
وحِينما أحببتكَ كنتُ أنتظِرُ مِن أقمارِي أن تعُود لمَدارِها ..
وأن تُشرِقَ شُمُوسِي فِي واحاتِها ..
وكنتُ آملُ أنْ أعُودَ أنَا كمَا كُنتُ قافِلةَ حُبٍ تحثُ الخُطَى فِي صحارِي الحياةِ .
وفِي كُل خطوةٍ تخطُوها تسقطُ حبةٌ مِن حباتِ عرقِها المُباركةِ لتخصبَ التربةُ وتُنجِب حِكاياتِ الفرحِ فوقَ الوُجوهِ التِي عبرتُ بها ..!
وحِينما أحببتكَ كنتُ أُمنِي النفسَ بتميزٍ مُنقطِع النظِير عن كُلِ الأجسادِ المارةِ بجسديْنا ونحنُ نركضُ فِي
شوارِع المدِينة الممنُوعةِ,كنتُ أعِدُنِي بأنْ لَا أسقُطَ فِي شركِ الأزِقةِ المُحرمةِ وأُمسِكَ بيديكَ كأنّي طِفلتكَ لا حبِيبتكَ ,
وأمضِي معكَ تحتَ المطرِ المُنهمرِ دِفئاً وحنِيناً ثُم أُخبئنِي فِي امبراطُورِية صدركَ التِي أجزمُ أنّها تحتوِينِي كقبرٍ صُنِعَ على مقاسِي تماماً , ككفنِي ..!
وحِينما أحببتكَ,كنتُ أحلمُ بأنّي سأغزُو العَالمَ بأُغنِياتِ الحُبِ التِي سيكتبُ قلمِي كلِماتِها,
ويُنشِىءُ قلبكَ وقلبِي فِرقةً مُوسِيقِيةً لتلحِينها ثُمَ أدائِها مع باقِي الجَوارِح فِي مشهدٍ مهيِبٍ , جدِيرٍ بحبيبٍ بمقامكَ العظِيم,
وبعاشقةٍ من طِرازِي أنَا لمْ يُنجِب مِثلها الزمنُ بعدُ ..!
وحِينما أحببتكَ,كنتُ آمل أن تكُون كالموتِ تأخذُنِي كاملةً مِنهُم ومِني, مُتمسكاً بِي مُتخللاً عِظامِي مُتسللاً لأصغرِ جُزيئاتِي ,
وليسَ كالحياةِ ترافقُنِي ثم تفارقُني ضارباً بعرضِ الحائطِ عِشرتنا الطوِيلةَ ومعرِفتنا المدِيدة ..!
وحِينما أحببتكَ,كنتُ أنتظرُ أن يُدخِلنِي حُبكَ مُدنَ الأحزانِ مِن جديدٍ مُغَيرةً قليلاً ومُزينةً كعرشِ بلقِيسَ حتى لا أعرِفنِي أنا أيضاً ..
وأستمتِع بالغموضِ الذِي تستدعيه تلك اللّحظة قبل أن تكتشِف ذَات حفلٍ راقصٍ,
أنّ الكُل هُناك يعرِفُني ويُلوحُ لِي وينحنِي إجلالاً ,
فتحترقَ أنتَ غيرةً ثُم تهمِس فِي أُذنِي "حُبلى أنتِ .." فأقطعَ كلامكَ مُستنكرةً ,لتُجِيبَ "دعِيني فقطْ أكمِلُ جُملتِي .. حُبلى أنتِ بالمُفاجآتِ جلالةَ السُلطانة" ...!
وحِينما أحببتكَ,كُنتُ أنتظرُ أن تملأنِي أنَا الفارِغةَ كزُجاجةٍ مرمِيةٍ عَلى شاطِىءٍ مهجُورٍ بشيءٍ يمنحُ لوُجودِي القِيمةَ,
كرِسالةِ حُبٍ مَثلاً تحتوِي بين طَياتِها انسِكاباتِ شوقٍ خطَها حبِيبٌ ضيعتهُ العواصِفُ لحبِيبةٍ أرهقَها الانتظارُ,
كبِضعِ حَصَى يحمِلُ فِي ذَراتِه رائحةَ الوطنِ الجلِيلِ,
أوْ كرمادِ شهِيدٍ استحلفَ ابنيهِ أنْ يدفِناهُ تحتَ شجرةِ السِندِيانِ فِي بقايا القريةِ القدِيمةِ الواقِعة على سفحِ الجبلِ الذِي لا يصلُ إليهِ أحدٌ ..!
وحِينما أحببتكَ,كنتُ أنتظرُ أن أُشفَى مِن حالة إدمانِي المُستعصِية على القهوةِ السّوداءِ المُرةِ التِي تشربُنِي كُل صباحٍ,والكِتابةِ التِي تكتُبنِي كُلَ ثانِيةٍ وإن غَاب عن يدِي القلمُ,
والمُوسِيقَى التِي تُغنِيني كُل لحظةٍ وإنْ أُصِبتُ فجأةً بالصممِ,ومِنْ كُل ما يسقطُ فِي يدِي لأدمِنهُ أنَا الساقِطةُ فِي حُب التفاصِيل الغارقةُ فِي تقدِيسها حدَ الثمالة ..
وحِينما أحببتكَ,كنتُ أزعُمُ أنّ طرِيقةَ الأزهارِ فِي الفرحِ بدائيةٌ قليلاً وأنّك وحدكَ منْ ستُعلِمُها أن تتفتحَ حِين أمرُ أنَا بالجِوارِ,وتنكفِىءَ على نفسِها حِين يحضُننِي الغِياب,
وأنّ الدُروبَ كُلما اقتربتْ مِنِي اتسعتْ , وكُلما ابتعدتْ ضاقتْ واحترقتْ واختنقتْ حنيناً يصرخُ فِي وجهِكَ الباردِ آمراً إياكَ أن تُسابقَ الرِيح إليَّ ..!
وحِينما أحببتكَ,قررتُ أن أكُفَ عن مُجابهتكَ أكثرُ,وبررتُ ذلِكَ بأنّ قِوايَ قدْ خَارتْ فِي معاركِ ما قبلَ الحُبِ,وأنّكَ ما دُمتَ قد دخلتَ قلبِي فاتحاً فإنّني لنْ أغدِرَ بكَ أبداً وسيظلُ نبضِي لكَ وفياً ما دَام ذلكَ مُمكناً..!
وحِينما أحببتكَ ..
أحببتكَ وكَفَى ...
وما كُنتُ أظنُ أن الزمنَ قد يجُودُ عليّ بهذهِ اللحظةِ التِي ألعنكَ فِيها وأتمنّى لوْ أنِي "ما أحببتكَ" ....!