الفصل الثّاني من باب النّداء: في التّرخيم وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأوّل: في تعريفه.
الترخيم - في اللّغة - الرأفة والإشفاق، وقيل: التسهيل والتّليين، وو هو - فى العربيّة - حذف يلحق أواخر بعض
الأسماء المناداة؛ تخفيفا. وهو من خواصّ الأسماء، وخصّوا به النداء؛ لكثرته في كلامهم؛ لأنّ الحذف يتطرّق كثيرا إلى ما يتكرّر في كلامهم، حتّى استغنوا بالحرف عن الكلمة، كقول الشّاعر: (1):
قلنا لها قفى قالت قاف
تريد: أقف، ومثل هذا في الكلام كثير.
وأمّا شروطه: فهي - في الغالب - سبع.
الأوّل: أن يكون منادى، فلا يرخّم غير المنادى، إلا شاذا، أو فى الشّعر.
الثّانى: أن يكون مفردا؛ فلا يرخّم المضاف؛ لأنّ الترخيم يصير حشوا، ولا يلحق المضاف إليه؛ لأنّه غير منادى، ولا يرخّم المشابه للمضاف؛ لأنّ معموله من تمامه، ولا مستغاث به؛ لأنّه كالمضاف، وإنّه معرب.
الثّالث: أن يكون علما، إلّا أن يكون مؤنّثا بالتّاء؛ فلا يفتقر إلى التّعريف،
__________
(1) هذا الرجز للوليد بن عقبة بن أبى معيط.
وانظر: الخصائص 1/ 30، 80، 246 و 2/ 361، وشرح شواهد الشافية 271.
الضمير في" لها" للإبل أو الخيل التى كان يسوقها الوليد.
فضلا عن العلميّة، وقد شذّ قولهم: يا صاح، فرخّموه نكرة غير مؤنّث، يريدون: يا صاحب، ولقد كثرت هذه الكلمة في كلامهم حتّى لم تكد تسمع إلا مرخّمة، وحتّى حذفوا معها حرف النداء.
الرّابع: أن يكون مبنيا فى النّداء؛ لأنّ الحذف تغيير، والبناء تغيير، فأشبهه.
الخامس: أن يكون الاسم على أكثر من ثلاثة أحرف؛ ليبقى بعد الحذف على مثال الأصول، إلّا أن يكون مؤنّثا، والفرّاء (1) يرخّم منه. ما كان متحرّك الأوسط، نحو: عمر.
السّادس: أن لا يكون مندوبا؛ لأجل زيادته؛ فيكون ذلك نقضا للغرض منها.
السّابع: أن لا يكون اسم إشارة، نحو" هؤلاء" إذا كان ممدودا؛ لأنّه ليس للنّداء فيه عمل؛ وكان يلتبس ممدوده بمقصوره.
الفرع الثّاني: في تقسيمه.
الترخيم/ يدخل فى الكلام على ضربين:
أحدهما: أن تحذف آخر الاسم وتدع الباقي على ما كان عليه قبل الحذف من الحركة والسّكون، نحو: يا حار، ويا
جعف، يا برث، ويا قمط فى: حارث، وجعفر، وبرثن، وقمطر.
الثّاني: أن تحذف ما تحذف من الاسم، وتجعل ما بقي اسما مفردا، كأنّك لم تحذف منه شيئا، ثمّ تضمّه، فتقول: يا حار، ويا جعف، ويا برث ويا قمط، وكلا القسمين من لغة العرب، والأوّل: أكثرهما استعمالا، وأقواهما فى النّحو.
__________
(1) انظر: الأصول 1/ 365.
والحرف المحذوف منه مراد؛ لأنّك إذا وصفته، رفعت الصّفة فقلت: يا حار الظريف، وقد منع بعضهم وصف: (1) المرخّم، ولم يبالوا بما بقي منه بعد الحذف؛ أله نظير؟ أم لا؟
وأمّا الضّرب الثّاني، فلا بدّ أن يبقى له بعد الحذف نظير، وهو أشكل القسمين في النحو؛ ولذلك يدخله الاعتلال، من القلب والرّدّ والحذف كما سنذكره.
