الجامعات العربية وسوق العولمة الدولية
ط·آ·ط¢آ¢ط·آ·ط¢آ®ط·آ·ط¢آ±
ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ·ط¢آµط·آ¸ط¸آ¾ط·آ·ط¢آ­ط·آ·ط¢آ©
MR-YAHIA71DZ13

  • ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ·ط¢آ´ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¢آ±ط·آ¸ط¦â€™ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¹آ¾:
    140104
مشرف مطبوعات وصحافة وإعلام
مشرف شؤون تعليمية
مشرف التنمية البشرية
مشرف السياسة العربية والعالمية
MR-YAHIA71DZ13

مشرف مطبوعات وصحافة وإعلام
مشرف شؤون تعليمية
مشرف التنمية البشرية
مشرف السياسة العربية والعالمية
ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ·ط¢آ´ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¢آ±ط·آ¸ط¦â€™ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¹آ¾: 140104
ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ·ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ¯ط·آ¸أ¢â‚¬â€چ ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ·ط¢آ´ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¢آ±ط·آ¸ط¦â€™ط·آ·ط¢آ§ط·آ·ط¹آ¾ ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ¸ط«â€ ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ·ط¢آ§: 22
ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ·ط¢آ£ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ¸أ¢â‚¬آ ط·آ·ط¢آ° ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ·ط¢آ¥ط·آ¸أ¢â‚¬آ ط·آ·ط¢آ¶ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬آ¦: 6369
  • 15:54 - 2011/09/29
الجامعات العربية وسوق العولمة الدولية
 
* بوحنية قوي
تتجه الدراسات المعنية بجودة التعليم العالي إلى ضبط مؤشرات قياس الأداء التعليمي في ظل تأثيرات العولمة بأبعادها التعليمية. ولذا تلقي العولمة العلمية بآثارها بشكل يساهم بشكل واضح في فتح الجامعة على السوق الدولية بل وتدويل التعليم بشكل عام.
هذه الورقة تحاول مقاربة أهم مؤشرات تأثير العولمة التعليمية على قطاع التعليم العالي في العالم بشكل عام وفي الدول العربية بالخصوص.
إن قطاع التعليم العالي في وطننا يشهد تطورا ملحوظا إذ يسبح في سوق العولمة التعليمية أكثر من 500 جامعة في الدول العربية وأكثر من مائة ألف مؤسسة استشارية ومئات المراكز البحثية والمخابر العلمية خارج الجامعات. غير أن الملمح الهام في هذا الحراك هو عدم وجود متميز لجامعة حضارية عربية أي تلك الجامعة التي تنتج المعرفة ولا تعتاش على ما ينتج من معارف ومقاربات تطرحها الجامعات الغربية؛ بل وتشارك بعناية في دعم عملية الابتكار والإبداع وتطوير المعارف العالمية في ظل اقتصاد قائم على المعرفة.
- في أبعاد العولمة العلمية والثقافية
في عصر العولمة الحالي أصبح الإنسان سابحا في محيط من التكنولوجيا التي تحيط به من كل جانب وفي كل مرفق من مرافق حياته، لقد أمدته بإمكانات هائلة في الصناعة والزراعة والتعليم والبحث والهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية وصناعة المعلومات والاتصالات ودراسة المخ البشري، وقد أصبحت التكنولوجيا الجديدة هي مفتاح القدرة التنافسية، وباختصار أصبحت الميزة التنافسية لأي دولة هي المعرفة. وتم دمج معيار جديد بدلا من الدخل القومي (GDP Gross Domestic Product) أو الدخل القومي الإجمالي (Gross National Product)، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الرصيد المعرفي القومي (National Information Reserve NIR) ، ومع ضرورة توافر أعداد متزايدة من المتميزين(1).
يمكن أن نلاحظ أهم مظاهر العولمة التقانية العلمية في ما يلي:
1. إن التطور العلمي الذي يحدث في إطار العولمة يتم بسرعة وبمعدلات متضاعفة، كنتيجة لثورة الاتصالات وسرعة نقل الخبرة التكنولوجية مما يساعد على إحداث قفزات نوعية لعملية التصنيع، والتطبيق التكنولوجي، ويتضح هذا التسارع العلمي في تضييق الفترة الزمنية بين الاختراع والتطبيق، حيث استغرقت الصورة الفوتوغرافية 112 سنة ثم استغرقت 56 سنة للهاتف، 35 سنة للمذياع، 12 سنة للتلفيزيون، 05 سنوات لأجهزة الترانزستور، 03 سنوات للدوائر المتكاملة، وسنة واحدة لأشعة الليزر، وأخيرا تطبيق الغيمتوثانية في إنتاج آلة تصوير للتفاعل الجزيئي في الكيمياء.(2)
2. الاستخدام المتنامي لنظريات علمية جديدة مثل: فيزياء الكوانتا، أو نظرية الكوانتوم(3) اللاحتمية(4) التعقيدية، نظرية الانهيار أو الكوارث أو اللاخطية، والنظرية التفكيكية الهندسة اللاإقليدية، السبيرنتيقا، علوم الفضاء، البيوتكنولوجيا، الهندسة الوراثية.
