قواعد استغلال مياه الأنهار الدولية
المعاهــــدات
فيما يتعلق بتنظيم استخدام الأنهار الدولية، هنالك بعض المعاهدات والاتفاقيات العامة التي لم تكن من الشمول بحيث تحكم كل ما يتعلق باستخدامات الأنهار الدولية، إلاّ أنها أرست قواعد دولية تطورّت بمرور الزمن وكانت أساساً للأعمال اللاحقـة.
وفي هذا الصدد فإن اتفاقية فيينا لعام 1815 التي جائت لتنظم استخدامات الأنهار الدولية فـي الأغراض الملاحية إلاّ أن تعريفها للنهر الدولي بأنـه (النهر الصالح للملاحة الذي يفصل أو يخترق عدّة دول) قد رسّخ قاعدة قانونية مفادها أن المعيار الأساس لكون نهرٍ ما نهراً دولياً، يعتمد على وقوع أجزاء منه في دولتين أو أكثر. وقد جرى القياس على هذا التعريف في النظر إلى استخدامات النهر الدولي للأغراض غير الملاحية.
وعلى صعيد آخر، فقد عقدت الدول التي تشترك في استغلال أنهار دولية أكثر من 300 إتفاقية فيما بيـنها. وطبقاً لأحكام هذه المعاهدات تم تنظيم استغلال الأنهار المشتركة بين هذه الدول تنظيماً منصفاً ومعقولاً. وقد ركزت هذه المعاهدات على المبادئ والأحكام العامة مع أحكام تفصيلية خاصة بظروف كل نهر.
وتكمن أهمية هذه المعاهدات في الأحكام والعوامل الأساسية المشتركة بينها، وبخاصة في كونها تكرر القواعد نفسها على مدى عقود من الزمن وفي ظل أحوال وظروف تأريخية وجغرافية مختلفة مما يعني قبول هذه الدول على إختلافها بأحكام محدّدة لتنظيم استغلال الأنهار الدولية المشتركة. ومن القواعد التي تكررت في معظم هذه المعاهدات: حرّية الدول في استخدام الميـاه التي تمرّ عبر أراضيها ضمن قواعد القانون الدولي، وضرورة التشاور قبل إقامة المشاريع التي تؤثّر على مجرى النهر، وإجراء التفاوض إذا كان من المحتمل أن يسبب المشروع ضرراً لدولة أخرى.
وفي 21 مايس 1997 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية فـي الأغـراض غيـر الملاحية. وهي أول إتفاقية تعقد في إطار الأمم المتحدة لتنظيم استخدامات الأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية. وتكتسب هذه الاتفاقية أهمية خاصة كونها قد كرّست في موادّها معظم القواعد القانونية الدولية والعرفية فـي مجال تنظيم استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.
وقد عرفت الاتفاقية النهر الدولي بأنه النهر الذي تقع أجزاء منه في دول مختلفة، ونصّت على واجب دولة المجرى المائي في عدم التسبب بضرر لدولة أو دول المجرى المائي الأخرى في حالة قيامها بتنفيذ أية أنشطة عليه، وواجب التفاوض لعقد اتفاقات بشأن المشاريع المزمع إقامتها على النهر. ونصّت أيضاً على حق كل دولة متشاطئة على نهر دولي بنصيب عادل ومعقول من مياهه. وأوجبت على الدول المتشاطئة إتخاذ كل الإجراءات والتدابير لمكافحة ومنع تلوث مياه النهر. وأوجبت حل المنازعات بالطرق السلمية.
الاتفاقات الدولية
ومن أهم القواعد العرفية التي ترسخّت في مجال استخدام المجاري المائية الدولية، القاعدة التي تحرّم على دولة المجرى المائي الدولي إجراء أية تغييرات على المجرى المائي من شأنها أن تؤثّر على حقوق الدول الأخرى المتشاطئة معها إلاّ بعد إبرام إتفاق فيما بينها، وكذلك القاعدّة التي تنص على أن الدول المتشاطئة تتمتع بحق استخدام المجرى المائي على أساس المساواة التامّة في الحقوق.
الأحكام القضائية
تجدر الإشارة هنا إلى الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بتأريخ 25/9/1997 في قضيـة (GABCIKOVO-NAGYMAROS PROJECT) بين هنغاريا وسلوفاكيا والتي تتعلق بأقامة مشروع مشترك على نهر الدانوب الذي يمرّ فـي أراضي البلدين وهي أحدث وأول قضية تنظرها المحكمة في سياق الاستخدامات غير الملاحيـة بشكل خاص.
وقد أوضحت المحكمة في هذا الحكم القواعد القانونية التي تنطبق على استخدامات المجاري المائية الدولية. وطبقاً لذلك اعتبرت المحكمة أن (سلوفاكيا) قدّ فشلت في إحترام متطلبات القانون الدولي عندما شرعت من جانب واحد بتنفيذ أعمال على مصدر طبيعي مشترك مما أدّى بالتالى إلى الإضرار بممارسة هنغاريا لحقّها في الاستخدام المنصف والمعقول لمياه نهر الدانوب. وأكدّت المحكمة في قرارها على أهمية إحترام الإتفاقيات المعقودة بين البلدين ومنها إتفاقية عام 1977 ذات الصلة المباشرة بموضوع النزاع.
القانون الدولي
وقد حظي موضوع استغلال الأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية بمكانة متمّيزة في الدراسات التي اضطلعت بها لجان القانون الدولي الحكومية وغير الحكومية وفي الدراسات التي أجراها أرباب القانون الدولي.
وقد انعكس ذلك في مقررات مؤتمر معهد القانون الدولي الذي اعتمد سبع قواعد في دورة مدريد عام 1911، وفي القواعد التي اعتمدتها رابطة القانون الدولي في مؤتمرها الثاني والخمسين المنعقد في هلسنكي عام 1966 والتي سمّيت بـ (قواعد هلسنكي المتعلقة باستخدام مياه الأنهار الدولية). أما بالنسبة لأرباب القانون الدولي فقد أسهموا من خلال دراساتهم في توضيح القواعد التي تنظم استغلال الأنهار الدولية. وقد أكدّت هذه الدراسات، أن المجرى المائي للنهر الدولي لا يقع تحت السيادة التحكمية لدولة من الدول المشاركة في ذلك النهر، وأنه لا يحقّ لدولة أن تحوّل مجرى النهر الذي يمرّ عبر أراضيها إلى دولة أخرى وأنها ممنوعة أيضاً من استخدام مياه النهر المذكور بشكل يؤدي إلى الإضرار بدولة أخرى أو يهدّدها بخطر أو يمنعها من الإستفادة منه في إقليمها.
مما تقدم يمكن القول أن أهم هذه القواعد هي ما يلي:
1- المجرى المائي الدولي هو أي مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة.
2- لكل دولة متشاطئة الحقّ في حصة عادلة ومعقولة من مياه المجرى المائي الدولي.
3- وجوب احترام الحقـوق المكتسبة الناجمة عن الاستخدامات القائمة لمياه المجرى المائي الدولي.
4- عدم جواز قيام أية دولة متشاطئة بإجراءات أو إنشاءات على المجرى المائي الدولي أو فروعه إلاّ بعد إخطار الدول المتشاطئة معها والتوصل إلى إتفاق معها بشأن ذلك.
5- عدم جواز إلحاق الضرر بالدول المتشاطئة الأخرى سواء من حيث كمية المياه أو نوعيتها.
6- وجوب التبادل المستمر للمعلومات والبيانات بين الدول المتشاطئة في كل ما له علاقة بمياه المجرى المائي المشترك.