وقد يشترك القسمان في اللّفظ، ويختلفان في التقدير، نحو: يا برث؛ فإنّ ضمّة" الثّاء" في الأوّل هى ضمّة الكلمة، وفي الثّاني ضمّة النداء.
وأكثر ما ورد الترخيم من الأسماء في:" حارث" و" مالك" و" عامر" قاله سيبويه (2)، وإن كان في غيرها من الأعلام جائزا، وزعم الكسائيّ (3) أنّه لم يسمع علما مرخّما سوى هذه الثلاثة، إلّا ما فيه زائد أو" هاء" التأنيث، وهذا يدلّ على أنّ الحذف إنّما يقع فيما كثر من كلامهم.
الفرع الثالث: في أحكامه.
الحكم الأوّل: إذا كان في آخر الاسم زائدتان زيدتا، حذفتهما في التّرخيم معا، نحو قولك: يا عثم، ويا مرو، في: مروان، وعثمان، وهذا النّوع من الزّيادة يقع في الكلام، في نحو: غضبان وعثمان، وسرحان
__________
(1) قال ابن السرّاج:" ونعت المرخّم عندي قبيح، كما قال الفرّاء؛ من أجل أنّه لا يرخّم الاسم إلا وقد علم ما حذف منه وما يعنى به .. " الأصول 1/ 374.
(2) قال في الكتاب 2/ 251:" وليس الحذف لشّئ من هذه الأسماء ألزم منه ل" حارث ومالك وعامر" وذلك لأنّهم استعملوها كثيرا في الشّعر، وأكثر التسمية بها للرجال".
(3) لم أقف على هذا الزعم للكسائيّ فيما بين يديّ من مصادر.
وعليان (1)؛ وبالألف والنّون في التّثنثية، والواو والنّون في الجمع، والياء والنون فيهما، والألف والتاء في جمع المؤنّث، وألفي التّأنيث في نحو:
صحراء، ويائي النّسب.
فإن حذفتهما وبقي الاسم على أقلّ من ثلاثة أحرف، أو لم تكن الكلمة قد استعملت على حرفين اقتصرت على حذف الآخرة منهما، وذلك لو رخّمت" بنون" اسم رجل، قلت - في الّلغة الثّانية - يا بنى، فحذفت" النّون" وحدها وقلبت الواو" ياء" على ما يوجبه التّصريف، وأبقيتها بحالها في الأولى، ولو رخّمت" يدان" علما، حذفتهما معا وإن بقيت الكلمة على حرفين (2)؛ لأنّها قد استعملت كذلك، ومنهم من (3) حذف النون وحدها، وقال:
يا يدا.
وإن كانت الكلمة - بعد الحذف - لا تبقى على مثال الأصول، لم ترخّم، نحو" طيلسان" (4) علما، فيمن كسر اللّام؛ لأنّه يبقى على" فيعل" بكسر اللام، وليس في الصّحيح من كلامهم، وإنّما جاء فى المعتل؛ نحو" سيّد" و" ميّت".
__________
(1) العليان: الطويل الجسيم، ويستوي فيه المذكّر والمؤنّث.
(2) هذا الكلام بنصّه في المساعد على تسهيل الفوائد 2/ 551، قال ابن عقيل" وفي البديع؛ في" يدان" علما أنّك تحذفهما، وإن بقيت الكلمة على حرفين؛ لأنّها قد استعملت كذلك، ومنهم من حذف النّون وحدها .. ".
(3) وهم أكثر النحاة؛ لأنّ ما فيه زائدتان زيدتا معا يحذفان معا، كعلامة التثنية، بشرط بقاء الاسم بعد الحذف علي ثلاثة أحرف، فإن بقي على أقلّ لم يحذفا.
انظر: التبصرة 3075 والمساعد فى الموضع السابق والهمع 3/ 87.
(4) الطيلسان - بفتح اللام، وسمع كسرها -: ضرب من الأكسية، قيل: هو معرّب، وجمعه:
طيالسة.
