الالسياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر
هل تخلت اسطنبول عن الجزائر ؟
إعداد لمياء قاسمي – الجزائر
مساهمة الأستاذ دمرجي أسامة يالنز
رقم الصفحة
١- التواجد العثماني بالجزائر ٢
٢- عهد الدايات . ٣
٣- العلاقات الفرنسية الجزائرية قبل الاحتلال. ٥
٤- بين المواجهة العسكرية والمعاهدات السلمية. ٧
٥- القطيعة والاحتلال ٨
٦- جهود العثمانيين لاسترداد الجزائر . ١١
٧- محاولات استعمال القوة. ١٣
٨- المراجع . ١٤
في فصول الكتابات التاريخية بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام ١٨٣٠ تبرز دائمًا مقاومة الشعب الجزائري منذ
الوهلة الأولى لوطء أقدام الفرنسيين للبلاد ، وإن كان هذا الأمر واجبًا وطنيًا ودينيًا ولا يستحق عليه الثناء.
ولما كانت الجزائر حينها تحت سلطة الدولة العثمانية وجدنا أنه من الضروري أن نبحث ونعرف : كيف كان
رد فعل الدولة العثمانية على اغتصاب عروس البحر المتوسط ؟ وماهي الأساليب التي اعتمدا لاسترادد الجزائر؟
ولماذا سّلمت بعد ذلك بالاحتلال الفرنسي للجزائر وكّفت عن المطالبة ا، فكانت بذلك الجزائر كبش الفداء في
استمرار الرجل المريض عقودًا قليلة من الزمان ؟ ولكن قد نفذت ثروته قبل مماته !
التواجد العثماني بالجزائر
» أعلنت الجزائر كمقاطعة للسلطان العثماني منذ ١٥٢٠ ميلادية ، ويعود الفضل لذلك إلى الأخويين التركيين
وكانا قد غادرا بلادهما للقرصنة في المنطقة الغربية من البحر المتوسط ، وفي تلك ، « خير الدين وعروج بربروس
الفترة كانت السواحل الجنوبية للمتوسط تحت سيطرة الإسبان والبرتغاليين وأدى هذا الأمر إلى اصطادمهما
في إحدى هذه « عروج » بالأخوين برباروس . وشهدت منطقة تلمسان عدة معارك بين الطرفيين وانتهت بموت
المعارك وأصبح بذلك خير الدين الحاكم الوحيد للجزائر.
وتيقن هذا الأخير أنه لن يستطيع حكم البلاد بمفرده لذا فالتجأ للدولة العثمانية وأعلن أن الجزائر مقاطعة
للسلطان سنة ١٥٢٠ م.
وأرسل له السلطان سليم الأول ألفي عسكري مسلحين مع قوة مدفعية وقدم للذين يذهبون إلى الجزائر
عام « بينون » متطوعين امتيازات الإنكشارييين ، وتوالت انتصارات خير الدين بالجزائر وكان أعظمها احتلال قلعة
١٥٢٩ والتي أنشأها الإسبان على جزيرة صغيرة قرب السواحل الجزائرية.
كما بنى خ ير الدين كاسرة أمواج توصل أطلال القلعة والجزيرة بالساحل وبذلك أوجد ميناءً حصينًا وأسس
أوجاق الجزائر.
وقد أ س ر هذا النجاح الدولة العثمانية التي قامت باستدعاء خير الدين برباروس من طرف السلطان سليمان
القانوني سنة ١٥٣٣ ، وهناك عهدت إليه ولاية الجزائر ونال رتبة وزير البحرية العثماني.
وفي الأستانة قام خير الدين ببناء عدة سفن عادت به إلى أفريقيا وقد حددت مهمته باحتلال تونس. وتمكن
خير الدين من دخول مدينة تونس بسهولة عام ١٥٣٤ م ، ولكنه اصطدم فيما بعد بشارل الخامس إمبراطور
هابسبورج وصاحب تاج إسبانيا سنة ١٥٣٥ والذي احتل قواته مدينة تونس.