3. تزايد حركة الفئات الطلابية(5)، والبحثية الجامعية عبر الحدود الدولية فمنذ ثلاثة عقود ما فتئ عدد الطلبة المسجلين في الخارج يتزايد: من 266 ألف في سنة 1962، إلى 636 ألف في سنة 1973 ليصل إلى930 ألف سنة 1990. ورغم أن وتيرة النمو تراجعت كثيرا من فترة إلى أخرى خاصة بعد فتح جامعات حديثة في بلدان الجنوب وفتح فروع لجامعات غربية فيها.
4. احتفاظ الولايات المتحدة بأفضلية وامتياز لكونها البلد الأكبر استقبالا للطلبة الأجانب في العالم، إذ أن معظمهم يأتون إليها من أمريكا اللاتينية ويأتي نصفهم تقريبا من آسيا، مع قيام أمريكا بدور كبير في السياسة الجامعية لكندا، والمكسيك، واليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، كما تتوسع بسرعة في أوروبا الوسطى لتواجه التوسع الناهض للألمان خاصة في براغ وبودابيست. إن حوالي 85% من طلبة قارة آسيا الدارسين بالخارج يتوجهون نحو أمريكا، والطلبة الصينيون يشكلون 20% من جميع الطلبة الأجانب في أمريكا بينما تستقبل فرنسا 13% من الطلبة الأجانب. ويأتي الطلبة المغاربة في الخارج في المرتبة الثانية بـ60 ألف بعد الصينيين والتايوانيين البالغين 80 ألف.
5. الشروع في إصلاح التعليم العالي الحالي في معظم الدول خاصة المتقدمة منها ويتجه ذلك الإصلاح نحو، استخدام واسع للتكنولوجيات الاتصالية والإعلامية والشبكات المعلوماتية للتعليم والتكوين عن بعد، مع الخصخصة المتنامية لقطاع التعليم والبحث العلمي مما يقلب رأسا على عقب قواعد المنظومات التعليمية في العالم، وظهور أنظمة تعليمية عابرة للحدود، فظاهرة الهجرة الطلابية والبحثية الدولية عبر الشبكات تتزايد بتدفق الأشخاص والآليات والمعلومات، مهيكلة في شكل عُقد مكثفة للحركة، وبذلك تلتحق بالشبكة التجارية، الشبكة العلمية بفضل التحولات التكنولوجية(6).
6. تنامي حركة تدويل التعليم العالي والشروع في البحث الدقيق في ميادين الجزيئات والطاقة العليا وعلوم الفضاء والهندسة الوراثية باستقطاب مئات الفيزيائيين والعلميين من مختلف الجنسيات عبر تحالفات جامعية علمية عابرة للقوميات متمحورة حول مشاريع بحثية عملاقة مكلفة جدا مثل (المشروع الأمريكي - الأوروبي - الياباني لفك رموز الجينوم البشري) ومشكلة تكتلات وأقطاب جهوية لتداول المعلومات والمعطيات العلمية السوداء والرمادية وترقية البحث العلمي في قطاعات حيوية جدا وتنسيق المناهج والمقررات. وتقوم منظمة اليونسكو ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) والاتحاد الأوروبي بدور بارز في هذه الحركة(7).
7. -تزايد الاهتمام بحقول علوم التنظيم والتسيير والاستشارات الإدارية، حيث أصبح ينظر للعلوم الإدارية، على أنها الأداة التي من خلالها يمكن لكافة المؤسسات استيعاب التطورات العالمية والمحلية بحيث تصاعدت أعداد الملتحقين بدورات التعليم الإداري، هذا الأخير أصبح بمثابة "الأداة الرئيسية" لنقل واستيعاب التغيير في متطلبات التطوير والتنمية، هذا إلى جانب تغيير وتطوير مفاهيم الوظائف الإدارية، من أجل التفاعل الإيجابي مع هذه المتغيرات(8). لقد عززت العولمة دور الإدارة وبرز ذلك فيما يلي:
1. ظهور منظمات إدارية دولية متعددة الأنشطة مثل البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية، الشركات الدولية عابرة الحدود في مجال التعليم، وأسواق المال الدولية والبورصات الدولية للسلع والخدمات.
