وقال الأخفش: وإنما بدأوا بـ (إن) لقوتها وقوتها أنها عاملة, واللام غير عاملة, فجعلوا الأقوى متقدماً في الفظ وأخروا اللام على معناها مبتدئة.
وقال ابن كيسان: التوكيد إنما هو لما بعد (إن) فجعلت اللام بعد ولم تجعل في الاسم- يعني المجاور لـ (إن) - لأنها إذا دخلت على أول الكلام قطعته عما قبله, فكان يبطل عمل (إن) فتكون (إن) غير عاملة في شيء.
وذهب الفراء إلى أن اللام للفرق بين الكلام الذي يكون جواباً وبين الكلام الذي يستأنف على غير جواب, فتقول: إن زيداً منطلق بغير
لام وتقول: إن زيداً لمنطلق ولا يكون إلا جواباً لكلام قد مضى وهو جواب جحد,
وذهب معاذ بن مسلم الهراء - وتبعه أحمد بن يحي -إلى أن قولك" إن زيداً منطلق" جواب: ما زيد منطلقاً و"وإن زيداً لمنطلق" جواب: ما زيد بمنطلق فـ (إن) بإزاء (ما) واللام بإزاء الباء.
وذهب هشام وأبو عبد الله الطوال إلى أن اللام جواب للقسم, واليمين قبل (إن) مضمرة. وحكي هذا أيضاً عن الفراء.
وقال المصنف في الشرح:" لام الابتداء هي المصاحبة للمبتدأ توكيداً نحو: لزيد منطلق وهي غير المصاحبة جواب القسم لدخولها على المقسم به في لعمرك وليمين الله, والمقسم به لا يكون جواب قسم, ولا استغنائها عن نون التوكيد في نحو {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} والمصاحبة جواب القسم لا تستغني في مثل (ليحكم) عن نون التوكيد إلا قليلاً في الشعر. ولما كان مصحوب اللام في الأصل المبتدأ وكان معنى الابتداء باقياً مع دخول (إن) اختصت بدخولها معها لذلك, ولتساويهما في التوكيد حسن اجتماع توكيدين بحرفين كما حسن اجتماعهما باسمين في نحو {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} موضعها في الأصل قبل (إن) لأنها تعلق أفعال القلوب وهي أقوى عملاً من (إن) فلو أخرت ولم ينو تقديمها لعلقت (إن) وإلا لزم ترجيحها على أفعال
القلوب وأزيلت لفظا عن موضعها الأصلي كراهية لتقديم مؤكدين مع أن حق المؤكد أن يؤخر عن المؤكد " انتهى كلامه, وفيه بعض مناقشة:
من ذلك في قوله" وهي غير المصاحبة جواب القسم". وهذا غير مسلم, بل اللام المتلقي بها القسم إما أن تكون داخلة على المبتدأ والخبر أو على الفعل فإن كانت داخلة على المبتدأ والخبر فهي لام الابتداء نحو: والله لزيد قائم, ولا يمنع دخولها على المقسم به في (لعمرك) و (ليمن الله) أن تدخل على جواب القسم. وإن دخلت على الفعل, نحو: والله لقام زيد, والله ليقومن بكر, فليست لام الابتداء
ومن ذلك قوله" وهي- أي اللام- أقوى عملاً من إن" وليس للام عمل في شيء البتة وإصلاحه: وهي أقوى تأكيداً من (أن) لأنها تعلق أفعال القلوب و (إن) إذا لم تكن معها اللام تكون مفتوحة لأجل فعل القلب قبلها.
وقوله على اسمها المفصول (المفصول) يشمل الفصل بالخبر, نحو {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً} أو بمعمول الخبر, نحو: إن فيك لزيداً راغب أو بمعمول الاسم نحو: إن في الدار لساكن زيد. فأما الأولى فلا خلاف فيها, وأما الثانية ففيها خلاف, وأصحابنا لا يجيزون ذلك بناء منهم على أن المسألة قبل دخول اللام لا تجوز, وأما الثالثة ففيها نظر, والذي يقتضيه القياس المنع لأن فيه إعمال ما بعد اللام فيما قبلها ويمكن القياس على: إن زيداً طعامك لآكل فكما جاز تقديم ما بعد اللام التي في الخبر على الخبر كذلك يجوز تقديم ما بعد اللام في الاسم على معموله. ودخولها على الاسم مشروط بالفصل.
