فصل (3) واعلم أنّ المصدر يقع صفة
نحو: رجل عدل ورجال صوم أو فطر، وشبه ذلك وفائدة الوصف بالمصدر الاختصاص لأنّ تقديره: ذو عدل، فلمّا وصف به بتوسط ذو وعرف مكانه، حذفت تخفيفا لأنّه لا يلتبس، لأنّ (4) الرجل ليس هو الصوم وكذلك رجل/ خصم فإنّه أخصّ من مخاصم، وأكثر ما يوصف بالمصدر الثلاثي، وإنّما ساغ الوصف بالمصدر، لأنّ الصفة في الأصل مأخوذة من المصدر، لأنّ تأويل ضارب، ذو ضرب، وإذا وصف بالمصدر فالأحسن الأكثر أن لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث (5) كقولك: مررت برجلين صوم، ورجال صوم، ونساء صوم إلّا ما دخله كثرة الاستعمال نحو: رجل عدل ورجلين عدلين.
__________
(1) غير واضحة في الأصل.
(2) لأن الأبيض عام لا يخص نوعا دون آخر كالإنسان والفرس بخلاف هذا العالم فإن العالم مختص بنوع من الحيوان، فكأنك قلت: بهذا الرجل العالم. شرح الكافية، 1/ 314.
(3) في المفصل، 115: ويوصف بالمصادر كقولهم: رجل عدل وصوم وفطر وزور.
(4) في الأصل أن.
(5) شرح المفصل، 3/ 50 وشرح التصريح، 2/ 113.
ذكر العطف (1)
وحدّه: تابع مقصود ينسب إليه مع متبوعه، يتوسّط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة التي ستذكر، وقد خرج بذلك التوابع كلّها لأنّها ليست مقصودة بالنسبة غير البدل فإنّه وإن كان مقصودا بالنسبة لكنّ متبوعه ليس مقصودا بالنسبة (2) ومثاله: قام زيد وعمرو، فعمرو تابع مقصود بنسبة القيام مع زيد، وشرط صحّة العطف على المضمر المرفوع المتّصل أن يؤكّد بمنفصل (3) كقولك: قمت أنا وزيد، أمّا إذا وقع الفصل بين المضمر المذكور، وبين المعطوف فإنّ العطف عليه حينئذ يجوز من غير تأكيد سواء وقع الفاصل قبل حرف العطف نحو: ضربت اليوم وزيد، أو بعد، كقوله تعالى: ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا (4) وإذا عطف على الضمير المجرور، أعيد الجارّ حرفا كان أو مضافا (5) نحو: مررت بك وبزيد، وجلس بيني وبين زيد، لأنّ الضمير المجرور صار كالجزء من الجار فكرهوا أن يعطفوا المستقلّ على ما هو كالجزء، أمّا قراءة حمزة (6) واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام (7) بالخفض (8) فغير متعيّن للعطف لاحتمال القسم (9).
__________
(1) الكافية، 400 - 401.
(2) شرح الكافية، 1/ 317.
(3) الإنصاف، 2/ 474 وشرح المفصل، 3/ 74 وتسهيل الفوائد، 177.
(4) من الآية 148 من سورة الأنعام.
(5) انظر الأنصاف، 2/ 463 وتسهيل الفوائد، 177.
(6) هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزّيّات أحد القرّاء السبعة أخذ القراءة عن سليمان الأعمش وطلحة بن مصرف وصارت إليه الإمامة بعد
عاصم والأعمش له من الكتب كتاب قراءة حمزة وكتاب الفرائض، توفي سنة 156 هـ انظر ترجمته في الفهرست، 44 ووفيات الأعيان، 2/ 216 وغاية النهاية، 1/ 261 - 263 وتهذيب التهذيب، لابن حجر 3/ 27 والنشر، 1/ 166.
(7) من الآية 1 من سورة النساء.
(8) على العطف على الهاء في به وذلك مذهب الكوفيين، وقرأ الباقون بالنصب عطفا على لفظ الجلالة على معنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها، أو على به كقولك مررت به وزيدا الكشف 1/ 376 والبحر المحيط، 3/ 157 والإتحاف، 185.