2. عولمة إدارة العمليات السياسية الدولية، والتي تمثلت في المحاكم الدولية وأنماط التفاوض الدولي(9).
8 - إعادة النظر في مناهج ونظم التعليم الإداري، إلى جانب إدخال مفاهيم جديدة لحقل الإدارة مثل التخطيط الاستراتيجي، وإدارة النظم والإدارة البيئية، وإدارة الخدمة المدنية، وإدارة الجودة الشاملة...الخ، وهي مفاهيم لم تكن محط أنظار واهتمام مدارس علماء الإدارة حتى فترة قصيرة سابقة. وعلى سبيل المثال تغير المفهوم التقليدي للتخطيط، حيث كان من المعتاد في ظل استقرار الأوضاع بالصورة التقليدية أن يطلب المستوى الأعلى من المستوى الأدنى ميزانية تفصيلية، ربما عن سنة مقسمة إلى أربعة فصول حتى يمكن أن ينسق بينها، ثم يقرها ويعيدها للتنفيذ، ويقوم بعد ذلك بمراقبة وتقويم الأداء(10). وبدا التخطيط الاستراتيجي كعلم إداري جديد يستطيع التفاعل مع التطور الحاصل في الاقتصاد، حيث أنه يضع أهدافا للمدى البعيد ويضع تفصيلاتها في شكل أهداف قريبة تراعي كافة الجوانب البيئية المحيطة كأساليب تنفيذ هذه الخطة. وأدى التشابك بين بيئة المنظمات الإدارية العالمية وإدارة المنظمات والهيئات السياسية إلى ضرورة إيجاد مناهج إدارية جديدة تتوافق مع هذه البيئات العالمية، أو ما يطلق عليه (عولمة العمليات الإدارية)(11). لقد أثرت صيرورة العولمة على مداخل ومناهج الإدارة من خلال: بروز ضرورة قصوى لإدخال برامج التعليم الإداري العالمي في الجامعات والكليات والمعاهد الإدارية.
9 - ضرورة إنشاء قاعدة بيانات للاقتصاد العالمي والبورصات السلعية، والقضاء على البيروقراطيات والقيود الحكومية أمام التفاعل العالمي والإقليمي بين مجموعات الدول. أهمية دراسة اللغات الأجنبية كمواد أساسية في كافة كليات الإدارة، وإدخال مقررات دراسية جديدة في كليات الإدارة تهتم بالأبعاد الثقافية المتباينة بين دول العالم(12). ومع تزايد حركية السلع والخدمات بما فيها الخدمات التعليمية، برز مفهوم المنافسة الإدارية التي تشمل بدورها العناصر التالية: المزايا النسبية، المزايا التنافسية، واستغلال الزمان والمكان استمرارية الابتكار والتجديد، التطوير والتمييز والتفوق التعليمي، وبروز طبقة من المدراء العالميين والمدربين المحترفين. وتقوم المنافسة الإدارية على عدد من المقومات من أهمها: ثقافة إدارية متطورة تركز على التجارب الناجحة، وعلى قيم وطنية واضحة وعلى الاحتراف الإداري، وعلى تعبئة مثالية للموارد الحالية والمستقبلية وعلى إنتاجية مرتفعة وعلى إدارة مثالية للوقت وإدارة الأزمات وعلى تخطيط استراتيجي وتدريب إداري(13).
لقد بدأ يطرح على ساحة المناقشات الدولية مفهوم التدويل "Internationalization" كصيغة أفضل من العولمة في مجال التعليم، وطرح مفهوم التكتل الإقليمي وهو إحدى الطرق التي تلقى اهتماما في الآونة الراهنة لمواجهة العولمة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والتقليل من تأثيراتها السلبية، وتجربة الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن جديدة بالاهتمام. لقد أدركت دول الاتحاد الأوروبي الأهمية الكبرى للتعاون الأكاديمي فيما بينها في هذه الاتجاهات، وذلك بتوقيع إعلان "بولونيا" 1999 "Déclaration de Bologne"، فوضعوا قواعد مكثفة، تهدف إلى إحداث تقارب بين قطاعات التعليم العالي في الدول المختلفة من أجل إقامة محيط أوروبي للتعليم العالي مع مراعاة أن هذا التقارب في القضايا المشتركة موضع الاهتمام، لا يلغي في الوقت نفسه التنوع والتعدد والثراء الموجود في مؤسسات التعليم العالي الأوروبية(14).
