مجموعة "الحصرم" في ضوء مفاهيم السرد القصصي‏
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ®ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آµط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ­ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ©
لبنتى

  • ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ´ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¦أ¢â‚¬â„¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾: 113917
    ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¹â€کط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ· ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ²: 566
مشرفة سابقة
لبنتى

مشرفة سابقة
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ´ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¦أ¢â‚¬â„¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾: 113917
ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¹â€کط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ· ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ²: 566
ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¯ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع† ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ´ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¦أ¢â‚¬â„¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾ ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ¸ط·آ«أ¢â‚¬آ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§: 16.8
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ£ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ° ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¥ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¶ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦: 6792
  • 00:04 - 2008/08/22

مجموعة "الحصرم" 

  في ضوء مفاهيم السرد القصصي‏

موضوع دراستي هذه يدور حول نقطتين اثنتين هما: مفاهيم السرد القصصي، ودراسة مجموعة "الحصرم" لزكريا تامر، في ضوء تلك المفاهيم.‏

آ-مفاهيم السرد القصصي:‏

يُعْرَف عِلْمُ السرد بأنه دراسة لفن القص، واستنباط للأسس التي تقوم عليها كتابة القصة. ويمكن فهم السرد على أنه عقدة، أو فعل، أجزاؤه المتواليات والشخصيات، بحيث تعد العقدة أو الفعل المظهر الحيوي لحركته ومجراه.‏

وقد صار معروفاً أن علم السرد لا يقتصر على النص القصصي الكتابي، بل يتعداه إلى أعمال غير قصصية، كالأعمال الفنية والأفلام السينمائية والإيماءات والصور المتحركة والإعلانات والدعايات، ففي كل ما سبق متواليات تسرد بطريقة تختلف عن الطرق المألوفة.‏

وقد حلت نظريات السرد خلال السنوات العشرين الأخيرة الماضية محل نظرية الرواية، بوصفها موضوعاً يحظى باهتمام مركزي في الدرس الأدبي المعاصر. وقد وضع (والاس مارتن) نظريات السرد الحديثة في ثلاث مجموعات أساسها أنها تتعامل مع السرد بوصفه متوالية من الأحداث، أو خطاباً ينتجه سارد، أو نتاجاً اصطناعياً ينظمه قراؤه ويمنحونه معنى ـ (نظريات السرد الحديثة، لمارتن ص106).‏

ولابدَّ هنا من التمييز بين عنصرين هامين في أية قصة، هما: السرد والوصف، فالسرد يتناول التغيرات الملحوظة في الشخصيات والمواقف والظروف المحيطة. أما الوصف فيتناول الأمور التي لا تتغير، أو التي يطرأ عليها تغير طفيف. ومع ذلك فالوصف والسرد وجهان لكيان القصة القصيرة، بل هما ـ كما يقول (أنريكي اندرسون إمبرت) ـ مثل الروح والجسد في الكيان الإنساني ـ (القصة القصيرة، لإمرت ص317-318).‏

ووجيه أن نميِّز بين نوعين من المسرودات، فثمة مسرودات يُؤْتَى بها للتسلية فقط، كالقصص البوليسية والسير الشعبية، ومسرودات تولد إمكانات للتفسير متعددة. ومجموعة زكريا تامر "الحصرم" مثال على النوع الأخير من المسرودات.‏

وقد ميز الدارسون ما بين القصة القصيرة الفنية بوصفها جنساً سردياً، وأشكال سردية أخرى، كالأسطورة والخرافة، والطرفة والمثل والرسالة المعجزة والحكايات المثيرة وسير القديسين.. وفي تراثنا نماذج سردية تقترب من القصة القصيرة وتشبهها، مثل تكاذيب الأعراب وقصص الحيوان وفن الخبر وقصص الأحلام وقصص الرحلات....‏

ونقع في كتاب "القصة القصيرة ـ النظرية والتقنية"، لإمبرت، على أشكال من السرد تشبه القصة، ولكنها ليست هي، ومن تلك الأشكال:‏

1-مقال التقاليد: وهو نوع يقع بين علم الاجتماع والخيال، وبه يتم رسم لوحات تتضمن مشاهد أصلية مأخوذة من الحياة.‏

2-لوحات الأخلاق: وهي نوع يقف بين علم النفس والخيال، كأن تعرض أمامنا أخلاق جندي أو شاعر أو صعلوك أو إنسان طيب أو شرير..‏