(9) قال ابن يعيش 3/ 87 بعد ذكره القراءة ما نصه: «فإن أكثر النحويين قد ضعف هذه القراءة نظرا إلى العطف على المضمر المخفوض ... وهذا القول غير مرضي لأنه قد رواها إمام ثقة ولا سبيل إلى رد نقل الثقة مع -
وقول الشاعر: (1)
... … فاذهب فما بك والأيّام من عجب
فشاذ، وحكم المعطوف مثل حكم المعطوف عليه (2) فيما جاز له، ووجب وامتنع فإذا قلت: زيد قائم وعالم، فلا بدّ من ضمير في عالم المعطوف، كما لا بدّ منه في قائم المعطوف عليه، وكذلك: جاءني الذي قام أبوه وسافر غلامه، فلا بدّ من ضمير في الجملة الثانية كما في الأولى، فالمعطوف على الخبر يجب أن يصحّ كونه خبرا، وكذلك المعطوف على الصّلة يجب أن يصحّ كونه صلة، وكذا لا يعطف على الحال إلّا ما يصحّ أن يكون حالا (3) فإن أبى الثاني حكم العطف، أي لم يستقم لفوات المصحّح، فاجعله مستقلا لا معطوفا نحو منطلق في قولك: ما أنت قائما ولا منطلق عمرو، فلو جعلت منطلق منصوبا عطفا على خبر ما، الذي هو قائم لم يستقم لوجود الضمير في المعطوف عليه وهو قائم وامتناعه في المعطوف وهو منطلق لكون عمرو فاعلا له، فيجعل قوله: ولا منطلق عمرو جملة معطوفة على الأولى، كأنه قيل: ما أنت قائما ولا عمرو منطلق (4) فإن أورد في هذا الباب قولهم: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، من حيث كان يطير صلة للذي، وفيه ضمير عائد، وقد عطف فيغضب عليه وليس فيه ضمير يعود، فالجواب: أنّ هذه فاء السببيّة لا فاء العطف، لأنّك لو قدّرت موضعها حرف عطف/ وقلت: الذي يطير ويغضب زيد أو ثمّ يغضب
__________
- أنه قد قرأتها جماعة من غير السبعة كابن مسعود، وابن عباس، والأعمش والحسن البصري، وإذا صحت الرواية لم يكن سبيل إلى ردها، وتحتمل وجهين آخرين غير العطف، أحدهما: أن تكون الواو واو القسم وهم يقسمون بالأرحام ويعظمونها وجاء التنزيل على مقتضى
استعمالهم ويكون قوله: إن الله كان عليكم رقيبا، جواب القسم. والوجه الثاني: أن يكون اعتقد أن قبله باء ثانية حتى كأنه قال: وبالأرحام، ثم حذف الباء لتقدم ذكرها، وقد كثر عنهم حذف حرف الجر، وانظر الخصائص 1/ 258 وشرح الكافية، 1/ 320.
(1) هذا عجز بيت لقائل مجهول، وصدره:
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا
ورد في الكتاب، 2/ 383 والكامل، 3/ 39 والإنصاف، 2/ 464 وشرح المفصل، 3/ 78 - 79 والمقرب، 1/ 234 وشرح الكافية 1/ 320 وشرح الشواهد، 3/ 115 وهمع الهوامع، 1/ 120 - 2/ 139 وشرح الأشموني، 3/ 15 وخزانة الأدب، 5/ 123.
(2) الكافية، 401.
(3) شرح الكافية، 1/ 321.
(4) شرح الوافية، 261 والنقل منه.
زيد، لم يستقم وتقديره: الذي يطير فبسببه يغضب زيد الذباب (1).
