بـعد غيـاب دام طويلا عـن المنتدى، لـم أجد طريقة أنسب للـعودة أليه، من أن أكتب مراجعة كما إعدت، بمناسبة فعالـية الـمراجعات، رغـم كسلي وعدم رغبتي أن أكتب عـن أي شيئ، أول لأنني لم أشاهد أنمي واحد منذ أكثر من أربعة أشهر، وثـانيا لأنني مشـغول جدا بسبب دراستي، قررت قـبل أيام أن أعود تدريجيا لـجو الأنمي والـمنتدى، والـبارحة بدأت مشـاهدة أول أنمي بـعد مـدة طـويلة، وشاءت الأقدار أن يـكون هـذا الأنـمي، أحـد الـتحف الـتي لا يمـكن للكلمات أن تصف مـدى روعـته، أنمي إتفق مختلفان عـلى أنه تـحفة فـنية، أنـمي أجتمع على حـبه كل شـخص، ألا وهـو مـوشيشي، ولـكن هـذه الـمرة شـاهدت الـجزء الـثاني للأنـمي، والـذي تـم عرضـه في دفـعة الخريف، الـمهم، لدينا الـكثير لـنتحدث عـنه، لـذا تـشبثوا جيـدا لأننا سـوف نـجوب الـيابان بحثا عن الموشيشي جينكو

× مـعلومـات عـامة ×

الإسـم : Mushishi، الـمعنى : سيد الموشي، هـو أنـمي يتـكون مـن جزئين، الـجزء الأول بـدأ في أكتوبر من عام 2005 وإنتهى في يونيو من عام 2006 ويتكون من 26 حلقة، ينتمي إلى نوع المغامرات والغموض،

تاريخي وشريحة مـن الحياة، كذلك هو خارق للعادة و سينين، من إنتاج إستوديو Artland، وبـعد تسع سنوات تـقريبا قرر الأستوديو أن يقوم بإنتاج جزء جديد للأنمي ولكن هذا الجزء مكون من عشر حلـقات لا أكثر

نفس النوع، ونفس الطاقم الذي أخرجه ونفس مؤدي الأصوات، الحلقة الواحدة فيها 24 دقيقة، وقد تم إدراج هذا العمل للأشخاص الأكبر من عمر ال13+، الجزء الثاني تم إنتاجه من 15 أبريل من 2014 إلى غاية

يوليو 2014

صمت الليل، غابة بيضاء، ثلج يمتص كل الأصوات، دخان متصاعد، أثار أقدام هنا وهناك، صوت لهاث متصاعد، شعر أبيض، سيجارة في الفم، عين خضراء تبرق في ظلمة الليل، من هـو؟،  سهل أخضر واسع، حفيف الأعشاب، هبة نسيم تأتي من الشمال باردة تحمل معها قطرات ماء آتية من المحيط، سماء زرقاء، غيوم بيضاء نقية، وعصافير تزقزق، أثار خطوات هنا وهناك، دخان يتصاعد، سيجارة في الفم، شعره أبيض، قميصه الأبيض يعكس أشعة الشمس على النباتات الخضراء، محفظة ظهر كبيرة، من هو ؟ ؟ إنه ذلك الوحيـد الذي يمشي وحده، هو ذلك الصمت التي يبتلع الغابة، هو ذلك النسيم الذي ينعش الأزهار، هو سيد ولكن بلا خادم، بسيجارته التي لا تكاد تنطفئ حتى يشعل إخرى، يجوب الأرض بحثا عن من يحتاجه، هكذا هو لا يحتاج أحدا ولكن الجميع يحتاجه، إنه غينكو الموشيشي الذي أحببناه، الذي أمتعنا وجعلنا نقضي أوقاتا جميلة رفقة هذا الأنمي.

