وإلى جواز الفتح والكسر ذهب أبو القاسم السهلي من أصحابنا, كما ذهب إليه المصنف في الأرجوزة قال السهلي:" جواز فتحها وكسرها بعد القسم لأن القسم جملة تؤكد أخرى فإن كسرت (إن) فلأنها عليه, يعمل فيه أحلف وأقسم" انتهى.
وقال الأستاذ أبو الحسن بن الضائع شيخنا:"إذا كانت جواباً للقسم في اللفظ كسرت, وهي في قولهم (حلفت أن زيداً منطلق) جواب في المعنى ومعمولة لفعل الحلف في اللفظ فلذلك تفتح".
وفي (البسيط): وأما القسم فذهب البصريون إلى أنه يكسر ليس إلا, وذهب غيرهم إلى الفتح وأصل هذا الخلاف أن جمليتي القسم والمقسم.
عليه هل إحداهما معمولة للأخرى فيكون المقسم عليه مفعولاً لفعل القسم أولا؟ فذهب بعضهم إلى أنه في موضع مفعول ففتح (أن) / بتقدير: أحلف على كذا. ومنهم من جعل القسم تأكيداً للمقسم عليه لا عاملاً فيه فانتفي ألا يكون به تعلق فكسر ليس إلا, ومن جوز الأمرين أجاز الوجهين.
وقوله ومحكيه بقول نحو: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ}. ويأتي الكلام في فتحها بعد القول حيث تعرض لذلك المصنف في (باب ظننت) إن شاء الله.
وقوله وواقعة موقع الحال مثاله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} وقال:
ما أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزي كرمي
وقوله وموقع خبر اسم عين مثاله: زيد إنه منطلق. وهذه مسألة خلاف ذهب البصريون إلى جواز ذلك, واستدلوا على صحة ذلك بقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وبقول الشاعر:
أراني- ور كفران بالله- إنما ... أواخي من الأقوام كل بخيل
وقول الآخر:
إن الخليفة إن الله سربله ... سربل ملك به ترجى الخواتيم
وقول الآخر:
منا الأناة وبعض القوم يحسبنا ... إنا بطاء وفي إبطائنا سرع
وقال الفراء:" لا تقول في الكلام: إن أخاك إنه ذاهب". قال:" وإنما جاز في الآية لأن المعنى كالجزاء أي: من كان مؤمناً أو على شيء من هذه الأديان فالله يفصل بينهم" انتهى.
وما استدل به البصريون ليس هو في عين المسألة لأن الحكم هو أنه تكسر إذا وقعت خبر اسم عين, والمستدل به هو أنها كسرت إذا وقعت خبراً لـ (إن) وإن كان الاستدلال بما ذكر يستلزم جواز ذلك لأن (إن) و (أراني) و (يحسبنا) نواسخ للابتداء , فيقال: كما جاز ذلك مع النواسخ يجوز غفي الابتداء, نحو: زيد إنه ذاهب, ويمكن أن يقال إنه تحدث مع النواسخ أحكام لا تكون مع الابتداء, فيمكن أن يكون هذا منها.
وقوله أو قبل لام معلقة مثاله قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} وقول الشاعر:
ألم تر إني وابن أسود ليلة ... لنسري إلى ناريين يعلو سناهما
فلولا اللام لفتحت. وقد انتهت المواضع التي يجب فيها الكسر, وهي سبعة.
ونقصه موضع آخر وهو أنه يجب كسرها بعد (حيث) نحو: اجلس حيث إن زيداً جالس. وقد أولع عوام الفقهاء في قراءاتهم بفتحها يقولون: من حيث أنه, بالفتح.
وقوله وللزوم التأويل فتحت/ بعد (لو) أي: وللزوم تأويلها بالمصدر. ومثال ذلك بعد (لو) قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا}.وقال الشاعر:
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت
والتقدير: ولو صبرهم, ولو إنطاق لرماح قومي إياي, فموضع (أن) وما دخلت عيه رفع.
واختلفوا على ماذا ارتفع:
فذهب الكوفيون وبعض البصريين, منهم المبرد والزجاج وتبعهما الزمخشري وجماعة إلى أنه مبني على فعل محذوف.
قال ابن هشام: وقول الكوفيين عديم النظير لأن الفعل لم يحذف بعد (لو) قط إلا أن يكون مفسراً, نحو قوله تعالى: {لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} وقولهم في المثل:" لو ذات سوار لطمتني".
قال:" وزعم البصريون أن الخبر لـ ـ (أن) بعد (لو) لم يجيء إلا فعلاً أو اسم فاعل ليكون بمعنى الجملة الاسمية, ولا يجوز: لو أن زيداً أخوك لأكرمتك" انتهى.