فإن رخّمت" قاضون" علما، حذفت" الواو" و" النّون"، وأعدت" الياء" الّتي كنت حذفتها من واحده، فقلت: يا قاضي، ونحو منه ترخيم:" رادّ" و" محمارّ"، تحذف الحرف الأخير؛ للتّرخيم، ثمّ تعيد الحركة المحذوفة لالتقاء السّاكنين؛ فتقول: يا راد أقبل، ويا محمار أقبل (1).
فأمّا" حولايا" (2) و" بردرايا": فلا تحذف سوى" الألف" الآخرة؛ لأنّ الياء قبلها متحرّكة، ويدخل في هذا الحكم
لبس، نحو:" زيدون" و" زيدىّ" فإنّه يلتبس ب" زيد" غير مرخّم.
الحكم الثّاني: إذا كان قبل آخر الاسم الصّحيح حرف مدّ زائد ساكن؛ حذفت الأصليّ، والزّائد في التّرخيم، إن كان الباقي ثلاثة أحرف فصاعدا، نحو" منصور"، و" عمّار"، و" مسكين" تقول: يا منص، و: يا عمّ، و:
يا مسك، وقد خرج من هذا الحكم أسماء معدودة، نحو" سنّور" (3)، وبرذون" (4)؛ لأنّ" الواو" للإلحاق، وأمّا نحو" عطوّد" (5) فقويت" الواو" بالحركة؛ فأشبهت الصّحيح. فأمّا نحو" مختار" فإنّه لم يحذف منه الألف؛ لأنّها منقلبه عن عين الكلمة.
وقولنا: إذا كان الباقي بعد الحذف ثلاثة أحرف فصاعدا، احتراز من
__________
(1) لأنّ الأصل: رادد، ومحمارر، وانظر: الأصول 1/ 364.
(2) موضعان من أعمال النهروان.
(3) السّنّور: حيوان، وهو الهرّ.
(4) البرذون: الدابّة.
(5) العطوّد - كسفرجل - الشديد الشاقّ من كل شيئ وهو أيضا: السريع من المشى.
مثل:" عمود" و" نصيب" و" سراج" أعلاما؛ لأنّها - مع الحذف - يبقى منها حرفان؛ فلا تحذف منه إلّا الحرف الأخير كذلك/؛ فتقول في ترخيمه على القسم الأوّل: يا عمو، ويا نصي، ويا سرا، وعلى الثّاني: مثله إلّا في" عمو" فإنّك تقول فيه: يا عمي، تقلب الواو ياء، والضّمّة قبلها كسرة، كما فعلت ب" أدل" جمع" دلو"، والفراء يحيز حذف الحرفين (1).
الحكم الثّالث: إذا كان في الاسم الثلاثي" هاء" تأنيث ثالثة، جاز ترخيمه، سواء كان معرفة أو نكرة؛ تقول في" ثبة": يا ثب ويا ثب أقبل، ومنه قوله (2) في المعرفة:
قفي قبل التفرّق يا ضباعا
__________
(1) فيقول في نحو: عمود وحمار: يا عم ويا حم، قال ابن السرّاج ولا يجيز - يعنى الفرّاء - يا ثمو، في: ثمود؛ لأنّه ليس له في الأسماء نظير، انظر: الأصول 1/ 365، والهمع 3/ 85.
(2) هو القطاميّ. ديوانه 31.
وهذا صدر البيت، وعجزه:
ولايك موقف منك الودعا
والبيت من شواهد سيبويه 2/ 432، وانظر أيضا: المقتضب 4/ 94 والأصول 1/ 83 والإيضاح العضديّ 1/ 69، 268 والتبصرة 186 وابن يعيش 7/ 91 والمغني 453 وشرح أبياته 6/ 345 و 7/ 242 و 8/ 121 والخزانة 2/ 367.
ضباعا: مرخم صباعة، وهي بنت زفر بن الحارث الكلابيّ القيسيّ الّذي يمدحه القطامي بقصيدته الّتي منها الشاهد.