وقد اختلف في صحّة العطف بعاطف واحد على معمولي عاملين مختلفين (2) والمختار جوازه لا مطلقا، بل إذا كان المجرور متقدّما على المرفوع أو المنصوب في المعطوف والمعطوف عليه نحو: في الدار زيد والحجرة عمرو، فالحجرة معطوفة على الدار، والعامل في الدار لفظة في، وعمرو معطوف على زيد، والعامل فيه الابتداء، والمجرور متقدّم على المرفوع في المعطوف والمعطوف عليه، أمّا لو كان المتقدم منصوبا نحو: إنّ زيدا قائم وعمرا منطلق لم يكن عطفا على معمولي عاملين بل على معمولي عامل واحد وهو جائز باتفاق والشاهد على صحّة العطف على معمولي عاملين مختلفين بالشرائط المذكورة قوله تعالى في سورة الجاثية: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (3) فعطف واختلاف على قوله وفي خلقكم، وآيات وآيات الأخيرتين في قراءة حمزة والكسائي على آيات (4).
وقول الشّاعر: (5)
أكلّ امرئ تحسبين امرأ … ونار توّقّد في الليل نارا
وقولهم في المثل (6): «ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة»، فبيضاء معطوفة
__________
(1) شرح الوافية، 262.
(2) الكافية، 401.
(3) الآيات 3 - 4 - 5 من سورة الجاثية.
(4) وقرأ الباقون بالرفع، السبعة لابن مجاهد 594، والكشف، 2/ 267 وانظر معاني القرآن 3/ 45 وإعراب القرآن المنسوب للزجاج - القسم الثالث 909 والتبيان للعكبري 2/ 1150.
(5) البيت مختلف حول قائله فقد نسب لأبي داؤد الأيادي في الكتاب، 1/ 66 وشرح المفصل، 3/ 26 - 27 وشرح الشواهد، 2/ 273 وشرح شواهد المغني، 2/ 700 ونسب لعدي بن زيد في الكامل، 3/ 99 وورد من غير نسبة في أمالي ابن الشجري، 1/ 296 والإنصاف، 2/ 473 وشرح المفصل، 3/ 79 - 5/ 142 - 8/ 52 - 9/ 105 ومغني اللبيب، 1/ 290 وشرح الأشموني، 2/ 273.
(6) وهو مثل يضرب في موضع التهمة وفي اختلاف أخلاق الناس. انظر المثل في الكتاب، 1/ 65 والمقتضب، 4/ 195 والمستقصى، 2/ 328 وفرائد اللآل، 2/ 244.
على سوداء، والعامل فيهما كلّ، وشحمة معطوفة على تمرة (1) والعامل فيهما «ما» (2) وقد منع ذلك سيبويه مطلقا، وتأوّل آيات الثاني والثالث بأنهما توكيد، وهو تأويل بعيد (3)، وأجاز الفرّاء العطف على عاملين مطلقا (4).
ذكر التأكيد (5)
وهو لفظيّ ومعنويّ، فاللفظيّ أن يكرّر اللفظ الأوّل بعينه وهو جار في الاسم والفعل والحرف، والجملة، نحو: زيد زيد، وضرب ضرب وإلى إلى، والله أكبر الله أكبر، والمعنويّ: تابع يقرّر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول، فبقوله: يقرر أمر المتبوع، خرج العطف بالحرف والبدل، وبقوله: في النسبة، خرج النّعت وعطف البيان، فإنّهما يقرّران أمر المتبوع لكن لا في النّسبة (6) ومثال التأكيد الذي يقرر أمر المتبوع في النسبة قولك: جاءني زيد نفسه، وما أشبهه، والذي يقرّره في الشمول، نحو: جاء القوم كلّهم، وللمعنويّ ألفاظ معدودة، وهي: نفسه وعينه وكلاهما وكلتاهما، وكلّ وأجمع وأكتع وأبصع وأبضع، وهي تالية لأجمع، لأنّها لا تتقدّم عليه لكونها توابع له، خلافا لابن كيسان (7) فإنّه جوّز الابتداء بكلّ واحد منها (8) والنفس/ والعين مختلفة صيغهما، ويأتي الضمير معهما لمن هما له تقول: زيد نفسه والزيدان نفساهما وأنفسهما وهو الأكثر، والزيدون أنفسهم وهند نفسها والهندان نفساهما أو أنفسهما وهو الأكثر (9) كما في المذكّر، والهندات أنفسهنّ ولا يجري
__________
(1) في الأصل وتمر معطوفة على شحمة.