وليس مذهب البصريين بصحيح أن كان يصح نقله عنهم. فذهب البصريون إلى أنه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف, وهكذا ذكر الأستاذ أبو علي أنه مذهب البصريين.
وقال ابن هشام: مذهب س أن (أن) مع معموليها مبتدأه, والخبر محذوف, لا يجوز إظهاره, كحذفه بعد (لولا) , وهو قول أكثر البصريين, وذهب بعضهم أنه مرفوع بالابتداء ولا خبر له لطوله وجريان المسند والمسند إليه في الذكر. قال ابن عصفور: وهذا الذي أحفظه عن البصريين. انتهى.
وقد جوز المبرد هذا الوجه والوجه الأول حكي عنه ابن السراج في كتاب (الأصول) أنه قال: إن (أن) المفتوحة بعد (لو) مع صلتها بتقدير مصدر, ووقوعها بعدها على ضربين:
أحدهما: أن المصدر يدل على فعله, فيجزي منه. قال: فإن قال قائل: إذا قلت" لو أنك أجبتني لأكرمتك" فلم لا تقول: لو إجابتك لأكرمتك؟ قيل: لأن الفعل قد لفظت به في صلى (أن) والمصدر ليس كذلك, ألا ترى أنك تقول: ظننت أنك منطلق فتعديه إلى (أن) وهي وصلتها اسم واحد لأنها قد صار لها اسم وخبر فدلت على المفعولين , وغيرها من الأسماء لابد معه من مفعول ثان.
قال: والوجه الآخر أن الأسماء تقع بعد (لو) على تقدير تقديم الفعل الذي بعدها, فـ (لو) على كل حال, وإن كان ذلك من أجل ما بعدها, ولذلك وليتها (أن) لأنها اسم, وامتنعت المكسورة لأنها حرف جر جاء لمعنى التوكيد, فمما وليها من الأسماء قول الله عز وجل: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} وكذلك: لو أنك جئتني, أي: لو وقع مجيئك.
والصحيح أن (أن) ومعموليها في موضع رفع بالابتداء وذلك أن في كل من المذهبين خروجاً لـ (لو) عما استقر فيها, لأن العرب لا تقول: لو زيد/ قائم لأكرمتك, ولا تقول: لو قيام زيد لأكرمتك, إنما تحذف الفعل بعدها , وتجعل ما بعده معمولاً له إذا كان ثم ما يفسره, وهو مع ذلك قليل, وأن يليها الفعل هو الكثير ,فإذا جعلنا ذلك مبتدأ- ولا يحتاج إلى خبر لجريان المسند والمسند إليه في صلتها وإغناء ذلك عنه- كان أولى لأن هذا الوجه ليس فيه حذف , والوجه الآخر يحتاج إلى تكلف حذف.
وما ذكره المبرد من أن السبب في ذلك جريان ذكر الفعل في صلة (أن) ليس بشيء لأن (أن) الواقعة بعد (لو) قد لا يكون خبرها الفعل, نحو قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ}
وما ذكره الأستاذ أبو علي أنه مذهب البصريين أنه يقدر بمبتدأ محذوف الخبر فهو مرجوح لأنه إذا أمكن أن يحمل الكلام على أن لا حذف كان أولى من جمله على حذف. وقد ذكرنا أيضاً الكلام على (أنَّ)
بعد (لو) في كتاب (التكميل) في الفصل الثاني من (باب عوامل الجزم) وأمعنا الكلام في ذلك هناك, لكن فيما ذكرناه هنا مزيد فوائد.
وقوله و (لولا) مثاله قوله تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ} , وقول الشاعر:
لكم أمان ولولا أننا حرم ... لم تلف أنفسكم من حتفها وزرا
وقوله و (ما) التوقيتية مثاله قول العرب فيما حكاه ابن السكيت: لا أكلمك ما أن في السماء نجما, وفيما حكاه الليحاني: لا أفعل ما أن حراء مكانه, التقدير: ما ثبت أن ما في السماء نجماً وما ثبت أن حراء مكانه.
وقوله وفي موضع مجرور, أو مرفوع فعل أو منصوبة غير خبر مثال ذلك: عجبت من أنك منطلق, وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} و {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} وأنشد س:
تظل الشمس كاسفة عليه ... كآبة أنها فقدت عقلا
{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا} , {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} , {وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم}
واحترز بقوله"غير خبر" من نحو قوله: حسبت زيداً إنه قائم, فـ"إنه قائم" في موضع نصب, لكنه خبر في المعنى لأن (حسب) داخلة على المبتدأ والخبر.
