ثانيا: الإطناب:
2 - 1. تعريفه:
عرّفه الجرجاني بقوله (1): «أداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارفة».
وجاء في معجم المصطلحات العربية (2) أنّه: «أداء المعنى بلفظ زائد عليه لفائدة» وأعطى مثلا عليه قوله تعالى تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها القدر: 4 فالإطناب هنا بذكر الخاص (الروح أي جبريل) بعد العام (الملائكة) والفائدة: تعظيم جبريل، والتنويه بشأنه.
والإطناب لغة: التطويل، أطنب في كلامه: بالغ فيه وطوّل ذيوله.
2 - 2. صوره:
للإطناب صور كثيرة أهمها:
أ- ذكر الخاص بعد العام:
كقوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة: 238 فقد خصّ الله تعالى الصلاة الوسطى بالذكر مع
أنها داخلة في عموم الصلوات تكريما لها، وتعظيما لشأنها، وقد ذكرت مرتين: مرّة مندرجة تحت العام، وأخرى وحدها. والصّلاة الوسطى: العصر.
__________
(1). كتاب التعريفات، الجرجاني، ص 30.
(2). معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، وهبة- المهندس ص 30.
ب- ذكر العام بعد الخاص:
كقوله تعالى رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ نوح: 28. فالمؤمنون والمؤمنات لفظان عامّان يدخل فيهما من ذكر قبل ذلك، وذلك لإفادة العموم مع العناية بالخاص، وقد ذكر مرّتين: مرة وحده، وأخرى مندرجا تحت العام.
ج- الإيضاح بعد الإبهام:
وذلك لإظهار المعنى في صورتين إحداهما مجملة، والثانية مفصّلة، وبذلك يتمكن المعنى في نفس السامع فضل تمكن. مثاله قوله تعالى وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ الحجر: 66.
فلفظ (الأمر) فصّل بالجملة (أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) والغاية تقرير المعنى بذكره مرّتين.
د- التوشيع:
وهو ان يؤتى في عجز الكلام غالبا بمثّنى مفسّر باسمين ثانيهما معطوف على الأول، نحو قوله (ص): «يشيب ابن آدم وتشيب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل» وقد يكون المثّنى في أول الكلام، كقوله: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال.
هـ- التكرار:
وهو ذكر الشيء مرّتين أو اكثر لأغراض منها:
- تقرير المعنى في النفس، كقوله تعالى كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ التكاثر: 3 - 4 فتوكيد الإنذار بالتكرار أبلغ تأثيرا، وأشدّ تخويفا.
- استمالة القلوب، كقوله تعالى: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ* يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ غافر: 38 - 39 ففي تكرار يا قوم استمالة للقلوب.
- طول الفصل، كقوله تعالى يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف: 4 فكرّر (رأيت) لطول الفصل.
و- الاعتراض:
هو أن يؤتى في أثناء الكلام، او بين كلامين متّصلين بالمعنى، بجملة أو اكثر، لا محلّ لها من الاعراب لفائدة سوى فائدة دفع الإبهام.
ويأتي لأغراض منها:
- التنزيه، كقوله تعالى وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ النحل: 57
- التعظيم، كما في قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ الواقعة: 75 و 76 ففي الآيتين اعتراضان:
الأوّل: انه لقسم عظيم، والثاني: لو تعلمون، وقد أريد بهما تعظيم القسم، وتفخيم أمره.
- الدعاء، كقولك: إنّي- حفظك الله- مريض.
ز- التذييل:
هو تعقيب الجملة بجملة أخرى مستقلة تشتمل على معناها للتاكيد، وهو نوعان:
- ما يجري مجرى المثل، كقوله تعالى وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الاسراء: 81 فقوله تعالى، إن الباطل كان زهوقا، تذييل أتي به لتوكيد الجملة قبله، وهو جار مجرى المثل.
- ما لا يجري مجرى المثل، فهو لا يستقلّ بمعناه، وإنّما يتوقف على ما قبله، كقوله تعالى ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ سبأ: 17 فجملة وهل نجزي إلا الكفور مؤكدة للأولى، وليست مستقلة عنها ولم تجر مجرى المثل.
ح- التكميل أو الاحتراس:
وهو ان يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الإبهام. ومثاله قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ فالجملة: أذلة على المؤمنين، توهم ان يكون ذلك لضعفهم، فدفع ذلك الوهم بقوله تعالى (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ففي ذلك تنبيه على أنّ تلك الذلّة ليست إلا تواضعا منهم بدليل أنهم أعزّة على الكافرين.
ط- التتميم:
وهو ان يؤتى بفضلة أو حشو في ما لا يوهم خلاف المقصود، وذلك على سبيل المبالغة. ومثاله قوله تعالى وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى البقرة: 177 فقوله على حبّه تتميم لأن المعنى تمّ قبلها.
ومثاله أيضا قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ آل عمران: 92 فمما تحبّون تتميم لأنّ المعنى يتمّ بقوله (تنفقوا).
* وقد يكون الإطناب بزيادة حرف على أصل المعنى لغرض من الأغراض، نحو: زيادة (أن) بعد (لمّا) كما في قوله تعالى:
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف: 96 فزيادة (أن) فيه للدلالة على ان الفعل بعدها لم يكن على الفور، بل كان فيه تراخ وبطء.
- ونحو زيادة (ما) بعد (إذا) كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ الشورى: 37 فزيادة (ما) للدلالة على قلة حدوث الفعل الذي بعدها، فهي تشير الى ان المؤمنين لا يغضبون إلّا قليلا.
** يستحسن الإطناب في مواضع: المدح، والثناء، والإرشاد، والتوجيه، والوعظ، والخطابة، وبيانات الحكومة، وكتب الولاة الى الملوك، وما اليها.