أما الجزائر فقد عين لولايتها ابن خير الدين حسن باشا وذلك على إثر وفاة أبيه عام ١٥٤٦ ، والملاحظ أنه في
هذا العهد وعهد من لحقوه أن الارتباط كان قويًا بالدولة العثمانية ، ولم يكن هذا الحال في الجزائر فحسب بل في
معظم بلاد شمال أفريقيا ، وأعني بذلك تونس باحتلالها ائيًا عام ١٥٧٤ بعد كر وفر مع الإسبان ، وطرابلس
الغرب التي فتحت عام ١٥٥١ بيد توغرت باشا ، ورغم محاولات الدخول لمراكش كتلك التي حدثت عام ١٥٥٤
بدخول مدينة فاس ، لكن العثمانين لم يتمكنوا من البقاء هناك.
وهذه الولايات كانت تابعة لسلطة وزير الحربية أو القائد العام للأسطول وكان حينها القائد كلج علي باشا.
ولكن بموت هذا الأخير فكر العثمانيون في تأمين وحدة الدولة وذلك بفصل إدارة أوجاق الغرب بتعيين واليين
مختلفين حتى تضمن أن لا تكون سلطة كاملة لشمال أفريقيا بيد قائد واحد.
واتخذ بذلك الحكم في الجزائر شك ً لا ثالثًا.
عهد الدايات
في عهد » ويقول الكاتب التركي الدكتور أوجمند كور أن السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر
الدايات البشاوات أخذت ولاية الجزائر شكلها الأخير وصار يوجد في المركز إلى جانب الولاية ديوان هو عبارة عن
مجلس للشورى وكان أهم أعضائه المتألف من خمس موظفين هو المسئول عن الخزينة والناظر لشوون المالية ، ويأتي
بعده المكلف بالشؤون البحرية ، و يسمى وزير البحرية . وكان يقوم بمهمة كتابة الديوان أربعة كُتاب . أما
الشؤون الشرعية فكان ينظر فيها مفتيان أحدهما حنفي والآخر مالكي ، لأن الأتراك حنفيون أما الأهالي فمالكيون .
ثم إن الولاية قسمت إلى ثلاثة ألوية بالإضافة إلى اللواء المركزي ، وكان يوجد على رأس كل واحد من هذه
الألوية الشرقية والجنوبية والغربية ما يس مى بالباي ، وكانوا يدفعون الضرائب ، ولكنهم يع دون مستقلين في إدارة
ألويتهم. أما اللواء فقد انقسم إلى قواد ومشايخ وكانوا مستقلين في إدارة ألويتهم . أما اللواء فقد انقسم إلى قواد
ومشايخ . وكان الإنكشاريون الذين ملأ قسم كبير منهم المركز موجودين أيضًا في الألوية .
أما أمن البلاد في الداخل فكان تؤمنه القبائل المعفاة من الضرائب والمتمتعة بالامتيازات ، إذ كانت وظيفة هذه
القبائل المسماة بالمخزن هي فرض الطاعة على القبائل الأخرى الملزمة بدفع الضرائب ، وقد استفاد الأتراك بمهارة
من العداوة التي بين القبائل ؛ ولكي يستطيعوا أن يتابعوا حكم الأهالي فقد انتهجوا سياسة التعامل بالحسنى مع
المرابطين الذين يعدون من الأولياء وهم أصحاب النفوذ.
ومن الأمور التي راعاها الأتراك في ولاية الجزائر أم كانوا لا يولون مواليد الإنكشاريين من النساء المواطنات
وهم يشكلون القوة المدفعية للأوجاق. « الكراغلة » المناصب العليا وكانوا يطلقون عليهم أبناء العبيد أي
وفي أوائل القرن التاسع عشر صارت تبعية ولاية الجزائر للدولة العثمانية عبارة عن تصديق السلطان لتولية
الداي كل سنتين أو ثلاث والتحاق سفن الأوجاق بالأسطول العثماني كلما تطلب الأمر ذلك. وغير هذا فقد كان
أوجاق الجزائر يجلبون جنودًا أتراكًا من جزر البحر المتوسط ومن الأناضول بما في ذلك الإنكشاريين ، وربح الولاة
الحرية لدرجة أم يستطيعون توقيع المعاهدات مع الدول الأجنبية مباشرة .
وكانت معظم المعاهدات التي عقدها أوجاق الجزائر تمضى مع دول صغرى فكان يقوم صلح لمدة معينة مقابل
ضريبة سنوية تدفع للأوجاق.
العلاقات الفرنسية الجزائرية قبل الاحتلال
حسب الكتب والمراجع التاريخية ، فإن علاقات الصداقة بين فرنسا و الدولة العثمانية قد بدأت منذ السنوات
الأولى لخلافة سليمان القانوني،فكانت بالتالي هذه العلاقة تفرض على الجزائر نفس الشيء بما أا ولاية تابعة
للإمبراطورية العثمانية.
