بحر الروم
آخر
الصفحة
nova15
  • المشاركات: 723
    نقاط التميز: 179
عضو نشط
nova15
عضو نشط
المشاركات: 723
نقاط التميز: 179
معدل المشاركات يوميا: 0.1
الأيام منذ الإنضمام: 6137
  • 02:33 - 2009/09/16
بحر الروم اسم اطلقه العرب على البحر المتوسط .ذلك أن العرب حين حملوا راية الإسلام ، واخذوا يفسحون لأنفسهم في ظل هذا الدين الجديد مكانا فى عالم القرن السابع الميلادي ، كان البحر المتوسط بحيرة داخلة فى النطاق السياسي والحضارى للعالم الروماني .
ولم يفقد هذا البحر طابعه الروماني ، برغم القوي التي شهدها هذا البحر قبل الإسلام وظل الطابع اللاتيني غالبا على البلاد المحيطة ببحر الروم ، وساد الموانئ الواقعة عليه طابع متشابهة حتى كان المسافر يتنقل بين موانئ هذا البحر دون أن يشعر بابتعاده عن الجو العام الذى عاش فيه وألفه . وفضلا عن ذلك سيادة اساطيل الروم واضحة فى هذا البحر ، حتى ظهر الإسلام ، وحمله العرب إلى البلاد المطلة على هذا البحر ، سواء في حوضه الشرقي أو الغربي .
ودخل بحر الروم فى مرحلة جديدة من تاريخه الطويل باستيلاء العرب المسلمين على بلاد الشام سنة 636 م ، واستمر الاندفاع الإسلامي نحو شواطئ بحر الروم على صور متصلة النشاط والقوة وصارت مصر قطب الرحى فيه ، والقاعدة التي تشد من أزر هذا النشاط . فقد أتم العرب فتح مصر سنة 22 هـ / 642 م باستيلائهم على الإسكندرية ، وصارت مصر القاعدة التى انطلق منها العرب المسلمون على سواحل بحر الروم غربا فى عنف وصبر واحتمال مدى سبعين سنة، وصلوا عند نهايتها إلى مدينة سبتة سنة 91 هـ /709 م .
وكان معاوية بن أبي سفيان أول من وضع سياسة العرب البحرية ، وذلك بمعاونة والى مصر إذ ذاك وهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، إذ كان هذا الوالى من المتحمسين لبناء أسطول عرف فى بحر الروم ، ومن ثم وضع موارد مصر البحرية ورجالها فى خدمة معاوية والمساهمة معه فى سائر الحملات البحرية التى أعدها ضد الروم فى ذلك البحر الهام وبلغ من إيمان والى مصر بأهمية الصراع فى بحر الروم أنه خرج بنفسه على
رأس أساطيل مصر ، ليضرب المثل الأعلى لسكان ولايته على تفانيه فى نصرة البحرية العربية .
وتعتبر مجهودات عبد الله بن أبي سرح الخطوة الايجابية فى دعم سلطان العرب على بحر الروم ، فإذا كان معاوية قد نفذ الخطوات العملية من حيث ركوب بحر الروم ، فإن عبد الله بن سعد هو الذى بدأ بناء السفن الأولى ، التى كونت نواة الاساطيل العربية فى بحر الروم . ذلك ان مصر كانت أيام تبعيتها للروم ، وقبل استيلاء العرب عليها مشهورة بمهرة صناع السفن بها ، وكثرة دور الصناعة التى أخرجت الأعداد الوافرة من سفن الروم ومن ثم تابع عبد الله بن سعد نشاط مصر البحرى ، ولكن فى سبيل خدمة السلطان العربي ، وكان خير مثل لمجهودات مصر المبكرة فى دعم سيادة المسلمين على بحر الروم هو " معركة ذات الصوارى " التى اشتبكت فيها اساطيل مصر مع اساطيل الشام بقيادة والى مصر نفسه ، عبد الله بن سعد ضد سفن الروم الحربية سنة 34 هـ /655 م . وكان انتصار المسلمين فى تلك المعركة هو الحجر الأساسى لبناء سلطات العرب فى بحر الروم وبداية انتزاع صفة الروم التى لصقت به طوال القرون الطويلة الماضية .
واقترن بهذا النشاط البحرى المصرى زمن عبد الله بن سعد الاهتمام أيضا بتحصين السواحل المطلة على هذا البحر ، وهى نفس السياسة التى اتبعها معاوية فى سواحل بلاد الشام . فاعتنت السلطات الإسلامية فى مصر بترميم حصون الإسكندرية ، والمدن الساحلية مثل تنيس ودمياط والبرلس ورشيد وثغور بنطابلس (المدائن الخمس ) وهى التى تسمى اليوم بإقليم برقة . وتم استكمال خط الدفاع المصرى على بحر الروم حين اقامت السلطات الإسلامية "المناظر" وهو نظام مقتبس عن الروم ، عبارة عن ارسال اشارات " المواقيد" التى تتوالى على الساحل من موقد إلى موقد بقصد تنبيه الحارس إلى الأخطار القادمة من ناحية البحر و اعداد وسائل الدفاع فى سرعة والمبادرة لصد العدو .
