╝◄ أصحاب الياقات البيضاء .. والاقتصاد الاسمي►╚
آخر
الصفحة
روح ألغلا

  • المشاركات: 45236
    نقاط التميز: 9097
عضو أساسي
روح ألغلا

عضو أساسي
المشاركات: 45236
نقاط التميز: 9097
معدل المشاركات يوميا: 7.5
الأيام منذ الإنضمام: 6039
  • 19:32 - 2011/08/13

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

╝◄ أصحاب الياقات البيضاء .. والاقتصاد الاسمي►╚

 

 حسب تعريف «Wikipedia» فإن أصحاب الياقات البيضاء (White-collar Workers) هم أولئك القوم الذين يقومون بعمل «ذهني» مكتبي، وهم بذلك يتميزون عن أصحاب الياقات الزرقاء (Blue-collar Workers) الذين يقومون بعمل يدوي ميداني كالعمال والفلاحين، هذا في عرف الناس اليوم، لكن في تعريفي فإن أصحاب الياقات البيضاء هم الأفراد الذين يدعون أو يعتقدون أنهم يقومون بدور مهم في الاقتصاد من خلال ما يقومون بعمل «ضروري»، في حين أعتبر أصحاب الياقات الزرقاء الجنود المجهولين الذين يجلبون النصر ولا يستفيدون منه.

من المعلوم أن لكل عمل أو نشاط أركانه الأساسية وعناصره المكملة، والنشاط الاقتصادي ليس اسثتناء من هذه القاعدة، إذ أركان النشاط الاقتصادي هو العمل المنتج سواء في الحقل أو المنجم أو المصنع وعناصره المكملة تتمثل في الخدمات التي تساعد وتسهل عمل أركانه التي غالباً ما تتمثل في عمل يدوي منتج لسلعة أو خدمة لم تكن موجودة، وهو ما يعبر عنه بالإنتاجية، والعمل المكمل يدور مع العمل الأساسي وجوداً وعدماً، إذ إن الأول يعتمد على الآخر ويكمله، فلا يتصور مثلاً نشاط للنقل ما لم يوجد ما يجب نقله من سلع ومواد، ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة للنشاطات الأساسية كالزراعة والصناعة في الاقتصاد، على الرغم من اعتقاد الكثير اليوم من أنها نشاطات أقل أهمية من النشاطات الخدمية التي أصبحت الأساس اليوم للكثير من الاقتصادات المتقدمة التي تحول أساس النمو فيها من القطاعات الإنتاجية إلى القطاعات الخدمية.

وتحول ما يعرف بـ«الدول الصناعية» إلى القطاع الخدمي أدى إلى ظاهرة فريدة ما لبثت أن تحولت إلى إشكالية تجلت في الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وهي تحول النشاطات الخدمية المكملة إلى نشاطات أساسية قائمة بذاتها تقود النمو الاقتصادي والتي كان تفترض أن تكون نشاطات مكملة لغيرها من النشاطات الإنتاجية الأساسية، فعلى سبيل المثال تحول قطاع الخدمات المالية إلى قطاع رائد في الولايات المتحدة وأوروبا بعد أن كان قطاعاً مساعداً يتمحور دوره حول تسهيل عمل القطاعات الزراعية والصناعية والإنتاجية الأخرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد تعاظم دور ما يعرف بالوسيط (Middle-Man) الذي من المفترض أن يكون دوره هامشياً وتحول إلى دور محوري وضمن لأصحابه حصة الأسد في المعادلة الاقتصادية التي تبدأ بالمنتج وتنتهي بالمستهلك، والتي أصبحت اليوم تمر بالكثير من الوسطاء الذين لا يكون لدورهم قيمة مضافة عالية أو أي قية على الإطلاق في المعادلة الاقتصادية التي تعقدت بتزايد أعداد الوسطاء فيها، لكن يجب مراعاة أن مفهوم الوسيط ذا الدلالة السلبية لا ينطبق على النشاطات والأطراف التي يكون لها مساهمة إيجابية في المعادلة الاقتصادية كشركات النقل والتوزيع مثلاً التي تساهم في تسهيل المعاملة الاقتصادية من خلال إيصال السلع من المنتجين الأساسين إلى المستهلكين النهائيين، وإنما تنطبق على أصحاب الأدوار الزائدة وغير الحقيقية، والتي لا تضيف شيئاً للمعاملة الاقتصادية سوى إضافة تكلفة على تكلفتها الأساسية والتي يمكن أن تتم المعاملة الاقتصادية بها أو من دونها.

الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد الاسمي

نتيجة لتعاظم دور المؤسسات المالية على حساب القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد الحديث، ظهر ما يعرف بالاقتصاد الاسمي، والذي يتميز عن الاقتصاد الحقيقي الذي يتكوّن مما يتم إنتاجه من سلع وخدمات مادية وحقيقية، ويتميز الاقتصاد الاسمي هذا بكونه «اسمي»، أي يتكون من نشاطات غير منتجة وأصول غير حقيقية، ولهذا فإن للاقتصاد الاسمي أسواقه ومتعامليه وعماله الذين تتنوع أسماؤهم وأدوارهم من دون أن يكون لهم ناتج حقيقي أو قيمة مضافة في هذا الاقتصاد الذي يتسم أصلاً بتدني مستوى الإنتاجية إن لم نقل انعدامها، وهم بذلك يشكلون مثالاً واضحاً لمفهوم «الوسيط» الذي يقتات على المعاملة الاقتصادية من دون أن يكون له أي دور حقيقي أو أن يضيف لها أي شيء، وبذلك يمكن القول إن الاقتصاد الحديث يتكون من وجهين: الأول وجه «حقيقي» يتكون من القطاعات الإنتاجية الفعلية والعاملين فيها والذين يقومون بأعمال حقيقية تتسم بإضافتها العالية للاقتصاد من خلال ما يتم إنتاجه من سلع حقيقية وخدمات ملموسة، ووجه آخر «اسمي» يتكوّن من النشاطات غير الحقيقية وتلك التي لا ينتج عنها أي إضافة حقيقية ملموسة للاقتصاد، ولعل من أبرز سمات الهياكل الاقتصادية الحديثة في الدول الغربية – إضافة إلى تعقيدها طبعاً – هو تضخم الاقتصاد الاسمي غير المنتج على حساب الاقتصاد الحقيقي المنتج.