/ وحكى الكسائي عن العرب دخولها على الاسم غير مفصول بشيء حكي عن العرب: خرجت فإذا إن لغراباً وهذا شاذ وينبغي أن يتأول على أن ثم فصلاً محذوفاً وهو خبر (إن) تقديره: خرجت فإذا إن بالمكان لغراباً.
وقوله وعلى خبرها المؤخر عن الاسم مثاله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ} وفي بعض النسخ" وعلى خبرها المثبت". وقال في الشرح: " بينت أن اتصالها بالخبر مشروط بكونه مثبتا" ولا يحتاج إلى هذه الزيادة-أعني المثبت- لأنه سيذكر في هذا الفصل أنها لا تدخل على حرف نفي إلا في ندور , فيتقيد هذا بـ (المثبت) وسيأتي الكلام على الخبر إذا كان مصدراً بأداة نفي إن شاء الله. وشرط التأخير عن الاسم لأنه لو تقدم الخبر على الاسم لم يجز دخول اللام عليه, ولو قلت: إن لعندك زيداً وإن زيدا وإن غدا لعندنا زيداً لم يجز.
وأطلق المصنف في قوله" وعلى خبرها المؤخر عن الاسم" فدخل فيه الاسم المفرد والظرف والمجرور والمضارع والجملة الاسمية. فدخلت على الاسم المفرد لأنه هو اسم (إن) في المعنى وعلى الظرف والمجرور لأنهما قائمان مقام (كائن) أو (مستقر) وهو اسم (إن) في المعنى, وعلى المضارع لأنه مشابه لاسم الفاعل الذي هو اسم (إن) في المعنى, وعلى الجملة الاسمية غير المنفية لأن اللام إذ ذاك تكون داخلة في اللفظ على المبتدأ الذي حقها أن تدخل عليه. هكذا عللوا هذه الأشياء.
ثم قيد بعد ذلك أشياء من الخبر لا تدخل عليها, يأتي ذكرها إن شاء الله قال المصنف و"ولم أقيد تأخير بقرب ليعلم أبعده لا يضر كقول الشاعر:
وإنِّي على أن قد تجشمت هجرها ... لما ضمنتني أم سكنٍ لضامن
وكقول الآخر:
وإن امرأً أمسى ودون حبيبه ... سواس فوادي الرس فالهميان
لمعترف بالنأي بعد اقترابه ... ومعذورة عيناه بالهملان
ويعمل ما بعد اللام فيما قبله، نحو قوله تعالى {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}، وقال طرفة:
وإن لسان المرء ما لم يكن له ... حصاة على عوراته لدليل "
انتهى.
فرع: أن بك كفيلين لأخواك. أجاز ذلك الكسائي، ومنعه الفراء لأن الاسم مرفوع بالفعل، فلا يحول بينهما باللام، وأجاز ذلك البصريون على أن (أخويك) خبر (إن).
فرع: أجاز الفراء الجمع بين لامي توكيد وأن / تقول: إن زيداً للقد قام، وأنشد:
ولئن قوم أصابوا عزةً ... وأصبنا من زمانٍ رفقا
للقد كانوا لدى أزماننا ... بصنيعين لبأسٍ وتقي
وهذا خطأ عند البصريين، والرواية: فلقد.
وقوله وعلى معموله مقدماً عليه بعد الاسم قال المصنف: "قيدت دخولها على معمول الخبر بكونه مؤخراً عن الاسم مقدماً على الخبر لأن المعمول كجزء من العامل، فإذا قدم كان كالجزء الأول، فإذا أخر كان كالجزء الآخر، فلذلك جاز: إن زيداً لطعامك آكل، وامتنع: إن زيداً آكل لطعامك. ومثال (إن زيداً لطعامك آكل) ما أنشد الكسائي:
ولقد علمت فما أخاك سواء ... إن الفتي لحتفه مرصود
وقول الآخر:
إن امرأً خصني عمداً مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور"
انتهى.
قال الأستاذ أبو علي: أتى س بالبيت شاهداً على: إن زيداً لفيها قائم، والعامل في (عندي) ما في "غير مكفور" كله من معنى الفعل، كأنه قال: معتمد عندي، ولا يكون العامل فيه (مكفور) وحده لأن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل، ولا يصح تقديم العامل هنا لأنه مضاف إليه، وهو لا يتقدم على المضاف.
