أثينا Αθήνα

تعد أثينا واحدة من أشهر مدن التاريخ القديم والتاريخ الكلاسيكي، وهي عاصمة إقليم أتيكا Attikea . إستوطن الإقليم والمدينة عدد من شعوب حوض البحر المتوسط كالكريتيين والآخيين والموكينيين.
وتذكر الأساطير القديمة أن الملك ككروبس Kekrops وكان نصفه رجلاً ونصفه الآخر ثعباناً - أنشأ المدينة ووضع أوائل قوانينها الاجتماعية والسياسية، وكان أول ملوكها إذ قام بدور الحكم في النزاع الذي استعر بين الإلهين بوسيدون Poseidon وأثينا Athena حول الوصاية الدينية على المدينة، وأفتى بأنه سيهب اسم المدينة والوصاية عليها للإله الذي يقدم للبشر أعظم فائدة، وقد حكم لمصلحة الإلهة أثينا فأطلق اسمها على المدينة لأنها أوجدت شجرة الزيتون التي عُدت أكثر نفعاً لبني البشر من الحصان الذي أوجده الإله بوسيدون.
الملك ككروبس الإلهة أثينا وشجرة الزيتون الإله بوسيدون والحصان
وقد حكم من ذرية هذا الملك عدد من الملوك أشهرهم إيجيوس Aegeos الذي أطلق إسمه على بحر إيجا ،وإبنه تيسيوس Theseos الذي إرتبطت باسمه مغامرات كثيرة في الأساطير أشهرها أسطورة تيسيوس والمينوتوروس Minotoros . ويرجع إليه الفضل في دمج مدن أتيكا الاثنتي عشرة في مدينة واحدة أطلق عليها إسم أثيناي Athenae بصيغة الجمع باللغة اليونانية للدلالة على عظمتها وعلى أنها كانت أكثر من مدينة.
أسطورة تيسيوس والمينوتوروس Minotoros
النظام الأثيني:
يستخلص من أساطير المدينة أنه كانت للمدينة علاقات ربطتها بعدد من معاصراتها، ولاسيما مدن جزيرة كريت، وأن نظام الحكم في صدر تاريخ المدينة كان ملكياً مطلقاً، لكنه لم يدم طويلاً أمام إصرار النبلاء على أن يقوموا بدور في الحياة السياسية للمدينة. وكوّن هؤلاء حول الملك مجلساً إستشارياً سرعان ما سيطر على مقاليد الأمور، وحول الحكم إلى النظام الأرستقراطي.