وزاد نشاط مصر فى بحر الروم بقيام الدولة الأموية وانتقال حاضرة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة إلى دمشق . إذ رأى الأمويون أن أفضل السبل لتحقيق سياستهم فى بحر الروم ، والقضاء على سلطان الروم على مياهه هو الاعتماد على موارد مصر البحرية . واصبح العصر الأموى هو عصر تعريف الدولة الإسلامية بعالم بحر الروم ، وتحويل صبغته القديمة بما يهيئ للمسلمين سيادة هذا البحر الهام . وظلت مصر مركزا رئيسيا لصناعة السفن ، وأسهم أبناؤها فى الإغارات الإسلامية المتواصلة على الروم ، وانتزاع قواعدهم بالجزر المنتشرة فى شرق " بحر الروم" .
وامتد نشاط مصر البحرى زمن الأمويين أيضا إلى الشطر الغربي البحر الروم حيث كانت الفتوح الاسلامية قد أخذت تستقر فى شمال أفريقيا وتتطلب بدورها إعداد اساطيل لاستكمال مظاهر هذا الاستقرار ومن ثم بعث الخليفة الوليد بن عبد الملك إلى والى مصر عبد العزيز بن مروان يطلب منه ارسال ألف مصرى باسرهم إلى "إفريقية" لبناء قاعدة تونس البحرية ونشر سيادة الإسلام فى الشطر الغربي من بحر الروم. وظلت مصر محتفظة بمكانتها العالية في بحر الروم على الرغم من زوال الدولة الاموية ، ذلك ان انتقال السلطات إلى العباسيين لم يكن مجرد انتقال العاصمة من دمشق إلى بغداد أو من بيت إلى بيت ، بل كان فى الواقع نقلا للدولة الاسلامية من عالم بحر الروم إلى عالم اسيوي يختلف عنه من كل ناحية ولكن في الوقت الذي يمم فيه العباسيون وجوهم شطر آسيا ظلت مصر ترقب أحوال بحر الروم ووقع على كاهلها عبء الدفاع عن الكيان الإسلامي المطل على شواطئه الشرقية خاصة ذلك أن دولة الروم تنفست الصعداء نتيجة هذا التحول الكبير فى سياسة العباسيين وعمدت إلى دفع اساطيلها على مياه بحر الروم املا في استعادة مكانتهم البحرية ، وايقاع الأذى بدار الإسلام هناك . وفتحت مصر ابوابها لكافة انواع النشاط البحري فى تلك المرحلة الانتقالية والذي كان من اهم معالمه إذ ذاك مجئ جماعة من مهاجري الاندلس واقاموا في الإسكندرية سنه 199 هـ /814 م . إذ شجعت السلطات المصرية تلك الجالية الاندلسية الكبيرة على فتح أقريطش (كريت) التي غدت قاعدة لاسطول الروم وهجومه على مصر الشام واستطاع أهل الاندلس الابحار من الإسكندرية و الاستيلاء فعلا على جزيرة "اقريطش " واحياء النشاط البحري الاسلامي مرة اخرى في بحر الروم. وجاء قيام الدولة الإسلامية المستقلة وشبه المستقلة بمصر عنصرا هاما حافظ على دور مصر القيادي فى بحر الروم . وتجلت معالم هذا الدور الجديد زمن الدولة الطولونية ، إذ اهتم أحمد بن طولون باصلاح التخريب ، الذى سبق أن انزله الروم لشواطئ مصر و الشام ، فجدد حصون وأسوار عكا وغيرها من موانىء الشام ومصر وأتاح للاسطول المصري أن يستأنف نشاطه ضد الروم و التصدي لاغارتهم المفاجئة اضطر امبراطور الروم أن يهادن أحمد بن طولون سنة265 هـ /878 م ، اعترافا بقوة مصر في بحر الروم ، وذكر المقريزى أن ابن طولون بني اسطولا يتألف من مائة مركبة حربية سوى ما يضاف اليها من قوارب الخدمة . وفتحت مصر صفحة جديدة أخرى من نشاطها في بحر الروم واعلاء كلمة المسلمين فيه حين غدت مركزا للخلافة الفاطمية التى انتقلت إلى القاهرة زمن المعز لدين الله 362 هـ/973 م . إذ انتقل المعز معه أساطيله التي سبق أن اثبتت نشاط الفاطميين البحرى بالاستيلاء على جزيرة صقلية وطرد الروم من تلك القاعدة الهامة فى غرب البحر المتوسط وسط . وتابعت أساطيل الفاطميين من قواعدها بمصر إيقاف التوسع البحري ، الذي قامت به امبراطورية الروم التى داعبتها مرة أخرى الآمال ، بعد سقوط الدولة الطولونية ، فى استعادة امجادها على بحر الروم . وكانت اساطيل الروم قد استردت فعلا جزيرة "اقريطش " وباب الموقف يتطلب قيام قوة اسلامية لها نشاطها البحرى لصد هذا الخطر . واستهل الفاطميون نشاطهم من مصر باستعادة بلاد الشام من العباسيين وضم قواعدها البحرية قواعد مصر واستئناف الهجوم على قواعد الروم .
