اعتمر ثمامة بن أثال على مرأى من قريش كما أمره الرسول صلوات الله عليه أن يعتمر... وذبح تقربا لله لا للأنصاب والأصنام، ومضى إلى بلاده فأمر قومه أن يحبسوا الميرة عن قريش، فصدعوا بأمره واستجابوا له، وحبسوا خيراتهم عن أهل مكة.
أخذ الحصار الذي فرضه ثمامة عن قريش يشتد شيئا فشيئا، فارتفعت الأسعار وفشا الجوع في الناس واشتد عليهم الكرب، حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم من أن يهلكوا جوعا.
عند ذلك كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن عهدنا بك أن تصل الرحم وتحض على ذلك... وها أنت قد قطعت أرحامنا، فقتلت الآباء بالسيف وأمت الأبناء بالجوع. وإن ثمامة بن آثال قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث إلينا بما نحتاج إليه فافعل. فكتب عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها.
ظل ثمامة بن أثال ما امتدت به الحياة وفيا لدينه ، حافظا لعهد نبيه، فلما التحق الرسول عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى، وطفق العرب يخرجون من دين الله زرافات ووحداناً، وقام مسيلمة الكذاب في بني حنيفة يدعوهم إلى الإيمان به، وقف ثمامة في وجهه، وقال لقومه: يا بني حنيفة إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه ... إنه والله لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاءٌ على من لم يأخذ به.
ثم قال: يا بني حنيفة إنه لا يجتمع نبيان في وقت واحد، وإن محمدا رسول الله لا نبي بعده، ولا نبي يشرك معه، ثم قرأ عليهم: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} غافر3..
ثم قال: أين كلام الله هذا من قول مسيلمة: (يا ضفدع نِقِّي ما تنقين، لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين). ثم انحاز بمن بقي على الإسلام من قومه ومضى يقاتل المرتدين جهاداً في سبيل الله وإعلاء لكلمته في الأرض.