل 3/ 120 - 7/ 123 وشرح شواهد المغني، 1/ 443 وشرح الشواهد، 3/ 158 وروي من غير نسبة في المقتضب 3/ 71 والخصائص، 2/ 96 والمحتسب 2/ 213 والإنصاف، 1/ 222 وشرح الكافية، 2/ 21 ومغني اللبيب، 1/ 151 - 2/ 699 وشرح التصريح، 1/ 213 - 2/ 178 وهمع الهوامع، 1/ 132 وشرح الأشموني، 1/ 267 - 3/ 158.
(3) شرح الوافية، 280 وانظر شرح التصريح، 1/ 214.
كلامهم، نحو: أنا كأنت، ومررت بك أنت وضربته هو: فأكّد المضمر المنصوب بالضمير المرفوع، فقد وقع المرفوع موقع المنصوب (1).
ذكر نون الوقاية (2)
وهي لازمة مع ياء ضمير المتكلّم في الفعل الماضي مطلقا، نحو: ضربني وضرباني وضربوني، وشذّ حذف نون الوقاية من الماضي المتصل به ضمير جماعة الإناث نحو: النساء ضربني، قال الشاعر: (3)
تراه كالثّغام يعلّ مسكا … يسوء الفاليات إذا فليني
أراد فلينني، فحذف نون الوقاية تخفيفا، وكذلك هي لازمة أيضا في الأمر قولك أكرمني، وأمّا قولك: اضربي يا
هند، فلا مدخل للنون مع هذه الياء، لأنّ نون الوقاية مشروطة بضمير المفعول لا بضمير الفاعل، لأنّ ضمير الفاعل بمنزلة الجزء من الفعل فأشبهت هذه الياء الياء التي من نفس الفعل نحو: يرمي، وكذلك هي لازمة في المضارع العري (4) عن نون الإعراب نحو: يضربني، وسمّيت نون الوقاية لأنّها وقت الفعل الكسر الذي هو أخو الخفض (5) وأمّا الفعل المضارع الذي يلحقه نون الإعراب فأنت مخيّر بين إثباتها وحذفها استغناء بنون الإعراب، فتقول: يضرباني ويضربانني، ويضربوني ويضربونني، وتضربيني وتضربينني، وتجب نون الوقاية في قولك: النساء يضربنني، ولا يجوز يضربني، لأنّ نون الإعراب في يضربوني، خارجة عن الفعل، فأمكن جعلها وقاية، ونون يضربن فاعل متصل كالجزء من الفعل، فلم تجعل وقاية
__________
(1) الكتاب، 2/ 374 - 375 والمقتضب، 3/ 71 - 73 وشرح المفصل، 3/ 122 وشرح الكافية، 1/ 21 وشرح التصريح، 1/ 213.
(2) الكافية، 404.
(3) البيت لعمرو بن معد يكرب ورد منسوبا له في الكتاب، 3/ 520 ولسان العرب مادة فلا، وخزانة الأدب، 5/ 372. ومن غير نسبة في شرح ديوان الحماسة، للمرزوقي، 1/ 294 وشرح المفصل، 3/ 91 وشرح الكافية، 2/ 22 ومغني اللبيب، 2/ 621.
الثّغام: نبت له نور أبيض يشبّه به الشيب، يعلّ: يطيّب شيئا بعد شيء، الفالية هي التي تفلي الشعر أي تخرج القمل منه.
(4) غير واضحة في الأصل.
(5) شرح الوافية، 280 وانظر شرح المفصل، 3/ 223.
كذلك (1) وأنت مع لدن مخيّر في إثبات نون الوقاية لحفظ بنائها على السكون، وفي حذفها (2) / قال الله تعالى قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (3) قرئ في السّبعة بالتشديد والتخفيف (4) وكذا أنت مخيّر بين الإثبات والحذف في: إنّ وأنّ وكأنّ ولكنّ كقولك: إنّي وإنني، وكذلك أخواتها الثلاث ويختار إثباتها في ليت كقولك: ليتني، لشبهها بالفعل (5) ولا يختار في لعلّ، لأنّ بعض لغاتها لعنّ فحذفت منها كراهة اجتماع النونات، وحملت لعلّ عليها، ويختار إثباتها في: من وعن وقد وقط، لحفظ سكونها (6) نحو: مني وعني وقدني وقطني وقال الشاعر: (7)
امتلأ الحوض وقال قطني
أي حسبي.