-[ص: ولإمكان الحالين أجيز الوجهان بعد (أول قولي) , و (إّا) المفاجأة وفاء الجواب.
وتفتح بعد (أما) بمعنى حقاً وبعد (حتى) غير الابتدائية وبعد (لا جرم) غالباً وقد تفتح عند الكوفيين بعد قسم ما لم توجد اللام.]-
ش: يعني بـ"إمكان الحالين" اعتبار التقدير بالمصدر واعتبار التقدير بالجملة, فباعتبار المصدر تفتح، وباعتبار الجملة تكسر.
وقوله أجيز الوجهان بعد (أول قولي) هذه مسألة ذكرها س, وهي قولهم: أول ما أقول/ إني أحمد الله, وأحالها المصنف إلى: أول قولي, فسبك من (ما) والفعل مصدراً وأضاف إليه (أول) وسيأتي احتمال (ما) أن تكون اسماً موصولاً وكما ذكرها س ذكرها أ [وعلي في (الإيضاح) ولم يسبك من (ما) والفعل مصدراً فمن فتح (أن) قدرها بالمصدر كأنه قال: أول ما أقول حمد الله فأول: مبتدأ و"أني أحمد الله" في موضع الخبر, و (ما) مصدرية كأنه قال: أول قولي حمد الله, وهذا إخبار بمعنى عن معنى لأن (قولا) مصدر, والمضاف إليه مصدر و (حمد) مصدر أخبر به عن مضاف لمصدر.
فإن قلت: أيجوز مع فتح "إني أحمد الله" أن تكون (ما) موصولة بمعنى (الذي) أو نكرة موصوفة بمعنى (شيء) والفعل بعدها صلة, أو
صفة, والعائد محذوف, وهو مفعول القول, ويكون التقدير: أول الألفاظ التي أقولها وأول ألفاظ أقولها حمد الله؟
قلت: منع ذلك بعضهم, قال: لأن" حمد الله" ليس من الألفاظ المقولة, فكيف يقع خبراً لما هو لفظ؟ والخبر إذا كان مفرداً فلا بد أن يكون المبتدأ, نحو: زيد أخوك, أو منزلا منزلته, نحو: زيد زهير, و"حمد الله" ليس أول الألفاظ ولا منزلاً منزلته.
وأجاز ابن خروف مع فتح (أني) أن تكون (ما) موصولة بمعنى (الذي) ونكرة موصوفة. وهذا لا يتصور إلا أن يجعل "حمد الله" من قبيل الألفاظ فكأنه يقول: أول ألفاظي هذا اللفظ أي: حمد الله.
ومن كسر, فقال: أول ما أقول إني أحمد الله فأول: مبتدأ و (ما) موصولة بمعنى (الذي) أو نكرة موصوفة أو مصدرية أريد بها المفعول كما قالوا: درهم ضرب الأمير, أي: مضروبة وكذلك هذا, تقديره: أول قولي. أي: مقولي. ومعمول (أقول) إذا كانت (ما) بمعنى (الذي) أو موصوفة محذوف كما قدرناه إذا فتحت (أن) والخبر عن المبتدأ الذي هو (أول): إني أحمد الله كما تقول: أول ما أقرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} , {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} خبر عن (أول) ولا تحتاج هذه الجملة إلى رابط لأنها نفس المبتدأ في المعنى. هكذا فسر الناس كلام س في هذه المسألة, أغني أن "أول ما أقول" مبتدأ و"إني أحمد الله" خبر عنه فسره كذلك المبرد والزجاج والسيرافي وابن طاهر وأكثر مقرئي كتاب س بالأندلس.
ولأبي علي الفارسي فيه ارتباط وخبط, زعم أن" إني أحمد الله" معمول لـ (أقول) في قوله " أول ما أقول إني أحمد الله" فكسرت من أجل أنها معمولة للقول محكية به, فاحتاج من أجل ذلك إلى تقدير خبر للمبتدأ الذي هو (أول) فقدره (ثابت) فصار المعنى: أول قولي إني أحمد الله ثابت.
ورد الناس على أبي علي هذا التقدير وقالوا: يغير معنى الكلام, والكلام تام دون هذا التقدير. وممن رد عليه في هذه المسألة أبو الوليد الوقشي وأبو الحسين بن الطراوة وأبو الحجاج بن معزوز, وقالوا:/ هذا التقدير غير معقول لأنه يؤدي إلى أن يكون أول قوله: إني أحمد الله, وهو مثلاً قوله: إني موجود ويفهم من دليل الخطاب أن آخره غير موجود وهذا بلا شك لا يمكن أن يقصده عاقل.