(2) لأنهما خبران لها انظر شرح المفصل، 3/ 27.
(3) الكتاب 1/ 65 وفي شرح الوافية، 263 بعد ذلك ما نصه: فإنا نقطع بأن المراد من آيات الأول غير المراد من الثاني وكذلك الثالث إذ المعنى أن في كل واحد مما ذكر آيات، فكيف يستقيم أن يؤول بالتأكيد.
(4) معاني القرآن، 3/ 45 وبعدها في شرح الوافية، 263 «وهو بعيد».
(5) الكافية، 401.
(6) شرح الكافية، 1/ 328.
(7) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان، كان نحويا فاضلا خلط بين المذهبين وأخذ عن الفريقين له من الكتب كتاب المهذب في النحو، وكتاب القراءات وكتاب المقصور والممدود توفي سنة 299 هـ. انظر ترجمته في الفهرست، 120 ونزهة الألباء، 235 وإنباه الرواة، 3/ 57 - 58.
(8) شرح الكافية، 1/ 336 وهمع الهوامع، 2/ 123.
(9) شرح التصريح، 2/ 121 وهمع الهوامع، 2/ 122 وشرح الأشموني، 3/ 74.
كلا، إلّا على المثنّى خاصّة كما أنّ كلّه لا يجري إلّا على غير المثنّى، وكذلك أجمع وما بعده يقع تأكيدا لغير المثنّى، سواء كان مفردا أو مجموعا مذكرا أو مؤنثا كما سنمثله، وليس في صيغتي كلا وكلتا اختلاف بل الاختلاف في الضمير الذي أضيفتا إليه فإنّهما يضافان إلى ضمير من هما له كقولك: كلاهما كلتاهما، والباقي من ألفاظ التأكيد لغير المثنّى باختلاف الضمير نحو: كلّها وكلّه وكلّهم وكلّهنّ وباختلاف الصيغ في الباقي (1) كما سنذكره.
واعلم أنّ أجمع لا ينصرف للتعريف ووزن الفعل، وجمعاء لا ينصرف للتأنيث ولزوم التأنيث، وأجمع وبابه يختلف باختلاف الصيغ لا بضمير، فإنّه لا يضاف تقول:
اشتريت العبد كلّه أجمع أكتع أبتع أبصع، وجاءني القوم كلّهم أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون واشتريت الجارية كلّها جمعاء كتعاء بتعاء بصعاء، وجاءتني النسوة كلّهنّ كتع بتع بصع، وأجمعون يختصّ بالمذكرين العقلاء ولا يؤكّد بكلّ وأجمع وبابه إلّا ذو أجزاء يصحّ افتراقها حسا أو حكما (2)، لأنّها وضعت لمعنى الشمول، نحو: جاءني القوم كلّهم، لأنّ للقوم أجزاء ولكن يصحّ افتراقها حسا وهي: زيد وعمرو وغيرهم فإن لم يكن للشيء أجزاء أو كان له أجزاء ولكن لا يصح افتراقها حسا ولا حكما لم يجز تأكيده بكل وأجمع، لأنّهما للشمول كما تقدّم، فيصحّ قولك: اشتريت العبد كلّه، لأنّ أجزاءه يصحّ افتراقها حكما لأنّه يجوز أن يكون المشترى نصف
العبد، أو أقلّ أو أكثر (3) ولم يصحّ: قام زيد أو جاء زيد كلّه والمراد بالشمول ما يشمل الشيء أي ما يحيط به، وقد استعملت حروف كل في معنى الشمول كثيرا فمنه: الإكليل لاحاطته بالرأس، والكلال لإحاطة التّعب بالبدن (4) وغير ذلك، وإذا أكّد بالنفس والعين ضمير متصل مرفوع فلا بدّ أن يفصل بينهما بضمير منفصل مطابق للمؤكّد (5)
__________
(1) شرح الوافية، 265.
(2) الكافية، 401 - 402.
(3) شرح الوافية، 266 وشرح الكافية، 1/ 335 وشرح الأشموني، 3/ 75.
