الفرجيوي مراد | مشرف سابق | المشاركات: 123353 نقاط التميز: 68460 |  | معدل المشاركات يوميا: 24.5 | الأيام منذ الإنضمام: 5042 | |
.[مسألة: حرمة النياحة]
ويحرم النوح على الميت، وشق الجيوب، ونشر الشعور، وخمش الوجوه؛ لما روت «أم عطية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قالت: نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النوح، فما وفت منا واحدة، إلا أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -». وروى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن النائحة والمستمعة». وروى ابن مسعود: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية». وروي «عن امرأة بايعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنها قالت: أخذ علينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن لا نخمش وجهًا، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيبًا، ولا ننشر شعرًا». ولأن ذلك شبيه بالتظلم والاستغاثة، وما فعله الله تعالى حق وعدل. ولأن ذلك يجدد الحزن، ويمنع الصبر، فحرم. وأما البكاء من غير ندب، ولا نوح: فيجوز؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل ابنه إبراهيم في حجره، وهو ينزع، فبكى عليه، وقال: "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، إنا بك يا إبراهيم لمحزونون" ثم فاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟! فقال: إنها رحمة يضعها الله في قلب من يشاء، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء». وروي أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أليس قد نهيت يا رسول الله عن البكاء؟! فقال: "لا، إنما نهيت عن النوح». وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكى على عثمان بن مظعون، حتى سالت دموعه، فروي: أنه قال في بكائه عليه: "هاء هاء هاء" ثلاث مرات». فإن قيل: هذا صوت، وأنتم تكرهون الصوت؟! فالجواب: أنه يحتمل أنه كان مغلوبًا عليه، وما كان مغلوبًا عليه الإنسان لا يؤاخذ به. ويحتمل أن يكون الصوت المكروه ما كان بنوح وتعديد، وهذا ليس بشيء منه. إذا ثبت هذا: فالبكاء مباح إلى أن يموت الميت، فإذا مات: فيستحب أن لا يبكي. قال الشيخ أبو حامد: وإن كان لا يحرم؛ لما روى جابر بن عتيك: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء إلى عبد الله بن ثابت يعوده، فوجده قد غلب عليه، فصاح به، فلم يجبه، فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، ثم قال: "قد غلبنا عليك يا أبا الربيع "، فصاحت النسوة بالبكاء، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعهن يبكين، فإذا وجبت... فلا تبكين باكية". قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: إذا مات» ولأن البكاء بعد الموت يجدد الحزن، ويمنع الصبر. فإن قيل: فقد روى عمر، وابن عمر، وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». قال أصحابنا: فعن ذلك ثلاثة أجوبة: أحدها: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: روي «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: سألت عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن هذا الخبر؟ فقالت: يرحم الله عمر، والله، ما حدث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث هكذا، وإنما قال: إن الميت ليزاد في عذابه ببكاء أهله عليه. حسبكم القرآن»، قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. وروي عنها: أنها قالت: «مات يهودي، فكان أهله يبكون، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الميت ليعذب وأهله يبكون عليه». والجواب الثاني: قال المزني: تأويله: أن يكون الميت أوصى بالبكاء عليه، وهكذا أهل الجاهلية كانوا يوصون بالبكاء عليهم، قال طرفة بن العبد:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله ** وشقي علي الجيب يا ابنة معبد والجواب الثالث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»، أي: بما يبكي عليه أهله؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يبكون على ميتهم، ويعددون في بكائهم ما كان يصنع من الظلم والقتل، ويفتخرون به.
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي |
|