3-الخبر : ويقف بين الصحافة والخيال، ومن خلاله نعرف أحداثاً غير عادية وقعت في مسيرة الحياة اليومية.‏

4-الخرافة : وتقع بين الدين والخيال، والغرض منها تفسير أصل الكون بمشاركة كائنات غامضة.‏

5-الأسطورة : وتقف بين التاريخ والخيال، فهي قصة غير حقيقية، وتعالج أموراً غير مألوفة وغير متسقة مع القواعد العامة.‏

6-الأمثال : ويقع المثل بين التعليم والخيال، وأحياناً يقرأ المثل على أنه عمل أدبي، والسمات الخاصة بين الشخصيات هي الفيصل بين القصة والمثل، فحين تكون السمات فردية نكون في نطاق الأدب، وحين تكون ذات طبيعة عامة نكون في إطار التعليم.‏

7-الطرفة : والطرفة قريبة من القصة القصيرة جداً، ولكن الطرفة قد تتوقف عند مجرد سرد حدث خارجي، دون محاولة لفهم شخصية البطل ودوافعه النفسية، ففي الطرفة يروي المرء ولا يحكي، ولا يحدث جمالية من أي نوع. أما في القصة القصيرة فيفترض وجود حدث مختلق أكثر من الأول، ونسبة الخيال فيه أكثر، بينما نسبة الحقيقة في الطرفة أكثر.‏

8-الحالة : وهي تقترب جداً من القصة القصيرة، بل من القصة القصيرة جداً، فهي تعبر عن موقف طارئ أو جزئية حياتية، كأن يكون سوء الحظ أو الإخفاق أو الموت. ومن كتاب هذا اللون (بورخيس) الأرجنتيني، وزكريا تامر وضياء قصبجي ونجيب كيالي ومروان المصري من سورية.‏

وبعد هذا كله يبرز السؤال الأكبر، وهو ما القصة القصيرة إذاً؟ والجواب: "هي عبارة عن سرد نثري موجز يعتمد على خيال قصاص فرد برغم ما قد يعتمد عليه الخيال من أرض الواقع، فالحدث الذي يقوم به الإنسان أو الحيوان الذي يتم إلباسه صفات إنسانية أو الجمادات، يتألف من سلسلة من الوقائع المتشابكة في حبكة حيث نجد التوتر والاسترخاء في إيقاعهما التدريجي من أجل الإبقاء على يقظة القارئ ثم تكون النهاية مرضية من الناحية الجمالية" -(القصة القصيرة ـ لإمبرت ص52).‏

إن العبارة الأولى في التعريف السابق تصف القصة القصيرة بأنها سرد نثري موجز يعتمد على‏

خيال قصاص فرد. وهذا شأن يحتاج إلى بيان أوسع، ونشير هنا إلى أن هدف السرد هو صنع حبكة، والحبكة هي سر السرد وعموده الفقري، وأن السرد التخييلي يفضي إلى معنى أو أكثر، وأن الحوار الذي يشكل جزءاً من السرد له وظائف متعددة، فهو ينظم الحبكة، ويكشف عن الشخصية، ويشرح الوقائع، ويصف الملامح، ويثير فضول القارئ. وفي تاريخ الأدب القصصي قصص قصيرة تقوم على الحوار فحسب، وقصص يشكل الحوار جزءاً من بنيتها، وقصص لا حوار فيها البتة.‏

بيد أن الإرضاء الجمالي في القصة قد لا يتأخر حتى النهاية، كما يقول التعريف السابق، بل قد يظهر في سياق القصة وذلك من خلال الإيقاع والسخرية والشخصية القصصية. والإيقاع عنصر هام تشكله الحركة السردية والسياق الحواري. أما السخرية فهي ظاهرة أسلوبية يختلف التعويل عليها بين قاص وآخر. وهي ظاهرة متوافرة بوضوح في مجموعة "الحصرم" أما الشخصية القصصية فهي عنصر سردي بامتياز، من حيث طريقة تقديمها، ووصف بعض ملامحها، بشكل موجز ومكثف، ومن حيث إنطاقها ببعض العبارات الكاشفة عن أعماقها وسلوكها وطباعها. وسوف نلاحظ ذلك كله في المجموعة التي رأينا درسها هنا، أعني مجموعة "الحصرم" لزكريا تامر..‏