وزعم بعض أصحابنا أن "إني أحمد الله" معمول لـ (أقول) لكنه خبر للمبتدأ من حيث المعنى, وسد المفعول مسد الخبر لأنه في معنى ما لا يحتاج إلى خبر, والتقدير: أقول قبل كل شيء إني أحمد الله, ونظير ذلك: أقائم الزيدان, فقد سد الفاعل مسد الخبر وأغنى عنه, فكذلك هذا, سد فيه المفعول مسد الخبر, وأغنى عنه.
وانفصل هذا الزاعم بهذا الذي قرره عما اعترض الناس به على أبي علي, وقال: لم يرد أبو علي أن هناك ثابتاً أو موجوداً وإنما أراد أن
" أول ما أقول إني أحمد الله" كله بمنزلته لو كان ثم (ثابت) أو (موجود) , قال: فذلك تمثيل منه وإن لم يتكلم به ليتحقق وجه الانفراد.
وهذا الذي ذهب إليه ليس بشيء, لأنه إنما سد في " أقائم الزيدان"لاجتماع المسند والمسند إليه في هذا الكلام , فالمعنى متفق وإن اختلفت جهتا التركيب وأما في تلك المسألة فإن قوله"إني أحمد الله" جعله مفعولاً لـ (أقول) فضلة في الكلام, فلم يجتمع فيه مسند ومسند إليه ولم تكن الفضلة لتنوب عما هو أحد جزأي الكلام الذي يتوقف عليه معقولية المحكومة عليه والمحكوم به, ثم إن هذا التأويل الذي تأوله على أبي علي لا ينزل عليه لفظ أبي علي لأنه صرح بأن "أول ما أقول" مبتدأ محذوف الخبر, وزعم أن تقدير ذلك الخبر المحذوف (ثابت) أو (موجو) ولو أراد ما ذهب إليه هذا المنفصل لقال: و"أول ما أقول إني أحمد الله" مفرد بمنزلته لو كان هناك (ثابت) أو (مستقر) ملفوظاً به.
وذهب الأستاذ أبو علي إلى أنه ليس"إني أحمد الله" معمولاً لـ (أقول) ولا كسرها لأجل كونها معمولة له, وإنما كسرها لأتنها بعد (أول) وهو قول من حيث أضيف إلى القول وقدر الخبر محذوفاً - أي ثابت- كما قدره الفارسي, قال: أترى أن معنى أول ما أقول إني أحمد الله ثابت أو موجود: قولي إني أحمد الله المتقدم على كل كلام ثابت أو موجود.
وهذا الذي ذهب إليه الأستاذ أبو علي خطأ لأن (إن) لا تكسر حكاية لفعل أو مصدر إلا وهي معمولة و (أول) لا يعمل وإن كان مصدراً في المعنى لأنه ليس بمصدر في اللفظ وإن كان في معناه , ألا ترى أن المصدر إنما عمل لانحلاله إلى (أن) والفعل أو (ما) والفعل, و (أول) ليست كذلك لأنه لم يستعمل من لفظها فعل.
وذهب ابن عصفور إلى أنه يتخرج كلام أبي غلي على أن تكون (ما) مع الفعل بتأويل المصدر, كأنك قلت: أول قولي إني أحمد الله, والمصدر قد يراد به/ المرة الواحدة , وقد يراد به أكثر كما أريد به في قوله تعالى {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} , والحمير ليس لها صوت واحد وإنما لها أصوات فإّا أريد بالمصدر في المسألة المرة الواحدة لزم الفساد المتقدم فلم يبق إلا أن يراد التكثير وكأنه قال: أول أقوالي إني أحمد الله ثابت قبل, أي: ليس هذا بأول حمد حمدت الله تعالى بل لك أزل أحمده فيما تقدم.
وحكي عن الملك عضد الدولة بن بويه- وهو أحد من أخذ عن أبي علي الفارسي - أنه أجاز أن تكون (ما) من قوله "أول ما أقول" مصدرية , و (أول) المضاف إليها مبتدأ وخبره محذوف والتقدير: أول ما أقول قولي إني أحمد الله و (إني) في صلى (قولي) المحذوف الذي هو خبر لـ (أول).
وارتضاه بعض شيوخنا, ورده بعضهم لأن فيه حذف الموصول وإبقاء ما هو من صلته, وهو معمولة وهذا بابه الشعر. ويجوز ذلك في قول البغداديين وينبغي ألا يمتنع هنا لأن القول قد كثر إضماره في كلام العرب حتى صار يجري مضمراً مجراه مظهراً لكنه بعد ذلك فيه مجاز الإضمار وإذا جعلت "إني أحمد الله" في موضع الخبر فلا إضمار وكلام س في هذه المسألة واضح جداً.