ومازاد في توطيد هذه الصداقة هو العدواة المشتركة للإسبان ، قد تم تحالف بين فرنسا وخير الدين بارباروس في
حصار قلعة نيس سنة ١٥٤٣ التابعة للإمبراطور شارل الخامس.
واستغل الفرنسيون هذه الصداقة أيما استغلال فقد تمكنوا من تعيين قنصل لهم في الجزائر عام ١٥٧٧ .كما
حصلوا على إذن من السلطان أيصا بالسماح لهم باصطياد المرجان في السواحل الشرقية للبلاد بشرط أن يدفعوا
.« الباستيون » الضريبة ولا ينشؤا قلعة، ولكن رغم هذا المنع فقد أسسوا مركزًا تجاريًا أسموه
وفي سنة ١٦٠٤ عم الجزائر قحط ، لكن الفرنسيين قاموا بشراء المحصول الزراعي من الأهالي وباعوه خارج
البلاد للأوروبين ، وهذا الأمر كان سببًا في غضبالعثمانيين الذين أمروا دم الباستيون. وقد أعيد بناؤه ثانية عام
١٦٢٨ وهدم مرة أخرى بعد تسع سنوات بسسب تردي العلاقات بين الجانبين. ولكن الوالي عام ١٦٤٠ اضطر
لقبول إعادة بناء هذا المركز .
وكان الباستيون يدار من قبل شركة فرنسية خاصة ، وتم تأسيس عام ١٧٤١ شركة رسمية لإدارة أشغاله
وحققت الشركة أرباحا طائلة ولكن بعد الثورة الفرنسية ١٧٨٩ ، « الشركة الملكية لأفريقيا » تعرف باسم
تحت إدارة تجار مرسيليا. « الوكالة الأفريقية » استمرت الشركة في عملها باسم
بين المواجهة العسكرية والمعاهدات السلمية
وقعت مواجهة عسكرية بين فرنسا والجزائر في عهد لويس الرابع عشر في النصف الثاني من القرن السابع عشر
حيث قام بإرسال الأسطول الفرنسي للجزائر للحد من القرصنة في البحر المتوسط وضربت المدينة بالمدفعية ثلاث
. مرات . ولما لم تجد سياسة القوة تم عقد معاهدة صلح مع والي الجزائر في ١٦٨٩
ولكن بعد الحملة الفرنسية لمصر بقيادة بونابرت في ١٧٩٨ ُأكره والي الجزائر على إعلان الحرب على فرنسا بعد
إنذار شديد من السلطان وقطع علاقاته مع فرنسا. لكن بعد تصالح العثمانيين مع الفرنسيين عادت الجزائر وأبرمت
معاهدة صداقة مع فرنسا عام ١٨٠١ التي لم تسلم هي الأخرى من تقلبات السياسة. إذ صادف في عهد نابليون أن
انتصرت انجلترا على فرنسا في معركة الطرف الأغر وبسطت بذلك نفوذها على البحر الأبيض المتوسط سنة
١٨٠٥ ، فاستولى والي الجزائر على مراكز التجارة الفرنسية وأ جرها للإنجليز وأثار هذا التصرف نابليون فبدأ يخطط
١٨٠٧ وأمن أوروبا من جهة ، وبدأ بتنفيذ « تلسيت » للإستلاء على الجزائر فعقد مع امبراطور روسيا معاهدة
خطته فأمر وزير الحربية بإيفاد ضابط استحكام ليقوم بجمع كل المعلومات عن مدينة الجزائر وما جاورها. وقام
بذلك ليعود في ١٨٠٨ وقد قدم تقريرًا منفص ً لا عن الجزائر، لكن الأوضاع لم تمهل نابليون للقيام « بوتان » الضابط
بما أراد. ولما قامت الملكية من جديد في فرنسا جددت فرنسا علاقاا مع الجزائر وأعيدت المراكز التجارية
. للفرنسيين عام ١٨١٧
وهذه القضية - أي قضية المراكز التجارية - كان دائمًا سببًا لنشوء الخلاف بين الجانبين الجزائري والفرنسي.