وفي النكرة (1):
يا ناق سيرى عنقا فسيحا
وحذف" الهاء" في العلم أكثر في كلامهم، قال سيبويه (2): وأكثر العرب يلزمون الاسم المرخّم - إذا حذفت منه التاء - هاء في الوقف؛ لبيان الحركة، فتقول: يا سلمه، ويا طلحه، ولم يجعلوا المتكلّم بالخيار، في حذف الهاء عند الوقف، فإن اضطرّ شاعر حذفها، ويجعل مدّة القافية بدلا منها، كقوله (3)
كادت فزارة تشقى بنا … فأولى فزارة أولى فزارا
والمبرّد (4) لا يجيز ترخيم النكرة العامّة، نحو شجرة، ونخلة، وإنما
__________
(1) البيت لأبى النجم العجليّ.
وهو من شواهد سيبويه 3/ 35. وانظر أيضا: ابن يعيش 7/ 26 والهمع 3/ 80 و 4/ 119.
العنق: ضرب من السّير. الفسيح: الواسع. سليمان: هو سليمان بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأمويّ.
مقصودة.
(2) الكتاب 2/ 242.
(3) هو عوف بن عطية، كما فى المفضّليّات 416.
والبيت من شواهد سيبويه 2/ 243، وانظر أيضا: الأصول 1/ 362.
(4) كذا ذكر ابن الأثير ونقل عنه هذا الكلام بنصّه وفصّه كلّ من ابن عقيل في المساعد 2/ 547 والسّيوطى فى الهمع 3/ 80 ولعلّهما نقلا ذلك عن" التذييل والتكميل" لأبى حيّان.
والذى فى المقتضب 4/ 243 - 244:" وأمّا قولهما يا صاح أقبل؛ فإنما رخّموه لكثرته فى الكلام، كما رخموا ما فيه هاء التأنيث، إذ قالوا: يا نخل ما أحسنك، يريدون: يا نخلة فرخّم .. " وانظر تعليق الشيخ عضيمة في حاشيته على المقتضب 4/ 224.
يرخّم منها ما كان مقصودا، وسيبويه (1) لا يجيز ترخيم النكرة العامّة، على القسم الثّاني؛ لئلّا يلتبس بالمذكّر، وأجازه في موضع (2) آخر، وأنشد (3):
يدعون عنتر والرّماح كأنّها
بالرّفع. وقوم يقولون (4) - في الوصل - يا طلحة، بالفتح، كأنّهم رخّموا، ثمّ أقحموا التاء غير معتدّ بها، وفتحوها؛ إتباعا، وعليه أنشدوا (5):
كلينى لهمّ يا أميمة ناصب
الحكم الرّابع: قد تقدّم أنّ القسم الثاني يدخله الاعتلال بالقلب، والرّد والحذف.
__________
(1) قال في الكتاب 1/ 251:" واعلم أنّه لا يجوز أن تحذف الهاء، وتجعل البقيّة بمنزلة اسم ليست فيه الهاء، إذا لم يكن اسما خاصّا غالبا؛ من قبل أنّهم لو فعلوا ذلك التبس المؤنّث بالمذكر .. ".
(2) الكتاب 2/ 246.
(3) لعنترة. ديوانه 216.
وهذا صدر البيت، وعجزه:
أشطان بئر فى لبان الأدهم
وانظر: المحتسب 1/ 109 والتبصرة 367 والمغني 414 وشرح أبياته 6/ 266 والهمع 3/ 88.
(4) في سيبويه 2/ 207:" وزعم الخليل - رحمه الله - أنّ قولهم يا طلحة أقبل، يشبه: يا تيم تيم عديّ؛ من قبل أنّهم قد علموا أنّم لو لم يجيئوا بالهاء، لكان آخر الاسم مفتوحا، فلمّا ألحقوا الهاء تركوا الاسم على حاله التى كان عليها قبل أن يلحقوا الهاء .. "، انظر: الخزانة 2/ 321.
(5) للنّابغة. ديوانه 40.
وهذا صدر البيت، وقد سبق الاستشهاد بعجزه في ص 320.
وليل أقاسيه بطئ الكواكب
والبيت من شواهد سيبويه 2/ 207، 277 و 3/ 382، وانظر أيضا: ابن يعيش 2/ 12، 107، والهمع 3/ 91 والخزانة 2/ 321، 366، 380 و 5/ 75.