(4) الإكليل: شبه عصابة مزيّنة بالجواهر والجمع أكاليل، ويسمّى التاج إكليلا ويقال: كلّ يكلّ كلالا وكلالة:
إذا تعب. اللسان، كلل.
(5) الكافية، 402.
كقولك: ضربت أنت نفسك، فالضمير المرفوع المتصل المؤكّد هو التاء في ضربت، والمنفصل المطابق للمؤكّد هو أنت، وكذلك المضمر المتكلّم ضربت أنا نفسي وبابه، والمضمر الغائب نحو ضرب هو نفسه وجاءا هما أنفسهما، وجاؤوا هم أنفسهم وبابه، وإنّما وجب تأكيده بمنفصل لكون المرفوع المتصل كالجزء، فكرهوا أن يؤكّدوا ما هو كجزء الكلمة بالمستقل فأتوا بالضمير المنفصل ليجري المستقلّ على المستقلّ وما سوى المرفوع المتصل وهو المنصوب المتصل والمجرور المتصل، والمرفوع غير المتصل يؤكّد بغير شريطة (1) كقولك: ضربتك نفسك ومررت بك نفسك، وأنت/ نفسك فعلت، وغير النفس والعين يؤكّد به من غير شريطة كقولك:
جاؤوا كلّهم وخرجوا أجمعون إلى آخرها، واختصّ النفس والعين بذلك لكونهما يستعملان مستقلّين دون غيرهما وألفاظ التأكيد المعنويّ كلّها معارف، لأنّها توكيد للمعرفة، وتعريفها من قبيل تعريف علم الجنس، ولمّا كانت ألفاظ التوكيد معارف، لم يجوّز البصريون أن تؤكّد غير المعرفة (2) لئلّا يؤدي إلى الجمع بين متنافيين، لأنّ مدلول النكرة غير معيّن، ومدلول المعرفة معيّن، والكوفيون أجازوا تأكيد النكرة بشرط أن تكون محدودة (3) قالوا: لأنّها حينئذ تشابه المعرفة من حيث إنّها معلومة ممتازة، واستشهدوا بقول الشاعر: (4)
قد صرّت البكرة يوما أجمعا
فأكّد يوما وهو نكرة بأجمع، والبصريون يؤولون ذلك وشبهه لخروجه عن القياس واستعمال الفصحاء (5).
__________
(1) الكتاب، 1/ 278 وشرح المفصل، 3/ 42 وشرح الوافية، 267.
(2) الإنصاف، 2/ 451 وشرح ابن عقيل 2/ 211 وهمع الهوامع، 2/ 124 - 267.
(3) مثل يوم وليلة وشهر وانظر شرح الوافية، 267.
(4) الرجز لم يعرف قائله ورد في الإنصاف، 2/ 454 وأسرار العربية، 291 وشرح المفصل، 3/ 45 والمقرب، 1/ 240 وشرح الكافية، 1/ 43 - 335 وشرح ابن عقيل، 3/ 211 وشرح الشواهد، 3/ 78 وهمع الهوامع، 2/ 124 وشرح الأشموني، 3/ 78 وخزانة الأدب، 1/ 181 صرّت: صوّتت، والبكرة، للبئر.
(5) قالوا إن البيت مجهول - وهو شاذ قليل في بابه وإنّ الرواية الصحيحة يوما أجمع بلا تنوين أراد يومي أجمع، فالألف بدل من ياء الإضافة، وقيل هو بدل أو نعت. الإنصاف، 2/ 456 والهمع، 2/ 124.