ويظهر الاتجاه العام خصوصا لدى المنظمات التعليمية الدولية، مثل منظمة اليونسكو وهو اتجاه نحو تأكيد أهمية التنوع الثقافي وضمان وصول البلدان النامية إلى الموارد التعليمية المتاحة في العالم أجمع (هذا ما أكده إعلان اليونسكو العالمي لسنة 2003)(15).
كما أن استراتيجية "اليونسكو" المتوسطة الأجل (2002/2007م) ركزت على التحديات التي تطرحها العولمة، حيث جاء فيها: يتمثل أحد التحديات الجديدة المطروحة في الوقت الحاضر في بناء توافق في الآراء على المستوى الدولي بشأن المعايير والمبادئ المستجدة المطلوبة لمواجهة التحديات والمعضلات الأخلاقية الناشئة نتيجة للعولمة. وإن الاستثمار التجاري المتزايد في مجالات عديدة كانت تعتبر سابقا من الخدمات العامة كالتعليم والثقافة والمعلومات أصبح يعرض للخطر أشد فئات المجتمع العالمي ضعفا وأقلها نفوذا من الناحية الاقتصادية، مع أنها لا تقل أهمية عن غيرها من الفئات، كما أن انتشار التجديدات التكنولوجية وأجهزة المراقبة القوية، بات يقتضي اعتماد مناهج جديدة لحماية حقوق الأفراد، وبوجه عام هناك حاجة للاتفاق على آليات مقبولة عالميا لضمان المشاركة في العولمة وإدارتها بصورة عادلة، ولكن لا يوجد حاليا سوى القليل من القواعد لضبط التعامل مع هذه المسألة، وما لم يتم تحديد إطار متفق عليه على الصعيد العالمي بهذا الشأن، فسوف يظل الفقراء وضعاف الحال محرومين من الانتفاع بفوائد العولمة، ومن ثمة يجب العمل على أن تعود العولمة بالنفع على الجميع(16).
ولغرض تحقيق تواصل بين الشمال والجنوب، قام منتدى اليونسكو "الترويج عن العولمة والتعليم العالي" والمنعقد في أوسلو في مايو /أيار 2003، بتعميق النقاش عن طريق منح فرص التعليم للبلدان النامية، ووضع التعليم العالي في قلب التنمية الاجتماعية المستدامة، والتشديد على مفهوم التجارة المنصفة والمناداة بتوفير تعليم عابر للحدود بما في ذلك التعليم العالي بمساعدة تكنولوجيات المعلومات والاتصال لتقوية القدرات الوطنية في التعليم العالي وليس لإضعافها(17)، وهو ما أكد عليه اجتماع المؤتمر العالمي لشركاء التعليم العالي (باريس يونيو/ حزيران 2003) والمتعلق أساسا بأوضاع هيئة التدريس وطرائق البحث العلمي ومشكل الشهادات(18).
إن ما يميز أنشطة التعليم العالي التي تصنف ضمن فكر التدويل عن الأنشطة التي تصنف ضمن فكر العولمة، ليس اختلاف طبيعة الأنشطة ذاتها، بل الدوافع والمنافع المتوقعة منها.
إن التدويل في مجال التعليم العالي يرتبط بمبادئ أساسية، مثل التنوع والتعاون الدولي والتضامن بين المؤسسات وإقامة شبكات المعلومات، والمشاركة العالمية والتبادل المعرفي، على أسس من النفع المتبادل، أما العولمة فإنها تتبنى مبادئ مماثلة ولكن في إطار أشد خطورة مثل الاندماج والتجانس والتنميط(19).
من كل ما سبق يمكن القول إن السياسات العالمية، خصوصا الجناح الأوروبي منها، أصبحت في الآونة الأخيرة تنادي بعولمة أكثر إنصافا يتم فيها جني الثمار بأكثر قدر ممكن والتخفيف من آثارها السلبية والعمل بشكل متكامل للعمل على إيجاد جسور للتواصل، يتم من خلالها التعاون التكاملي للمحافظة على البيئة، وتسهيل انتشار المعرفة، والتخفيف من الفجوة الرقمية بين عالم الشمال والجنوب، بمعنى آخر إيجاد نوع من التوازن في آليات ومكونات العولمة ذاتها.