ب-"الحصرم" لزكريا تامر:‏

مع إصدار (زكريا تامر) لمجموعته هذه "الحصرم" يكون هذا الكاتب قد أنشأ ونشر ما يربو على (300) قصة قصيرة، عدا قصص الأطفال لديه. وقد بلغ مجموع قصص "الحصرم" وحدها (59) تسعاً وخمسين قصة. وبعض هذه القصص كان يقع في (حارة القويق)، كما كان بعض قصص مجموعة (دمشق الحرائق) يقع في (حارة السعدي). والحارتان كلتاهما مكان مجازي، وجوده غير محقق، ورغم ذلك فنسبة الحارة الثانية إلى (القويق) تثير في الذهن مشاعر القرف والاشمئزاز عند القارئ السوري، لمعرفته بأن (نهر قويق) المار في مدينة (حلب) يشكو قلة النظافة وانعدام الرائحة الطيبة. فالتسمية لا تبدو مجانية البتة.‏

ومن الملاحظ الشكلية حول هذه المجموعة أن الأغلبية الساحقة لقصصها كانت قصصاً قصيرة جداً لا تتجاوز الواحدة منها صفحة واحدة، أو صفحة وبعض الصفحة. أما القصص المتوسطة الطول فلم تتجاوز ست صفحات أبداً وهي خمس قصص: المهارشة، ومغني الليل، ونهار وليل، ورجل كان يستغيث، والمطربش... وهذا يدل على أن (تامراً) الذي كتب القصة القصيرة جداً، سابقاً، على نحو متقطع، قد انحاز إليها هنا بوضوح.‏

ولقصر القصة المفرط علاقة بسردها، إذ تقل فيها المتواليات السردية، وتضعف فرص نمو الحدث، وتصبح القصة أشبه ما تكون بـ(الحالة) التي مر الحديث عنها من قبل. وهذا يرتب على القاص أن يتحلى ببراعة كبرى تتمثل بالإيجاز الشديد والتكثيف الواضح والاقتصاد في اللغة والخبرة المميزة في اختيار المفردة الدالة وصنع القفلة المحكمة. وهذه القفلة المحكمة هي مما برع فيه (تامر) في قصصه عامة. وقد شبهها الكاتب (وليد إخلاصي)، ببيت القصيد الذي تتكثف فيه شاعرية الشاعر، كما هي الحال عند الشاعر عمر أبو ريشة. (انظر مجلة الناقد، بيروت، العدد 82، ص 28). ونجد مثالاً على ما تقدم في قصة الكاتب المعنونة بـِ((التصغير الأول))، فعبد النبي الصبان رجل ضخم، طويل القامة، واسع الصدر، اعتقل يوماً ليواجه تهمة مؤداها أنه يستنشق من الهواء أكثر من حصته المقررة، فلم ينكر، وأرجع السبب إلى كبر رئتيه، فأحيل حالاً إلى المشفى ليغادره بعد أسابيع رجلاً جديداً ذا قامة قصيرة وصدر ضيق ورئتين‏

صغيرتين يستهلك يومياً هواء يقل عن الحصة المخصصة له رسمياً (الحصرم ص 167)..‏

ولاشك أن فضاء هذه القصة التي تفضح أداء سلطة غاشمة مجهولة توزع الهواء على الناس على هواها، وتتحدى طبيعة الخلق وإرادة الخالق، يذكِّر بفضاء حارة القويق الذي أشرنا إليه من قبل...‏

كما أن القفلة المحكمة للقصة تنطوي على سخرية مبطنة من تلك السلطة الغاشمة، فعملها الجراحي، بل عملياتها، على عبد النبي الصبان لم تسفر عما أرادته، ومن يدري بل ربما كانت تريد أن يجور الجراحون على ذلك الرجل، فيخرج من المشفى ليتنفس هواء أقل من الحصة المخصصة له رسمياً.‏

وقد تكرر ما يشبه هذه القصة، شكلاً لا مضموناً، في المجموعة، وكان ذلك في قصص (في انتظار امرأة) و(نهاية انتظار طال) و(ووعدها الرابع) و(الحكاية الأخيرة).‏