ذكر البدل (1)
وهو تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع من غير توسّط حرف العطف فخرج بقوله: مقصود بما نسب إلى المتبوع، التوابع كلّها إلّا المعطوف بالحرف فإنّه خرج بقوله: من غير توسّط حرف العطف (2) والبدل في اللغة: هو العوض تقول: اجعل هذا بدلا من ذاك أي اجعله عوضا منه، والبدل أربعة أقسام:
بدل الكلّ من الكلّ، وبدل البعض من الكلّ، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط فبدل الكلّ هو أن يكون مدلوله مدلول الأوّل، نحو: جاءني زيد أخوك، وبدل البعض هو أن يكون مدلوله بعض مدلول الأوّل، نحو: ضربت زيدا رأسه، وبدل الاشتمال:
هو أن يكون بينه وبين الأول ملابسة بغير البعضيّة والكليّة، نحو: سلب زيد ثوبه، وبدل الغلط: هو أن تقصد إليه بعد أن غلطت بغيره نحو: مررت بزيد حمار، أردت أن تقول: بحمار فسبقك لسانك فقلت بزيد، ثمّ استدركته وقلت: حمار، ومعناه بدل الشيء من الغلط، قال ابن الحاجب: البدل هو المقصود بالنسبة دون الأوّل، لأنّ منه بدل البعض فإذا قلت: مررت بالرجال بعضهم، فالمخبر عنه بالمرور هو البعض، وكذا بدل الاشتمال فإذا قلت: سلبت زيدا ثوبه، فالمخبر عنه بالسّلب هو الثوب، وأما بدل الغلط فالأمر فيه ظاهر أنّ الأوّل غير مقصود (3)، وأمّا بدل الكلّ؛ فيشكل الفرق بينه وبين عطف البيان، ويفرّق بينهما في نحو: قام أخوك زيد، أنّ الأوّل إن كان أشهر من الثاني أو كانا في الشهرة على السواء، فالثاني بدل، وإلّا فهو عطف بيان، وأيضا؛ فعطف البيان لا يكون إلّا مظهرا والبدل يكون
مظهرا ومضمرا (4) ثم
__________
(1) الكافية، 402.
(2) قوله: من غير توسط حرف العطف، سقط من متن الكافية، ولم يرد في إيضاح المفصل، 1/ 449 ولا في شرح الوافية، 268 ولا في شرح الكافية، لابن الحاجب 2/ 447. وانظر شرح ابن عقيل، 3/ 247 وشذور الذهب، 439.
(3) وفي إيضاح المفصل، 1/ 449 البدل تابع مقصود بالذكر، وذكر المتبوع قبله للتوطئة والتمهيد، ثم قال:
وهذا الحد إنما يكون شاملا لغير بدل الغلط إذ بدل الغلط لم يذكر ما قبله لتوطئة ولا لتمهيد فإن قصدت دخوله في الحد قلت: ذكر المتبوع وليس هو المقصود.
(4) شرح المفصل، 3/ 72 - 74 وشرح الأشموني، 3/ 88.
البدل والمبدل منه يكونان معرفتين (1) نحو: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِراطَ الَّذِينَ (2) ونكرتين نحو رِزْقٌ مَعْلُومٌ/ فَواكِهُ (3) ومعرفة ونكرة نحو: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ (4) ونكرة ومعرفة نحو: إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ (5) وهذه الأمثلة في بدل الكلّ، وتقع كذلك في كلّ واحد من بدل البعض والاشتمال والغلط، فذلك ستة عشر قسما، ويجيء البدل والمبدل منه مظهرين ومضمرين ومختلفين، فيكون في كلّ قسم من أقسام البدل أربعة أقسام أيضا فتكون الجملة ستة عشر، وإذا ضممنا إليها أقسام المعرفة والنكرة وهي ستة عشر أيضا، صار جميع أمثلة البدل اثنين وثلاثين مثالا، وقد رتّبناها في هذه الزائجة (6) التي اقترحناها ترتيبا لم يسبق إليه، لتتضحّ منها:
__________
(1) الكافية، 402.
(2) من الآيتين 5 - 6 من سورة الفاتحة.
(3) من الآيتين 41 - 42 من سورة الصافات.
(4) من الآيتين 15 - 16 من سورة العلق.
(5) من الآيتين 52 - 53 من سورة الشورى.
(6) الزيج فارسي «زيك» وهو جدول يستدل به على حركات الكواكب ومواقعها، تفسير الألفاظ الدخيلة، للعنيسي، 33 والظاهر أنه صار يطلق على الدائرة.
ومنه (1)
على حالة لو أن في القوم حاتما … على جوده لضنّ بالماء حاتم (2)
فجرّ حاتما على البدل من هاء جوده.