واشاد المؤرخون بالدور الذي قامت به مصر فى بحر الروم الفاطميين ،وما ترتب عليه من نتائج باهرة في تحقيق سيادة المسلمين البحرية . فذكر المقريزي " لما سار الروم إلى البلاد الشامية بعد خمسين وثلثمائة اشتد أمرهم أى الفاطميين بأخذهم البلاد وقويت العناية بالاسطول في مصر منذ قدم المعز لدين الله ، وانشأ المراكب الحربية واقتدى به بنوه وكان لهم اهتمام بامور الجهاد ، واعتناء بالاسطول وتسييرها إلى بلاد الساحل مثل صور وعكا وعسقلان ، وكانت فى أيام المعز لدين الله تزيد على ستمائة قطعة" . ومع أواخر القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر للميلاد - دخل بحر الروم أو البحر المتوسط دورا جديدا فى تاريخه وتاريخ البلاد المطلة عليه ذلك ان الحروب الصليبية جاءت مصحوبة بظهور عديد من القوى البحرية المسيحية فى حوض البحر المتوسط وخاصة فى ايطاليا الأمر الذي مهد لانتقال زمام السيطرة تدريجيا على مياه ذلك البحر من المسلمين إلى الاوربيين . ومنذ بداية الحروب الصليبية فى اواخر القرن الحادي عشر للميلاد اعلنت القوى البحرية الايطالية وعلى رأسها البندقية وبيزا وجنوا استعدادها للمشاركة فى تلك الحروب ، نظرا لما رأته فى ذلك من تحقيق مصالح اقتصادية واسعة لها من وراء الوساطة التجارية بين الشرق والغرب .
وهكذا شهدت الفترة الحاسمة من الحروب الصليبية فى عمر دولتى الأيوبيين والمماليك نشاطا حربيا واسعا فى بحر الروم نتيجة لأن أصحاب المشاريع الصليبية فضلوا الطريق البحرى إلى الشرق بدلا من الطريق البري عبر اسيا الصغرى الذى اثبتت التجارب خطورته وصعوبته ، كذلك شهدت تلك الفترة نشاطا تجاريا واسعا بعد أن أقامت الجمهوريات الإيطالية مراكز تجارية لها فى بلاد الشام ووسعت نطاق عملياتها التجارية بين الشرق والغرب وفى الوقت نفسه وقفت الأساطيل الايطالية منذ البداية وقفة مساندة للصليبيين فى شرق حوض البحر المتوسط سواء فى الاستيلاء على موانى الشام من المسلمين أو فى حصار الموانى الإسلامية أو فى المعارك البحرية التى دارت بين المسلمين والصليبيين أو فى حمل الصليبيين إلى دمياط .
وبعد طرد الصليبيين من الشام فى أواخر القرن الثالث عشر استمر دور بحر الروم أو البحر المتوسط فى النشاطين الحربي والتجارى . فتعرضت شواطئ دولة سلاطين المماليك فى مصر والشام لعدة هجمات صليبية على طرابلس وبيروت وصيدا وحيفا وغيرها .
ولعل أعنف هذه الهجمات الحملة الصليبية على الإسكندرية سنة1365 م . ولم يهدأ المماليك إلا بغزو جزيرة قبرص- مركز الهجمات والنشاط الصليبى فى شرق حوض البحر المتوسط فى ذلك الدور - فأرسلوا إليها ثلاث حملات نجحت أخيرا سنة 1426 م فى السيطرة عليها وأسر ملكها . ولما أتخذ الصليبيون جزيرة رودس مركزا لنشاطهم قام المماليك بإرسال ثلاث حملات لتأديبها قبيل منتصف القرن الخامس عشر .
وعندما أدركت البابوية فى أواخر العصور الوسطى أن مصر تمثل قلب المقاومة الصليبية وأنها مسئولة عن الفشل الذى حاق بالحركة الصليبية فى الشرق قررت فرض حصار اقتصادى على مصر لتحرم دولة سلاطين المماليك من المورد الأول لثروتها وغناها
وهو التجارة . وفعلا صدرت عدة مراسيم بابوية تحرم على التجار المسيحيين الاتجاه بسفنهم فى البحر إلى شواطئ دولة المماليك للتجارة . ولكن التجار الأوربيين ضربوا عرض الحائط بهذه القرارات ،واستمروا يخرجون سرا إلى الإسكندرية ودمياط وغيرهما من المواني للتجارة مع المسلمين ، مما جعل بحر الروم أو المتوسط يحتفظ بمكانته حتى اواخر العصور الوسطى مركزا للتجارة العالمية بين الشرق والغرب
 بحر الروم
بداية
الصفحة