الأنمي بحـد ذاته، يمكن أن نقول أنه يتمحور حول غينكو، بعدم وجود شخصية أساس غيره، فهو محور القصة وأطرافها، بيـن ماضيه الغامض، ومستقبله المبهم، يعيش غينكو حياة، لم يكن هو من إختارها، حياة تجعله بلا وطن، أو بالأحرى، وطنه هو العالم، فهو لا ينتمي إلى أي مكان، إلا العالم، يجوب بطلنا اليابان كاملة بحثا عن قضايا مثيرة متعلقة بالموشي، كائنات وجدت منذ الأزل وهي التي تحافظ على توازن الطبيعة، فهو كما يسمى، سيد الموشي، أكثر من يعرف عن هذه الكائنات وطبيعتها، من خلال هذا يكسب قوت يومه بمساعدة الناس، المانجاكا يقدم لنا أنمي، لا يوجد أخر من مثله، الجميع يقول هذا لكن الحقيقة هي أن هذا الأنمي فريد من نوعه، فلا يوجد أنمي أخر بمثل فكرته ومثل قصته ومثل الطريقة التي قُدم لنا بها، هذا الأنمي عبارة عن تراث ياباني ضننا في بادئ الأمر أنه إنتهى ولكن كأي تراث لا بد أن يحيى، فهو أولا خالد فينا، وثانيا الأستوديو أحس أنه من الظلم عرض جزء واحد وحرمان الناس من كنز كهذا، فقاموا بعرض جزء ثان، وكنقيض باقي الأنميات التي يكون جزءها الأول أفضل من الثاني، هذا الأنمي فراق، فجزء الأول بجودة الثاني هذا إذا لم يكن الثاني أفضل من الأول، فطبيعة هذا الأنمي تجعل فيه إستقرارا منقطع النظير في سيرورة الأحداث وجودة القصة، فلو جعلت منه عشرة أجزاء ما تجد فرقا بين الأول والأخير، الفكرة بحد ذاتها مستوحاة من التراث الياباني الأصيل،

 هذا الأنمي يقدم لنا شريحة من الحياة التي كان يعيشها اليابانيون قديما، ولو أن لباس البطل عصري، إلا أنه لا يوجد شيئ أخر يدل على أن القصة تحدث في زمننا المعاصر، بين الملابس والحلي، ومعمارية الطراز الياباني العتيق، يتدحرج هذا الأنمي في طيات الثقافة اليابانية التي تثير سحر من يشاهدها كل حلقة عبارة عن قصة منفردة، لا ترابط بين الحلقات سوى غينكو، هو الذي يربط الأنمي ككل، فلا وجود لنوع من العلاقة بين أحداث الحلقات كلها سوى نفحات ذكريات، ذكريات تعود بالطبع للثابتة الوحيدة في الأنمي ألا وهو غينكو، هذه الذكريات تظهر في حين، وتختفي أحيان أخرى، ما يجعل الأنمي بعيدا كل البعد عن أجواء الملل هو أنك متشوق دائما لرؤية المزيد، هو إدمان، كالمخدرات، لا تنفك من الإنتهاء من حلقة حتى تفتح حلقة أخرى، الأنمي بطبع صامت، ليس صمتا بمفهوم فيزيائي بل صمت بمفهوم الإبداع، إبداع صامت، لا تسمع سوى صوت الطبيعة وهي تغني سمفونية الحياة، لا تسمع سوى هدير مياه الأنهار وصوت إصطدام قطرة الماء بالأرض خلال عاصفة مطيرة، هذا الأنمي يعيد لنا ذكريات هايو ميازاكي وأفلامه التي كانت ذات علاقة وطيدة بالطبيعة،

 هذا الأنمي يمتاز بحوارات قصيرة جدا، وفي بعض الأحيان مبهمة، ولكن صوت مؤدي الأصوات وذلك الفارق الزمني الواسع بين جملة وأخرى، يعطيك شعورا بالسكينة، والإطمئنان والأرتخاء هذا الأنمي لديه أسلوب فريد من نوعه من حيث الرسم، في حين أن الأنميات الأخرى تركز على رسم الشخصيات رسما دقيقا ومعاصرا وجميلا، هذا الأنمي يركز على رسم البيئة المحيطة بالشخصية رسما جيدا، لا أقول دقيقا لأن الرسم في هذا الأنمي ليس ذلك النوع من الرسوم التي تمتاز بالدقة، بل هو مجرد خربشات كما يمكن أن أقول، فلا يركز الرسام على الشخصية إلا عند الإقتراب منها كثيرا، أما البيئة المتواجدة فيها الشخصية الأساس، فهي التي تنال التركيز الأهم، فغالبا ما يكون غينكو في غابة أو جبل أو نهر مـا، هنا يظهر الإبداع في رسم الطبيعة بكل تفاصيلها الدقيقة ليعطي لنا لوحة، من أشباه ليوناردو دافنشي ولا ننسى دالي، هذا الأنمي يتفنن في إيجاد التناغم بين الموسيقى والصورة، فالأنمي يدخلك في دوامة يتباطئ فيها الزمن ويتلاشى فيها المكان، منذ اللحظة التي تضغط فيها زر التشغيل، تنتقل من عالم الواقع إلى عالم خيالي أخر، لا غنى عنه مهرب مثالي من عالم الضجيج هذا إلى عالم من الإسترخاء والمتعة اللامحدودة

