يطرح مسلسل “صراع الأشاوس” قضية الأحقاد المتنامية في حياة أسرة كبيرة بعدما زرعها الجد في أبنائه لتورث ضغائن وحروباً وقتالاً مستمراً من دون أن يظهر المنتصر والمغلوب. وإلى الماضي البعيد عن التاريخ الموثّق يعود الكاتب هاني السعدي ليبني أحداث مسلسله الجديد، بينما يعمق المخرج سالم الكردي أسس النص وتوجهاته ليصل إلى رؤية حيادية في نهاية الأحداث حيث لابد أن يعم السلام وتتسع المحبة بعدما سالت دماء غزيرة. وكما في مسلسلات الفانتازيا المعروفة، يبدو “صراع الأشاوس” بلا زمان أو مكان، ودائماً تكون الصحراء ساحة لهذه النوعية من الدراما.
وعلى مدى الحلقات ترتكز الأحداث على الصراع المتطور دائماً بين أفراد عائلتين تنتميان إلى قبيلة واحدة. إنهم أفراد من أسرة فتنها الجد سابقاً، فكانت النتائج حروباً دائمة تعلن بين الفترة والفترة عن أبطال جدد في العائلة الأولى أو في الثانية، وفي النهاية يتضح أن هدف تكريس هذه البطولة أيضاً إشعار القبائل المجاورة بقوة العائلة المتقاتلة، ويستمر الحقد في توجيه المواقف حتى نهايات العمل الدرامي المؤلف من ثلاثين حلقة طويلة، والمهيأ ليعرض في رمضان، ولذلك يتفادى المخرج سالم الكردي مشاهد الدماء، كما يقول، ويظهر نتائج القتال بطريقة ذكية حين تمر الكاميرا على المنتصر لترصد لحظات نشوته، كما ترصد المقتول وهو ينهار على الأرض أو يقع من فوق حصانه. ويوضح: “أنا ضد مشاهد الدماء التي قدمتها المسلسلات الفانتازية سابقاً بهدف تجريب قدرة الكاميرا على استحداث صورة معبرة، والتعبير برأيي يحدث من خلال سير الأحداث وتصاعدها، كما يظهر حين إبراز أسس وأسباب هذا الصراع، لنصل في النهاية إلى تقديم رسالة العمل بشكل واضح، والرسالة واضحة بالطبع لأنها تشجب القتال بين أبناء العم، وتشير إلى ضرورة السلام والوئام من أجل التفرغ لمواجهة عدو آخر”.
محاور القصة
وعن محاور القصة المتجسدة في نص هاني السعدي، يقول المخرج: “الحكاية تبدأ عندما يوصي الجد الأكبر “ثابت بن عبدل” أبناءه، وهو على فراش الموت، بأن يتحابوا ليحكموا القبيلة بالحب والتسامح بعد أن يعترف لهم أنه أخطأ كثيراً في تربيتهم عندما زرع في داخلهم القسوة والعداوة ظناً منه أن هذه الصفات ستحولهم إلى أبطال بارزين، فتهابهم جميع القبائل الأخرى، لكن الجد يتوفى من دون أن يأخذ وعداً من أبنائه بتنفيذ وصيته، ولا تفيد هذه الوصية بالطبع بعدما استفحل الكره والعداء بين الأخوة، خصوصاً أنهم كبروا وهم يرون الشر في داخلهم أيضاً، لذلك عاد الصراع على حكم القبيلة وشؤونها”.