وهذا ما تؤكده المنتديات العالمية، مثل المنتدى الدولي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والذي عقد بفرنسا – باريس أيام 22-23 مايو /أيار 2006، والذي حمل شعار "توازن العولمة(20)،Balancing Clogalisation، ويتوقع أن تتزايد الجهود الدولية والإقليمية في هذا الاتجاه لإعطاء المعرفة والتعليم المكانة اللائقة في مجتمع قائم على الاقتصاد. وبعيدا عن التعاطي الابستمولوجي أو الإجرائي مع ظاهرة العولمة سواء من ناحية كونها تتضمن معاني محورية أو من ناحية كون العولمة فضاء تسبح فيه الكيانات وتحاول تحقيق هوامش للتحرك ونقاط للإفادة من مخرجاتها التقنية والاقتصادية فإن هناك دعوات عقلانية تركز على مفاهيم المركز المتمثل في الغرب المهيمن والمسيطر والأطراف المتمثلة في عالم الجنوب، (21).
- تأثيرات العولمة على موارد وقطاع التعليم العالي في العالم والدول العربية
قامت اليابان بوضع عدة عوائق قانونية حمائية لثقافتها و"تربيتها" للحيلولة دون الانعكاسات السلبية المتوقعة من تحرير قطاع الخدمات، بينما يجري تمرير هذا التوجه التفكيكي والتسليعي إلى قطاع التربية والتعليم في البلدان النامية خاصة الخاضعة لبرامج التعديل الهيكلي وما يسمى بالإصلاحات الليبيرالية التي تضفى على الاقتصاديات المدينة أو المتحولة من الاشتراكية.
يتعرض النسق التعليمي بكل مكوناته، مدخلات ومخرجات، ابتداء من السياسات التعليمية الحكومية وصولا إلى أداء الأسرة التعليمية من أساتذة وطلبة وإداريين، لتأثيرات ديناميكية العولمة وعمليات تدويل التعليم العالي والبحث العلمي.
1. التأثيرات والانعكاسات الدولية: ومن تلك الانعكاسات نذكر ما يلي:
الانعكاس الأول: الاتجاه نحو تطبيق المعايير الاقتصادية على الأنظمة التعليمية: بما أن التعليم مشروع اقتصادي وليس فقط مشروع تنمويا بيداغوجيا، أو علميا إداريا وثقافيا، كما أن مدخلاته ومخرجاته شديدة الارتباط بعالم السوق التي أضحت متعولمة؛ فإن عولمة منطق السوق بالصيغة النيوليبيرالية منذ أواسط السبعينيات على سائر القطاعات الاجتماعية منها التربية والتعليم، أضحى الاتجاه الضاغط الذي تفرضه القوى الدولية ابتداء من مؤسسات "بريتن وودز" إلى المنظمة العالمية للتجارة. ذلك أن الكل الاقتصادي الذي انتصر على دولة الرفاه الاجتماعية والنموذج الكينيزي والتدخلي الاشتراكي للدولة في علاقتها بالسوق، ومنه ما يجري من تفكيك للضوابط القانونية التي كان هذا الاتجاه ما يفتأ يدخل إلى المنظومة التعليمية مفاهيم طالما اعتبرت من أدوات التحليل الاقتصادي: كالمنافسة وكفاءة الأداء وتعظيم العائد وزيادة المردودية وتأكيد الربحية والإبداع والابتكارية وغيرها من المفاهيم المرتبطة باقتصاد المؤسسة الإنتاجية، التي طالما كانت وطنية التمويل والعمالة والأصول، فتحولت مع ثورة الاتصالات والتغيرات في نمط تنظيم الإنتاج والتسويق إلى مؤسسة تتحرك في سوق كوكبية الحدود، خصوصا مع عمليات الأقلمة والعولمة الجارية للمبادلات والمعاملات ومع تزايد ظهور التجمعات الإقليمية وتطور مسار تحرير التجارة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية مع الجولات الثماني للاتفاقية العامة للتجارة والتعريفة الجمركية التي توجت بتأسيس المنظمة العالمية للتجارة.