وتفضي قراءة هذه القصص والقصص الأخرى في المجموعة إلى الوصول إلى أن معرفة مظاهر السرد (التامري) يمكن أن تتم من خلال فحص ثلاثة عناصر هامة، هي: الإيقاع، والسخرية، والشخصية القصصية، مع الإشارة الباكرة إلى أن هذه العناصر قد نجدها في قصة واحدة جميعاً، وقد نجد واحداً منها أو اثنين، وقد يغيب واحد أو اثنان.‏

وأقف أولاً عند الإيقاع، لأنه سمة الفن الأساسية وسمة الحياة من حولنا أيضاً، ومن أمثلة الإيقاع في الحياة توالي الليل والنهار كل يوم، وتعاقب الفصول الأربعة كل سنة، ومرور الناس كلهم، أو أكثرهم، بمراحل متشابهة في حياتهم هي: الطفولة، فالفتوة، فالشباب، فالكهولة، فالشيخوخة، واختيار الأشجار لتعاقب الإيراق فالإزهار فالإثمار، في كل عام. أما الإيقاع في الفن فلا يقوم على التكرار والتشابه والتناظر فحسب، بل قد يقوم على التباين والمفارقة والتناقض، كما يقوم على الحذف والإثبات، أو الإضمار والإظهار، والسلوك السوي والسلوك المنحرف، وقد تجسده ردات الفعل المتشابه، والمعاملة بالمثل، والحركة المتكافئة، والموقف النظير، وأشياء أخرى غير هذه وتلك.‏

والإيقاع عنصر فني تشكله الحركة السردية بكامل تفصيلاتها، بدءاً من اختيار العناوين، وانتهاءً بأصغر جزئية تتغلغل في ثنايا السرد، مروراً بالشخصية والحدث والحبكة والحوار والحركة... الخ..‏

وأول ما يلحظه الدارس في مجموعة "الحصرم" هو التشابه بين أثر طعم الحصرم، وأثر قلم الكاتب في جسد مجتمع حارة القويق، فطعم الحصرم وطعم الكتابة كلاهما مر لاذع جارح، ولكن مع الفارق، فالقصة المكتوبة بقلم كاتب لوذعي والتي تندد بسلوك مغلوط أو تسخر منه ترسم على الشفاه أحياناً بسمةً تخفف من ضرس الأسنان الذي يخلفه مذاق الحصرم.‏

وقد بدا لي (زكريا تامر) في مجموعته هذه وفي مجموعاته الثماني السابقة شغوفاً بتكريس فكرة فحواها: أن على الإنسان أن يصوغ وجوده بانسجام، لا أن يحيا التناقض في سلوكه الظاهري والصراع في عالمه الباطني. وقد ركز الكاتب على هذه الحقيقة الفلسفية والنفسية من خلال عرضه لشخصيات مأزومة في الغالب وغير منسجمة في العموم، مما يجعل قراءة قصصه في ضوء الفلسفة وعلم النفس لها ما يُسوِّغها.‏

وإذا عدنا إلى مفهوم الإيقاع، فإننا نراه يطالعنا في القصة الأولى من المجموعة، وعنوانها "المهارشة" فقد حرش نجيب البقار من حارة قويق السيدة (أم علي) لتحقِّر (خضر علوان) وتبهدله، واستجابت أم علي وحدث ما كان مخططاً له... ولكن خضراً لم يسكت على شتمه وسبه وإهانته والهزء به، بل اختار أن يثأر من شاب يدعى (سليمان) كانت أم علي تحبه كابن لها، وطعن خضر (سليمانَ) بخنجره طعنات عديدة‏

وقتله... وبُرِّئ فيما بعد من هذه الجريمة. واحتفل نجيب البقار ببراءة خضر، فيما راحت أم علي تستبدل بالوداعة شراسة وبالحزن فرحاً.. وقد كثر عدد الطامعين بالزواج من ابنتها الوحيدة الجميلة، بعد أن كانوا ينفرون منها بسبب سلوك أمها المشين.‏