القطيعة والاحتلال
بعد الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ استطاعت فرنسا أن تضمن ما تحتاجه المقاطعات الجنوبية من قمح وحبوب من
الجزائر ذلك لأا كانت في حالة حرب مع العديد من دول أوروبا، وقد تمت هذه الصفقات بواسطة تاجريين هما
الإيطاليةوقد استقرا في الجزائر « ليفرونة » وهذان الشخصان هما يهوديان من مدينة ، « بوشناق » و « بكري »
ديوا من الحكومة الفرنسية التي لم تقم « بكري وبوشناق » بتأسيس شركة للتجارة. وفي عام ١٧٩٧ طلبت شركة
سوى بدفع قسطين فقط.
إن كون أوجاق الجزائر دائنًا للتجار اليهود جعل » : « أرجمند كوزان » وعن هذه النقطة يقول الكاتب التركي
الوالي يطلب من الحكومة الفرنسية تصفية حساباا معها. وفي النهاية دققت الحكومة الفرنسية بواسطة لجنة في ديون
اليهوديين ، وأغلقت الحساب بسند مؤرخ في سنة ١٨١٩ ، ولكن الحكومة الفرنسية وضعت يدها على قسم من
النقود التي ستعطى للتجار اليهود معتمدة على مادة في السند ، ذلك أن التجار اليهود كانت عليهم ديون لفرنسيين
كانوا قد التجأوا إلى المحكمة.، وصرحت شركة بكري وبوشناق للوالي حسن باشا المطالب بديون الأوجاق بأا
مفلسة وأا لا تستطيع أن تدفع دينها إلا بعد أن تحصل على المبلغ الذي صودر في فرنسا. وفي كل مرة يسأل فيها
عن سبب عدم استطاعة التجار اليهود أخذ نقودهم كاملة ، كان القنصل « دوفال » حسين باشا قنصل فرنسا
الفرنسي يجيب أن ذلك يتطلب إاء الدعاوي التي ينظر فيها في المحاكم . ولما لم تنته هذه الدعاوي رغم مرور
سنوات كثيرة ابتدأ حسين باشا يشك في نية فرنسا . وزيادة على ذلك ، فقد كان القنصل دوفال شخصًا لا يوثق
به.
أرسل حسين باشا ثلاث رسائل إلى الحكومة الفرنسية بشأن دين الشركة منذ ١٨٢٤ ، وعندما لم يأت جواب
على أي منها غضب غضبًا شديدًا على فرنسا ، وبعدها بقليل علم حين باشا بأن الباستيون قد تسلح رغم وعد
الشرف الذي قطعه دوفال بشأن عدم تحصين المراكز التجارية الفرنسية، فزاد هذا الخبر من غضب الباشا.
وفي ٢٩ أفريل ١٨٢٧ سأل داي الجزائر القنص َ ل دوفال - الذي َقدِم للتهنئة بالعيد - عن سبب عدم رد
إن ملك فرنسا وشعبها لا يحرران لك ورقة، ولا يرسلان » : الحكومة الفرنسية على رسائله وعلى إثر قول القنصل
ض من مكانه محتدًا وضرب مخاطبه بالمروحة التي كانت بيده مرتين أو ثلاثًا . « ردًا حتى على رسائلك المرسلة
وتحقير حسين باشا للقنصل دوفال ذا الشكل جعل فرنسا غير ملتزمة بأي قيد.
أرسلت فرنسا أسطولها الحربي إلى الجزائر بعد شهر ونصف من الحادثة التي اتخذت اسم حادثة المروحة بعد
ذلك واتخذا حجة لإعلان الحرب. وطلب هذا الأسطول الذي رسا أمام الجزائر الترضية من حسين باشا ، وهذا
الأخير كان يجد نفسه محقًا فيما حدث له مع القنصل . ودخلت الجزائربذلك مع فرنسا في حالة حرب منذ ١٦
. جوان / حزيران ١٨٢٧ وحوصرت مدينة الجزائر بحرًا. كما تم إرسال جيش كبير لاحتلال الجزائر عام ١٨٣٠
لإشغال الشعب « برنس دو بو لينياك » ويذهب المؤرخين لاعتبار هذا الأمر وسيلة من رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك
الفرنسي ا بعد تنفيذه لقرارات الملك شارل العاشر بحل مجلس النواب والتضييق على الصحافة.
