" حلم ليلة منتصف صيف "
ترجمة / فضيلة يزل
الموضوعات :
<!--[if !supportLists]--> 1. <!--[endif]--> تجربة حلم ليلة منتصف صيف ـ مقدمة شخصية
<!--[if !supportLists]--> 2. <!--[endif]--> الغابة بوصفها عالماً خيالياً وهمياً
<!--[if !supportLists]--> 3. <!--[endif]--> بطلات المسرحية ، إناث متمردات
3 ـ 1 : عصيان هيرميا لأبيها
3 ـ 2 : ضعف الملكة الأمزون هيبوليتا واستسلامها لقسوة الملك ثيسيوس
3 ـ 3 : صراع تيتانيا من أجل الصبي المسروق .
<!--[if !supportLists]--> 4. <!--[endif]--> الثورية أم الرجعية ؟ منهجان متطرفان في المسرحية
4 ـ 1 : إظهار شكسبير قوة الرجل وتسلطه على المرأة
4 ـ 2 : القليل من قوة الخيال يمكن ان يحقق الكثير في المسرحية
<!--[if !supportLists]--> 5. <!--[endif]--> وجهة نظر ختامية ـ ليست من النص
<!--[if !supportLists]--> 1. <!--[endif]--> تجربة "حلم ليلة منتصف صيف" ـ مقدمة شخصية
قد تكون مسرحية " حلم ليلة منتصف صيف " من أشهر المسرحيات الكوميدية لوليم شكسبير. أن قراءة أولية للنص تشعرني بأني أنا من يحلم ذلك الحلم الساحر. عندما رأيت أدائي الأول للمسرحية ـ شعرت بمتعة عالية من خلال صراع الشخصيات ذكوراً وإناث. في حين بدى العشاق كأنهم أطفال في عمر المراهقة، لا يأبهون لشيء في العالم سوى الحب، أما الساحرات فقد بدون منعزلات وهن يرتدين ملابس مصنوعة من جلد الوحوش والملونة بجميع الألوان. لقد ركز مخرج المسرحية كثيراً على الجوانب الاحتفالية في المسرحية من خلال شخصية الحلاق، مانحاً إياي قصة ممتعة عن قلوب خالية من الهموم بسيطة في تفكيرها.
عندما أقرأ عن شكسبير والموقف السياسي للملكة اليزابيث بوصفها زعيمة نسوية لمجتمع أبوي تسود فيه سلطة الرجل، عندها فقط أدرك حالة الانفعال اتجاه ما كنت استمتع به. وهذا جعلني مهتماً في كيف يؤثر السلوك الناتج عن خلافات الجنس والقوة في المسرح الذي كان قائماً في تلك الأيام.
فيما يأتي أريد ان أبيّن كيف واجهت سلطة الذكر تحديات في "حلم ليلة منتصف صيف" وما هي ردة فعل الشخصيات الذكرية. فضلاً عن رغبتي في بحث وجهة نظر المسرحية المهتم بهذا الموضوع.
<!--[if !supportLists]--> 2. <!--[endif]--> الغابة بوصفها عالم خيالي وهمي
الموضوع الرئيس في مسرحية "حلم ليلة منتصف صيف" ـ كما يخبرنا القليل من ـ الحلم، ليكون اكثر دقة، فيتألف من أحلام عدة : حلم الأعماق، حلم العشاق، وحلم هيرميا ضمن حلم أخر. إذ تثير هذه الأحلام الخيال ـ كما قلت، وقد خبرت هذا بنفسي.
أن وجود مسرحية ضمن مسرحية أخرى لفنان محترف هي أداة أخرى لتحدي خيال الجمهور المشاهد. وفي مسرحية كهذه "لم تكن مشاكل الخيال والتمثيل سوى قضايا" كما صرح بذلك ريتشارد دوتون في المقدمة لمقتطفات من نقده الذي تناول "حلم ليلة منتصف صيف".