جزيرة كريت
ويبدو أن أول منصب إستحدث وانتزع بعضاً من صلاحيات الملك كان منصب قائد الجيش «البوليمارخوس» Polemarchos الذي تبعه إحداث منصب الحاكم أو «الأرخون» Archon الذي إختص بالشؤون الإدارية. وكان شغل هاتين الوظيفتين مدى الحياة أسوة بالملك، وفي منتصف القرن الثامن ق.م عدلت المدة إلى عشر سنوات ثم إلى سنة واحدة في بداية القرن السابع ق.م. ولا يعرف يقيناً متى أُحْدِثَ، إلى جانب هذا الثالوث، مجلس يضم ستة من المشرعين مهمتهم الإشراف على تسجيل القوانين وعلى تطبيقها، وكذلك الاجتهاد في القضايا التي لم تتعرض لها مواد القانون المطبق. وبمرور الزمن إتحد مجلس الملك والبوليمارخوس والأرخون مع هذا المجلس مكونين مجلساً أطلق عليه مجلس التسعة أُنيطت به إدارة شؤون الحكومة الأثينية في ذلك العهد. وكان كبار الموظفين هؤلاء يتحولون فور إنتهاء ولاياتهم إلى أعضاء مدى الحياة في مجلس أو محكمة يطلق عليها «محكمة الأريوباغوس» Areopagos وهو إسم التل الذي كانت تجتمع عليه وكانت تكلف بمهمة إنتخاب كبار الموظفين وفيهم الملك، وكذلك الفصل في القضايا الجنائية.
البوليمارخوس الأرخون 
ولا يعرف بالتحديد متى أُلغي النظام الملكي في أثينا وإن كانت بعض الروايات تذكر أنه حكم أثينا في تاريخها الباكر ثلاثون ملكاً فقط، وأن آخر ملوك المدينة ويدعى كوردوس Kordos كان شجاعاً عادلاً نزيهاً حتى أن الأثينيين رأوا بعد مقتله في حرب الدوريين أنه لا يمكن العثورعلى رجل بمثل صفاته، وقرروا إلغاء المنصب والإكتفاء بمنصبي البوليمارخوس والأرخون، وهذه الرواية على سذاجتها تعكس على الأقل الطريقة السلمية التي تم بها إلغاء النظام الملكي وإنتقال السلطة إلى الأرستقراطيين.
الملك كوردوس
ومع بداية القرن السابع ق.م وجد الأثينيون وغيرهم من سكان المدن اليونانية حلاً لمشكلة الإنفجار السكاني، التي أدت إليها حالة السلم بعد إستقرار الدوريين، وذلك بالإلتجاء إلى البحر وإقامة المستعمرات الإستيطانية في معظم أرجاء حوض البحر المتوسط ولاسيما في جنوبي إيطاليا وصقلية، إضافة إلى ممارسة التجارة التي أغنت عدداً من الأثينيين بسرعة قياسية. وكان من الطبيعي أن تقلب الظروف الإقتصادية الجديدة مفهوم نظام الطبقات في المجتمع الأثيني وأن تؤدي المعايير الجديدة للثروة إلى تنظيم جديد للطبقات، وبسبب مطالبة الأثرياء الجدد بإمتيازات سياسية لم تكن لهم في السابق وتمنع الأرستقراطيين عن الإعتراف لهم بهذه الحقوق، فقد توترت الأوضاع السياسية وأدت بأحد النبلاء إلى القيام بمحاولة إنقلاب مخففة شعر بعدها الجميع بأن الوضع أضحى في حاجة إلى الإصلاح. وبدأ دراكون Drakon الإصلاح وتابعه صولون Solon بإعطاء الأثرياء الجدد بعض الإمتيازات حين قسم المجتمع على أسس مادية بغض النظر عن الأصول الطبقية، ووضع بذلك أول أسس الديمقراطية الأثينية.

