|| الطيور ودلالتها الرمزية في الشعر ||
آخر
الصفحة
أوان الورد

  • المشاركات:
    57000
مراقبة أدب وشعر
أوان الورد
مراقبة أدب وشعر
المشاركات: 57000
معدل المشاركات يوميا: 11.4
الأيام منذ الإنضمام: 5007
  • 22:03 - 2012/01/04

الطيور ودلالتها الرمزية في الشعر

ان ثقافة الشعب العربي ما زالت ترتبط بشدة الى حياة آبائهم الصحراوية ، ومن تلك الامور المهمة التي تشدهم الى تلك الحياة :
الحصان العربي ، والكلب السلوكي ، الجمل ، الطير ، فعندما ترد لفظة الطير سرعان ما يتبادر الى الذهن تلك الالوان الزاهية ونبرات الاصوات الجميلة ، حيث يسرح الفكرالى زقزقة العصافير ، لأسراب الحمام وهي تحلق بعيدا . ويرجع ارتباط الطيور بذهن الانسان الى اقدم العصور ، حيث يعود الى حوالي ( 1500) سنة قبل الميلاد حيث كان انسان الكهف يتفكر في اشكال الطيور ، وهذا يؤكد ان حلم الانسان ورغبته في التحليق ، حالة ملازمة له باستمرار ، والشاعر اكثر الناس حساسية للتحليق عاليا ، ويعد الطائر أحد مفردات الطبيعة التي تؤثر في وجدان الناس فما بالك بالشاعر؟ فالشاعر كالطائر يعشق التحليق وارتياد آفاق جديدة، والطائر له جذور تراثية قديمة منحته في كثير من الأحيان درجة التقديس وثياب الحكمة والورع وروح الخصوبة والحياة الدائمة، والمعتقدات والخرافات والأساطير التي كانت تروي عن الطائر جعلته عنصرا مهما في الحياة والموت والحظ والمطر والحرب واستجلاء الغيب وغيرها فدائما ما كانت رموز الطبيعة تشاطر الشاعر أحزانه وأحلامه وآلامه ومن هذه الرموز الطائر الذي شغل مساحة واسعة لدي الشاعر المعاصر . والطيور صغر حجمها أو كبر تمتلك القدرة علي التعبير وربما كانت أكثر من الإنسان في الحاجة للتعبير عما بداخلها لأن وسيلة الاتصال بينها وبين بني الإنسان ضعيفة لاختلاف اللغة وربما كان لها حق تود أن تطالبنا به وعلينا أن نسمع لها ونتدبر ما تقول ، و عد الطائر منذ بداية الوجود رفيق الإنسان الأول وكان طعامه ودليله إلي الماء والنار وكان حارسه الذي ينذره كلما غضبت الطبيعة وهددت بكارثة، وظلت أمام البشر شاهدا علي الرحمة والمودة والمحبة، وهي أيضا الشاهد والمثال ، لذا اصبح توظيف الرمز حاجة ملحة في القصيدة العربية الحديثة و سمة مشتركة بين غالبية الشعراء ، وعلى مستويات متفاوتة من حيث الرمز البسيط الى الرمز الاعمق . وكما يقول " عبد الوهاب البياتي " بان قضية الرمز والاسطورة والقناع اهم اقانيم القصيدة الحديثة وبدونهم تجوع وتعرى القصيدة وتتحول الى مشروع او هيكل عظمي لجثة ميتة ، لذاغرف شعراؤنا من معين الرمز الاسطوري والتاريخي والثقافي الى غير ذلك ، صورا فنية ورائعة اغنت نصوصهم الشعرية وعمقتها فكريا وجماليا، فجاءت الرمزية في الشعر العربي كعنصر من عناصر التعبير التي لا تواجه الفكر مباشرة وإنما تخاطبها من وراء حجاب. لذا بات من الضروري ان تكون الاستعمالات الرمزية نابعة من الافكار والمذاهب ، حيث ظهرت حية وناطقة وقد تكو ن جذابة ومؤثرة في سياق سردها في الاحداث ، ولعل ابرز ما استعمله العرب القدماء والمحدثين من رمز هو "الطير "ذلك الحيوان المختلف الانواع والاشكال والالوان المثير منظره وهو يسبح في الفضاء ، حيث يثير الاخيلة