نعود الأن إلى شارة البداية الأنمي عرف بشارة بداية واحدة طوال الموسمين، يعني كل موسم له شارة بداية جديدة، الموسم الأول كانت الأغنية The Sore Feet Song من غناء Alle Kerr هي التي تم إختيارها لتكون الأغنية التي يستهل بها  الأنمي حلقاته، وصدقوني عندما أقول هذا، لا يوجد أنمي لحد الأنم أفضل من هذا الأنمي في إنتقاء الأغاني، فهذه الأغنية بالتحديد من أروع الأغاني التي مرة على أذني، أغنية هادئة تسر الأذن التي تستمع لها، لا توجد مقاطع صاخبة ولا شيئ من ذلك القبيل، أغنية تناسب لون هذا الأنمي، وباللون أعني الثيم الذي يظهر به، وصدق الأخ يوسف عندما نصح بالإستماع لتلك الأغنية بينما تقرأون الموضوع الذي كتبه حول هذا الأنمي، أما الجزء الثاني فقد وقع الإختيار حول أغنية Shiver من غناء Lucy Rose، أغنية بدورها من أروع ما يكون، أغنية لا تقل هدوءا وسكينة عن أغنية الجزء الأول، ولا تقل جمالية وروعة كذلك، مثل هذه الأغاني من الصعب إيجادها، فهذا الأنمي يدخلك سريعا بجو الأحداث وسيرورة القصة، بعيدا عن الموسيقى وعن الرسم والتخطيط، هذا الأنمي قدم لنا رسالة واضحة مفادها أن الإنسان مهما إنقلبت الحياة عليه وشاءت الأقدار أن تهب الرياح عكس ما تشتهي سفنه، فإنه يتوجب عليه أن يقف على قدميه، و"يتكيف" فمهما إشتد عليك الأمر، لا يجب عليك أن تيأس، وكمثال حي على ذلك، قدم لنا الأستوديو، غينكو، فهو لم يختر أن يكون موشيشي، بل إن القدر من إختار له أن يكون كذلك، فبين طفولة قاسية فقد فيها أعز وأثمن ما يملك، إلى مستقبل من دون مكان ينتمي إليه، ها هو بطلنا يواصل المسيرة متكيفا مع وضعه ومستمرا على نفس الطريق الذي نهجته سلالة من الموشيشي قبله، مجتهدا ومكدا لمساعدة الناس ومعرفة المزيد عن ما كان يشكل ثغرة في ماضيه،

جمالية هذا الأنمي تتجمع في بساطته، فهو بسيط للغاية، قصته ليست معقدة تماما وكذلك الأحداث لا تحدث فيها تلك الإلتواءات التي تجعلك خائبا ومنتظرا الحلقة القادمة، بل أن هذا الأنمي يتبع منهاجا فريدا يعتمد على طرح إشكالية أول الحلقة وفي نهايتها يجد بطلنا غينكو الحل لها، وعلى غرار ذلك فنحن نستمتع بهدوء وسكينة الأنمي جنبا إلى جنب مع روعة الطبيعة التي جسدها الرسام بأروع ما يكون، ومع نبرة مؤدي الأصوات الخافتة التي تشبه نوعا من المعالجة النفسية الروحانية، بالإظافة إلى القصة التي إكتسحت الأخضر واليابس وأحداثه التي تجعلك لا تنفك تنهي حلقة حتى تشاهد أخرى، موشيشي يقدم لنا مثالا عن الأنمي المتكامل، صراحة كنت أريد أن أكتب فقرة خاصة بسلبيات الأنمي، ولكن لم أجد أيا منها بحق، قد يقول البعض أن ذلك البطئ في الحوار قد يجعل الأنمي مملا ولكن من نظري ذلك البطئ في الحوار يضفي على لأنمي جوا من الزهو والروعة ويزيده جمالا، حسنا هذا ما لدي لأقوله حول هذا الأنمي، الأن أستودعكم الله، وكلي أمل أن ألقاكم مرة أخرى في مراجعة أو تقرير أخر، وشكرا لكم

CrOaToaN/عادل