في الخيال ـ وكذلك في الرواية أو الوهم ـ يمكن ان يدعو الكيان أو النظام الاجتماعي إلى قضية. في حين في مسرحية "الثانية عشر ليلاً" يكون التحول في كيان الجنس الموضوع المركزي، أما مسرحية "حلم ليلة منتصف صيف" فتركز على فكرة عالم الخيال الذي يوازي عالم الواقع في أثينا : الغابة الليلية كونها مكاناً للانسلاخ بدون رقابة أو سلطة. هنا يتحول بوتوم إلى حمار ويقع في الحب مع ملكة الجنيات تيتانيا (فيما يعرف بحلم بوتوم). وقد قال لويس ادريان منتوروس بأن هذا مثال على اختلال النظام الاجتماعي وهو حلم اليزابيثي مهم يعبر عن الرغبة في امتلاك سلطة على الملكة إذ كانت هذه رغبة عامة في العصور الأليزابيثية.
وقال سي. أل . باربر بأن "الغابات مناطق أثارة شديدة" . وهنا يعبر شكسبير عنها "رغبة الطبيعة التي تكتمل بالاقتران" . وخلص باربر إلى أن "طريق الطبيعة الذي شعرت به تكون .. بالأشياء التي تكونت خلال تصادمها مع الطبيعة ". لذا بالنسبة لباربر الغابة مكان أو ميدان للمحبين لتأكيد حبهم دون الحاجة إلى إذن من والديهم الأمر الذي نجحوا في تحقيقه في النهاية. لذا الحصول على فرصة لكسر القواعد التي هرب منها العشاق وكذلك بيتر كوينس إلى عالم الجن الخيالي. في الغابة حصلوا على أسباب التلاعب من خلال جرعة الحب لدى أوبيرون، حصلوا على اندماج واعادة تحديد علاقاتهم. لذا يلعب هذا العالم الخيالي دوراً هاماً في إظهار شخصيات الذين رفضوا الموافقة على النظام القائم آنذاك الذي كان يحدد أسس حياتهم.
<!--[if !supportLists]--> 3. <!--[endif]--> بطلات المسرحية نساء متمردات
في "حلم ليلة منتصف صيف" تواجه سلطة الرجال شخصيات نسوية متمردة فهيرميا ترفض اتباع رغبة والدها في الزواج من ديميتريوس. في حين ملكة الأمزون السابقة هيبوليتا تزوجت من الدوق ثيسيوس، وملكة الجنيات تيتانيا غير موافقة على الاقتران بأوبيرون وعدم إطاعة أوامره في تسليم الصبي المسروق له. على أية حال ، في نهاية المسرحية، أخذ النساء المتمردات أماكنهم المناسبة واستقر بهن الحال، وحل الأشكال.
سألقي الآن نظرة فاحصة على البطلات المتمردات لأرى كيف ـ وفيما إذا ـ كانت تحديات سلطة الذكر من قبل النساء في "حلم ليلة منتصف صيف" أثرت فعلاً إلى حد أنها جعلت الثورة تحدث على المسرح.
3 ـ1 : عصيان هيرميا لأبيها
العشاق الاربعة هيرميا، ليساندر، هيلينا و ديميتريوس اعترضوا على قيم والديهم قبل كل شيء، فرفضت هيرميا رغبة والدها في الزواج من ديميتريوس لأنها كانت تحب ليساندر. والأمر بالنسبة لاغيوس والد هيرميا ، في رفضها غير المقبول ، قائلةً :
لقد حاز ديميتريوس على حبي
وما لي سوى حبي افصح له عنه؛
والحب لي ، ولي كل الحق فيه
وسأبقى مُلكاً لديميتريوس ،
لقد صرح بأن هيرميا مُلك لديميتريوس فهو يرى نفسه مخولاً لتحويل سلطته على ابنته إلى ديميتريوس، إذ يعزز اغيوس رأيه عندما يستحضر "الامتياز القديم للأثينيين". " كما أنها ملكي، وقد أقنعها" كما إنه سيفعل ذلك : كي يحتفظ بسلطته الأبوية، فقد أعلن بأنه سيعاقبها على عدم طاعتها إذا لم تذعن لمطلبه. عندها حذر الدوق ثيسيوس هيرميا "يجب ان يكون والدك كالإله بالنسبة لك" بهذا القول يدعم ثيسيوس رأي إغيوس بأن على الابنة طاعة والدها ويجب ان لا تختار ما تفضله هي، بل ما يفضله والدها.