والا فكار التي تحولت الى رمز لمجموعة من الافكار المتناغمة مع طبيعة الطير ، واضحت تلك الاساليب والسبل التي هي من اختراع الشاعر متصلة بخياله واحساسه وثقافته كما تتصل بطبيعة الموضوع ونوعيته, ونلمس تجليات الرمزية في الشعر العربي الصوفي بشكل خاص وما يترتب على مسألة "التأويل" التي فرضت على الشعراء الرمز تجنباً لما يتعرضون له في حال الكتابة الصريحة والمباشرة وهناك فرق بين الاشارة والرمز, فالرمز يمثل تصورا في حين الاشارة تدل على أمر مفرد أو شيء معين فالرمز اسلوب من اساليب التعبير لا يقابل المعنى ولا الحقيقة وجهاً لوجه ،‏ ومن الملاحظ ان بداية ظهور الرمز تجسدت في بيئة الفلاسفة والصوفية الذين ارادوا لأفكارهم ان تكون مؤثرة وقوية ، حيث لايكتمل ذلك الا بتجسيدها برموز متحركة حية وناطقة ، لذا كا ن " الطير " ابرزها ، وتعد " جماعة اخوان الصفاء وخلان الوفاء " التي عرفت في القرن الرابع الهحري ابرز من استعمل الطير كرمز ، ويذهب الى ذلك التوظيف الرمزي ايضا كل من : ابن سينا في " رسالة الطير " التي اشار فيها الى " الورقاء " ، كذلك ذهب الى ذلك " ابو حامد الغزالي " في استخدامه الى "العنقاء " ، وظهر استخدام هذا الرمز في قصة " حي بن يقظان لأبن طفيل " الذي وظف فيه "الغراب " وتسيد الطير كمدلول رمزي عند " السهروردي " فقد سمى انواع من الطيور التي اتى بها في حكايته رموزا لأفكاره ، وتاتي الحمامة في التراث العربي بأجمل الشعر والنثر من قبيل "الحمامة المطوقة" في كليلة ودمنة إلى "طوق الحمامة" لأبن حزم الأندلسي وصولاً إلى الأغاني والزجليات العامية. بل تعدى أمر الحمامة والغراب حدود ثقافتنا ومورثاتنا الشعبية ونتلمسها في ثقافات الشعوب، الأمر الذي يعود لرموز عميقة وقديمة في النفس الإنسانية وذاكرتها ، لذلك اقترنت الحمامة برمز السلام ، وبذلك تاتي حمامة " محمود درويش "كرمز لسلامه المنشود: يطير الحمام يحط الحمام اعدي لي الارض كي استريح فاني احبك حتى التعب. . . صباحك فاكهة للاغاني وهذا المساء ذهب فيما عد " الغراب " من اكثر الطيور ورودا في ا لقصائد حيث حمله الشعراء دلالات مختلفة كرمز للشؤم او الموت او الفراق ، كما يجسد المعنى " عمر بن ابي ربيعة " في نعيق الغراب الذي ترتجف منه القلوب : نعق الغراب، ودق عظم جناحيه وذرت به الارواح حرالسمهج نعق الغراب ببين ذات الدملج ليت الغراب ببينها لم يزعـــج والشاعر " بدر شاكر السياب" يستخدم هذا الطائررامزا به الى الموت الذي يتوعد الظالمين الغزاة به : انا ما تشاء : أنا الحقيرْ صبّاغ أحذية الغزاة ، وبائع الدم والضمير للظالمين . أنا الغراب يقتات من جثث الفراخ . أنا الدمار ، أنا الخراب وهكذا ظل الشعراء يلبسون الحمامة بهاء وحلية السلام ،فيما ظل الغراب المسكين حمالا للبؤس والشؤم والخراب ، ولكن الشعراء لم يتذكروا ان الغراب كان معلم الانسان الاول بعد ان علمهم كيف يحترم الانسان جثمان اخيه ، بعد اولى الجرائم في تاريخ البشرية ! ويبقى استخدام الرمز والاسطورة احدى الانجازات المهمة في القصيدة الحديثة ، وهي كفيلة بان تبعث الحياة فيها بدلا من ان تكون هيكل عظمي لجثة هامدة.

 || الطيور ودلالتها الرمزية في الشعر ||
بداية
الصفحة