__________
(1) جوّز أبو الفداء تبعا لابن الحاجب إبدال المضمر من الظاهر بدل كلّ، وقد منع ابن مالك ذلك، قال:
والصحيح عندي أن يكون نحو: رأيت زيدا إياه، من وضع النحويين وليس بمسموع من كلام العرب لا نثرا ولا شعرا ولو سمع كان توكيدا. وفيما قاله نظر؛ لأنّه لا يؤكّد القويّ بالضعيف وقد قالت العرب:
زيد هو الفاضل، وجوّز النحويون في هو أن يكون بدلا وأن يكون مبتدأ وأن يكون فصلا. انظر إيضاح المفصل 1/ 453 وتسهيل الفوائد 132 وشذور الذهب 441.
(2) البيت للفرزدق ورد في ديوانه، 2/ 842 برواية:
على ساعة لو كان في القوم حاتم … على جوده ضنّت به نفس حاتم
وورد البيت من غير نسبة في الكامل، 1/ 233 - 234 وشرح المفصل، 3/ 69 وشرح شذور الذهب، 442 وحاشية الشيخ ياسين على مجيب النداء، 2/ 255.
/ وإذا أبدلت النكرة من المعرفة لزمت الصفة لئلا يترجّح غير المقصود على المقصود في البيان (1) كقوله تعالى لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ (2) وهو مذهب الكوفيين (3) واختاره الزمخشري (4) وابن الحاجب (5) وأجاز جمهور البصريين ذلك بدون الصفة محتجّين بأنّه تحصل من اجتماعهما فائدة لم تحصل في الانفراد نحو:
مررت بصاحبيك عاقل وجاهل، ومنه قول الشاعر: (6)
فلا وأبيك خير منك إنّي … ليؤذيني التّحمحم والصّهيل
فأبدل خير منك وهو نكرة من أبيك وهو معرفة، ولا يجوز في بدل الكلّ أن يبدل الظاهر من المضمر من غير ضمير الغائب (7) نحو: ضربته زيدا، وأمّا ضمير المتكلّم والمخاطب فلا يجوز أن يجعل الظاهر بدلا منهما فإنك لو قلت: رأيتك زيدا، وقمت زيد، وجعلت زيدا بدلا من كاف رأيتك وتاء قمت لم يجز ذلك، لأنّ ضمير الغائب يحتمل أن يكون لكلّ غائب سبق ذكره، فإذا أبدلت الظاهر منه حصلت الفائدة، بخلاف ضمير المخاطب والمتكلّم فإنّه لا يحتمل أن تكون الكاف في مررت بك لغير الذي تخاطبه، ولا التاء في: كلّمتك لغير المتكلّم، وأيضا فإنّ ضمير المخاطب والمتكلم أعرف من الظاهر وفي البدل والمبدل، الثاني منهما هو المقصود بالنسبة، فلو جعل الظاهر
بدلا من ضمير المتكلّم والمخاطب، وهما أعرف منه، لكان لغير المقصود مزيّة على المقصود (8)، وأجازه بعضهم (9) محتجّا بقولهم: رأيتكم أوّلكم وآخركم وصغيركم وكبيركم، فأوّلكم وما بعده بدل من الكاف في رأيتكم، وأمّا بدل البعض والاشتمال
__________
(1) لأنّ البدل للإيضاح، والشيء لا يوضح بما هو أخفى منه، فلا تحصل فائدة بدون الصفة انظر حاشية ياسين على مجيب الندا، 2/ 255.
(2) الآيتان، 15 - 16 من سورة العلق.
(3) همع الهوامع، 2/ 127.
(4) المفصل، 121 - 122. والزمخشري هو أبو القاسم محمود بن عمر من أهل خوارزم، معتزلي مشهور، توفي 538. انظر ترجمته في نزهة الألباء، 391 وإنباء الرواة، 3/ 265 والبلغة 256.
(5) وجعله ابن الحاجب في الكافية 402 - واجبا.
(6) شمير بن الحارث الضبي، ورد منسوبا له في النوادر 154 وخزامة الأدب 5/ 179 ومن غير نسبة في المقرب، 1/ 245 وشرح الكافية 1/ 338. التحم+ صوت الفرس إذا طلب العلف.