كما يرى الدكتور خليل الزركاني أن الدولة العثمانية أو الرجل المريض لم تكن تنوي أن تحشر رأيها في قضية
الجزائر لأا كانت منهكة في إخماد ما يحدث في جزيرة مورا ، وكذا خسارا في معركة نافارين عام
١٨٢٧ .ودخولها الحرب مع روسا بعد ذلك بقليل ، فهذه الظروف لم تدع لها مجا ً لا حقيقيًا للاهتمام بالقضية
الجزائرية.
ولذا فإن الموقف الفعلي للدولة العثمانية هو عدم التدخل في الخلاف الناشب بين فرنسا والجزائر، خاصة بعد
كتابة السفير الفرنسي للباب العالي في اسطنبول يدعوه لواجب تدخل الدولة العثمانية لتأديب والي الجزائر، وحيث
أن الداي قد زاد في تع دياته السالفة بتحقير قنصل فرنسا في الجزائر ، فإن جناب ملك فرنسا اضطر لطلب ترضية
علنية مهددًا بإعلان الحرب في حالة رفض طلبه ، وحيث أن طلبه رفض وعليه فالحرب محققة.
وقد حاولت الدولة العثمانية إيقاف الحملة الفرنسية ضد الجزائر بإيضاحها عن طريق الباب العالي أن التدابير
التي اقترحها السفير الفرنسي لحل التراع الناشب بين فرنسا والجزائر ليس مناسبا ، كما أا أرسلت عام ١٨٢٩
مبعوثًا إلى الجزائر كانت مهمته أن ينبه والي الجزائر حسين باشا أن يظل محايدًا في التراع بين النمسا ومراكش من
جهة ، ويسعى لتأمين التفاهم بين فرنسا و والي الجزائر من جهة أخرى ، لكن محاولته باءت بالفشل.
ورغم محاولات الدولة العثمانية لسلوك الطريق الديبلوماسي لكن الحكومة الفرنسية كانت مقتنعة بأا لن تصل
إلى نتيجة ما بحصارها البحري لمدينة الجزائر ، وكانت تخطط لتأديب والي الجزائر بواسطة محمد علي باشا الذي كان
يستطيع استعمال جيشه لاحتلال الجزائر بد ً لا من استعماله لضم سوريا ، كما كان يسعى. وقد تناهت لأسماع
الباب العالي أنباء عن اتفاقية من هذا النوع بين محمد علي والفرنسيين لكنه ر د أن هذه الرواية لا أساس لها من
أنتم مسيحيون ، أما نحن والجزائرييون مسلمون ، ونحن » : الصحة وأنه - أي والي مصر - قد ص رح لقنصل فرنسا
.« ذو أمة وشريعة ودولة واحدة، لا يتلاءم مع ديننا ودينكم
جهود العثمانيين لاسترداد الجزائر
أبلغت الدولة العثمانية من خلال السفارة الفرنسية في اسطنبول باحتلال الجزائر ، ولكن حسب الكتب ، فإا
تصرفت ببطء في إعطاء رد فعل بعد أن تواردت أخبار لديها بحدوث انقلاب في فرنسا وتواطؤ فرنسا مع إنجلترا
بشأن قضية الجزائر. ولكن من جانب آخر ، لم تصدر اعترضات الدولة العثمانية على احتلال الجزائر.
وقد طلبت الدولة العثمانية من فرنسا أن تعيد الجزائر التي هي ولاية تابعة لها ، وأضافت أن المعاهدات المعقودة
بين البلدين ينبغي أن تكون نافذة المفعول ، وقد أجابت فرنسا على مطالب الدولة العثمانية بأن لا ح ق لها في الجزائر
، ولكن الباب العالي قد أكد حقه في الجزائر في مذكرة بتاريخ ١٣ ماي / أيار ١٨٣١ قدمت للسفير الفرنسي
بموجب المواثيق والأحكام المرعية بين الدولة العلية والدول »: باسطنبول تبين فيها حقوق الدولة العثمانية في الجزائر
وفي اية المذكرة كرر .« الصديقة منذ القديم ، فإن حقوق الدولة السنية بالجزائر ثابتة في جميع الأزمان للدولة العلية
لما كان استرجاع البلاد المذكورة بكامل حكومتها واستقلالها لجانب الدولة » : الباب العالي طلب استرداد الجزائر
العلية طلبًا عاليًا، فإن الشرط المذكور في المذكرة التي قدمها السفير المومأ إليه كافٍ في نفس الأمر لتحقيق ذلك ولا
حاجة قطعًا لسائر القيود والشروط المختلفة ، باستثناء المواد المتعلقة بشأن القرصنة والناشئة من تكفلها لتلك
لكن بقيت هذه المذكرة بدون رد من الحكومة الفرنسية في .« الشروط في معاهدات الصفاء المعقودة بين الدول
الوقت الذي ركز الباب العالي اهتمامه أيضا بعصيان محمد علي باشا والي مصر.