لقد كان لهيرميا فهماً مختلفاً للطريقة التي يمكن توضيح الموقف بها "أريد ان يرى ابي لكن بعينيّ". انها تفصح عن رغبتها في تحديد مصيرها وتريد ان تكون هي التي تقرر بمن ستقترن من بين الرجلين المتنافسين ويتبع والدها اختيارها لا اختياره.
عندها تجرأت هيرميا وناشدت والدها : "اتضرع إلى فضيلتك بأنني أعرف / النازلة التي ستحل بي في هذه الحالة/ إذا رفضت الاقتران بديمتيريوس"، يصرح ثيسيوس بأن عليها ان تعتزل الرجال باقي حياتها. وقرارها في هذه الحالة وعصيانها سيكونان لصالح تنفيذ العقوبة بها:
إذن هل سأكبر، أعيش، أموت، سيدي
قبل ان تفض بكارتي
حتى أن سيادته، غير مرغوب في استعباده
فنفسي لا ترضى بالتخلي عن سيادتها
تظهر هيرميا قوتها المتمردة. يبدو أنه مع وحشيتهم القاسية، لم يتمكن الرجال من أضعاف عزيمتها لتحديد مصيرها.
على أية حال لم تقبل هيرميا الحكم وقررت الهرب نحو غابة الجنيات. وبعدما اجتمعوا في الغابة حلت جميع الإشكالات التي وصفها بوك قائلاً : "على الرجل ان يحصل على انثاه مرة أخرى، فسيكون الجميع بخير". في النهاية يزول الاضطراب الحقيقي وتشرق السعادة على وجوه الجميع. عندها نميل إلى نسيان المغامرة التي قامت بها هيرميا عندما أعلنت عصيانها لأبيها.
إذ لا توجد مشكلة في كيف سيبدو موكب الزفاف ممتعاً، ففي هذا الزواج قامت المرأتان بسرقة حريتهما في تحديد مصيرهما عنوة ـ الأمر الذي لم يحصلان عليه سابقاً إذ كانت سلطة الأب هي السائدة. لذلك تعرف المرأتان بأنهما ضحيتين لنظام سيادة الأب. على الرغم من ذلك كانت هيرميا جريئة جداً، فقد تنازلت عن سلطة الأنثى في النهاية لتوافق على سيادة وسيطرة وغلبة الرجل عندما تزوجت ليساندر إذ هزمت مقاومتها .
3 ـ2 : ضعف ملكة الأمزون هيبوليتا واستسلامها لقسوة الملك ثيسيوس
بما ان جميع العشاق كانوا من الشباب، فقد يبدو صراعهم جزءاً من صراع جيل وان ما يحصل لهم درساً عليهم فهمه. ليبقى صراع القوة والجنس أمراً يهم جيل الأباء، ـ كما تبين العلاقة بين ثيسيوس وهيبوليتاـ فثيسيوس وإغيوس يمثلان مجتمعاً أبوياً في عالم الواقع في أثينا. فكانت الشخصية الوحيدة التي لم تكن قوية بما يكفي لمواجهة ثيسيوس هي شخصية هيبوليتا. في أبيات ثيسيوس الشهيرة :"أتودد إليك بسيفي / وأكسب حبك، ناهياً كل عذاباتك"، إشارة إلى أسره لهيبوليتا عندما هزم قومها الأمزونيين . وكنتيجة لنصره الذي حصل عليه بوحشية، رضيت به سيداً عليها.