توظيف عوامل الإنتاج

لقد كان أحد أبرز نتائج تضخم الاقتصاد الاسمي في العديد من الدول خصوصاً الغربية هو استقطابه الكثير من الاستثمارات لما تحققه من عوائد عالية خصوصاً في قطاع البنوك والخدمات المالية وأسواق المال، إضافة إلى استقطابه كذلك الكثير من الأيدي العاملة، ما أدى إلى استئثار الاقتصاد الاسمي والنشاطات المكونة له بنسبة عالية من قوة العمل، خصوصاً قوة العمل الشابة في أغلب الدول الغربية والكثير مما يعرف بالاقتصادات الناشئة، وقد أدى ذلك فيما أدى إليه إلى تراجع كبير في الاستثمارات المالية والبشرية الموجهة إلى القطاعات الإنتاجية خصوصاً قطاع الزراعة الذي بدأ يعاني هذا التراجع في صورة تراجع الإنتاجية، إضافة إلى تأثير التغيرات المناخية من فيضانات وموجات جفاف، وقد أدى تظافر هذه الظروف إلى انخفاض كبير في المعروض الغذائي مع تزايد الطلب وارتفاع الأسعار، الأمر الذي ينبأ بأزمة غذاء كبيرة وخطيرة.

تضخم الأسعار

لقد صاحب ازدياد حجم الاقتصاد الاسمي وأعداد العاملين فيه من أصحاب الياقات البيضاء ازدياد في النشاطات الهامشية التي لا تضيف أي قيمة على الاقتصاد الحقيقي أو النشاطات المكونة له، وقد أدى ازدياد هذه النشاطات إلى زيادة كبيرة في تكلفة نشاطات الإنتاج الحقيقية، ومن ثم ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تنتج عنها، كما أدى كذلك إلى تراجع عائدات هذه الأخيرة لمصلحة عائدات النشاطات الهامشية التي لا يعدو أصحابها أن يكونوا طبقة من الطفيليات تقتات على الطبقة الكادحة وعلى عملها المنتج، فعلى سبيل المثال لا يجني المزارعون الأفارقة الذين يعملون في زراعة القهوة أكثر من خمسة سنتات من كل كوب يباع في الغرب والذي يصل سعره إلى ما يزيد على 150 سنتاً، ما يعني أن 145 سنتاً تذهب إلى الوسطاء بين المزارع الإفريقي والمستهلك الغربي، والذين للعلم لا يقومون بعمل حقيقي عدا ربما أولئك الذين يعملون في نقل وتعبئة وإعداد القهوة، ولا أعتقد أن تتعدى تكلفة هذه النشاطات 25 سنتاً لكل كوب من القهوة، ما يعني أن المستهلك النهائي للقهوة في الغرب يتحمل ما يزيد على 120 سنتاً أو 80 بالمئة من قيمة كوب القهوة كزيادة تذهب إلى أشخاص غير منتجين ومقابل نشاطات غير حقيقية وغير ضرورية.

الأزمة الحالية والأزمات القادمة

على الرغم من اختلاف الآراء بين السياسيين والاقتصاديين حول أسباب اندلاع الأزمة الاقتصادية الأخيرة فإنه يوجد نوع من الاعتراف الضمني لدى السياسيين على الأقل بأن الأزمة ترجع إلى أسباب هيكلية ومشكلات مزمنة في الدول الغربية التي كانت نقطة انطلاقها، ولعل أحد أهم هذه الأسباب الهيكلية هو تضخم الاقتصاد الاسمي أكثر من اللازم وتحول النشاطات المكملة والقطاعات الاقتصادية الهامشية إلى قطاعات أساسية ورئيسة تقود حركة النمو في الاقتصادات الغربية، إضافة إلى تحول الكثير من رؤوس الأموال والأيدي العاملة من القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية إلى القطاعات الصورية غير المنتجة، مثل خدمات الدعاية والإعلان والتسويق والتحليل المالي وغيرها من النشاطات غير الحقيقية وغير الضرورية، إضافة إلى صورية هذه القطاعات فإنها كذلك غير مستدامة، ما يؤدي إلى دخولها في دورة من النمو الذي يستمر بضع سنوات تتلوه حركة تصحيح حادة تتجلى في صورة أزمة اقتصادية شاملة.

العودة إلى الأصول

لعل من باب التبسيط المخل القول إن الحل لمعظم مشاكل وإشكاليات الاقتصاد الحديث هو العودة للأصول بمعنى إلغاء القطاعات الصورية غير الحقيقية وإعادة هيكلة القطاعات المكملة التي يأتي القطاع المالي والمصرفي في مقدمتها وتبسيط دورها واقتصاره على دعم القطاعات الإنتاجية الحقيقية، لكن الواقع يقول إن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد الحقيقي هو التعقيد الشديد الذي أدى إلى ظهور نشاطات تحسب على الاقتصاد، وهو منها براء وهي من جانبها لا تعدو أن تكون مجرد نشاطات هامشية وجودها لا ينفع وغيابها لا يضر.

 

 

 ╝◄ أصحاب الياقات البيضاء .. والاقتصاد الاسمي►╚
بداية
الصفحة