الحاكم صولون
ويبدو أن التقدم الفكري المتطلع إلى إحداث ثورة في المسيرة الإقتصادية والإدارية والثقافية قد ساعد على تسويغ قيام حكم الطغيان
المستنير في أثينا على يد نبيل آخر يدعى بيسيستراتوس Pisistratos الذي تمكن - لطول مدة حكمه التي دامت نحو عشرين سنة - من تحقيق عدد من الإنجازات السياسية والإقتصادية فاقت ما قدمه الأرستقراطيون والديمقراطيون قبله. على أنه سرعان ما تحول حكم الطغيان المستنير إلى طغيان دموي في عهد ولديه هيبياس Hippias وهيبارخوس Hipparchos اللذين حاولا الحفاظ على دوام حكمهما بالإكثار من وسائل البطش، وعندما لم يعد الأثينيون يحتملون وطأة الطغيان عمل زعيم الأرستقراطيين كليستنس Kleisthenes بمساعدة من الإسبرطيين على إنهاء حكم الطغيان في أثينا وإعادة الديمقراطية.
الحاكم بيسيستراتوس هيبياس وهيبارخوس
وفي هذه الحقبة وضع كليستنس اللبنة الثانية في بناء صرح الديمقراطية الأثينية بإلغائه إرتباط المواطنين بقبائلهم، وأحل بدلاً منه ارتباطاً إدارياً بمحال الإقامة، وبهذا القانون وضع حداً للثغرات الإقليمية ونفوذ الزعامات الأسرية وأخطاء النظام القبلي. وأسند القانون إلى كل وحدة إدارية جديدة حق إنتخاب ممثلها في مجلس جديد هو مجلس القادة الذي أصبح بمنزلة مجلس للوزراء توكل إليه مهمة تصريف شؤون البلاد، كما أوكل القانون إلى هذه الوحدات الإدارية إنتخاب ممثليها بالتساوي لمجلس الجمعية العمومية أو الإكليزية، وكان هؤلاء الأعضاء يُنتخبون لمدة سنة واحدة عن طريق القرعة من المواطنين الذين بلغوا الثلاثين شريطة عدم إنتخاب العضو لأكثر من دورتين. وأضاف كليستنس إصلاحاً ديمقراطياً قوض بموجبه أحلام الطغاة ومؤيديهم في إغتصاب الحكم عن طريق القوة إذ أصدر قانونه الشهير
الأوستراكيسموس Ostrakismos أي قانون النفي الذي أصبح للجمعية العمومية بموجبه الحق في التصويت عند الإقتضاء على نفي أي مواطن يخشى منه على أمن الدولة لمدة عشر سنوات، شريطة أن يؤيد الحكم ستة آلاف مواطن ولا يفقد المنفي في هذه الحال حقوق مواطنته لدى عودته.
أوستراكيسموس ثيميستوكلس
ولا يعرف الكثير عن تاريخ أثينا بعد كليستنس - الذي أصبح عرضة للنفي بموجب قانونه السابق - وحتى بداية الحروب الفارسية التي قاد فيها قوات أثينا القائد ميليتيادس Militiades أولاً ثم ثيميستوكلس Themistokles اللذان أسهما، بما حققاه من إنتصارات في هذه الحروب، في إبراز ضرورة قيام أثينا بالدعوة إلى إقامة تحالف هيليني بقيادتها لمتابعة حرب الفرس، هذا التحالف الذي تطور في عهد بيريكلس Perikles ليصبح إمبراطورية أثينية.

ميليتيادس ثيميستوكلس
أثينا في عصر بيريكلس Περικλής :
يُعد بيريكلس أشهر حكام أثينا القديمة لأسباب كثيرة منها: إنحداره من أسرة سياسية معروفة، وطول مدة حكمه التي تجاوزت ثلاثين سنة (461ـ429ق.م) والإصلاحات الديمقراطية التي حفل بها حكمه، وكذلك شخصيته المتميزة التي إرتكزت على وطنية صادقة وموهبة خطابية بارزة وقدرة على إقناع مواطنيه، وأخيراً عمله على مساندة قوة أثينا العسكرية والإقتصادية. كذلك يعد عصر بيريكلس العصر الذهبي للحضارة اليونانية في معظم مظاهرها.

ففي مجال الإدارة والتطور الديمقراطي دعم بيريكلس سلطات المجالس الشعبية على حساب النفوذ الذي تمتع به السياسيون التقليديون، وتحولت مهام الحكام أو «الأراخنة» من مهام سياسية إلى تنفيذية إذ أصبح الحكام ينفذون القوانين المحولة إليهم عن طريق المجالس التشريعية (الإكليزية والبولي Boule ). وفي مجال القضاء قسم بيريكلس السلطات القضائية بين المحاكم البدائية والإستئنافية، وعن طريق إدخاله نظام الأجور للمحلفين ضمن بريكلس نزاهة القضاء ولم يعد حكراً على المقتدرين مادياً.

وفي مجال الإقتصاد حقق بيريكلس لأثينا نشاطاً تجارياً ممتازاً عن طريق دعمه قوة الأسطول الأثيني وضمان الأمن والإستقرار السياسي. ونتيجة لتزايد قوة العملة الأثينية في أسواق العالم فقد نشأت طبقة أثرت من التجارة، وعملت على تنشيط حركة الإستعمار الإستيطاني في معظم مناطق حوض البحر المتوسط مما أدى إلى زيادة دخول الدولة بدرجة مكنتها من الإنفاق ببذخ على تجميل مدينة أثينا وتأهيلها لإحتلال مركز الزعامة.

