برعاية من وزارة الثقافة- مديرية المسارح والموسيقا يقدم حالياً على خشبة مسرح اتحاد نقابات العمال في دمشق العرض المسرحي «السيرك»..
وهو ليس عرضاً درامياً موحداً بقدر ما هو وجبة متعددة الفنون عبر لوحات عديدة ومتنوعة.. من بينها أو ربما الحامل الموضوعي العام فيها هو عبارة عن خط كوميدي سياسي يتطرق لمشكلات الشارع العربي التي نواجهها بشكل يومي من خلال مفارقات وأحداث بسيطة تتعرض لها الشخصيات.. ويندرج هذا العرض ضمن إسهامات القطاع الخاص في نهضة المسرح السوري وتقديم عروض على مدار السنة.. طبعاً يحمل العرض عدة إسقاطات على مجتمعنا العربي يقدمها الممثلون بقالب كوميدي بسيط أقرب إلى الترفيهي يستطيع المتلقي فهم غايات منه بسهولة..
بطاقة تعريف
وتجدر الإشارة إلى أن العرض من تأليف: صفوان بطيخة وإخراج نضال الصواف ويشارك فيه عدد من الفنانين النجوم, منهم: الفنان علي كريم يدير السيرك وهو شخص ذو عقلية متسلطة وفي الوقت نفسه ضعيف.. الفنان تيسير إدريس الذي يجسد شخصية الدخيل على السيرك والذي يخلق نوعاً من النزاع بين أعضائه, والفنان حسن دكاك الذي يؤدي دور رجل الدين المنغلق والموجه الذي لا حول له ولا قوة في عدد من التحولات بحسب الموقف, إضافة إلى التوءم ملص الذين قدموا عدداً من الكركترات في نفس المسرحية, والفنان جمال العلي الذي أخذ شكل المهرج شكلاً والمجنون اعتباراً والرجل الانتهازي المزاود إسقاطاً, زهير بقاعي المضطهد الوجه الشريف والجاد, راكان تحسين بيك, عايدة اليوسف التي كان لها حضور مميز كمعلقة ومقدمة في الوقت ذاته.. بالاشتراك مع الساحر ولاعب الخفة عماد النجار, والكريوغراف جمال التركماني وفرقة رحيل للمسرح الراقص,, بالإضافة إلى مشاركة عدد من الفنانين الآخرين, مثل ميرنا برديني, محمد سليمان, وغيرهم.. والعمل من إنتاج شركة قبنض..
استمر العرض المؤلف من مجموعة لوحات تشبه ما يتم تقديمه فعلياً في السيرك نحو ساعتين ونصف, وشاركت في الفواصل بين فقراته فرقة رحيل للمسرح الراقص بحرفية عالية كانت تصل في كثير من الأحيان إلى حد الإدهاش.. ويقارب بأهدافه وغاياته العروض الملتزمة ولكن بأسلوب كوميدي بسيط, مع الاشتغال على الصورة العاطفية للجمهور والحالة المتطورة المشهدية.. وبرغم الحالة السياسية التي طبعت المسرحية بطابعها, إلا أنها لم تكن محاولة لكسب عواطف الجمهور من الناحية الفعلية بقدر ما تهدف إلى إبراز قيمة فنية عالية تحمل صوراً ومشهدية راقية تؤثر في مخيلة المتلقي وتمتعه في الوقت نفسه..
مابين المظهرية والإسقاط
مسرحية «السيرك» تبرز الواقع العربي على أنه يشبه السيرك, من خلال ما يحتويه من ألعاب خفة وبهلوانيات.. أما فكرة المسرحية من الناحية الشكلية أو المظهرية فتدور حول سيرك يضم مجموعة من العاملين من شرائح مختلفة(رجل دين, مثقف, منافق, ومضطهد) يديره شخص متسلط ويحاول أن يفرض رأيه ويتدخل بشؤون العاملين فيحوله إلى مكان مغلق يدور في فلك عقليته(يؤدي الدور الفنان علي كريم) ما يؤدي إلى نزاعات وخلافات, تسمح بدخول الغرباء مدير جديد(الفنان تيسير إدريس) يفرض نفسه ويقحم ذاته لإدارة السيرك والسيطرة عليه من مبدأ مصلحته ولتحقيق مصالحه وأهدافه.. وفي النهاية يكتشف العاملون نوازعه فيبتعدون عنه, النص يتحدث عن الكثير من المفارقات والقضايا التي يتعرض لها الشارع العربي, حولها نضال الصواف برؤيته الإخراجية إلى مشاهد مسرحية منوعة بكركترات مختلفة, محاولاً من خلالها دمج الأحداث المنسجمة مع المؤثرات الصوتية والموسيقية وفن الإضاءة والديكور مركزاً على حركة الممثل وتفاعله السريع مع الحدث..
