ذكر المجرورات (3)
المجرور ما اشتمل على علم المضاف إليه (4) وهو قسمان: أحدهما: مجرور بحرف الجرّ وسيأتي في قسم الحرف (5) والثاني: المضاف إليه وهو كلّ اسم ملفوظ أو مقدّر، نسب إليه شيء بواسطة حرف جرّ لفظا أو تقديرا مرادا، فمثال الاسم الملفوظ زيد في: غلام زيد، والمقدّر في نحو قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ (6) إذ تقديره يوم قيام الروح، وقوله: نسب إليه شيء بواسطة حرف الجرّ، احتراز (7) عن الإضافة اللفظيّة مثل: زيد ضارب عمرو، فإنّ المضاف إليه فيها نسب إليه المضاف الذي هو الصّفة لا بواسطة حرف جرّ، وقوله: لفظا أو تقديرا تفصيل لحرف الجر، فاللفظيّ نحو: مررت بزيد، وأنا مار بزيد، والتقديريّ (8) نحو اللام في: غلام زيد، ومن في: خاتم فضّة (9) وشرط المضاف إليه المجرور بواسطة حرف الجرّ التقديري أن يكون مضافه اسما حذف تنوينه أو ما يقوم مقام التنوين لأجل الإضافة (10)، وقوله: مرادا احتراز عن الظّرف نحو: صمت يوم الجمعة، لأنّ يوم الجمعة نسب إليه
__________
(1) غير واضحة في الأصل.
(2) شرح الكافية 1/ 268.
(3) الكافية، 398.
(4) بعدها في الأصل مشطوب عليه «والمجرورات».
(5) 2/ 72.
(6) من الآية 38 من سورة النبأ.
(7) في الأصل احترازا وانظر قوله بعد ...
(8) في الأصل والتقدير.
(9) شرح المفصل، 2/ 117 وتسهيل الفوائد 155.
(10) شرح الكافية، 1/ 272.
شيء وهو صمت بواسطة حرف الجر وهو في، وليس ذلك الحرف مرادا، وإلّا كان يوم الجمعة مجرورا لا يقال: قولكم: إنّ المضاف إليه لا يكون إلّا اسما لفظا أو تقديرا وقد أضيف نحو: حيث وإذا، إلى الجمل في قولهم: جلست حيث جلس زيد، وليست الجملة اسما لا لفظا ولا تقديرا، لأنّا نقول: إنّ هذه الجملة مؤوّلة بالاسم المفرد، إذ تقديره: جلست حيث جلوس زيد، أي مكان جلوسه، والإضافة نوعان: معنوية ولفظية.
ذكر الإضافة المعنويّة (1)
وهي أن يكون المضاف غير صفة مضافة إلى معمولها، وهو على ثلاثة أضرب:
أحدها: بمعنى من، وشرطها: أن يكون المضاف نوع المضاف إليه (2) نحو:
خاتم فضّة، وباب ساج.
وثانيها: بمعنى في، وشرطها: أن يكون المضاف اسما مضافا إلى ظرفه نحو ضرب اليوم ومَكْرُ اللَّيْلِ (3) وهو قليل (4).
وثالثها: بمعنى اللّام وهو ما عدا هذين القسمين نحو: غلام زيد، وغلامه، والفرق بين الإضافة بمعنى اللّام، ومعنى من، أنّ التي بمعنى اللّام لا يصحّ الإخبار بأحد الاسمين عن الآخر، ولا يكون المضاف نوعا من المضاف إليه، ولا يجوز أن ينتصب المضاف إليه على التمييز من المضاف، والتي بمعنى من على العكس من ذلك كلّه (5)
وشرط الإضافة أن يكون المضاف خاليا عن التعريف (6)، وأجاز الكوفيون:
الخمسة الأثواب ونحوه من العدد ومنعه البصريون كغيره (7) لأنّه لو أضيف المعرّف
__________
(1) الكافية: 398.
(2) تسهيل الفوائد، 155.
(3) من الآية 33 من سورة سبأ.
(4) همع الهوامع، 2/ 46.
(5) شرح المفصل، 2/ 119 وشرح التصريح، 1/ 25.
(6) الكافية، 398.
(7) بعدها في شرح الوافية، 249 «ولم يأت إلا في لغة ضعيفة على خلاف القياس واستعمال الفصحاء» وانظر خلافهم حول هذه المسألة في الكتاب، 1/ 206 والمقتضب، 2/ 275 ومجالس ثعلب القسم الثاني، -
إلى معرفة كان جمعا بين تعريفين، وإن أضيف إلى نكرة حصل من المعرفة تعيين المسمّى، ومن النكرة، عدم/ تعيينه فيتنافيان.
قال ذو الرمة: (1)
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى … ثلاث الأثافي والدّيار البلاقع
وكذلك حكم إضافة العدد، تقول: مائة الدّرهم ومائتا الدينار، وثلاثة مائة الدّرهم، وألف الرجل، وثلاثة آلاف الرجل، وعلى ذلك جميع ما هو من هذا الباب.
ذكر الإضافة اللفظيّة (2)
وهي أن يكون المضاف صفة مضافة إلى ما كان معمولا لها، مثل: عمرو ضارب زيد، وعظيم الحظّ، وحسن الوجه، وأصله ضارب زيدا، وعظيم حظّه وحسن وجهه، والمعنى في الإضافة اللفظيّة على ما كان عليه لو لم يضف لأنّها لا تفيد غير تخفيف اللفظ (3) وهو (4) حذف التنوين أو ما يقوم مقامه (5)، واحترز بقوله: صفة مضافة إلى معمولها، من الصفة المضافة إلى غير معمولها نحو: مصارع مصر، فإنّ إضافته معنويّة، لأنّ مصر ليس بمعمول مصارع، وكذلك المصدر المضاف إلى الفاعل أو المفعول إضافته معنويّة (6)، لأنّ المصدر ليس
بصفة نحو: دقّ القصّار
__________
- 590 والإنصاف، 2/ 312 وشرح المفصل، 2/ 121 وشرح الكافية، 1/ 277 والهمع، 2/ 48.