وفي مجال الآداب برز عدد من الشعراء إختص بعضهم بمدح الأبطال الأولمبيين والنبلاء والآلهة في أعمال مسرحية كالشاعر بيندار Pindar . واهتم عدد كبير منهم بالأعمال التراجيدية وأبرزهم أسخيلوس Aeschylos وسوفوكلس Sophokles ويوريبيدس Euripides ، واهتم عدد أقل بالأعمال الكوميدية وأشهرهم أريستوفانس Aristophanes .



بيندار أسخيلوس سوفوكلس


يوريبيدس أريستوفانس
كما برز عدد من الفلاسفة في مقدمتهم أناكساغورس Anaxagores وسقراط Socrates وبروتاغوراس Protagoras . أما الكتابة التاريخية فقد تطورت على يدي هيرودوت Herodotos وتوقيديدس Thucydides من مادة للتفكه إلى مادة ترتكز دراساتها على العلم والمنطق والإستدلال.

سقراط بروتاغوراس

هيرودوت توقيديدس
وفي مجال العلوم برز من العلماء مثل الطبيب أبيقراط هيبوقراطس Hippokrates صاحب القسم المشهور، وكذلك عالم الطبيعيات إمبيدوكلس Empedokles الذي قام بتحديد عناصر الحياة في أربعة هي: النار والهواء والتراب والماء، ويعد واحداً من أبرز المسهمين في تقديم نظرية التطور. كما قام العالم ديموقريطس Demokrites بتقديم عام لنظرية الذرة لأول مرة في التاريخ وأكد عدد آخر من العلماء كروية الأرض نظرياً. وفي عصر بيريكلس عم إستخدام النظام العشري في الحساب والإثني عشري والستيني في الفلك والجغرافيا.

أبيقراط هيبوقراطس إمبيدوكلس ديموقريطس
أما في مجال الفنون فقد أبرزت خطة ببريكلس لإعادة إعمار أثينا وتجميلها بعد تدميرها في الحروب الفارسية عدداً من أشهر المهندسين والفنانين في التاريخ القديم، وفي مقدمتهم المهندس هيبوداموس Hippodamos من مدينة ملطية في آسيا الصغرى الذي قام بتخطيط المدينة وفق نظام جديد هو النظام الشبكي، ومنهم الفنانون الذين قاموا ببناء معابد الأكروبوليس Akropolis ومنشآته وتزيينها.

الأكروبوليس هيبوداموس
والأكروبوليس Ακρόπολη كلمة مؤلفة من مقطعين أكرو تعني العليا وبوليس تعني المدينة أي المدينة العليا أو أعلى المدينة، وهي واحدة من المظاهر التي كان وجودها شائعاً في المدن كافة في بلاد اليونان ليكون خط دفاع ثانياً للمدينة في حال سقوطها. وأكروبوليس أثينا هو صخرة بيضوية أبعادها 275×155م تقريباً، وترتفع عن سهل المدينة بنحو مئة متر. ويعد الأكروبوليس قلب أثينا الديني والتاريخي والسياسي، تعرضت مبانيه إلى التدمير في أثناء الحروب الفارسية. وعندما قرر بيريكلس إعادة تشييد مبانيه قام مهندسوه بتوسيع سطح الأكروبوليس بإقامة جدار إستنادي في الطرف الجنوبي وردموا الفجوة ببقايا الأبنية وحطام التماثيل التي دمرت في أثناء الحرب مما مكنهم من إقامة عدد من المعابد أشهرها وأبقاها البارثنون Parthenon، والإرختيون Érechteion، وأثينا نيكي Athéna Nikè.

معبد البارثنون

معبد الإرختيون
