بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبا بكم
مقاطع من الكتاب " العقيد محمد شعباني – الأمل...والألم... ! ما هي الدولة الجزائرية التي حلم بها محمد شعباني وكافح من أجلها ؟ ما إن بدأت الجزائر تجفف دموعها، وتجمع أشلائها، وتلم السلطة أطرافها، وتشرع في وضع ركائزها، حتى طفت على السطح وجهات نظر عديدة حول أنماط تنظيم و تسيير الدولة المستقبلية لجزائر الغد المنشود على ضوء النماذج المتواجدة آنذاك في العالم الثالث، و كانت البداية " الديموقراطية و التعددية السياسية وكيفية الوصول إليها". والكل يحمل نموذجا و تصور مما عاناها من ظلم و إجحاف في الحقبة الاستعمارية وما عاشه خارج الوطن في الفترة التحريرية.
كسب السيد أحمد بن بلة و حلفائه الذين أوصلوه للحكم الجولة الأولى، بوجود حزب واحد، وغرد خارج السرب: السادة محمد بوضياف و آيت أحمد حسين و لحقهم محمد خيذر فيما بعد لأنه لم يكن راضيا على بعض البطانة المحيطة بالرئيس ولم يستطيع كبح جماحه وحبه للإنفراد بالسلطة مستند على ماضيه التاريخي و شعبية كأول رئيس للجزائر المستقلة مع أنه كان مسئولا على المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني و مكلفا بتحضير مؤتمر الحرب.
أما الجانب العسكري الذي يمثله بومدين فكان يحمل مشروعا بدأ التخطيط له منذ أن ترأس هيئة الأركان العامة في 1959 بإعداد جيش قوي: عددا وعدة وتنظيما و تقنية تتوفر فيه موصفات ومقاييس الدولة المعاصرة وعهد هذا الأمر إلى ضباط تخرجوا من الكليات الحربية الفرنسية، و التحقوا بالثورة في آخر أيامها.
وللحقيقة التاريخية لم يتوانى هؤلاء فيما كلفوا به. ونالوا ثقة قائدهم الأعلى. غير أن إشكالية طرحت بعد الاستقلال، حينما استطاع بومدين استصدار مرسوم تغير اسم جيش التحرير الوطني باسم الجيش الوطني الشعبي و أعاد هيكلته و أصبح لجيش حدود المتكون في الحقيقة من جيش التحرير الذي أجبرته الظروف للبقاء خارج الحدود، ولم يتمكن من العودة إلى ولاياته الأصلية، هو الأصل، و جيش التحرير بالداخل هو المكمل للجيش الوطني الشعبي، الأمر الذي لم يستصغه قادة الولايات بالداخل، و اعتبروه خطوة أولي نحو تهميشهم و الإستغناء عن خد مـا تهم في الجزائر الغد التي بنوا صرحها لبنة لبنة مع إطاراتهم و جنودهم الذين خبرتهم المحن و الأيام في معركة التحرير مع عدوهم.
إختلاف و جهات النظر في تشكيلة هيئة الأركان و السرعة في تسريح أعضاء جيش التحرير دون تأمين مستقبلهم، مما حدى بقيادة الولايات التدخل السريع بإيقاف هذا التريف و إدماج بعض الإطارات في الحزب محاولة الحفاظ على الخط العام للثورة.
وفي غمرة تسارع الأحداث كغزو المغرب للجزائر، و الارتجالية في القرارات و بروز بوادر التصدع في هرم السلطة، نسي الجميع سياسيين عسكريين عدوهم المشترك " الإدارة " التي تركها الاستعمار الفرنسي ملغمة بعد ما أفرغها من كل محتوياتها المالية الاقتصادية و التعليمية، واتلف كل الملفات و الوثائق الشخصية و العامة التي يمكن أن تستعين بها الدولة الجزائرية في المستقبل و تركت بيادقها، وترسانتها التي هيأتها لهذا العرض تنتشر في هياكل الدولة ودواليبها كالسرطان ينخر جسم الأمة. متحصنة و متشجعة من سماحة و طيبة المجاهدين و الوطنين الذين عمموا شعار " عفى الله عما سلف... واحمارنا خير من عود الناس". وما أن تحكمت هذه الفئة في دواليب السلطة حتى كشرت عن أنيابها و شعرت تضرب بمخالبها كل ما هو وطن ووطنية.
