السلام عليكم ورحمة الله تعالى
أفلام الأنميشن الأمريكية قليلة بالسنتين الماضيتين, ربّما هذه الحقيقة قد تجعل المرء يتساؤل
عمّا إذا كان نفاذ الأفكار لدى صانعيها هو السبب وراء الأمر! لكن لا يبدو هذا في ظل وجود عالم
الأفكار الذي لا ينتهي والتي تقوم بيكسار وديزني باستغلاله على الدّوام لصنع تحفها, شاهدنا
في العام الماضي Inside Out, وقبل أن ينتهي العام صدر عمل آخر من نفس الشريكين, وهذه
المرة يبدو أنه يحمل ملامحَ أكثر اختلافاً عن سابقه

منذ صدور Toy Story قبل عشرين سنة صار من الواضح أن بيكسار هي رائدة العزف على الأعصاب بمجال أفلام الأنميشن
الأمريكية, لكن قد يشعر من يريد أن يصف فيلمها الأخير بالحاجة لكلمات جديدة تناسب خليط المشاعر الذي يثيره في النفس,
فيلم استديو الرسوم المتحركة الـ16 هذا عبارة عن هجين مُبهج بشكل هادئ : جزء منه مغامرة حيوانية و الذي يُذكّر برقة أفلام
ديزني التقليدية كـThe Lion King, وجزءٌ منه قصة نجاة, حيث تأتي الأخلاق مُظَلّلة بشكل رفيع كسلسلة جبال تحمرّ وتحدّق
في نور الشمس الذي يتغيّر دائماً
الفيلم سيجعلكم تجفلون من هشاشة الحياة وتعايشون سحرها في نفس الوقت! وهذا الخلط غير المتوقع بين ما هو حسّى
وما هو وجودي جعلني أشعر بما يمكن وصفه فقط بضربة تم توجيهها لي
أن يكون الفيلم تابعاً لبيكسار صاحبة التحفة التي صدرت لها بالعام نفسه (Inside Out) ذات الفكرة العبقرية ليس بالأمر الهيّن أبداً,
لكن المبشّر في الأمر أن فيلمنا هنا يختلف عن سلفه كل الاختلاف, ويسير باتجاه على طريقته الخاصة. الفكرة, هي أن النيزك الذي
محق الديناصورات قبل 65 مليون سنة تجنّب الأرض ولم يصبها !! مما نتج عنه بقاء الديناصورات بل وتطورها لملايين السنين بعدها,
حتى أنها صارت تتكلم, وتشيد العمران كالآدميين, وطبعا الأمر ليس كما تتخيّلون الآن, فما أقصده أن مبانيهم بسيطة و تدلّ على
ذكائها لا أكثر

أحداث الفيلم تأخذنا لعائلة مكونة من فصيلة ديناصورات تُدعى الأباتوصور, حيث يُرزقون بأولاد, ومن بينهم بطل القصة, الذي تقرّر تسميته
بأرلو, أرلو هو كائن ضعيف, خجول, لا يستطيع مُقارعة متاعب الحياة ويخشى من أتفه الأشياء, لكن عندما ينبغي عليه العمل على الأرض
وإثبات جدارته فهو يجد نفسه بلا خيار سوى استحقاق بصمته بين أفراد عائلته المُكوّنة من الأب والأم, أخ قوي, وفتاة نشيطة, دعونا
نرسل المخلوقات البرية الآن- أو البشر, لكم و لي-التي تُغِير على مخزن ذرة العائلة وتنهب في الليل ما عملوا عليه وكنزوه للشتاء
وهو يائس, يأخذ والد أرلو ابنه لأسفل النهر من أجل تعقب إحدى البشر الذي ضُبط بالجرم المشهود, وبشكل درامي يحصل فيضان ويأخذ
الأب معه إلى حتفه. بعد مدة قصيرة من موت الأب واستعسار الحياة على العائلة بعد غيابه, يقرر أرلو تحمّل مسؤولية أكبر, وبعدما
يتكرّر نفس السيناريو ويُضبط المُجرم سارق الطعام يقرّر أرلو اللحاق به والانتقام, لكن تشاء الأقدار أن يسقط في النهر ويجرفه بعيداً عن
موطنه, ومن هنا تبدأ المغامرة التي لم يحسب لها حساباً
بعد أن يستفيق, يكتشف أرلو أنه بحاجة لمساعدة ليعود لموطنه, ويقرّر فتى كهف صغير تقديمها له, ويا للعجب, إن الفتى الصغير هو
نفسه من كان أرلو يطارده ويتوّعده بالانتقام

سبوت( وهو الاسم الذي أطلقه أرلو على الفتى البشري) قد صار أمل صديقنا الديناصور في الرجوع لعائلته الآن, و سبوت ينوي تقديم
كل المساعدة الممكنة له, لأنه وفي النهاية الفتى كان يُغِير على مخزن الذرة لكونه جائعاً يحاول سدّ رمقه لا أكثر. باختصار, ما لدينا
هنا هو قصة كلاسيكية عن فتى وكلبه, باستثناء أن الكلب هو الفتى, بينما الفتى طوله عشرون قدماً ولونه أخضر زاهٍ
أحد الأمور المُلاحظة مباشرةً بالنسبة للمُشاهد في الفيلم هو الأسلوب البصري غير المُعتاد, والذي تجلّى من خلال مزيج بين
أكثر الشخصيات الكرتونية المبهرجة حتى الآن مع واقعية حابسة للأنفاس, خلفية تفاصيل تحيّر العقل, هناك لقطات لنطنطات
قطرات المطر وتجعّدات الغيوم حول قمم الجبال تبدو وكأنها صور من وثائقي عن العالم الواقعي! حيث تسمح الواقعية لفناني بيكسار
أن يُثنوا عضلاتهم التخطيطية بطريقة جد مختلفة, والتي تشبه ما رأيناه بالتصوير الطبيعي المُبهر الموجود بـInside Out, أيضاً كان
من الحيويّ حضور شعور الخطر الملموس والذي تخلل الفيلم, كل الفضل في هذا يُنسب للمخرج Peter Sohn
كتبت Meg Lefauve نص الفيلم, مُهتمةً ببناء تفاصيل حكايتها بإحساس مُرهف, وبشخصيات يكسوها الجمال قلباً وقالباً, تُضحكنا مرة و
تحطّم فؤادنا بواقعيتها مرة أخرى, الحوارات بسيطة مُنتقاة بعناية, تتخللها مواقف كوميدية عفوية هنا وهناك, لطالما اختارت بيكسار
كُتّاب سيناريوهات أفلامها بغناية لذلك فالنتيجة تكون مضمونة غالباً

بعد فيلم Toy story الأصلي, Cars و Ratatouille, ثم Brave, الديناصور الصالح هو فيلم بيكسار الخامس الذي يُصنّف PG, أي من
الأفضل مشاهدته بوجود الأهل, وذلك لوجود بعض المشاهد البسيطة التي لا تناسب الأبناء, وهو كذلك فعلاً, إذ أن الفيلم هو من أكثر
الأفلام المُحزنة التي شاهدتها أنا, لكن هذا لا ينفي كونه مُمتعاً للأطفال ولغيرهم, في الأخير فإن النهاية السعيدة لم تُفارق
بيكسار يوماً في أعمالها
موسيقى جميلة من " ميخائيل دانّا " وجيف دانّا " تأسر القلب وتزجّ المشاهد في الأحداث, مع كونها أول مشاركة للثنائي مع بيكسار
كملحّنين
رُشّح لجائزة غولدن غلوب واحدة
التقييم الشخصي
7,5/10