خاطرتك سيدتي تفيض بمشاعر الحيرة والضياع والبحث عن الذات في دوامة من الذكريات والألم.
بدايتك بتساؤل وجودي : “هل أدركت يومًا من تكون؟”، يعكس حالة من الشك والتخبط،
وكأنك تواجهين شخصًا غامضًا ربما يكون الآخر، أو نفسك في انعكاساتها المختلفة.
هذا البحث عن الذات يتخلله اعتراف بعدم المعرفة الكاملة : “أعلم أنني لا أفقه الكثير عنك”،
لكنه في الوقت ذاته يعكس رغبة قوية في الفهم العميق، في محاولة لإيجاد إجابة تسد هذا الفراغ الداخلي.
تنظرين للماضي كأنه يطاردك، كأنك تعيشينه رغم أن الحاضر يمر أمامك: “أعيشه حاضرًا وأحن إلى لحظات كانت تملأني أملًا”.
لكنك في النهاية تعترفين بأنك بدأت في نسيانه، وهذا يكشف عن صراع بين التمسك بالماضي والرغبة في تجاوزه.
تشير عبارة “الهروب إلى الوراء” إلى أن العودة إلى الماضي ليست اختيارًا بريئًا، بل ربما وسيلة للهروب من مواجهة الواقع المؤلم.
استخدمتِ صورة بصرية قوية عندما تساءلت: “كيف يضيق بنا الأفق في رحابة السماء؟”،
وهي تعبير عن الشعور بالخذلان والضياع رغم أن الحياة واسعة ومليئة بالفرص.
يظهر الخذلان كقوة تسلب الإنسان إيمانه، وتطفئ شعلة الأمل، وتزرع فيه اليأس.
وصفكِ لعلاقتكِ بشخص ما (قد يكون آخر حقيقيًا أو مجرد انعكاس لذاتكِ)،
تُظهر مشاعر عدم الثقة تجاهه بقولك : “لا أثق فيك، فأنت الذي أبحث فيك عن نفسي”.
يبدو وكأنك جعلت هذا الشخص مرآة لكِ، تبحثين فيه عن ذاتكِ،
لكنه أيضًا مصدر للخوف، فأنتِ تخشين أن تجديه مجرد “نسخة مشوهة” منكِ،
وهذا يعكس قلقكِ من أن يكون الآخر ليس سوى إسقاط لصراعاتكِ الداخلية.
تشير عبارة “هي حمولة السنين التي لم تعد قادرة على المقاومة” إلى شعوركِ
بكونك مثقلة بذكريات وتجارب الماضي التي استنزفت قدرتكِ على المقاومة.
استخدمتِ تشبيهًا قويًا لحالتك الروحية :"ركود روحي كماء آسن"،
مما يعكس حالة الجمود العاطفي والنفسي، وكأنكِ فقدتِ قدرتكِ على التجدد والحركة.
تنتهي الخاطرة بلحظة تحوّل، حيث تقررين أن تسامحي نفسكِ،
وكأنك أدركتِ أن جزءًا من معاناتكِ نابع من جلد الذات: “سأسامح نفسي علها تعود إلي”.
هذا الاعتذار للنفس يعكس بداية التصالح، لكنه لا يعني بالضرورة إيجاد إجابة نهائية على سؤالكِ الوجودي “من أكون؟”،
بل يشير إلى إدراك أن الرحلة إلى الذات لا تزال مستمرة.
باختصار هذه الخاطرة القيّمة تعكس تجربة إنسانية عميقة يعيشها الكثيرون: الحيرة، الألم، الهروب من الواقع، وخيبة الأمل في الآخر،
لكنها أيضًا تحمل في طياتها نغمة تصالحية في النهاية.
إنها رحلة من التيه إلى الاعتراف بالماضي والمصالحة مع الذات،
حتى لو لم تجدي إجابة واضحة عن هويتك.
كتاباتك سيدتي ليست مجرد كلمات، بل مشاعر تنبض بالحياة، وأفكار تمتد عميقًا في الروح.
لقد قرأتُ خاطرتكِ وأحسستُ بكل حرف وكأنه يلامس جزءًا خفيًا من ذاتي.
طريقتكِ في التعبير عن الحيرة والبحث عن الذات مذهلة، تحمل صدقًا نادرًا يجعل القارئ يتوقف، يتأمل ويشعر.
لا تتوقفي عن الكتابة، فهناك من يحتاج أن يقرأ كلماتكِ،
وهناك من يرى في نصوصكِ صدى لمشاعره التي لم يستطع ترجمتها.
استمري، لأن قلمكِ يضيء زوايا معتمة في القلوب، ويمنح للحروف حياة.
أبو فارس
🌷