أمّا القلب: فتقول في ترخيم" نزوان" و:" غليان": علمين: يا نزا ويا غلا.
وأمّا الرّدّ: فتقول في ترخيم" شية" علما: يا وشي؛ في قول سيبويه (1)، ويا وشي، في قول الأخفش (2)؛ لأنّ المحذوف لمّا عاد، أعاد الكلمة إلى أصلها.
وأمّا الحذف: فتقول - في ترخيم" بلهنية (3) علما - يا بلهني، بحذف فتحة" الياء.
الحكم الخامس: من قال بالضّرب الأوّل لم يجز له أن يرخّم في الشّعر في غير النداء"، لأنّه اعتبر المحذوف، إلّا سيبويه (4)، وأنشد (5):
ألا أضحت حبا لكم رماما … وأمست منك شاسعة أماما
فرخّم في غير النداء، على هذه الّلغة. ومن قال بالضّرب الثّانى، جاز
__________
(1) لأنّه يقول في النّسب إليه: وشوىّ. انظر: الكتاب 3/ 369.
(2) انظر: المقتضب 3/ 156 - 157 والأصول 1/ 376.
(3) البلهنية: سعة العيش ورفاغيته. الصحاح (بلهن) و (رفغ).
(4) الكتاب 2/ 270.
(5) لجرير. ديوانه 407، وروايته:
أصبح حبل وصلكم رماما … وما عهد كعهدك يا أماما
ولا شاهد في البيت - على رواية الديوان - على ما أورده المؤلف شاهدا عليه.
وهو من شواهد سيبويه 2/ 270، وانظر أيضا: نوادر أبي زيد 207 والإنصاف 353 والخزانة 2/ 363.
الرمام: جمع رميم، وهو الخلق البالي، يريد: أن حبال الوصل بينه وبين أمامه قد تقطّعت للفراق الحادث بينهما. هذا ما نقله البغداديّ عن الأعلم في شرح مفردات الشاهد، ثمّ قال البغداديّ:
والصواب ما قاله النحّاس: أنّ الرّمام: جمع رمّة - بالضم - وهي: القطعة البالية من الحبل.
له أن يرخّم في الشّعر، في غير النّداء؛ لأنّه ألغى المحذوف من الاسم.
الحكم السّادس: إذا رخّمت المركّب، حذفت الاسم الآخر منه لا غير؛ تقول في،" معدى كرب": يا معدي، وفي" خمسة عشر" علما: يا خمسة، وإذا وقفت وقفت بالهاء، فلا تحذف مع المركب غيره، فأمّا نحو" تأبّط شرّا"، و:" برق نحره" فلا يرخّم.
الحكم السّابع: إذا رخّمت اسما مدغم الآخر، وما قبل السّاكن ساكن؛ فإن كان للسّاكن حظّ في الحركة (1) أعدتها إليه، نحو" محمارّ" تقول - على الأوّل - يا محمار، ولو رخّمت:" مفرّا" و" مردّا" قلت: يا مفر (2)، ويا مرد، وإن لم يكن للسّاكن حظّ في الحركة، حرّكته بما يقاربه من الحركات، تقول في" إسحارّ" (3) علما: يا إسحار (2)، فتفتح.
خاتمة لباب الترخيم:
في ذكر أمثلة منه مشكلة، تقول في ترخيم" كروان" علما - على الأول -: يا كرو، وعلى الثاني: يا كرا، تقلب" الواو" ألفا؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فأمّا قولهم: أطرق كرا (4)، فيمن يريد: يا كروان، فشاذّ من وجهين:
حذف" يا" وهو نكرة، وترخيمه وهو نكرة، وقيل: إنّ" كرا" اسم ذكر الكروان.
__________
(1) بأن كان الساكن متحرّكا في الأصل؛ إذ أصل: محمارّ: محمارر، وانظر ما سبق فى ص 417.
(2) انظر الأصول 1/ 364.