حول استغراق النص في عملية الصراع على السلطة واستمرار المعارك مما يولد تشابهاً في الأحداث أمام المشاهدين في رمضان، يشير الكاتب هاني السعدي الى أن الصراع ينحصر بين الأخوين التوأمين “كعب” و”صعب” بعد تقدم الأحداث، لأن أخاهم الأكبر “مالك” يترك القبيلة ويرحل باحثاً عن قبيلة أخرى شعارها الحب والتسامح، فتتبعه مجموعة من رجال “قبيلة الأشاوس” الهاربين من العنف والكراهية والرافضين للشر والاقتتال ليلتقوا جميعهم في قبيلة “الصمصام” المقيمة على شاطئ البحر، بينما يصل الصراع بين كعب وصعب إلى تقسيم القبيلة، لكن هذا الوضع لا يرضي غرور “الوحشي” و”ابن عرس”، فيخرج الثاني غاضباً ليبحث لنفسه عن قبيلة أخرى يحكمها بكاملها، وينشئ قبيلة “النعمان” في الشرق البعيد، لكنه يكتشف بأنه حاكم بلا شعب، لذلك يقرر أن يغزو القبائل الأخرى للسيطرة على مساحات أكبر من الأراضي، وحينها يدعو أفراد القبائل الفقيرة ليعيشوا في قبيلته. وفي هذه الأثناء يقرر “الوحشي” أن يلحق بابن عمه وينشئ أيضاً قبيلة خاصة به، لكنه يختار الأراضي المجاورة لابن عرس ليبدأ الصراع من جديد بين الأبناء بعدما ورثوه عن الآباء والجد الأول. ويبقى كعب وصعب وحيدين في قبيلة الأشاوس بعد أن يتركهم شعبهم نتيجة الخوف من البطش والسلطة القاسية، وفي لحظة صفاء يتساءل الأخوان صعب وكعب عن سبب الكراهية التي يحملها كل منهما للآخر رغم أنهما توأم، فلا يجدا سبباً لهذه العداوة، وتلتقي المشاعر الصادقة بعد غيابها سنوات طويلة، فيقرران الصلح ويبدآن رحلة البحث عن ولديهما “الوحشي” و”ابن عرس” ليجمعا شمل قبيلة الأشاوس من جديد. ويضيف السعدي: “من خلال هذه الأحداث أضع رؤيتي كمؤلف معتمداً على دراما افتراضية، شبيهة بالفانتازيا، لأوصل رسالة المحبة والتسامح والسلام والتآلف الأخوي إلى الجميع”.
ويوضح المخرج الكردي بأن المشهد الأخير في العمل يكشف عثور كعب وصعب على ولديهما الوحشي وابن عرس، لكنهما يصلان إلى القبيلة ليجدا مبارزة بين الأبناء، ومن سيبقى حياً سيحكم القبيلة، وأثناء ذلك تقتل شقيقة الوحشي الصغيرة، فيقف الجميع في لحظة ذهول وتصمت السيوف لينتهي صراع الأشاوس مع بداية صحوة الضمير الإنساني، ويضيف: “أردنا أن نضع قتل شقيقة الوحشي الصغيرة والمحبوبة جداً، كرادع رمزي يولد الشعور بالخطأ العميق”.
ويوضح الكردي ان العمل من النوع التاريخي المفترض ولا يرتبط بزمان ومكان معين، ولكن هذا لا يعني بأنه فانتازي ومبني على الخيال الجامح والأحداث اللامتوقعة لأنها موحية وتحمل دلالات وهي تعتمد على القالب التاريخي لتتواصل مع المشاهدين وتوصل بالتالي العبرة والحكمة، وتشير إلى أحداث متوقعة في كل زمان ومكان.
ويرى ان الحكمة في “صراع الأشاوس” تقول ان الحب هو الذي يجب أن يحكم العالم فقط، ربما تحكمه الكراهية والسطوة والشر أحياناً، لكن البقاء والانتصار دائماً يكون للحب في النهاية.