ولم يخل العرض من الاقتباس لبعض الأفكار أو المشاهد من مسرحيات سابقة كالمشهد الذي يلتقي فيه المستقبل مع التاريخ أثناء بحثه عن الحاضر.. حيث دار فيه حوار وبرغم التصرف الذي جرى عليه ولكنه مستوحى «مقتبس» من حيث الفكرة والغاية والمنهجية من حوار يدور بين دريد لحام وجده الشهيد في إحدى مسرحياته.. كما يوجد مباشرة شديدة بالطرح إلى حد الوضوح تماماً في أغلب المشاهد كما المشهد الذي يتسلق فيه ملص السلم ويعود حاملاً للأوسمة...
الفقرات واللوحات الراقصة
الجدير ذكره أن العرض يتضمن أيضاً لوحات راقصة، قدمتها فرقة رحيل التي أثبت الراقصون من خلالها أن للغة الجسد فلسفة خاصة يمكن قراءتها ويمكن أن نصل من خلالها إلى نتائج مهمة كما النصوص وربما بإيقاعاتها وصخبها وتعبيريتها وروحانيتها نصل إلى ما هو أكثر من النصوص بكثير.. فإذا أردت الاستمتاع بالعروض/ الوصلات التي قدمتها هذه الفرقة فعليك أن تدع تحليل العرض ككل جانباً، وتطلق العنان لأحاسيسك، لتجد في تلك الوصلات أو الفقرات إيقاعاً يشعل الخشبة ويحاكي الروح من خلال المزج بين عدة أنواع من الرقص (الكلاسيكي والمعاصر إضافة إلى الرقصات البهلوانية التي كان معظمها يقترب من التعبيرية) ولعل مسحة الكوميديا التي تخللت بعض الحركات كانت فكرة ذكية أضفت على العرض حيوية ومتعة، كاللوحة التي أدتها الراقصة الوحيدة بين مجموعة الراقصين باحتكاكها مع الممثلين بقالب طريف.. وقد استطاع الراقصون من خلال تقنياتهم وإحساسهم العالي أن يتمكنوا من ضبط إيقاع العرض، والنقلات بين اللوحات، وخلق متعة بصرية وجمالية للمتفرج.. وقد تنوعت الرقصات في كل لوحة / فقرة راقصة، ما بين فردية وجماعية وثنائية على إيقاع ونغمات الموسيقا والغناء الغربيين، من خلال عدة مقطوعات، استمد بعضها من روح الموسيقا الشرقية وأخرى يظهر فيها التكنيك الغربي والإيقاعات الصاخبة وهي الأكثر طبعاً.. وتميزت الرقصات بالتجانس ما بين إيقاع الموسيقا والغناء والتعبير الجسدي والإضاءة التي كانت عنصراً مؤثراً وقوياً متوافقاً مع الأداء الحركي، الذي اتخذ حركات متعددة ما بين البطء والتسارع... العرض عامة يعبر عن حالات إنسانية يعيشها الناس من خلال تحليل الواقع المتردي للمواطن العربي عامة.. وطبعاً إذا ما أردنا أن نقول كلمة حق حول المسرحية فهي أمتعتنا جداً وهذا لا يمكن نكرانه على الإطلاق ولكن لم تخل من بعض العيوب.. فقد طغت عليها المباشرة الواقعية جداً، وكذلك سذاجة الكثير من المعالجات التي جاءت أشبه بخدمات إعلامية بصيغ مسرحية، ما عدا بعض الاستثناءات إضافة إلى سيطرة اللغة السردية في كثير من الفقرات، كفقرة التوءم ملص «البرغوشتين» والتوضيحات شديدة المباشرة للفنانة التي أخذت دور المقدمة والمعلقة عائدة اليوسف كما في فقرة تسلق ملص على السلم.
منقول