بدأ بزرع الفتنة بين الحكام و تسميم الحياة العامة للمواطنين إذلال المجاهدين وذوي الحقوق و المنح و التوظيف و الإستخفاف بهم في المعاملات اليومية زيادة على متابعة بعض المجاهدين في المحاكم لأن الثورة قتلت آبائهم أو إخوانهم أو أحد أقاربهم، الأمر الذي تذمر واستاء له كل الشرفاء ولم يتحملوا تلكك التصرفات المشينة في حق من ضحوا من أجلهم بل الكثير منهم أصبح يختفي من الذين كانوا بالأمس في نصرته و حراسته و تقديم ما يملكون من مال لخدمته. قد تبدوا لكم الصورة قاتمة و المشهد التراجيدي مبالغ فيه. ولكن الحقيقة و الواقع هو هذا وكتم بعض قادة جيش التحرير في الداخل غيظهم كي لا يكونوا سببا في توسيع الهوة بين الأشقاء في انتظار انعقاد المؤتمر و اجتياز المرحلة العصبية بسلام ولا يكونوا طرفا أو سببا في إذكاء نار الفتنة و إغراق البلد مرة ثانية في بحر من الدماء.
وجاء مؤتمر جبهة التحرير الذي انعقد في الجزائر في أفريل 1964 و غابت عنه بعض أقطاب الثورة وركز المتدخلون على انشغالات المواطنين، و تخوفهم من انحراف مسيرة الجزائر عن مبادئها و قيمها، و مثلها، وطالبوا بتطهير الإدارة و مؤسسات الدولة من الخونة و المندسين، و الانتهازيين و الرجوع إلى مرجعية بيان أول نوفمبر 1954، في بناء الدولة الجزائرية المستقلة " عربية اللسان، إسلامية العقيدة اشتراكية النهج عادلة في توزيع ثرواتها وخيراتها " دوت قاعة المؤتمر لهذا الطرح بالتصفيق الطويل لهذا المطلب، مما أثار حفيظة كل من السيد بن بلة و بومدين واعتبروه اتهام موجها لهم، وتكهرب جو المؤتمر أكثر عقب تدخل بومدين التي كانت بدايتها دفاعا عن المؤسسة العسكرية و تهديدا في نفس الوقت وقال "من هو الطاهر بن الطاهر اللي طهر؟ وقال أيضا سنكون " لجنة الشاقور"
أزمته مع السلطة :
يعود التباين في اختلاف وجهات النظريين العقيد محمد شعباني، و القيام العليا في الخارج منذ استشهاد قائد الولاية السادسة أحمد عبد الرزاق "الحواس" وظروف استشهاد الطيب جغلالي الذي كان عين القيادة العليا في الولاية التي يجهلون عنها الكثير، لوجودهم خارج الحدود.
فرغم التقارير و المراسلات الموجهة من الولاية السادسة إلى القيادة العليا، و الاتصالات المباشرة بإجهاز اللاسلكي، تلكأت القيادة العليا، و تماطلت في إفضاء الشرعية لمجلس الولاية المقترح من قادة مناطق الولاية السادسة لتسيير شؤونها اليومية، و التي كانت تمر بظرف عصيب جدا، عسكريا، و سياسيا وكان على قادة المناطق، أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية، و يواجهوا مخططات السلطات الفرنسية معتمدين على إيمانهم بالله، و إخلاص شعبهم، و ثقتهم بالنصر على عدوهم.. وابقوا على شعرة معاوية مع قيادتهم العليا، حتى وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962.
وأظهرت الأيام أن التحالف الذي وقع بين قادة ولايات الداخل " التي كانت الولاية السادسة ضمنه لعدم الخروج عن الإجماع " و القوى السياسية و العسكرية بالخارج، كان هشا وظرفيا أملته ظروف الأزمة و التنافس على الحكم بحيث احتفظ كل واحد بمرجعيته و خلفيته و نظرته للآخر التي كان عليها قبل وقف القتال، و بالتالي لم يعمر طويلا، وازداد التباين في وجهات النظر بين الأطراف الحاكمة الذي وسعته الحاشية المنتفعة و المتخندقة في كل جهة.
فالرئيس أحمد بن بلة استند على ماضيه النضالي و شعبيته التي كسبها في الثورة التحريرية و سمعته التي أصبح يتمتع بها دوليا سواء في الوطن العربي أو في العالم الثالث، وزين له الكرسي الذي كان يحلم به من مدة أنه المنقذ الوحيد للشعب الجزائري.
وما إن اعتلى سدة الحكم حتى طوقته مجموعة من مراهقي السياسة، وبدائي التسيير والناقمين على نعمة الاستقلال وركبت موجة الاشتراكية المتعددة الأنماط والمذاهب التي كانت موضة العصر آنذاك.
