الحمد لله الفتاح العليم، الرحمن الرحيم، يحب من عباده أن يحمدوه، وأن يثنوا عليه ويمجدوه، ويستعينوا به ويستهدوه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، دلنا على الصراط المستقيم، وأبان لنا الطريق القويم، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، خير من سجد، وصلى وعبد، وشكر وحمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى حيث يقول سبحانه( واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)
أيها المؤمنون: سورة الفاتحة أنزلها الله رب العالمين، وافتتح بها كتابه الكريم، وجمع لنا فيها من الفضل والخير العميم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبى صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.
وهي سبع آيات محكمات، نزلت بمكة على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دلائل أهميتها كثرة أسمائها، وتعداد مسمياتها، فهي الفاتحة، أي فاتحة الكتاب، وبها تفتتح القراءة في الصلاة، وهي الكافية، والوافية، والشافية، والرقية، وهي السبع المثاني، لأنها سبع آيات، ولأنها تثنى وتعاد في الصلاة، وهي أم الكتاب، وأم القرآن، والقرآن العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني».
وقد ارتبطت سورة الفاتحة ارتباطا وثيقا بالصلاة، حيث يقرأها المسلم في صلاته الخمس يوميا، فيقرأها سبع عشرة مرة على الأقل، ولا تتم صلاته إلا بقراءتها، وقد ابتدأها الله عز وجل باسمين كريمين من أسمائه، وهما الرحمن والرحيم ليشير سبحانه إشارة واضحة إلى أن كل ما يأتي بعدها من القرآن الكريم مبني على منهج الرحمة، وبين تعالى أن العلاقة بين العباد وربهم قائمة على الرحمة، وقد تجلى هذا في كل تفاصيل الشريعة.
فقد خلق الله سبحانه وتعالى الرحمة مائة جزء، فأنزل جزءا واحدا يتراحم به الناس، وادخر تسعة وتسعين ليوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل فى الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».
وفي هذا توجيه للمسلم بإشاعة الرحمة منه تجاه من حوله، وهذا من الجانب العملي التطبيقي لمعاني سورة الفاتحة.
فعلى الزوج أن يتعامل بالرحمة مع زوجته وأهله وأولاده، وعلى الفرد أن يتعامل بالرحمة مع جيرانه، وعلى الموظف أن يتعامل بالرحمة مع زملائه في عمله، وهكذا نتراحم مع من حولنا من العالمين.
كما أن الفاتحة اشتملت على كل المعاني الواردة في القرآن الكريم من ذكر الحمد والتوحيد والرحمة والعبودية والاستعانة والهداية.
وعلى المسلم الذي يدرك أهمية هذه السورة العظيمة أن يتوقف عند آياتها ليتأمل في معانيها ومدلولاتها ليعرف من فضائلها الكثيرة.
فمن أهم فضائلها: أنها أعظم سورة وردت في القرآن الكريم، فعن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لأعلمنك أعظم سورة في القرآن... الحمد لله رب العالمين هى السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته».
ومن فضائلها: أنها تفتح باب الصلة بين العبد وربه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى على عبدي. وإذا قال (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي. فإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بينى وبين عبدى ولعبدي ما سأل. فإذا قال (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
فهي تغرس في نفس العبد معنى الخضوع لله تعالى وعبوديته له، وأنه ملك لله تعالى، فهو مالك يوم الدين.
ومن فضائلها: أنها رقية يستشفي بها المسلم من أوجاع بدنه وأسقامه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نزلنا منزلا، فأتتنا امرأة فقالت: إن سيد الحي سليم، لدغ، فهل فيكم من راق؟ فقام معها رجل منا، ما كنا نظنه يحسن رقية، فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطوه غنما، وسقونا لبنا، فقلنا: أكنت تحسن رقية؟ فقال: ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب قال فقلت: لا تحركوها حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: «ما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم معكم»
اللهم افتح لنا أبواب رحمتك وفضلك، ووفقنا لطاعتك وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن سورة الفاتحة توجه المسلم لأن يكون رحيما، فيستمد معاني الرحمة من تكرار اسم الرحمن الرحيم فيها، وبقراءتها يعظم إدراكه لمعنى قوله تعالى (رب العالمين) أي جميع المخلوقات والكائنات، وتحمله على القيام بواجباته مستعينا عليها بالله عز وجل، فعلينا أن نحرص على قراءتها بتدبر وتأمل لإدراك معانيها التي أودعها الله فيها، وعلينا أن نقتدي في أفعالنا وأقوالنا بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه سبحانه وتعالى(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) .
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال تعالى(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اللهم وفق ولي أمرنا رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد ونائبه لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات وولي عهده الأمين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك مما سألك منه عبادك الصالحون، ونستعيذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم أدم على دولة الإمارات الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: يلقى بعد صلاة الجمعة 13/5/2011 (خاص بإمارة الشارقة)
أيها المسلمون: سوف تقيم إدارة مراكز التنمية الأسرية التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة الملتقى الحادي عشر تحت شعار "البناء الأسري والشبكات الاجتماعية الواقع والتحديات 2011" يومي الأحد والاثنين الموافقين 15 ، 16 مايو، وذلك للتنبيه على مخاطر الشبكات الاجتماعية على الأسرة والمجتمع، فاحرصوا على المشاركة والحضور لما يعود عليكم بالنفع والفائدة.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.