لقد عنْونَ تامر قصته هذه بالمهارشة. والمهارشة هي عراك الكلاب. وعليه فإن رائحة الإزراء تفوح من العنوان، كما تفوح من الوصف الموجز لحالة حارة القويق. ثم إن القصة تبدو هنا وقد استجمعت أشكال الإيقاع القصصي كلها، حسبما يراها (جيرار جينيت) وهي: الحذف الزمني والوقفة الوصفية والمشهد الدرامي والسرد الموجز، ففي الحذف الزمني يغفل السارد أزمان الأحداث غالباً، وفي الوقفة الوصفية أوقف الكاتب سرد الأحداث ليصف بعض الأشياء والمشاهد، وفي المشهد الدرامي لاحظنا معارضة أم علي للقاء بنجيب البقار، ثم موافقتها على ذلك، ولاحظنا فعل التحريش على خضر، ثم فعل القتل الدموي، الذي أعقبه سخرية مرة من تبرئة خضر علون، ثم التحول في موقف الطامعين في خطوبة الابنة الوحيدة الجميلة. أما الإيجاز في السرد فقد تمثل في القفز عن تفصيلات كانت تثقل السرد لو وجدت، وذلك لصالح التكثيف والجذب. وقد تمثل الإيقاع هنا بوضع (خضر) في دائرة الاتهام أولاً، ثم إخراجه منها، وبحالة الشراسة إزاء حالة الوداعة، وبحالة الإحجام عن طلب الخطوبة، ثم الإقدام عليها. وقد وجد الإيقاع في قصص أخرى في المجموعة، ففي قصة (الشركة) تبادل الزوج والزوجة، كل منهما خيانة الآخر، بدأ بذلك الزوج ثم لحقته الزوجة. وكانت حجة الزوج هي أنه يفعل ذلك ليكتشف حبه لزوجته! وكانت حجة الزوجة مماثلة لتلك! وقد ظهرت السخرية في القصة حين كتب تامر يقول في النهاية: "ولم يتجرأ مصطفى على تطليقها لأن أباها غني وغير بخيل واستمرا في العيش معاً زوجاً وزوجة يحاول كل منهما أن يثبت حبه للآخر". (الحصرم ص100) وبعبارتنا نحن نقول "يحاول كل منهما أن يخون الآخر" وواضح هنا أن الكاتب يشنع على الزوجين السلوك المنحرف فيلذع، وهو الحداد القديم، بنار كيره جلدهما، ويقوّم بثقافه المنآدَ من منطق حياتهما. ومثل هذا اللذع والتقويم والسخرية نراه يتكرر في قصص (عفاف) و (رجال) و(المستشارون).‏

والحق أن الكاتب لم يقتصر في لذعه ونقده على الفرد دون المجتمع، بل تجاوز ذلك إلى التنديد بالظرف المحدق والمناخ المهيمن اللذين يفضيان إلى الاستبداد واستلاب الإنسان وقهره وعجزه. ففي قصة (صامتون) كان الصفع هو سيِّد الموقف، فقد صُفِعَ زهير صبري لأنه لم يبالِ بحب امرأة جميلة ولم يرَ الصافع، وصُفِع لأنه قال لرجل ثري إنه أعظم رجل أنجبته البلاد ولم يرَ الصافع، وصُفع بعد أن قبَّل يد رجل ذي لحية طويلة مشعثة، ولم يرَ الصافع..." وصُفِع زهير صبري كثيراً، وفي كل يوم من دون أن يرى الصافع المجهول، ولم يكلّم أحداً عن تلك الصفعات السرية، حتى لا يُسْخَر منه ويتهم بالجنون، ولكنه كان واثقاً بأن الناس أجمعين يصفعون مثلما يصفع ويلوذون بالصمت". (الحصرم ص75).‏

فالكاتب هنا يصور ما يشبه القدر الاجتماعي والسياسي الغاشم الذي يُصْفَع فيه المرء، ولا يجرؤ على أن يجأر مستنكراً أو ثائراً. وهو بهذا يلامس حقيقة نفسية تتجسد في عبارته الأخيرة التي تبدأ بكلمة (لكن)، فزهير صار يظن أن ما يلقاه هو، يلقاه الناس كلهم، وأن صمته ليس فردياً بل جمعي أيضاً. وفي ذلك استلاب عميق ومؤلم في الوقت نفسه.‏

إن رصد هذه الحالة في أقصوصة لا تتجاوز مئة كلمة يدل على أننا أمام كاتب معني بالحركات العميقة للنفس الإنسانية، وبالآليات النفسية التي يجابه بها المرء ما ينتابه من قهر وإذلال وهوان. وقد توصل (تامر)‏