وبات الشعب الجزائري حقل تجارب لتلك الأنماط، دون مراعاة تقاليده وأعرافه و أوضاعه الاجتماعية و الاقتصادية التي طالت العديد من الشرفاء و المخلصين و انفلت منها بعض الذين كانت لهم مواقف غير مشرفة في الثورة وصارالتأميم، وحمامات " تذويب الشحمة " الخطاب الرسمي للسلطة، والارتجالية في القرارات، وتوزيع الاتهامات من الأمور المألوفة في الحياة اليومية للنظام، وأخذت حبال الود تنقطع بين الحاكم و المحكوم و يتقلص التضامن من الوطن، و تنكمش الأخوة التي بنتها الثورة التحريرية و أصبحت نظرة العديد من الشعب للحكم " أنه ماوى ذآب كدرت صفوة الحياة " فلم تجيدهم المساحيق التي تظهرها يوميا وسائل الإعلام، ولا الحملات التصبيرية و التخديرية التي يقيمها المسئولين لتزيين وجه السلطة.
وكانت الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس أحمد بن بلة إلى ولاية بسكرة و ورقلة في آخر سنة 1963 و التي خصصت له الجماهير الشعبية استقبالا حارا يليق بمقامه كأول رئيس جمهورية يزورهم في عهد الاستقلال، بعد عقود من قحط الاستعمار فكانت الفرحة عارمة و خرجت الجماهير من كل أنحاء الولاية لاستقباله وغضت الساحات و الشوارع و تعالت الهتافات بحياة الرئيس بن بلة و بالجزائر المستقلة. وبعد كلمة الترحيب من رئيس بلدية بسكرة جاءت كلمة العقيد محمد شعباني التي تضمنت ثلاثة محاور كبرى:
- الترحيب به وبالوفد المرافق له على هذه الزيارة. - تقديم نضالات شعب المنطقة عبر التاريخ من الفتح الإسلامي إلى ثورة التحرير. - القضايا المطلبية العاجلة للشعب. وآثار استعمال كلمة " الأخ "التي وحدت المجاهدين و قادتهم إلى النصر بدل الرئيس لوقعها النضالي في نفوس المناضلين، وركز في القضايا المطلبية على العدالة و المساواة بين أبناء الشعب الجزائري شماله و جنوبه شرقه و غربه مذكرا إياه بلقاءات تلمسان و الجزائر و الوعود التي قطعها على نفسه للمجاهدين و أبناء الشهداء و توفير فرص العمل للجميع حيث قال: " نحن ندرك الظروف التي تمر بها دولتنا و نحن مستعدون أن نصبر على ذلك كما تعودنا في الثورة و تأكل الحشيش حتى تنهض و يشتد عودها غير أن أكل الحشيش يكون على الجميع من القمة إلى القاعدة وفي كل جهات الوطن". كانت كلمته رسالة واضحة معبرة عما يختلج في نفوس المواطنين ورحب بها كل الوطنيين الذين يريدون بناء دولة قيامها العدل و المساواة وانكمش لها الذين يعتبرون أنفسهم أنهم ولدوا مسئولين.. .. وراحوا يؤولون الكلام عن مواضعه و يعتبرونها بما أملت عليهم عقدهم النفسية و نظرتهم الاستعلائية عن شعبهم و مواطنيهم. أما في مدينة ورقلة حيث سمح لأحد المواطنين الطاعنين في السن بالكلام فقال " يالبدي (1)، ياكبدي من يوم اللي جبتنا كومي جيكيو (2) وبن فكة (3) أنت ما أربحت و أحنا ما طل علينا ). وربط الرئيس أحمد بن بلة و الوفد المرافق بين كلمة العقيد محمد شعباني في بسكرة و الشيخ الكبير في ورقلة أنهما وجهان لعملة واحدة، و أن كنا نجهل ما كان يحضر في مخابر السلطة غير أن المتتبعين لشأن الجنوب بدؤوا في العد التنازلي في العلاقات بين الرئيس أحمد بن بلة و العقيد محمد شعباني، حيث سلطت عليه الأضواء الكاشفة أصبحت حركاته و لقاءاته و أنفاسه محسوبة و معدودة بدقة. لماذا فضل الإنسحاب من مدينة بسكرة بدل المواجهة؟ وما هو موقعها الجيو ستراتيجي في الحرب؟ وما هي عدته وعتاده في حالة نشوب حرب؟ هل كان ذلك تجنبا لإراقة دماء الجزائريين؟ وتحسبا للخراب و الدمار الذي يلحق بالمنطقة؟ وهل اعتصامه بالجبال بغرض الحرب؟ أو مجرد لفت انتباه؟ و الإعلان عن موقف؟ .. وكيف عالجت السلطة المدنية و العسكرية هذا الموقف؟ . إن هذه الإشكالية أو الأسئلة ليس من السهل الإجابة عليها بالقدر الكافي، نظرا لغياب العديد من المعطيات العلمية و الوثائق التاريخية، وعدم الكشف عن الأرشيف الخاص بتلك الفترة وغياب بعض الوجوه الفاعلة آنذاك و همشوا فيما بعد وزهدوا في السياسة حاليا، مما ترك الكثير من مواقع الظل كما يقال. غير أن هذا لا يصدناعن طرح وجهة نظر قد يحتاجها الدارس والباحث يوما ما.. وهي محاولة لرصد بعض الحيثيات والوقائع التي رأيناها مهمة و مؤثرة في ازدياد درجة التوتر بينه و بين مسؤوليه في السلطة بشقيها المدينة و العسكرية . وجد العقيد شعباني نفسه أصغر ضباط جيش التحرير الوطني، عافته الموت في الثورة التحريرية، أمام الكثير من التناقضات التي أفرزتها تسارع الأحداث و تفاعلات الأيام لاسترجاع السيادة الوطنية منها: - لم يرضيه سرعة إصدار قرار حل جيش التحرير الوطني، واستبداله بالجيش الوطني الشعبي الذي سيطرت على دواليبه و تحكمت في عصب حياته الفئة الوافدة من الجيش الفرنسي في المرحلة الأخيرة من الثورة وقد كانت له حساسية مفرطة اتجاههم، وقد يكون معذورا في ذلك لأنه اكتوى بنار مخططات " قودار GODAR " و مؤامرات المكتب الخامس الفرنسي في الثورة التحريرية. - وكان من الرافضين للطريقة التي عوجلت بها قضية المجاهدين المسرحين من الجيش والعلاوات الممنوحة لعائلات الشهداء وذويهم لم يراعي قانون الوظيف العمومي وضعيتهم الاجتماعية و الاقتصادية و الصحية و صنفوا في الدراجات السفلى من السلم " ANS " وغير قابلين للترسيم و عرضت للطرد في أي لحظة. لأن القانون الموضوع هو نسخة للترجمة من القانون الفرنسي الذي لا يجيز الحق لهذه الفئة من الجزائريين " LES INDIJAINES " أن يرقوا أو يرسموا في مؤسسات الدولة وظلت هذه الفئة لسنين طويلة تكابد الشقاء و التعسف في القوانين. كما كان ممزق النفس، مضطرب الأعصاب مما يلاحظه وما يتناها إليه من أخبار قدوة نضاله " السجناء الخمسة " التي لم تتمكن سنين الثورة ولا ظروف السجن ولا الوضعية الحالية للوطن، أن يحكموا العقل و يترفعواعن الأنانية وحب الذات، و يعمقوا ما اتفقوا عليه بالحكمة و السماع للطرف الآخر دون نشر الغسيل على شعبهم وعلى أعدائهم الذين يتربصون بهم، مما جعله يتأنى في أمر تحريك جيشه لمواجهة " لافافاس " ولا يكون طرفا وسببا في إزهاق أرواح بني وطنه وحفاظا على الموروث التاريخي الذي شيده قادته " الحواس و عميروش " في الثورة التحريرية الأمر الذي تجاهلته السلطة و يمكن أنه اعتبر ذلك الأمر الرآسي جاء في حالة غضب و سحابة صيف سرعان ما تزول ومن ثمة لا يسجل عليه التاريخ ذلك، مثل ما كان رفضه للعروض التي قدمت له من طرف " محمد خيذر، محمد بوضياف " للإنتفاظة على السلطة. أما السلطة بشقيها المدني و العسكري لم في غفلة من ذلك واستعملت معه سياسة " الجزرة و العصا " وطولت له الحبل لتكشف نواياه ووضعته تحت المجهر العالي في الدقة و التشخيص بدأ بزرع عيونها داخل وحدات الجيش التي تحت إمرته، و المدنيين التابعين لمنطقته لرصد أخباره وأقواله و تحركاته و لقاءاته سواء مع رفاق دربه أو الشخصيات القادمة من خارج البلاد. ويعد هذا عملا طبيعيا جدا، ( قد تعاب الدولة أن أهملت هذا الجانب ) و محاولة تجويفه من الداخل، واختراق صفوف زملائه و البطانة المحيطة به، الذين لم