وكان من عادة العثمانيين أن تجرى في اليوم الأول من عيد الفطر كل سنة توجيهات الوظائف العالية والتوليات
. وفي سنة ١٨٢٨ كتبت الجزائر في دفتر التوجيهات ولكن اسم الوالي كان شاغرًا. وكتب الباب العالي في جريد
لما كانت ولاية الجزائر موعودًا بردها لطرف الدولة العلية عندما » : في ٠٧ مارس / آذار ١٨٣٢ « تقويم وقايع »
. « طلبناها ، فسينظر بمقتضاه عند التنظيم
أما عن تحركات الدولة العثمانية في أوروبا لكسب تأييد لهذه القضية فقد طلبت من إنجلترا عام ١٨٣٤
مساعدا في استرداد الجزائر ، لكن وزير الخارجية الإنجليزي قد أفصح برأيه بأنه لا يستطيع أن يقول لفرنسا شيئا
بشأن قضية استرداد الجزائر. وفي نفس السنة تقابل السفير العثماني مع وزير الخارجية الفرنسي بشأن قضية الجزائر
لكنه أجاب أن فرنسا لن تتخلى عن الجزائر .
وهكذا كللت كل المحاولات العثمانيةبالفشل ، مع وضوح الموقف الإنجليزي والروسي في استرداد الجزائر من
فرنسا.
محاولات استعمال القوة
بعد أن تأكدت الدولة العثمانية من فشل الطرق الديبلوماسية ، خاصة بعد أن رفضت فرنسا المذكرة التي
قدمها العثمانيون عام ١٨٣٥ تثبت حقها في الجزائر ، رأت أن تسلك دربًا أخر ، خاصة وأن ما شجعها على
إمكانية استعمال القوة هو حسم الخلاف الرئاسي في طرابلس الغرب ، إذ اجتمعت طرابلس الغرب كولاية عادية
خاضعة للدولة العثمانية ، وقد أصبحت بذلك قريبة من الجزائر ، وأصبح بذلك الباب العالي قادرًا على التدخل
الفعلي ، كما يمكنه أن يربط ولاية تونس الفاصلة بين طرابلس الغرب والجزائر. ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل
من طرابلس الغرب بالطريق البري للدفاع عن قسنطينة في « أحمد باي » ولم يقدم الباب العالي على التفكير بدعم
وجه الزحف الفرنسي القادم لاحتلالها ، خاصة وأن أهل المدينة بعثوا بعريضة للسلطان يخبرون فيها أم يحاربون
الفرنسين ويشحذونه على توجيه الولاية لأحمد باي ومنحه لقب باشا.
فإن مجلس الشورى قد أمر بإعطاء أحمد باي رتبة الولاية ، لكنه لم يتوصل إلى » وحسب الكاتب أرجمند كوزان
. « قرار ذا الشأن
لدعم باي قسنطينة ، لكن لم يكن لها أي تأثير عليه ، لأنه « أحمد باشا » ورغم دعوة العثمانيين أيضًا لباي تونس
ليس مضطرًا لمساعدة باي قسنطينة لأنه عدو فرنسا . وما حدث هو أن قسنطينة سقطت في ١٣ اكتوبر ١٨٣٧
واحتلت فرنسا الشرق الجزائري.
وفي أول حولية نشرا الدولة العثمانية سنة ١٨٤٧ لم تكتب اسم الجزائر في جدول الولايات العثمانية ، وكان
اعترافًا باحتلال فرنسا للجزائر.
ويؤكد المؤرخون أن ما حققه الباب العالي من خلال سياسته لإنقاذ الجزائر هو وضعه طرابلس الغرب تحت
. حكمه مباشرة حتى سنة ١٩١٢ ، في حين بسطت فرنسا نفوذها على تونس في ١٨٨١
المراجع
١٨٤٧- الدكتور أرجمند كوزان السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر ١٨٢٧ ·
الدكتور خليل حسن الزركاني بحث تاريخي من جامعة بغداد ألقي في الجزائر في جويلية ٢٠٠٢ بمناسبة ·
الذكرى الأربعون على استقلال الجزائر