النّوع الثّالث: المتعدّي إلى مفعول واحد:
ويكون فعله مؤثّرا فيه، وغير مؤثّر، نحو:
ضربت زيدا، وقتلت بكرا، وكأفعال الحواسّ الخمس:" رأيت" و" سمعت"، و" شممت"، و" ذقت" و" لمست" إلّا أنّ" سمعت" يتعدّى إلى مفعولين، إذا كان الأوّل ممّا لا يسمع، والثّاني ممّا يسمع، نحو: سمعت زيدا يقول ذاك، وسمعت كلام زيد، فأمّا: سمعت زيدا قائلا، فلم يختره بعضهم (1)، إلّا أن يعلّقه بشئ آخر، قال: لأن قائلا موضع للذّات، والذّات ليست موضوعة للسّمع، فأمّا قوله تعالى: هَلْ/ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (2) فعلى حذف المضاف تقديره: هل يسمعون دعائكم؟ كقوله تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ (3)، ولو جعل المضاف إلى الظرف - مغنيا عن المضاف، جاز، ومنه قول الشاعر (4):
سمعت حمامة طربت بنجد … فما هجت العشيّة يا حماما مطوّقة ترنّم فوق غصن
إذا ما قلت مال بها استقاما
تقديره: سمعت صوت حمامة، أو يكون" التّرنّم" هو المسموع، وأمّا قول الآخر (5):
__________
(1) هو أبو عليّ الفارسيّ. انظر: الإيضاح العضديّ 1/ 170، والمسائل الحلبيات 82 - 83 وتفسير الطبريّ 18/ 21 والبحر المحيط 7/ 23.
(2) 72 / الشعراء.
(3) 14 / فاطر.
(4) هو جرير. انظر: ديوانه 1/ 221.
ولم أقف على من استشهد بهذين البيتين فى كتب النحو المتداولة.
(5) لم أهتد إليه.
رأى برد ماء ذيد عنه وروضة … برود الضّحى فينانة بالأصائل
فعلى حذف مضاف، أراد: أثر بردماء، أو أنّه استعار" البرد"؛ لأنّه رأى صفاء الماء، ورقّة الهواء، فأحسّ ببرد الزّمان والماء. ومن حذف المضاف قولهم: أبصرت كلامه، أي: محلّ كلامه، ومن الاستعارة قوله (1):
فلا الظّلّ من برد الضّحى تستطيعه … ولا الفئ من برد العشيّ تذوق
وهذا النّوع المتعدّى إلي مفعول واحد، إذا عدّيته بحرف من حروف التّعدية، تعدّى إلى مفعولين، نحو: أضربت زيدا عمرا، وأشممت زيدا مسكا، وقد اتّسعوا في أفعال منه فحذفوا منها حرف الجرّ، وأوصلوا الفعل، قالوا في: اخترت من الرّجال زيدا: اخترت الرّجال زيدا، وعليه قوله تعالى:
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا (2).
__________
(1) هو حميد بن ثور الهلاليّ. انظر: ديوانه 40.
ورواية الديوان:
فلا الظلّ منها بالضّحى تستطيعه … ولا الفئ منها بالعشيّ تذوق
وانظر في تخريج الشّاهد: تفسير الطبري 3/ 262 وإصلاح المنطق 320 والزاهر 1/ 276 والمشوف المعلم 488 والصحاح واللسان وتاج
العروس (فيأ) و (ظلل) والشاعر يصف سرحه وكنى بها عن امرأة،
الظّل: ما كان أوّل النّهار. الفئ: من بعد الزوال إلى الليل.
البرد: من معانيه: الظلّ والفئ، يقال البردان والأبردان، للظل والفئ، وأيضا للغداة والعشىّ.
(2) 155 / الإعراف.
وقول الشاعر (1):
ومنّا الّذى اختير الرّجال سماحة … وجودا إذا هبّ الرّياح الزّعازع
أي: من قومه (2)، ومن الرّجال، ومثله قول الآخر (3):
أستغفر الله ذنبا لست محصيه … ربّ العباد إليه الوجه والعمل
أى: من ذنب، والسّيرافيّ (4) يجعل هذا مفعولا منه، قال بعضهم (5):
هذا التقدير فى" من ذنب" غير صحيح؛ لأنّ" غفر" متعدّ، وقد نقل بالسّين والتّاء، فصار متعدّيا إلى مفعولين، فكيف يقال: إنّ" ذنبا" منصوب لحذف" من"؟ وإنما هو أحد مفعولي" أستغفر" وهذا الحكم لا يقاس عليه؛ فلا تقول: اصطفيت الرّجال زيدا، ولا أحببت الرّجال عمرا، على تقدير: من الرّجال، وإنّما تجريه (6) فيما أجروه.
__________
(1) هو الفرزدذق. ديوانه 418.
والبيت من شواهد سيبويه 1/ 39 وانظر أيضا: المقتضب 4/ 330 والأصول 1/ 180 وابن يعيش 5/ 123، 8/ 50، والهمع 2/ 264 والخزانة 9/ 123.
الرياح الزعازع: الشديدة، واحدها: زعزع، ويكون ذلك فى الشتاء.
(2) انظر: إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس 1/ 642 والأصول 1/ 177 - 178.
(3) لم أقف على اسمه.
وهو من شواهد سيبويه 1/ 37، وانظر أيضا: المقتضب 2/ 321 و 4/ 331 والأصول 1/ 178 والتبصرة 11 1، ابن يعيش 7/ 63 و 8/ 51 والخزانة 3/ 111.
(4) انظر: شرح كتاب سيبويه للسيرافيّ 2/ 252 - 254.
تحقيق د/ دردير محمد أبو السعود.
(5) هو ابن الطراوة. انظر: البسيط لابن أبي الرّبيع 424 - 425، وانظر أيضا: ابن الطراوة النحويّ 278 وحاشية ص 245 من البسيط فقد ذكر
محقّقه مصادر أخرى.
(6) انظر: الأصول 1/ 180.
وهذا النّوع المتعدّي إلى مفعول واحد، منه ما يكون الفاعل فيه هو المفعول في المعنى؛ نحو: ضارب زيد عمرا، ولقي بشر بكرا، ومنه ما لا يصحّ أن يكون الفاعل فيه مفعولا، نحو: أكل زيد الخبز، ودقّ القصّار الثّوب، ومنه ما يصحّ الفاعل فيه أن يكون مفعولا، والمفعول فاعلا، لكن ينقلب المعنى، نحو:
ضرب زيد عمرا،: وضرب عمر وزيدا.