وبما إنها أصبحت لا تتصرف كامرأة أمزونية ، إذاً يجب ان تتلاشى قوتها تماماً وبشكل نهائي، ويبدو إنها لا تمتلك شيئاً هاماً لتقوله فهي لم تقل سوى أبياتها الأولى في المسرحية مبينة للجمهور خطة زواجهما ، وبعدها تحدثت فقط عن ملاحقة الممثلات في الفصل الخامس من مسرحية " بيراموس وثيسبي". لم تتدخل هيبوليتا في مناقشة هيرميا لإغيوس وثيسيوس وهذا يدل على ضعفها إذ ان قانون الأمزون لا يسمح للرجال باتخاذ قرار في القضايا الهامة. وما هي القضية التي يمكن ان تكون اكثر أهمية لدى ملكة الأمزون السابقة من الخلاف على استمرار نظام سيطرة الرجل على الأسرة؟ تبين سلبيتها بأنها أذعنت لقوة الرجل ، وهذا الإذعان كان أمراً متوقعاً، ولم تظهر قوة الأنثى التي كانت تمتلكها سابقاً على المسرح.
من المتوقع ان هيبوليتا كانت امرأة قوية جداً قبل ان يهزمها ثيسيوس، وان خضوعها منذ بداية المسرحية يظهر بالتالي قوة الرجل على قوة الزعيمة النسوية السابقة . ان حلم مثل حلم بوتوم ، هذا الأيقاع بالمرأة القوية مرة ثانية يمثل نوع من الفنتازيا التي كانت منتشرة في إنكلترا في العصر الأليزابيثي.
3 ـ 3 : صراع تيتانيا من أجل الصبي المسروق
بينما كانت هيبوليتا مستسلمة لسلطة ثيسيوس، كانت ملكة الجنيات تيتانيا تحاول الاحتفاظ بسلطة الأم في الأسرة: فلن تمنح أوبيرون الصبي المسروق. إذ كان أوبيرون يمثل النظام الأبوي في عالم الجن . ان النظامين المختلفان اللذان يمثلانهما كانا متميزين بشكل واضح في الروايتين عن اصل الصبي المسروق. يتحدث بوك عن "صبي محبوب مسروق من ملك الهند ؛ .. وان أوبيرون الغيور يريد امتلاك الطفل / فارس في ممارسته، لاقتفاء أثر وحوش الغابات". نعرف ان الطفل أمير أبن ملك رباه وعلمه رجل أخر ليكون فارساً. وبعكس وجهة النظر هذه تقص تيتانيا قصة صديقتها التي ماتت وهي تضع طفلها:
أمه كانت منذورة لأمري
عندما كنا نسخر من . .
بطن كبيرة ناتئة بنفخة شهوانية
(رحمها الخصب بفارسي الشاب) ، . .
لكنها، كانت تحتضر وبسبب ذلك الطفل ماتت
ولخاطرها أربي ابنها ؛
بطريقة خيالية جداً توضح تيتانيا كيف أصبحت أم الطفل حاملاً به. وأي الرجال كان أبوه. وبما انها كانت صديقة والدته فهي ترى انها مسؤولة عن تنشئته. وصفها لطريقة الإنجاب التي تبين مشاعر الأمومة تتناقض أيضاً مع فكرة ثيسيوس حيث يكون الأب مسؤولاً حصرياً على الإنجاب في الحقيقة، الأمر الذي عبر عنه أبو هيرميا قائلاً :"الرجل الذي ربى فضائلك هيرميا .. / لمن تكونين ما أنت إلا قالب شمع / به تتسمين ولسلطته تذعنين".
ليس هناك منهجاً من كلا المنهجين يهتم بالحقيقة بأن كلا الجنسين يحتاجان لإنجاب طفل. على أية حال، ان كلا الروايتان عن إنجاب الطفل يحملان نفس المصداقية، بما أنه يمكن تصورهما في عالم خيالي. لذا استخدم شكسبير هذا الموقف الخيالي ليبين اختيار الأم سيادة الرجل التقليدية.