يكونوا في مستوى ما يطبخ لهم، وانساقوا وراء الماديات واللهث على المناصب واطمأنوا للوعود المغرية التي قدمت لهم، وغضت السلطة الطرف على ما ارتبكوه من أخطاء.. بغية استمالتهم و استدراجهم للشراك المنصوبة لهم و لقائدهم ولم يتفطنوا إلا بعد أن سبق السيف العدل. صعدت السلطة في وتيرة عملها ضد العقيد محمد شعباني وزادت فتلة في عقيدة الحبل الذي طوقته به و بدأت مرحلة جديدة من التصادم في الرؤى و الأفكار و الطروحات بعد الصدى الإعلامي الذي لقيه في مؤتمر جبهة التحرير الوطني المنعقدة في أفريل 1964 . وجاءت محاولات الغدر به و التخلص منه جسديا، بعد فشل محاولات القبض عليه و أصبح هاجسا و كابوسا للأطراف المتنافسة على الحكم، فالرئيس بن بلة قربه إليه واختاره ليدثر به و يجعله درعا واقيا من منافسيه. و بومدين عمل على ........ إرجاعه إلى الصف كي لا ينفرد به بن بلة، و شعباني عرف أن اللعبة لعبة صراع عن الحكم ولا طاقة له بذلك، و آثر الحياد و فضل أن لا يكون سندا لأي طرف كي لا يقع في المحظور. ودخلت السلطة في الفصل الأخير من العملية بعدما تجمع عندها كل التقارير الواردة من عيونها على العقيد محمد شعباني غتها و سمنيها وراحت ترسم الخطط و برامج التنفيذ التي تقلل من شعبيته و تقلص من نفوذه على الجيش و تبعده عن مياهه التي تعود السباحة فيها، بترقيته إلى منصب عضو هيأة الأركان في الجيش وعضوية المكتب السياسي الذين كان يقول عنهما: أنه لم يحن الوقت بعد لهذه المناصب لوجود من هم أكبر منه سنا، ورشح لعضوية الأركان كل من الأخوة " الطاهر زبيري، محمد ولد الحاج " وكان يقر أن وجوده في الميدان و بين جنوده في الثكنة أفضل من بقائه بين جدران المكاتب وورشات بناء الوطن مفتوحة ". وتغيرت هيكلة الجيش و ألغيت الولايات التاريخية الستة، وعوضت بخمس مناطق عسكرية وصدم شعباني لهذا القرار واعتبره استغناء عن خدماته لأن التغيير شمل ثلاث قرارات: 1- تعيين عمار ملاح على رأس المنطقة الرابعة و نقله إلى وزارة الدفاع 2- نقل مقر قيادة الناحية من بسكرة إلى ورقلة. 3- تجفيف منابعه وقطع أوصاله و خيوط اتصالاته بتعيين الرائد سليمان لكحل إلى البليدة و الرائد محمد غنتار إلى بشار. 4 - ترشيح كل من الجلالي عريف و محمد رشيد الصائم و بعض الضباط في قائمة التكوين في الإتحاد السوفياتي. غير أن موقعه في السلطة و لقاءاته اليومية و مواقفه و صراحته زادت في عمق الهوة بينه و بين مسؤوليه و أصبح وجود حجر عثرة في ترشيح إحدى الكفتين للسلطة لذا يجب إزاحة هذا الحاجز لينفرد أحد الأطراف بالحكم. نزلت هذه القرارات كالصاعقة على محمد شعباني وطاقمه واعتبرها إجحافا للتاريخ النضالي لبسكرة، وإبعادا لهم من مراكز قيادة الجيش، و توترت الأعصاب و ازدادت الشكوك و المخاوف و تعمق الإختلاف في الرأي ووجد نفسه وجها لوجه في أزمة حادة مع السلطة التي أرسلت وفودا مدنية و عسكرية لرأب الصدع و إقناع شعباني و يقول الرائد لخضر بورقعة " لم تفلح وساطتنا لأسباب لا يعرفها أحد غيره (4)". لماذا لم تفلح مهمة الوفود المدنية و العسكرية في احتواء الأزمة؟ ولماذا اعترض محمد شعباني على القرارات؟ ولماذا خمس مناطق عسكرية؟ وليس سبعة تيمنا بالثورة؟ فصحراء الجزائر قارة في حد ذاتها . يبدو من الصعب إدراك ما يدور في ذهن الثلاثي الرئيس أحمد بن بلة ووزير الدفاع الهواري بومدين و القائد محمد شعباني، و يهمنا من الموضوع العقيد محمد شعباني و كيف فهم هذه القرارات . يتضح من خلال ما شاع من أخبار وما تسرب من معلومات من المقربين إليه، أن العقيد محمد شعباني وكيف كانت له تحفظات على ذلك منها: - الإستعجال في إلغاء الولايات التاريخية - لم تراعي في تحديد المناطق العسكرية سعة الصحراء و حدودها العديدة مع بلدان الجوار من الناحية الأمنية كالمغرب، ليبيا، و تونس. - التواجد الفرنسي في منطقة بشار ورقان و الشركات البترولية في قسمها الشرقي. - ورأيه الأخر في وجود سبع مناطق عسكرية واحدة في بشار لتغطي الصحراء الغربية و أخرى في ورقلة للمنطقة الشرقية. - إحتفاظ بسكرة بمنطقتها لما تحلته من مكانة استراتيجية و تاريخية ولدى الجيش الوطني الشعبي الإطارات الكافية للتغطية. - استنتاجه من القرارات انها كانت ردا على مواقفه في مؤتمر جبهة التحرير و تنفيذا لعمل لجنة " الشاقور " الذي صرح بها بومدين في ذلك المؤتمر، و بالتالي انتهاء شهر العسل بينه و بين السلطة وانتهى دوره في مسرحية الاستيلاء على السلطة وعليه أن يغادر الخشبة. قدمت هذه الحيثيات و المعطيات لتتضح الصورة لدى القارئ الكريم و خاصة جيل الاستقلال، قبل الإجابة عن الإشكالية التي قدمتها وهي لماذا فضل شعباني الانسحاب بدل المواجهة؟ أذكر بمايلي: تحتل مدينة بسكرة موقعا هاما عند العارفين بالشؤون العسكرية و التنظيمات الحربية فهي زيادة على موقعها الإستراتيجي و الطبيعي كواحة تحيط بها سلاسل الأطلس الصحراوي من الشرق و الشمال و الغرب مشكلة هلالا فاسحا المجال للعمق الصحراوي في الجنوب و الجنوب الشرقي، وتعد إحدى الولايات الشمالية للصحراء الجزائرية ومن المدن القديمة و العريقة في الجزائر، لعب سكانها ردحا طويلا من الزمن، في التواصل الحضاري و التاريخي حيث كانت حلقة وصل واتصال بين إفريقيا و الوطن العربي و أوروبا و دونت أسفار كتب التاريخ ما تزخر به من علماء و حكماء و عظماء و حاملين لرسالة السماء، وقادة في ساحة الوغي ولم يتأخر سكانها في أي موعد حاسم للشعب الجزائري و يشهد التاريخ الحديث و المعاصر الملاحم البطولية التي خاضها سكان الزعاطشة و العامري و خنقة سيدي ناجي وما قدموه من تضحيات لنصرة إخوانهم و جيرانهم في الأوراس و المسيلة، الأغواط و ورقلة و توقرت و الوادي مما اضطر السلطات الفرنسية الغازية إبقائها تحت الحكم العسكري حتى إسترجاع السيادة الوطنية كما كان لها دورا بارزا و مميزا في النهضة الفكرية و النضال السياسي والثورة التحريرية. ماهو موقعها الجيو استرتيجي في الحرب؟ وما هي عدته و عتاده ؟ و كيف عالجت السلطة المدنية و العسكرية هذا الموقف ؟ يظهر من خلال مجريات الأحداث و تسارعها أن محمد شعباني باغتته السلطة ولم تعطيه فرصة للتدبير و التخطيط ولم تكن له نية في الدخول في حرب مع السلطة التي ساهم في بنائها معتبرا ذلك مجرد إختلاف في وجهات النظر و سحابة صيف عابرة سرعان ما تزول وهذا إستنادا على أقوال طاقمه و المقربين إليه و خلو الساحة من أي تعبئة و إستعداد عسكري، أو نشر للقوات فالمتأمل لموقع بسكرة الطبيعي يكشف أنه ليس من السهل إقتحامها بحكم التحصينات الطبيعية و ذلك للأسباب التالية:
1- أن هو وجيشه من أبناء المنطقة و يعرفونها بالحجرة و الشجرة و الشعبة لأنهم عاشوا فيها مدة الثورة.
2- ما الذي منعه من وضع حاميات و سواتر دفاعية أمامية على الثغور في القنطرة و سبع مقاطع في بيطام وعلى بوكحيل و الشعيبة و خنقة سيدي ناجي و أمشونش وكلها أماكن إستراتيجية للدفاع.
3- لديه من العتاد و الذخيرة ما يكفيه لمدة من المقاومة.