(3) الإسحارّ: بقله تشبه الفجل. انظر: تاج العروس (سحر).
(4) سبق تخريجه قريبا.
وتقول في ترخيم" ترقوة" [" وعرقوة"] (1)، على الأوّل: يا ترقو، ويا عرقو، وعلى الثّاني: يا ترقى، ويا عرقي، «تقلب الواو ياء» والضمّة قبلها كسرة؛ لأنّه ليس في الكلام اسم آخره" واو" قبلها ضمّة إلّا الأسماء السّتّة.
فأمّا ترخيم" سعود" علما فلا يصحّ عند سيبويه (2) - على الضّرب الثّاني - لأنّه يصير إلى" سعي"، وليس عنده في أمثله/ الأسماء" فعل"، ويجيزه الأخفش (3).
وتقول في ترخيم" شقاوة" و" عباية" - على الأوّل - يا شقاي، ويا عباى، وعلى الثّاني: يا شقاء، ويا عباء، تبدل" الواو" و" الياء"" همزة"؛ لوقوعهما طرفا بعد" ألف" زائدة.
وتقول في ترخيم" حبليان" - تثنية حبلى - أو" حبلويّ" - منسوبا إلى" حبلى" - يا حبلي، ويا حبلو، فتحذف" الألف" و" النّون" و" يائي" النّسب، ولا يجوز ترخيمهما على الضّرب الثّاني؛ لما يؤدىّ إليه من القلب، فتصير" ألف"" فعلى" - الّتي لم تعهد إلّا للتّأنيث - منقلبة، وهذا لا يوجد مثله.
وتقول في ترخيم" شاة" على الأول - يا شا، وعلى الثاني: يا شاه فتعيد" الهاء" التي هي" لام" الكلمة، ولو رخّمت" عدة"، لم تعد شيئا؛
__________
(1) ساقط من الأصل، وبه يتمّ الكلام.
(2) قال في الكتاب 2/ 315:" واعلم أنّه ليس في الأسماء والصّفات" فعل" ولا يكون إلا في الفعل".
(3) لم أقف على الرأي منسوبا إلى الأخفش فيما بين يديّ من مصادر، وذكره الرضيّ منسوبا إلى السيرافى. انظر: الرضيّ على الكافية 1/ 155.
لأنّ في الكلام ما هو على حرفين، مثل" غد"، وليس فيه اسم معرب على حرفين ثانيهما حرف مدّ.
وتقول في ترخيم" طائفة" و" مرجانة" علمين يا طائف (1)، و: يا مرجان؛ فلا تحذف مع" تاء" التأنيث غيرها.
وتقول في ترخيم" سفرجل" علما: يا سفرج، ولا ترخّمه على الضّرب الثّاني؛ لأنّه يصير بوزن" فعلّ" وليس هذا في أمثلة الأصول، وكذلك:
" قذعمل" (2) و" هندلع" (3) عند سيبويه (4).
__________
(1) في الأصل: يا طائفيّ تحذف مع" تاء" التأنيث غيرها.
(2) القذعمل: الضّخم من الإبل.
(3) الهندلع: بقيلة، قيل: إنّها عربيّة، فإن كانت كذلك فإنّ نونها زائدة، ومن ثمّ فوزنها فنعلل، وإن كانت نونها أصليّة فوزنها: فعللل.
انظر: الخصائص 3/ 203، والممتع 1/ 71 وتاج العروس (هدلع).
(4) " هندلع" ليس من أبنية سيبويه؛ ففي الرّضيّ على الشافية 1/ 49:
" وزاد محمّد بن السّريّ في الخماسيّ خامسا، وهو" الهندلع" لبقلة .. " وقال ابن عصفور في الممتع 1/ 71:" وزاد بعضهم أيضا" فعلللا" نحو" هندلع" وقال الأعلم الشنتمريّ في" النكت" في تفسير كتاب سيبويه 1177:" وزاد غير سيبويه" فعللل" قالوا: هندلع، لبقلة، وفي تاج العروس (هدلع):
«قال أبو عثمان المازنيّ: هذا من الأبنية التى فاتت سيبويه وأغفلها ...»