لكن مع وجود حسد أوبيرون لتيتانيا، عندما يقول بوك " هي [تيتانيا] توجته بتاج الزهور وجعلته مصدر ابتهاجها" ، يبدو واضحاً ان أوبيرون أيضاً يشعر بالغيرة من الطفل الذي حصل على حب تيتانيا الذي سلبه منه. ومن أجل إعادة السيطرة عليها مرة أخرى، قرر أوبيرون معاقبة تيتانيا مستخدماً جرعة الحب التي صنعها فجعلها تقع في حب بوتوم الذي تحول على الفور إلى حمار. هذا دليل على احتقاره لها وإرهابه أياها بتحديد سلطتها.
يمثل صراع ملكة الجن مع ملك الجن صراع الجنس والقوة في أقصى درجات حدته حيث في العالم الخيالي، يكون من الممكن تقديم صفة الأمومة لتيتانيا لإمبراطور الهند. وهذا الأمر يجعل من الممكن رسم صورة لملكة الجن التي تبدو مستقلة عن ملكها. على أية حال، عندما عاقبها زوجها في النهاية أثبتت خطأه. عندما لم تستطع هيرميا وهيلينا الانتظار حتى يتزوجا وبعدها يوافقا على سلطة زوج المستقبل ، ان فشل تيتانيا كان واضحاً جداً : في تناقضها مع العشاق الشباب، فتيتانيا لا تحترم الرجال بشكل عام. بما ان معاقبة تيتانيا سببت سقوط مفاهيمها الاختيارية المعقدة عن الجنس والسلطة، الأمر الذي مثل انتصاراً مهماً على ثورة النساء.
<!--[if !supportLists]--> 4. <!--[endif]--> ثورية أم رجعية ؟ ـ منهجان متطرفان في المسرحية
بما ان تقديم مجموعة من النساء المتمردات في "حلم ليلة منتصف صيف" كان واضحاً، فإن مقاصد شكسبير السياسية في إيصال صراعات الجنس هذه إلى المسرح تناقش على نطاق واسع في الوقت الحاضر. سأركز الآن على رأيين متطرفين . من جانب، رأي المؤرخون الحداثويون أمثال ستيفن غرينبلات Steven Greenblatt الذي ناقش المؤشر الواضح على انحراف المرأة عن نظام المعايير المبين على المسرح ويدل على الثورة .. من جانب أخر النقاد من النساء أمثال شيلا نيلسون غارنر Sheila Nelson Garner التي اعتبرت الحل في نهاية المسرحية في تعزيز سلطة الرجال.
4 ـ 1 : يُغلب شكسبير سلطة الرجل على سلطة المرأة
تركز شيلا نيلسون غارنر على النتيجة في ثورة النساء في نهاية المسرحية. ومناقشتها الرئيسة كانت، على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي تناولت عودة العشاق من عالم الجن، "ومضامينها الاجتماعية والجنسية .. التي مرت دون ان تلاحظ" كان المضمون الرئيس التغلب على السلطة الثوروية للنساء. عندما وافقت النساء على الزواج، ورضين بسيادة أزواج المستقبل. على الرغم من ان رغبة هيرميا بالزواج من ليساندر كانت مسيطرة عليها وهي تبدو كسبت النقاش، وقد حددت قوتها الثورية التمردية مرة أخرى بالزواج. واصبحت مرة أخرى مطيعة للرجل. تبين غارنر بأن "التجديد [في التسلسل الهرمي القائم] في نهاية المسرحية يؤكد نظام سيادة الأب في الأسرة وسلطته، والإصرار على تحديد سلطة المرأة.
تركز غانر على كيف يقوي الرجال سلطتهم بتمزيق ارتباطات المرأة الأخرى. وتركزأيضاً بشكل مفصل على العلاقة بين هيرميا وهيلينا وحكاية تيتانيا عن موت صديقتها وهي تضع الطفل الهندي. فضلاً عن أنها تقول لقد أصبحت هيبوليتا ضعيفة وذلك فقط بسبب فصلها عن قومها الأمزونيين، لذا عليها ان تذعن لثيسيوس.