إلى ذلك من خلال إيقاع سردي بسيط، وهو عملية الصفع المتواترة، ثم جهل المصفوع المتكرر بالصافع. وهذا شأن يثبت مرة أخرى أن الإيقاع يخدم الفكرة، بل هو أداة موفقة لكشفها وإظهارها.‏

وإذا كان زهير صبري قد تعايش مع قهره وهوانه فاستمرأ صَفْعَهُ، فإنَّ شخصية أخرى في المجموعات كانت تفعل فعلاً معاكساً، ففي قصة (الأدغال) يقتل (معروف السماع) زميلاً له في لعبة ورق لأنه عيَّره بأن رجال الحارة يعرفون من جسد أخته أكثر مما تعرف أمها، فقد أطرق معروف رأسه أولاً ولم يَفُهْ بكلمة، ولكن همساتٍ راحت تصَّاعد من أعماقه، همسات متناقضة ومتضاربة، بعضها مُثبِّط وبعضها مُوثِّب، إنها همسات الأرنب الخوَّاف والنعامة الجبانة من جهة، وهمسات الضبع الآكل والذئب المغير والحية اللادغة من جهة ثانية. وانتصرت الهمسات الأخيرة فطعن (معروف) من عيَّره وقتله وراح يعدو مسرعاً، ولكنه وهو في أقصى سرعة له تنبَّه إلى أنه وحيد لأبويه ولا أخت له!‏

وعلى الرغم من السخرية المرة من سلوك (معروف) المتهوِّر، فإننا نرى القصة تنصرف إلى منحى آخر، هو قاع النفس الإنسانية العميقة، وقد أصابه جرح بليغ وهزة قوية، فعبارة زميل (معروف) أذهلت معروفاً عن الحقيقة والواقع، ففعل ما فعل مؤكداً أن تجاوز الحدود من الخصوم له ثمنه، وعلى الباغي أن يدفع ثمن بَغْيه.‏

إن دراسة شخصيات هذه المجموعة تبلغ بالدارس حدَّ الاستنتاج أن تشابهاً قوياً كان يقوم بينها وبين شخصيات (تامر) في مجموعاته الأخرى، فأبطال (تامر) عامة ذوو طباع حادة وغريبة، أو هم ذوو صفات باردة أو جامدة لا حياة فيها، وسلوكهم غالباً مستهجن وغير مفهوم للوهلة الأولى، وربما كان غير منطقي البتة، وبعض هذه الشخصيات يدخل الحدث فلا يغيِّر الحدث فيه شيئاً، وبعضها يدخله فيَغَيَّر ويُغيِّر الحدث معه، بل قل يصنع انعطافة مفاجئة فيه. فالشخصيات التامرية شخصيات فنية ورامزة وغير نمطية. وإذا كان بعض أبطال هذا الكاتب يظهرون وهم في أزمة، فلأن وضع البطل في الأزمة هو الوسيلة الأنجع لرسم الملامح، والطريق الأقصر لإبراز الأفكار.‏

واللافت للانتباه أيضاً أن بعض الشخصيات التامرية تظهر مسلَّحة بالخنجر أو بالسكين على نحو مفاجئ، والخنجر أو السكين مسخَّر للقتل أو للتهديد به. وإذا كان هذا اللمح يذكر ببرهة تاريخية بدائية كان المرء يمشي فيها وخنجره إلى جنبه، فإنه هاهنا يبدو موظفاً لإبراز ظاهرة، أوْ فرض مفهوم، أو إيضاح فكرة، فخنجر (خضر علون) حوَّل (أم علي) من امرأة شريرة إلى امرأة حزينة وادعة من جهة، وقدَّم تجسيداً لفكرة القدر الغاشم الذي قد يحل بالناس، فليس لسليمان ذنب اقترفه كي يذهب ضحية شراسة خالته (أم علي) من جهة ثانية، وهو خنجر كشف سلوك (نجيب البقار) الذي يخطط للجريمة، ثم يسعى لتبرئة المجرم ويحتفل بذلك من جهة ثالثة. وأخيراً، فإن هذا الخنجر يذكر بخناجر رجال أخر في قصص المجموعة كما في قصص (مصرع خنجر) و (الطالق) و(الشهادة).‏