وحمله قوم على أن ما بعد المضاف عمل فيما قبله لأنه في تقدير
(لا)، كما تقول - في زعمهم - أنا زيداً غير ضارب؛ لأنه في تأويل: لا ضارب. ولا يصح ذلك في (مثل) إذا قلت "مثل ضارب" لأنها ليست في تقديره، فقالوا: هذا البيت على ذلك.
وقال ابن عصفور: قيل: وهذا إنما يجوز في الظرف والمجرور، كقوله:
......................... ... بضرب الطلي والهام حق عليم
أي: عليم حقاً، فما كان من المضافات بتقدير المفرد جاز فيه ذلك إذا كان المعمول ظرفاً أو مجروراً، فإن كان مفعولاً صريحاً لم يجز.
وقال الأستاذ أبو علي: "وهذا كسر للباب المطرد، وإذا أبقيناه على أصله كان أحسن، فنقول: العامل في الظرف معنى قوله (غير مكفور) أي: معتمد، وهذا معنى صحيح، وأما مثالهم فلا يصح على هذا لأن المعنى لا يعمل في المفعول الصريح" انتهى.
وقال ابن الدهان: التقدير فيه: لعندي مشكور؛ لأن ما بعد المضاف لا يعمل فيما قبله وإن كان قد أجيز في (غير).
قال الزجاج: أنا أجيز: أنا زيداً ضارب، ولا أجيز: أنا زيداً مثل ضارب / لأنه يقدر غيراً بـ (لا)، ويقدر مثلاً بالكاف.
وينبغي أن يتوقف في دخولها على المفعول به المتقدم على عامله الخبر، ولا يقاس على تقدم الظرف والجار والمجرور لأنه يتسمح فيهما مالا يتسمح في غيرهما، فلا يقال "إن زيداً لطعامك آكل" حتى يسمع نظيره من لسان العرب. وظاهر كلام المصنف وكلام غيره إطلاق معمول خبر ما يجوز دخول اللام عليه. وهذا الإطلاق ليس بصحيح لأن معمول الخبر إذا كان حالاً لم تدخل اللام عليه، نحو: إن زيداً لضاحكاً مقبل، فلا يجوز هذا، ولم يسمع من لسانهم، ونص الأئمة على منعه.
ويشمل معمول الخبر أن يكون مفعولاً به، وظرفاً، ومجروراً، وحالاً، ومصدراً، ومفعولاً من أجله، وفي بعض هذه الأشياء خلاف، ونحن نذكر ذلك:
أما الحال فقد ذكرنا حكمها، وأنها لا يجوز دخول اللام عليها وإن كان القياس يقتضيه، قال أبو بكر: لا يدخلون هذه اللام على الحال، ولا على صفة، ولا تأكيد، ولا بدل. وقال ابن ولآد: سألت أبا إسحاق: هل يجوز: إن زيداً في الدار لحاضراً قائم، فتدخل هذه اللام في الحال، وتقدم كما قدمت الظرف وهو ملغى؟ فسكت، ولم يجب. قال ابن ولآد: والجواب فيها أن اللام لا تدخل في الحال تقدمت أو تأخرت لأن الحال لا تكون خبراً وهي حال، كالظرف يكون خبراً وهو ظرف.
وهذا الذي قاله ابن ولآد لا يتوجه على قول من قال في "ضربي زيداً قائماً" إنها حال سدت مسد الخبر كالظرف، وهو أيضاً معترض بالمفعول، وهو "إن زيداً لطعامك آكل"، فقد دخلت على الفضلة لما توسطت، ويمكن أن هذا هو الذي أسكت أبا إسحاق؛ ألا ترى أن المفعول به لا يكون خبراً، والقياس هنا على المفعول به ممكن لأنها
بمنزلته وبمنزلة الظرف أيضاً، إلا أنه لم يسمع، والله أعلم، وقد منعه الأئمة. انتهى من الإفصاح.
وفي (البسيط): "وأما دخول اللام على الحال من الخبر ففيه خلاف، فمن راعى أنه فضلة كالظرف أجاز، ومن راعى أنه لا يكون خبراً بخلاف الظرف لم يجز، وينبغي ألا يجوز [في] المفعول " انتهى.
وقال ابن خروف: وأما إن عندي لفي الدار زيداً، وإن عندي لقائماً صاحبك، فقياسه أن يجوز لتعلق الظرف والحال بما قبل الاسم، وأما "إن زيداً قائماً في الدار" فلا سبيل إليه لا باللام ولا بسقوطها لتقدم الحال على العامل، وهو معنى. وأما إذا كان الحرف وما دخل عليه علة للفعل، نحو: أن زيداً كي يقوم معترض، وإن زيداً ألا تغضب يأتيك، فأجاز دخول اللام على (كي) وعلى (أن) البصريون، ومنع ذلك/ الفراء.
وفي (الغرة): "ذكروا أن هذا اللام لا تدخل على النواصب ولا الجوازم، وإنما تدخل على الحروف الملغاة فمنعوا من قولهم: إن زيداً لكي تقوم يعطيك، وأجازوا: إن زيداً كي تقوم ليعطيك، ولو تعرض لهذا بصري لأجاز هذه المسألة على قول من قال: كيمه؟ كما تقول: إن زيداً لفي الدار قائم، وتقول: إن زيداً لما لينطلقن، الأولى لـ (إن)، والثانية للقسم، وزيدت (ما) فيه فاصلة" انتهى.
وأما إذا كان الظرف (مذ) في نحو "إن عبد الله مذ يومان غائب" فمنع ذلك الفراء، قال: لأن الفعل ليس بواقع على (مذ). ولا يجيز: إن عبد الله لمذ يومان غائب.
وقال الكسائي: إذا كان الفعل آخذاً للوقت الذي بعد (مذ) كله.
أدخلتُ اللام في (مذ) وفي الفعل الذي بعدها، فأقول: إن عبد الله لمذ يومان سائر؛ لأنه يسير اليومين، ولا أقول: إن عبد الله لمذ يومان غائب؛ لأني أقول: هو مذ يومان يسير، ولا أقول: هو مذ يومان يغيب.
قال الفراء: يلزمه أن يقول: إن عبد الله لحتى القيامة أخوك، ولا يقول: إن عبد الله لحتى القيامة مسيء لأن الأخوة تتصل به وهو ميت، ولا تتصل به الإساءة.
وقال الفراء أيضاً: قبيح أن تقول: إن عبد الله لليوم خارج، اليوم وقت، والفعل ليس بواقع على المواقيت كوقوعه على الأسماء لأنها في تأويل الجزاء، فلذلك قبح، وهو جائز.
ولا يجيز الفراء إدخال اللام على (حتى) ولا (مذ) ولا (إلى)، لا يجيز: إن سيرك لحتى الليل، ولا: لإلى الليل. وأجاز ذلك هشام والبصريون.
وأجاز س والبصريون: إن زيداً لفيها قائم، جعل (فيها) ملغاة. ومنعه الكوفيون، قالوا: لأن (فيها) لو كانت لغواً لم تؤكد. واحتج س بقول العرب: إن زيداً لبك مأخوذ.
وأما إذا كان المعمول مصدراً أو مفعولاً من أجله صراحاً، نحو: إن زيداً لقياماً قائم، وإن زيداً لأحسانا يزورك، فهو يندرج في عموم قولهم إنها تدخل على معمول الخبر.
وفي (البسيط): "وتدخل على الخبر وفضلته، نحو: إنَّ زيداً لفي
الدار لقائم، ولا يجوز عند الكوفيين، وأجازه الزجاج، ولا تدخل على غيرهما" انتهى.
وينبغي أن يتوقف في دخولها على المصدر والمفعول من أجله، ولا يقدم على جواز ذلك إلا بسماع.
وإذا تأخر معمول الخبر، وأدخلت اللام على الخبر، لم يجز دخول اللام على المفعول، نحو: إن زيداّ لقائم في الدار. وأجاز ذلك الزجاج، وأجاز: أن زيداً لقائم لفي الدار. ومنع ذلك المبرد. وهو الصحيح لأن ذلك لم يسمع، ولمنعه وجه من القياس، وذلك أنك إذا كررت اللام فقد وكدتها وإن كان المقصود بهما توكيد الخبر، والعرب لا تؤكد الحرف إلا بما يدخل عليه، أو بضميره، نحو: / مررت بزيد، أو به، وهنا ليس كذلك. وإذا أجاز الزجاج ذلك قياساً على قوله: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} اعتقد أن اللامين جواب القسم، وليس كذلك لأن الأولى هي لام (إن)، والثانية لام جواب القسم المحذوف.
فرع: زعم الفراء أنه لا يجوز: إن زيداً لأظن قائم، ولا: إن زيداً لغير شك قائم، وإن زيداً لئن شاء الله قائم.