4- بعيدة عن البحر ولم يبق إلا سلاح الطيران الذي يعرف قدرته ولديهم خبرة في مواجهته من الثورة التحريرية. وهذه المستلزمات لم تحصل وما جرى هو أن السلطة دخلت معه في مفاوضات مراطونية عقيمة لخداعه و إستكمال خططها و جمع قواتها وفي نفس الوقت بدأت وسائل الإعلام المختلفة لتحضير الجو وتأليب الشعب عليه، انتهت بإلقاء القبض على رفقائه الطاهر لعجال، محمد الشريف خير الدين محمد جغابة، السعيد عبادو، خبزي محمد، محمد شنوفي وغيرهم من المقربين إليه كرهائن ليسلم نفسه للسلطة، الأمر الذي اغتاظ له وانزعج منه كثيرا باعتبار أن هؤلاء مدنيون و إطارات منتخبة في الحزب و الدولة. تصلبت كل الأطراف في مواقفها، وغابت الحكمة و التعقل و البحث على محاور التفاهم وساد حوار الطرش ووصفت وسائل الإعلام الرسمية العقيد وقيادة الناحية، بن قانة وانفراده في الصحراء و غيرها من الأوصاف و النعوت و التهم و تجريده من كل مناصبه في الحزب و الدولة و إعلان التعبئة العامة كل قواة الأمن لمحاصرة حركة التمرد و إلقاء القبض على شعباني. تحكم شعباني في نفسه و ضبط أعصابه في هذه الزوبعة ولم يكن راضيا على تجاوزات و تصرفات بعض قادته في الأزمة واجتمع بضابط الجيش و الدرك و الأمن و أعطى تعليماته بمراقبة الأوضاع الداخلية وقصد مقر البلدية الذي كان يغص بالمواطنين و المناضلين لشرح الأوضاع و أسباب الخلاف و إذ بخبر يأتيه بوصول قوات السلطة على مشارف المدينة وفضل الخروج و الانسحاب من المدنية كي لا يعرضها للخراب و الدمار مثل ما حصل في منطقة تيزي وزو في حركة تمرد " لافافاس " . والحمد لله أن السلطة تمكنت في خلال أسبوع من إنهاء الحركة وإلقاء القبض على محمد شعباني ومرافيقه الحسين ساسي والعريف الجيلالي " سليم.
المحاكمة :
نقل العقيد محمد شعباني و رفقائه إلى سجن سيدي الهواري بوهران و في الفترة من سبعة جويلية حتى 02 سبتمبر1964 عملت السلطة للقضاء على جيوب ( التمرد) وكثفت وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة في تشويه سمعة شعباني و وصفه بشتى نعوت الاحتقار و التشويه وصدرت عدة مراسيم رئاسية منها بتنفيذ الأحكام العرفية فورا ولا تقبل الطعون أو التأجيل حين إصدار الحكم. وفي 02 سبتمبر 1964 نصبت المحكمة العرفية برئاسة قاضي مدني وسيق محمد شعباني و رفقائه إلى المحاكمة و دامت المحاكمة أكثر من 12 ساعة، وجهت فيها العديد من التهم التي تدين كلها محمد شعباني و يتذكر الرائد محمد الشريف خير الدين الذي كان من بين المتهمين بعض الإتهمات الخطيرة التي وجهت إليه منها عصيانه لأمر عسكري لمقاتلة قوات تمرد آيت أحمد حسين ورفضه لإدماج بعض ضباط جيش الحدود في قيادته وقتله للحركة و القومية وجماعة بن لونيس و الخونة بعد الاستقلال و محاولة إنفراده بالصحراء . وبعد رفع الجلسة الطويلة للتشاور و التقدير في الأحكام جاء الحكم بالإعدام على محمد شعباني و السجن المؤبد للضابط العريف الجيلالي و برأت بقية المتهمين. و طلب منه الرد على الحكم، و يتكلم مع من يشاء..؟ فكانت كلمته " إني أطلب من الله و الشعب الجزائري أن يغفر لي لأني كنت من المساهمين و المساعدين لهذه الفئة الضالمة في الحكم " و أوصي محمد الشريف خير الدين خيرا بأمه. واتصل رئيس المحكمة برئيس الجمهورية أحمد بن بلة يعلمه بالحكم، و يلتمس منه توظيف صلاحيته القانونية المخولة له، إلا أن صمت الرئاسة أقر الحكم وفي فجر اليوم الموالي نفذ الحكم ومات محمد شعباني... وشيع من الرئاسة في ذالك الوقت أن الرئيس أحمد بن بلة كان مستعجلا في قتله و تأخر سفره إلى القاهرة حتى نفذ الحكم؟ .. ويغلق أبواب الوساطة أو الشفاعة له من أي طرف وضاع دم شعباني بين الفئات المتنافسة على السلطة. فالرئيس أحمد بن بلة اتهم الجيش بقتله (5)و بومدين تبرأ من دمه متهما الرئاسة في استجوابه مع الصحفي المصري لطفي الخولي (6) مدعما ذالك بإطلاق صراح رفقاء شعباني المسجونين. هذا ما سمعناه و عاصرناه عن الحديث الذي فتح الباب أمام الجزائر بالدخول من جديد في دوامة العنف و العداء لتاريخها الوطني، و صب الزيت على نار الحقد على رموزها و أبطالها و قادتها مما يوحي بوجود أيادي خفية أرادت أن تنتقم من الجزائر أرضا و شعبا و قيما و مبادئ ولم ينج من هذه العملية إلا الرئيس أحمد بن بلة و آيت أحمد الحسين؟.. وبقراءة هادئة و متأنية و متبصرة لما اصطلح عليه " بتمرد شعباني" و التهم الموجهة له في المحكمة و غياب فتح هذا الملف للباحثين و الدارسين، وما عاشته المنطقة من تهميش سياسي و ركود اقتصادي و إقصاء اجتماعي لسنوات عديدة نستنتج أن محمد شعباني راح ضحية الصراع الدائر بين التغريبيين، والأصوليين... و الذي لازال قائما لحد الآن وذالك بتصديه و محاربته للمشروع الفرنسي حول فصل الصحراء في الثورة التحريرية ميدانيا و إعلاميا (7) و صرامته و مواقفه التي كشف عنها في مؤتمر جبهة التحرير و عناده و تعنته و تصلب رأيه ولم يفهم قواعد اللعبة الجديدة وظل يعيش على الماضي الثوري و إلا كيف يحاسب على القصاص الشعبي للجرائم التي أرتكبها الخونة في حق الشعب أيام الثورة التحريرية مع أن هذا القصاص كان عاما في كل مناطق الوطن. مع أنها ظاهرة عالمية مارستها الأمم و الشعوب ضد كل من كانت له مواقف غير مشرفة مع وطنه، حتى الفرنسيين الذين يتخذهم البعض منا قدوة لم يتساهلوا معهم بل سجلوا ذلك في أوراق ازديادهم لتبقى لهم وصمة عار طول الدهر. ومن هذا نرى أن هناك العديد من الأسئلة لازالت محصورة في منطقة الظل ولم يكشف الزمن عنها ..؟ مثل هل كان فعلا يمثل خطرا على الدولة؟ ولمصلحة من قتله؟ ومن هي الأطراف المستفيدة من ذلك؟ ولماذا الكيل بمكيالين وهو ليس الوحيد الذي قام بالتمرد؟ لماذا تشذ الجزائر عن أمم العالم في تعاملها مع أخطأ قادتها التاريخيين؟ وما هي انعكاساتها على مسيرة الجزائر ؟.
عودة الوعي وصحوة الضمير: ص103-104
جاءت الذكرى الثلاثون لاندلاع الثورة التحريرية المظفرة، مناسبة هامة حيث تمثلت فيها الذكرى والعبرة ووقفة تأمل وتصالح الجزائر مع تاريخها وأبطالها الذين صنعوا مجدها وكرامتها وبادر الجزائريون قيادة وشعبا في استعادة وعيهم وصحت ضمائرهم فيما ارتكب في حق رفاقهم الذين توفوا بسبب صعوبة الكفاح المسلح أو نتيجة للضغوطات اليومية أو التعقيدات التي مرت بها الجزائر أثناء ثورتها أو بعد استرجاع سيادتها بهدف تكريس ثقافة الدولة، وأن التاريخ الوطني ملك لكل الجزائريين ولا يمكن لأي كان أن يسقط بعض حلقاته أو يقفز على رموزه وأبطاله.
فكانت اللفتة التاريخية للرئيس "الشاذلي بن جديد" بإصداره مرسوم جمهوري في 24/10/84 برد الاعتبار، والعفو الشامل عن المناضلين الذين صدرت بحقهم أثناء فترة الكفاح المسلح أو بعد الاستقلال شريطة أن لا يكونوا قد حملوا السلاح ضد الثورة أو شاركوا مع العدو الفرنسي في عمل يسيء للثورة و الوطن ومن بين الذين شملهم القرار : عبان رمضان، عباس لغرور، أحمد نواورية، عواشرية محمد، محمد شعباني، محمد خيضر، كريم بلقاسم، وجميعهم دفنوا في مربع الشهداء بجولر رفقاء دربهم: الأمير عبد القادر، العربي بن مهيدي وغيرهم من رموز الثورة وقادتها في حفل مهيب حضرته كل الشخصيات السياسية والعسكرية وجمع غفير من المناضلين وتزامن هذا الحفل مع ترقية أول دفعة الضباط إلى مصاف الجنرالات الذين أدوا لهم التحية العسكرية أثناء مراسيم الدفن إكبارا وتقديرا وإجلالا لم قدموه من تضحيات من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة .
وفي السنة الموالية صدر قرار من وزير المجاهدين "جلول بختي نميش" بتاريخ 08/10/1985 تحت رقم 36 باسم لجنة الاعتراف للإطارات السامية في جيش جبهة التحرير الوطني والتي اعترفت للشهيد العقيد محمد شعباني بالمسؤوليات التي تقلدها في معركة التحرير. - عضو جيش التحرير الوطني 1956-1962. - ضابط " " " 1957 إلى 1959. - عقيد " " " 1959 إلى 1962.
عضو قيادي في المكتب السياسي وفي هيئة أركان الجيش الوطني الشعبي حتى جوان 1964
مع تحيات فضيل الجزائري من منتدى التاريخ العالمي و الاسلامي
|