وقد تنوعت شخصيات مجموعة (الحصرم) فكان منها ما هو بشري، وماهو غير بشري، ومن أبطال القصص غير البشريين بطل قصة (الوطن المفدَّى) فهو غصن من شجرة قوية، وقد تطاول هذا الغصن وانفرد عن أقرانه حتى وصل إلى نافذة من نوافذ بيتٍ ما، ومن النافذة راح الغصن يرقب ما يدور في ذاك البيت، وكان في كل مرة يشهق متعجباً أو مذعوراً أو مدهوشاً أو متألماً أو متحسراً أو مستنكراً... وعندما أراد أن يكلم زملاءه من الأغصان الأخرى، عجز عن الكلام ولم يستطع وصف ما رأى، ثم ضعف وجفَّ‏

وذوى وشاخ باكراً ويبس. وأخيراً انفصل عن أمه الشجرة، في حين بقيت الأغصان الأخرى خضراء طرية.. ولكن- (ولنلاحظ تكرار كلمة ولكن في نهاية القصة التامرية)- أحداً منها لم يعد يجرؤ على الاقتراب من نوافذ ذلك البيت.‏

والذي يبدو للناقد أن جفاف ذلك الغصن المتطاول والمتحشِّر والمتطلع إلى الكشف والمعرفة، كان بفعل فاعل، ولم يكن هذا الفاعل المسكوت عن صفاته لغرض تشويقي فاعلاً ذا سمات محمودة أو مزايا ممدوحة، وإلا لما شهق الغصن متعجباً أو متألماً أو مستنكراً مما تعاينه عيناه...‏

وقد اختار الكاتب عنوان قصته بحذق وبراعة، وهو الخبير باختيار العناوين، فجعله (الوطن المفدّى) وذلك توجيهاً للقارئ ليرى البيت، وقد راح يكبر ويكبر، حتى يصبح بيوتاً وأحياء وقرى ومدناً، بل قُلْ وطناً. وبما أننا بدأنا نفك رموز هذه الأقصوصة، فإننا نرى الأغصان التي دبَّ الخوف في ثناياها وأنساغها ولم تعد تجرؤ على الاقتراب من البيت، هي المعادل الموضوعي للمواطنين الذي دُجِّنوا ومُوْرِسَ عليهم ما مورس على المواطن المصفوع مراراً في قصة (صامتون). وهكذا تبدو بعض قصص زكريا تامر تتجاوب فيما بينها، وتعين إحداها على فهم الأخريات من أخواتها. ومما يتجاوب صداه مع صدى قصة (الوطن المفدى) قصتا (المُفْتَضَح) و (المستشارون).‏

وإذا رحنا نحصي الموضوعات التي سَخِر منها (تامر)، وسخَّر كتابته من أجلها، فإننا نراها تتمثل برذائل الناس من خنوع وطمع وكذب وغباء ونذالة. ولا شك أن أدباً يندّد بهذه الأشياء، هو أدب يمجد البطولة والزهد والصدق والذكاء والشهامة.‏

وبعد، فإننا، وإنْ توقَّفنا عند الشأن السردي في هذه المجموعة خاصة، لم نرَ الصواب في الاقتصار على الشكل فحسب، فالسرد كان وما زال الوسيلة التي نعقل العالم بها ونعقل أنفسنا، كما يرى (جوناثان كوللر) -(انظر زمن الرواية، لجابر عصفور ص91)، وعليه، فالسرد يبدو لنا مُتَماهِياً مع علم الدلالة الذي يقيه من أن يكون لعبة شكلية فحسب. وقد ذكرنا في مطلع دراستنا هذه أن نظريات السرد الحديثة تتعامل مع السرد بوصفه نتاجاً اصطناعياً ينظّمه قراؤه ويمنحونه معنى. وربما ساغ لنا الزعم أننا لم نقم هاهنا بشرح تقنيات السرد دون أن نعطيها دلالات من نوع ما، ذلك لأن النموذج المختار من أدب (زكريا تامر) كان مثالاً على سرْد مُفْعَم بالمعاني، وأدب ضاجٍّ بالرموز والدلالات والإشْكالات أيضاً. وهذا سرٌّ من أسرار العظمة والخلود في الآداب كلها.‏

 مجموعة "الحصرم" في ضوء مفاهيم السرد القصصي‏
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¨ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¯ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ©
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آµط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ­ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ©