تفسير قوله تعالى: {الله نور السماوات والأرض}

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أطيب التحايا وأعذب الأمنيات أبعثها إلى الإخوة الأكارم، أعضاء هذا المنتدى الكريم، الذي يزهو بعقولكم النيّرة، وأقلامكم المضيئة، ونقاشاتكم التي ترتقي بالعقل والروح معًا. جزى الله إدارة الموقع خير الجزاء على إتاحة هذه المساحة المباركة، وجعل ما تقدمه في ميزان حسناتها، كما أخص بالشكر الأخ الفاضل الذي طرح هذا الموضوع العظيم، الذي يلامس جلال الله وجماله، ويأخذنا إلى رحاب النور الإلهي، في قوله سبحانه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

آيةٌ لو أنزلت على الجبال لتفجرت خاشعة من نورها، ولو سُكبت على القلوب لغمرتها طمأنينة وسكينة لا حد لها. إنها ليست مجرد وصف من ربّ العزة، بل هي إعلان ربّاني عن أصل كل هداية، وكل بصيرة، وكل حياة. فالله جلّ جلاله هو نور السماوات والأرض، أي أن وجوده هو النور الذي به يُرى كل شيء، وبه يُفهم كل شيء، وبه تُهتدى العقول، وتطمئن القلوب، وتستقر الأرواح في مدارات اليقين.

"الله نور السماوات والأرض" أي أنه سبحانه هو مصدر النور الحسي والمعنوي، النور الذي يُبدد ظلمات الجهل، وظلمات الكفر، وظلمات الحيرة، كما يُبدد الليل القاتم بضوء الفجر الصادق.
هو النور الذي لا يغيب، ولا ينطفئ، ولا يُدرك بالحواس، بل تُبصره الأرواح الصافية، وتذوقه القلوب المؤمنة، وتشعر به النفوس التي لا تبحث عن الحق في العيون، بل تبحث عنه في الأعماق.

وقد وصف الله نوره في الآية بأروع تشبيه، في قوله بعد ذلك: "مثل نوره كمشكاة فيها مصباح..."، ليُقرب لنا بعقولنا البشرية شيئًا من عظمة ذلك النور، فهو كالنور المركب، المتدرج في صفائه، المشتعل في قلب الزجاجة، المشع من زيت يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار. فأي بلاغة أعظم من بلاغة الله؟ وأي وصف أبهى من وصف خالق النور ذاته؟

تأمل هذه الآية وحدها كفيل بأن يهزّ وجدانك، أن يجعلك تُعيد النظر في معنى النور، في معنى الهداية، في معنى القرب من الله. فكل نور في الدنيا مصدره محدود، إلا نور الله، فهو أزلي سرمدي، لا تحده مادة، ولا تحجبه حُجب، بل يسري في قلوب من شاء الله لهم الهداية، ويغمر أرواح من صدقوا الوعد، وخلصت نواياهم في طلب وجهه الكريم.

فالله نور... ونوره لا يُقاس، ولا يُوصف، لكننا نتقرب إليه بذكره، ونستنير بآياته، ونسير في دروب الحياة متتبعين أثر نوره في كل شيء من حولنا.

في الختام، أكرر شكري لإدارة هذا المنبر الطيّب، وأحيي كل من يتأمل كلام الله بعين الباحث، وقلب المتذوق، وفكر المتدبر. فأنتم نور هذا المجلس، ونقاشاتكم مرآة لمعاني الجمال في ديننا الحنيف.

#الله_نور_السماوات_والأرض #تفسير_قرآني #هداية_ونور #القرآن_حياة