(7) الكافية، 402.
(8) شرح الوافية، 270 وشرح المفصل، 3/ 69 وشرح التصريح، 2/ 160.
(9) كالأخفش والكوفيين، شرح الكافية، 1/ 342 والهمع، 2/ 127 - 128.
والغلط؛ فإنّه يجوز فيها كلّها إبدال الظاهر من المضمر مطلقا، لاختلاف البدل والمبدل منه في المعنى، فتقول في بدل البعض، اشتريتك نصفك واشتريتني نصفي، فالنصف فيهما وهو ظاهر بدل من كاف المخاطب في اشتريتك ومن ياء ضمير المتكلّم وتقول في بدل الاشتمال: مدحتك علمك ومدحتني علمي، وفي بدل الغلط ضربتك الحمار وضربتني الحمار.
ذكر عطف البيان (1)
وحدّه (2): بأنّه تابع غير صفة يوضّح متبوعه، فقال: غير صفة ليخرج الصفة، ووجه تغايرهما؛ أنّ عطف البيان لا يدلّ على معنى في متبوعه زائد على الذّات، بخلاف الصفة وقوله: يوضّح متبوعه ليخرج التأكيد والبدل فإنّهما لا يوضّحان متبوعهما (3) ومثاله (4):
أقسم بالله أبو حفص عمر
فعمر موضّح لأبي حفص، لأنّ أبا حفص كنية عمر رضي الله عنه، ولما كان في الكنية اشتراك أتي بعمر ليوضّح الكنية، ومما ينفرد به عطف البيان عن البدل قول المرّار: (5)
أنا ابن التارك البكريّ بشر … علية الطّير ترقبه وقوعا
/ لأنّ البدل في حكم تكرير العامل، فيمتنع جرّ بشر على البدل؛ لأنّه يصير التقدير أنا ابن التارك بشر فيمتنع لما ذكرنا من امتناع الضارب زيد (6)، ويتعيّن أن
__________
(1) في الكافية، 402 «تابع غير صفة يوضح متبوعه».
(2) في الأصل وحدوه.
(3) شرح المفصل، 3/ 70 وتسهيل الفوائد، 171.
(4) الرجز لعبد الله بن كيسبه، وبعده:
ما مسّها من نقب ولا دبر
ورد منسوبا في خزانة الأدب، 5/ 154، ونسبه ابن يعيش في شرح المفصل، 3/ 71 لرؤبة بن العجاج وردّه العيني في شرح الشواهد، 1/ 129 بقوله: وهذا خطأ لأن وفاة رؤبة في سنة خمس وأربعين ومائة، ولم يدرك عمر ولا عدّه أحد من التابعين وورد الرجز من غير نسبة في شرح الكافية، 1/ 343 وشرح شذور الذهب، 435 وشرح ابن عقيل، 3/ 219 وشرح التصريح، 1/ 131 وشرح الأشموني 1/ 129.
(5) والمرار بن سعيد بن حبيب بن خالد الفقعسي للأسدي. شاعر إسلامي. انظر أخباره في معجم الشعراء 176. ورد منسوبا له في الكتاب، 1/ 182 وشرح المفصل، 3/ 83 وشرح الشواهد، 3/ 87 وشرح التصريح، 2/ 133 وخزانة الأدب، 4/ 284 وورد من غير نسبة في المقرب، 1/ 248 وشرح الكافية، 1/ 343 وشرح شذور الذهب. 436 وشرح الأشموني، 3/ 87.
(6) أي امتناع إضافة الوصف المقترن بأل إلى المعرفة.
يكون عطف بيان، وقد أجاز أبو علي أن يكون عطف البيان نكرة (1) لقوله تعالى:
يُوقَدُ (2) مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ فقال (3): زيتونة، عطف بيان لشجرة، وينفرد عطف البيان عن البدل أيضا في باب النّداء نحو: يا أخانا زيدا، بالنصب ولو جعل بدلا لقيل: يا أخانا زيد، بالبناء على الضمّ لأنّ البدل في حكم تكرير العامل.