لقد أكدت هيرميا صداقتها مع هيلينا في بداية المسرحية إذ تحدثتا عن المكان الذي غالباً "أنت [هيلينا] وأنا اعتدنا الاضطجاع على أسرة اللهو/ نفرغ ما في صدرينا بالبوح الجميل". وقد فرق الفوز بليساندر بين الصديقتين. وبالتالي انفصلت الواحدة عن الأخرى مؤقتاً وتخلتا في النهاية عن سلطتيهما للرجلين اللذين سيتزوجانهما. " بما ان الرجال كانوا السبب في تمزيق صداقتهما لذا فقدن سلطتهن الأنثوية.
من وجهة نظر غانر كان عرض معاقبة تيتانيا ـ وقوعها في حب حمار ـ وشجارات الغيرة بين العاشقين أشبعت في الواقع الحاجات السايكولوجية لدى الرجال. "غيرة أوبيرون التي ظهرت ثانية عندما أقسمت تيتانيا على الابتعاد عن فراشه وعشرته" وأولت كل اهتمامها للصبي المسروق. وعلى وفق رأي غارنر كان هذا الصبي يمثل الرابط أو الصلة بين تيتانيا وأمه المتوفاة، صديقتها السابقة. وعزم أوبيرون على تدمير هذا الرابط من خلال محاولة الحصول على الصبي وأخذه منها. وبما ان تيتانيا لم تعد تحترمه قام بمعاقبتها كي يثبت ان سلطته هي الأقوى مستخدماً جرعة الحب ليجعل تيتانيا تقع في حب حمار، وأراد بذلك ان يسخر منها. تعلق غارنر على ذلك فتقول "ارتكبت تيتانيا الحماقات" ، إضافة إلى إرهاب أوبيرون لها للسيطرة عليها ثانية.
لقد كانت غيرة الرجال نقطة أساسية في مناقشة غارنر التي لاحظت ان الصراع من أجل حب المرأة الاستثنائي دافعاً لتدمير العلاقة بين النساء. وتميز غارنر ثيسيوس من خلال "إغارته على هذه المرأة القوية [هيبوليتا] بشكل غير اعتيادي وزواجه منها". ليشبع حاجته لحب استثنائي للمرأة. "بما يخدم الحاجات الجنسية للرجال أيضاً ويعزز مكانتهم الاجتماعية". عندما وقعت هيبوليتا في الأسر، تمكن ثيسيوس من اختطافها من بين أخواتها في الأمزون". وتحطم العلاقات بين النساء مرة أخرى كي تُنقذ سيادة الرجال. وقد عرفنا ذلك من بداية المسرحية إذ كانت خطته ناجحة في جعل هيبوليتا توافق على الزواج منه. لذا وفقاً لوجهة نظر غارنر، اعطت مسرحية "حلم ليلة منتصف صيف" لسلطة الرجال بعداً ادرامياً، عندما كان اهتمام المسرحية منصباً على تهويل دور النساء، مع إنهن لم يتحدين سلطة الرجال ـ ووضعن في المكان البعيد عن السلطة. لذلك اتسمت المسرحية بسمة الرجعية.
4 ـ 2 : القليل من قوة الخيال يمكن ان يحقق الكثير في المسرحية
على الرغم من احتفاظ الرجل بسلطته حتى النهاية، فإن المؤرخين الحداثويين أمثال ستيفن غريبلات ولويس أي. مونتروس ركزوا بشكل كبير على حقيقة ان سلوك العصيان ومؤشرات التمرد على المسرح أوصلا هذه الأفكار الثورية إلى الجمهور.
