واليوم أخوك يشد عضدك، ويأخذ بيدك، فاجعل طوع بنانك رسالة تحمل " الصفة الكاشفة" (1) لحليتك،
فها أنا ذا أجعل سن القلم على القرطاس، فاتل ما أرقم لك أنعم الله بك عينا (2) :
لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلي بمحاسن الأدب، ومكارم الأخلاق، والهدى الحسن، والسمت الصالح: سمة أهل الإسلام،
وأن العلم - وهو أثمن درة في تاج الشرع المطهر - لا يصل إليه إلا المتحلي بآدابه، المتخلي عن آفاته،
ولهذا عناها العلماء بالبحث والتنبيه، وأفردوها بالتأليف، إما على وجه العموم لكافة العلوم،
أو على وجه الخصوص، كآداب حملة القرآن الكريم، وآداب المحدث، وآداب المفتي، وآداب القاضي، وآداب المحتسب، وهكذا ...
والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي.
وقد كان العلماء السابقون يلقنون الطلاب في حلق العلم آداب الطلب،
وأدركت خبر آخر العقد في ذلك في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف،
إذ كان بعض المدرسين فيه، يدرس طلابه كتاب الزرنوجي (م سنة 593 هـ) رحمه الله تعالى، المسمى: " تعليم المتعلم طريق التعلم" (3) .
فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق،
فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد، وفي مواد الدراسة النظامية،
وأرجو أن يكون هذا التقييد فاتحة خير في التنبيه على إحياء هذه المادة التي تهذب الطالب،
وتسلك به الجادة في آداب الطلب وحمل العلم، وأدبه مع نفسه، ومع مدرسه، ودرسه، وزميله، وكتابه، وثمرة علمه، وهكذا في مراحل حياته.
فإليك حلية تحوي مجموعة آداب، نواقضها مجموعة آفات، فإذا فات أدب منها،
اقترف المفرط آفة من آفاته، فمقل ومستكثر، وكما أن هذه الآداب درجات صاعدة إلى السنة فالوجوب، فنواقضها دركات هابطة إلى الكراهة فالتحريم.
ومنها ما يشمل عموم الخلق من كل مكلف، ومنها ما يختص به طالب العلم،
ومنها ما يدرك بضرورة الشرع، ومنها ما يعرف بالطبع، ويدل عليه عموم الشرع، من الحمل على محاسن الآداب، ومكارم الأخلاق،
ولم أعن الاستيفاء، لكن سياقتها تجرى على سبيل ضرب المثال، قاصداً الدلالة على المهمات،
فإذا وافقت نفساً صالحة لها، تناولت هذا القليل فكثرته، وهذا المجمل ففصلته، ومن أخذ بها، انتفع ونفع،
وهى بدورها مأخوذة من أدب من بارك الله في علمهم، وصاروا أئمة يهتدى بهم، جمعنا الله بهم في جنته، آمين (4) .