(1) غيلان بن عقبة، أحد عشاق العرب المشهورين انظر أخباره في طبقات فحول الشعراء، 2/ 549 والشعر والشعراء، 2/ 437 والبيت في ديوانه، 332 وورد منسوبا له في المقتضب، 2/ 175 - 176 والحلل، 170 وشرح المفصل، 2/ 121 - 122 وورد من غير نسبة في المقتضب، 4/ 144 وهمع الهوامع، 2/ 150 وشرح الأشموني، 1/ 187. وروي يدفع مكان يكشف، والعنا والبكا مكان العمى. الأثافي:
جمع أثفية وهي الحجارة التي توضع عليها القدور والبلاقع: جمع بلقع وهي الخالية من السكان التي لا أنيس بها.
(2) الكافية، 398 - 399.
(3) تسهيل الفوائد، 1/ 155.
(4) في الأصل هو.
(5) تسهيل الفوائد، 156 وشرح المفصل، 122.
(6) همع الهوامع، 2/ 48.
الثوب أو دقّ الثوب القصّار (1)، وكذلك نحو: هذا مضروب زيد وضارب زيد أمس، وزيد أفضل القوم، فإنّ ذلك كلّه إضافة معنويّة، لأنّ المراد بالصفة المضافة إلى معمولها، أنّ المضاف كان رافعا أو ناصبا للمضاف إليه قبل الإضافة، ومعلوم أنّ هذه الصفة ليست كذلك، لأنّ ضارب شرط عمله أن يكون للحال أو للاستقبال، فإذا قلت: أمس انتفى عمله وأما مضروب وأفضل فإنّهما أيضا لم يكونا رافعين ولا ناصبين للمضاف إليه قبل الإضافة (2).
والإضافة اللفظيّة لا تفيد تعريفا لأنه يجوز جعل المضاف إضافة لفظيّة صفة للنكرة دون المعرفة، نحو: مررت برجل حسن الوجه، وبرجل ضارب زيد (3)، فلولا أنّه نكرة لما وصف به النكرة، ويمتنع أن توصف به المعرفة فلا يقال: مررت بزيد ضارب عمرو، على أن يكون صفة ولو كان معرفة لوصف به المعرفة ويجوز:
الضاربا زيد، والضاربو زيد، وفي التنزيل وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ (4) لإفادته التخفيف وهو حذف النون، ويمتنع: الضارب زيد، لعدم وجود التخفيف بهذه الإضافة والفرّاء جوّزه (5)، قالوا: وللفرّاء أن يحتجّ بأنّ التنوين حذف للإضافة، وأنّ الألف واللام، دخلتا (6) بعد الإضافة (7)، فإن قيل: فالواجب أن يمتنع الضارب الرجل كما امتنع
الضارب زيد، لعدم التخفيف، فالجواب: أنّ الضارب الرجل مشبّه بالحسن الوجه، من حيث إنّ المضاف في الصورتين صفة، والمضاف إليه معرّف باللام (8)، وكذا إن
__________
(1) الأول من إضافة المصدر إلى فاعله، والثاني من إضافته إلى المفعول.
(2) شرح التصريح، 1/ 27.
(3) يعدها في الأصل مشطوب عليه «قال الله تعالى: قالوا هذا عارض ممطرنا» الأحقاف، 24.
(4) من الآية 35 من سورة الحج.
(5) معاني القرآن، 2/ 226 وانظر شرح المفصل، 2/ 122 وشرح الكافية، 1/ 218.
(6) غير واضحة في الأصل.
(7) أجاب الرضي عن ذلك ناقلا رأي ابن الحاجب في هذه المسألة بقوله «أما قوله لأن لام التعريف دخلتها بعد الحكم بإضافتها، فإنّه رجم بالغيب ومن أين له ذلك؟ ونحن لا نحكم إلّا بالظاهر فإنّه وإن أمكن ما قال، إلّا أنّا نرى اللام سابقة حسا على الإضافة، والإضافة في الظاهر إنّما أتت بعد الحكم بذهاب التنوين بسبب اللام فكيف ينسب حذف التنوين إلى الإضافة بلا دليل قاطع ولا ظاهر مرجّح. شرح الكافية، 1/ 381 وهمع الهوامع، 2/ 48.
(8) وفي شرح الوافية، 249 «وأجاب عنه بأن هذا مشبه بالحسن الوجه يقول: كما نصبوا الوجه تشبيها -
قيل: إن الضار بك جائز وهو مضاف إلى المضمر مع عدم التخفيف، فهو كالضارب زيد، فيجاب: بأنّه محمول على ضاربك، وضاربك مضاف باتفاق، وتخفيفه تقديري، إذ لم ينطق باسم فاعل عامل نصبا في مضمر متصل (1)، لأنّ اسم الفاعل لا يعمل نصبا إلا إذا كان منوّنا/ ولو كان منوّنا لامتنع اتصال الضمير به، ولكن يقدّر أنّ أصله كان ضاربنك، بتنوين اسم الفاعل، ثمّ حذف التنوين وأضيف إضافة لفظيّة فبقي: ضاربك، فقد أفاد تخفيفا تقديريا، ولمّا كان لم ينطق به لم ينظر إلى التخفيف فيه (2).