يشير مونتروس إلى قوة الخيال الذي قدم له ستيفن غرينبلات وصفاً مفصلاً في مقالته " الرواية والخيال Fiction and Fiction " عن مسرحية الثانية عشرة ليلاً. إذ قال : "يمكن تخيل الرواية" مشيراً إلى التلميحات الجنسية في المسرحية، والتي تعني بشكل عام بأن المؤشر الحقيقي للرغبات التي لا يمكن التحدث عنها ويمكن ان تكون أكثر تأثيراً من تمثيل هذه الأفكار على المسرح ـ الذي يخضع للرقابة بطريقة أو بأخرى. يمكن نقل هذه الفرضية بيسر إلى "حلم ليلة منتصف صيف" ، في حين في مسرحية "الثانية عشرة ليلاً" الاهتياج [الجنسي] الخيالي . . سيلاحظ بعيداً عن أنظار الجمهور وعن مسرح العرض، الحياة الأخرى للأزواج الجدد في "حلم ليلة منتصف صيف" تركوا هذا الأمر إلى خيال المشاهد أيضاً. يبين مونتروس بأن " مباركة أوبيرون لفراش الزوجية لثيسيوس وهيبوليتا استثارة الدورة الجنسية والقسوة المألوفة .."، وهذا يعني بأنه على الرغم من تمرد النساء ، يوافقن على سيادة وهيمنة الزوج، فالصراع الحقيقي لن يسوى أبداً. كيف ستتطور المناقشة عبر عدة أجيال متروكاً لخيال المراقب (وكما أننا نعرف الآن، تركنا الأمر لتغير ما يحدث في فهم النظام الأبوي).
مثال أخر على الإشارة لشي لا يمكن الحديث عنه هو حلم بوتوم، إذ يقول بوتوم بأن له تجربة بها "عين الرجل لا تسمع، وأذنه لا تبصر". تجربة حقيقة عن ممارسة الحب مع الملكة ظلت غير متحدث عنها وتركت هي الأخرى إلى من يمتلك خيالاً يصورها.
لقد وصفت بشكل واضح مهمة الشاعر في استخدام الخيال أداة مؤثرة في تعليق ثيسيوس على الحلم:
وعندما يتجسد الخيال خارجاً
تكوينات الأشياء مجهولة، وقلم الشاعر
يحيلها إلى أشكال ويمنحها لرياح العدم
تصبح مجرد مستوطنة محلية وأسم
جعل شكسبير جوانب الخيال دراماتيكية في المسرحية. أما الأدوات فوق الدراماتيكية مثل مسرحية داخل مسرحية، فتشبع الخيال. يوضح ثيسيوس :"لا يوجد شيء جيد في هذا النوع سوى الأشباح، والأسوأ كان عدم وجود السيئ ، إذا أصلحه الخيال؛". لقد كانت أهمية الخيال مؤكدة عندما يقول بوك في الأبيات الأخيرة في المسرحية:
أنتم [ المشاهدون] ليس لكم سوى ان تناموا هنا
بينما تكون هذه الرؤى قد ظهرت؛
وهذه الفكرة الواهنة البليدة،
وليس هناك استسلام أكثر بل حلم
لا يشجبه النبلاء.
إذ فهمت المسرحية على أنها حلم، هل سيكون لها بعد ذلك نفس المعنى بالنسبة لنا، وكونها حلم رأه مجموعة العشاق في المسرحية؟ يخاطب بوك الجمهور بتأثير مماثل لمسرحية داخل مسرحية: تشجع الجمهور على استخدام الخيال مرة أخرى.
ما يسميه بوك "فكرة بليدة" في الواقع هي فكرة جادة جداً. ان استخدام السخرية نستدل عليه من تعليق بوك :" كما أنني بوك الصادق" ..، بما ان العفاريت معروفة بكونها غير صادقة. تلاعبه بمشاعر العشاق يبين بأنه غير محترم وغير صادق.
من الجدير بالذكر، أن ملاحظات غرينبلات عن قوة الخيال وتحديات سلطة الرجل على المسرح يجب ان يكون لها تأثير مباشر وقوي على أعادة تحديد العلاقات التي تتعلق بالجنس والسلطة.