شخصيات محورية
ويبرز الممثل رشيد عساف من خلال الشخصية المحورية الجامعة فروعاً عديدة من أحداث المسلسل. انه الرافض لتقسيم القبيلة والمعترض على قرارات والده وعمه والباحث منذ البداية عن وسائل لإزالة الأحقاد والعداوات، لتوجيه القوة إلى جهة أخرى وقبائل معادية، وحينما يفشل يغادر قبيلته باحثاً عن قبيلة يؤسسها بنفسه ويجمع أفرادها من القبائل الأخرى، فيؤسس قبيلة “النعمان”، ويحكمها بالظلم والقسوة، لكن النهاية تكون رافضة للشر ومشيرة إلى انتصار الخير، فيتحقق الهدف الأساسي من المسلسل. ويقول رشيد: “شخصية ابن عرس تمثل الشر المطلق في العمل، ولا تحمل في صفاتها ما يدل على المشاعر الإنسانية والعواطف. فهو تأثر بالتربية القاسية التي نشأ عليها وبالعداوة القاتلة التي كانت تسيطر على علاقة والده مع عمه، فتتالت الأجيال وهي مملوءة بمشاعر الكره والعداء، وكان ابن عرس أحد الأحفاد الذين كانوا ضحية صراع الأشاوس”.
ويجسّد الممثل صباح عبيد الشق الثاني من الصراع بين فرسان قبيلة الأشاوس، لكنه يختلف عن ابن عمه في الصفات الإنسانية رغم ما يظهر على شكله الخارجي من قسوة وكراهية للآخرين. ويقول صباح: “رغم أن ملامح القوة والقسوة تبدو واضحة على وجه “الوحشي” دائماً، فإنه أكثر طيبة من الداخل من ابن عمه المتصلب والقاسي “ابن عرس”، وهذا يتضح بشكل كبير، ويبرز مشاعره الإنسانية عندما يكتشف أن “ميس” الفتاة الوحيدة التي أحبها في القبيلة تحب “ابن عرس” ومتفقة معه على الزواج”.
ومن الشخصيات النسائية المتميزة تبرز الممثلة صفاء سلطان من خلال شخصية “ميس” الهائمة في حب ابن عرس، والتي تثير مشاكل عديدة في القبيلة إثر رفضها للزواج من ابن عمه الوحشي. وتقول صفاء: “يظل الحب مسيطراً على مشاعر ميس وأحاسيسها حتى بعد رحيل ابن عرس عن القبيلة، وهو يبادلها المشاعر بقوة وصدق، لذلك يلغي صراعه مع ابن عمه الوحشي، ويذهب إليه بلا سلاح طالباً الزواج من “ميس”، وعندما يسألونها عن رأيها توافق بسعادة وفرح فيتفاجأ الوحشي وتسيطر عليه مشاعر الألم والحزن لأنه فقد الفتاة التي أحبها لسنوات طويلة، لكنه يوافق على زواجهما بسبب حبه الشديد لها”.
كما يبرز في العمل عدد كبير من نجوم الدراما السورية، منهم عبد الرحمن آل رشي ومحمد طرابيشي وعلي مدراتي ونصر شما وزهير عبد الكريم ودينا هارون وفاروق الجمعات وقمر خلف التي تجسد شخصية “لبوة” شقيقة ابن عرس والحاملة جزءاً كبيراً من صفاته القاسية. وتقول قمر: “لبوة لا ترضى بالإهانة ولا تقبل بالخسارة، لكن نهايات الأحداث تكشف أنها لا تزال تحب الوحشي، لكنها أوهمت نفسها بأنها أصبحت تكرهه بشدة لتطفئ نار الغيرة في داخلها”.
وتشارك الممثلة إيفلين حسن بدور “سليمى” صديقة لبوة التي تعاني من الحب ولا تتجرأ على البوح. ويقدم المسلسل وجوهاً جديدة ناجحة، منها مديحة كنيفاتي في دور “رثاء”، وكوثر معراوي في دور “غزل”، وتشارك أيضاً روعة السعدي بتجسيد شخصية “هزار”.
وتظهر أسماء تمثيلية كثيرة أخرى مثل أمية ملص وعدنان زراعي ومالك محمد ومنذر أبو راس ومحمد حداقي ومروان فرحات وزهير درويش وزهير حداد مما يشير إلى ضخامة الإنتاج، وهو باكورة إنتاج شركة “دراما انترناشيونال”.