وقال ابن كيسان: لأنه كلام يعترض به من إخبارك عن نفسك كيف وصفت الخبر عن زيد شكاً كان عندك أو يقيناً، والتوكيد إنما هو لخبر زيد لا لخبرك عن نفسك لأن (إن) لا تتعلق بخبرك عن نفسك، وهي متجاوزة إلى الخبر.
وقوله وعلى الفصل المسمى عماداً مثاله قوله تعالى {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ}. قال المصنف: "وجاز أن تدخل عليه لأنه مقو للخبر، فرفعه يوهم السامع كون الخبر تابعاً، فنزل منزلة الجزء الأول من الخبر، فحسن دخولها عليه لذلك، ومع ذلك لا يتعين لإمكان جعله مبتدأ". وقال ابن عصفور: "تدخل على الفصل لأنه هو اسمها في المعنى".
وقوله وأول جزأي الجملة الاسمية المخبر بها أولى من ثانيهما مثال دخولها على أول تلك الجملة قوله تعالى: {وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}، وقول الشاعر:
إن الكريم لمن ترجوه ذو جدةٍ ... ولو تعذر أيسار وتنويل
ومثال دخولها على ثانيهما قول الشاعر:
فإنك من حاربته لمحارب ... شقي، ومن سالمته لسعيد
ومثله:
إن الألي وصفوا قومي لهم فأصخ ... وعذبهم تلق من عاداك مخذولا
قال المصنف في الشرح: "وقدا شذ دخولها على ثاني جزأي الجملة الاسمية". وهذا يخالف ظاهر قوله في الفص "أولى من ثانيهما" لأن الأولوية تشعر بالجواز إشعاراً حسناً دون شذوذ. وحكي أبو الحسن: أن زيداً وجهه لحسن. قال في (البسيط): وهو شاذ. وإنما كان صدر الجملة الاسمية أولى والقياس لأنها كصدر الجملة الفعلية، ومحل اللام من الفعلية صدرها، فكذلك من الجملة الاسمية.
وفي (البسيط): أما دخولها على فضلة خبر المبتدأ إذا تقدم، أو الخبر إذا تقدم، نحو: إن زيداً لآتيه أبوه، أما الأول فجائز لأنه صار في مرتبة المبتدأ كما كان في حالة الابتداء، نحو: لطعامك زيد آكل، وأما الثاني فلكونه نفس الخبر، وهو ممنوع / فيه.
وهل يصح أن تدخل على التأكيد، نحو: إن زيداً لنفسه قائم؟ لم يتعرض له، وفيه نظر.
وقوله وربما دخلت على خبر (كان) الواقعة خبر (إن) مثاله ما ثبت في بعض نسخ البخاري من قول أم حبيبة رضي الله عنها: "إني كنت عن هذا لغنية"، قاله المصنف. وهذا من استدلال المصنف بما نقل في
الآثار، وقد أطلْنا الكلام معه في الاستدلال بذلك في كتابنا (التكميل)، فيوقف عليه هناك.
-[ص: ولا تدخل على أداة شرط، ولا على فعلٍ ماضٍ متصرفٍ حالٍ من (قد)، ولا على معموله المتقدم، خلافاً للأخفش، ولا على حرف نفي إلا في ندور، ولا على جواب الشرط، خلافاً لابن الأنباري، ولا على واو المصاحبة المغنية عن الخبر، خلافاً للكسائي. وقد يليها حرف التنفيس، خلافاً للكوفيين، وأجازوا دخولها بعد (لكن)، ولا حجة فيما أوردوه لشذوذه وإمكان الزيادة، كما زيدت مع الخبر مجرداً أو معمولاً لأمسى، أو زال، أو رأى، أو أن، أو ما. وربما زيدت بعد (إن) قبل الخبر المؤكد بها، وقبل همزتها مبدلة هاءً مع تأكيد الخبر أو تجريده. فإن صحبت بعد (إن) نون توكيد أو ماضياً متصرفاً عارياً من (قد) نوى قسم، وامتنع الكسر.]-
ش: إذا كان الخبر جملة شرطية لم يجز دخول اللام على الأداة، لا يجوز أن تقول: إن زيداً لئن يكرمني أكرمه، ولا: إن هند لمن يكرمها تكرمه، نص على منعه أصحابنا والفراء والكسائي؛ لأن الخبر إذ ذاك ليس هو المبتدأ ولا مشبهاً لما هو المبتدأ في المعنى.