فضلاً عنه، يبين مونتروس بأن "النص الشكسبيري يكشف عن .. المعايير الأبوية المعاصرة لتأثر الرجال بسلطات المرأة". من خلال عرض كيف ولماذا يعاقب الرجال النساء لسلوكهن المتمرد، يكشف شكسبير بأنهم مضطرون لفعل ذلك إذا أرادو الإبقاء على نظام التسلط الأبوي. وهذا النظام ، كما تعرضه حكاية تيتانيا عن المجتمع الذي يسود فيه التسلط الأمومي وهو طبيعي بلا شك. لذا لا يوجد مبرر عقلاني لنظام سيادة الأب. وكما يبين سلوك الشخصيات الذكرية، أنها بالأحرى مجبرة على التصرف الوحشي.أن الكشف عن هذه الآليات في سيطرة الرجال على النساء يعرض هيمنة نظام سيادة الأب للخطر.
بعدها نجد ان التأثير الواضح لمسرحية "حلم ليلة منتصف صيف" تأثيراً تمردياً : ففكرة عدم الموافقة على النظام القائم سيصعد حالة الوعي النقدي التي تخص العلاقة بين الجنس والسلطة. وكما ذكرنا في المقدمة، كانت هذه مسألة حساسة جداً في العصر الأليزابيثي.
<!--[if !supportLists]--> 5. <!--[endif]--> وجهة نظر ختامية ـ ليست من النص
لا يمكننا الحكم لماذا عمد شكسبير إلى عرض صراع النساء المتمردات، إذ لا توجد تقارير عن شكسبير بأنه متورطاً بأي نوع من أنواع العمل السياسي. لذا نحن نتوقع ذلك فقط. بالنسبة لي أنه يدعو إلى الإقناع بأن عرض تمرد النساء ينقل أفكار لوجهات نظر مختلفة عن الجنس والسلطة. لكن كيف كان تلقي هذه الأفكار في الواقع وما الذي أحدثته في أذهان المشاهدين ، لا نعرف على وجهة الدقة.
أن اختلاف النقد لمسرحية "حلم ليلة منتصف صيف" يبين بأنه يمكن تفسير النص على أساس فكرتيه الثورية وكذلك الرجعية.
ما كانت الأراء الأولى المتناقضة لتعود إلى التعددية البعدية للمسرحية. فإن كلا من ثورة النساء وصراع الرجال للمحافظة على النظام الحالي واستمراره قضايا تعالجها "حلم ليلة منتصف صيف". فهي ليست بعيدة عن كلا الموقفين، إذ يعرض شكسبير بطريقة دراماتيكية العلاقة الجدلية بين الجنس والسلطة. هنا تعكس المسرحية الواقع الأليزابيثي. عندما كانت امرأة تقود الدولة ويسيطر الرجال على جميع السلطات الأخرى. ان نظام سيادة الأب لم يستبدل بنظام سيادة الأم، ولا يمكن أعادة أقامته بالكامل.
لم تتحدث مسرحية شكسبير عن أي نوع من أنواع التغيير. فهي تعرض سلطة الاثنين الذكور والإناث، وهي بالأحرى تحافظ على الموقف الحالي بجميع توتراته. لذا فهي لا تعرض الموقف الحالي في العصور الأليزابيثية فقط بل لها تأثير على كيف تلقى الناس الموقف أيضاً. أما ردود الفعل في المسرحية ـ فليس هناك مشكلة إذا كانوا ثائرين ضد سلطة الذكر أو الزعامة النسوية للأمة ـ ويجب ان تفهم أيضاً على أساس إنها ردود أفعال ضد الواقع الأليزابيثي. محاولة الإجابة على فيما إذا كان شكسبيرمصلحاً أو محافظاً، يقودنا هذا السؤال بشكل محض إلى وجهة نظر أخرى بأنه يمكننا القول بأن شكسبير يمثل تحديداً وجهة نظر معاصرة للحكم الأليزابيثي فقط. وأعماله تقدم وتخلق الواقع الأليزابيثي، الذي كان، محدداً بالصراع بين الجنس والسلطة ـ الفكرة الأساسية لمسرحية "حلم منتصف ليلة صيف".