ففي سنة 1994 وقعت أول اتفاقية عامة لتجارة الخدمات /General Agreement For Trade and Services(GATS/AGCS)، على اعتبار أن حوالي ثلثي الأنشطة الاقتصادية في الاقتصاديات الصناعية تندرج ضمن قطاع الخدمات، وفيه أدرجت خدمات التعليم والتربية والتكوين والتدريب بكل أنواعها ومستوياتها، مع أن خدمة التعليم والتربية ذات أبعاد لامادية: ثقافية، اجتماعية سياسية، حضارية أيضا(22).
وقد أخذ مصممو الاتفاقية المبدئين الكبيرين اللذين كانا أساسا لاتفاقية "الغات" والمتعلقين بتجارة البضائع، وعمموهما على تجارة الخدمات، وهما: مبدأ الدولة الأولى بالرعاية ومبدأ المعاملة الوطنية. إن الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات تقنن لعملية تحرير تجارة الخدمات بشكل لا يقبل التراجع خلال مفاوضات دورية.
ولأن هذه الاتفاقية من خلال التعريف الإجرائي الذي تتبناه لمصطلح الخدمات تستبعد من قائمتها الخدمات الموضوعة تحت تصرف الإدارة الحكومية، وتلك التي لا تكتسي طابعا تجاريا (المادة 1-3 من الاتفاقية)، مما يوحي لأول وهلة بأن خدمات التربية ليست متضمنة فيها، إلا أن الواقع غير ذلك، فالمنظومة التربوية لا يمكنها أن تستجيب لهذه المعايير، طالما أنه لا توجد ضمن أفق تجاري أي منظومة تربوية تمول وتدار كليا من طرف الدولة.
إن معظم النظم التربوية تدخل ضمن المجال الذي تعنيه الاتفاقية، ومعظم الدول لديها نظم تربوية خليط يتعايش بداخلها التعليم الخاص والعمومي جنبا إلى جنب بنسب متفاوتة، لذلك فقد أصبح خضوع قطاع التربية لقواعد اتفاقية تحرير قطاع الخدمات أمرا يلتزم به حوالي ثلث الدول الأعضاء، وقد قبلت بإدراج قطاع التربية ضمن قطاع الخدمات، فقاعدة (الالتزام الصمت /Standstill) تنص على أنه بمجرد أن يلتزم بلد ما التزاما معينا، فلن يكون بمقدوره أن يفرض قيودا جديدة على الممولين الأجانب للخدمات، إلا أن يعوض البلدان المتضررة من تلك الإجراءات الحمائية، ولذلك نجد أنه لا توجد أي دولة فتحت قطاع التربية للمنافسة الحرة بلا قيود، نظرا للمخاوف التي تبديها إزاء الانعكاسات الثقافية والاجتماعية لفتح هذا القطاع الحساس، خاصة وأنه يتوقع عملا بقاعدة "التراجع عن التغييرات" (Rollback) أن تفتح البلدان الأعضاء أسواقها تدريجيا، لذلك نجد فرنسا قد أصرت على اعتماد قاعدة "الاستثناء الثقافي" الشهيرة. كما أن اليابان قامت بوضع عدة عوائق قانونية حمائية لثقافتها و"تربيتها" للحيلولة دون الانعكاسات السلبية المتوقعة من تحرير قطاع الخدمات، بينما يجري تمرير هذا التوجه التفكيكي والتسليعي إلى قطاع التربية والتعليم في البلدان النامية خاصة الخاضعة لبرامج التعديل الهيكلي وما يسمى بالإصلاحات الليبيرالية التي تضفى على الاقتصاديات المدينة أو المتحولة من الاشتراكية.
إن المحاذير المختلفة التي أشير إليها والتي تنجم من آثار تطبيق "الغات" تهدد الكيانات التعليمية والبنى الثقافية الهشة للدول النامية، وأمام تردي الأوضاع الاجتماعية والمادية لأعضاء هيئة التدريس يترك المستقبل مفتوحا أمام سيناريوهات لا يمكن التنبؤ بها، ففي رأيي قد تحدث حركات نزوح داخل الدولة الواحدة، بمعنى قد يقدم عضو هيئة التدريس في جامعة حكومية استقالته ليمارس التدريس داخل دولته، ولكن في جامعة أمريكية أو ألمانية، ويتقاضى راتبا يفوق راتبه بأكثر من 10 مرات، ثم أن ذلك لن يكلفه هموم الهجرة وآلام الغربة!!
لأجل ذلك نادت الكثير من الدول بضرورة إعادة النظر وإيجاد آليات محكمة لضبط وسائل التعاطي مع هذه الاتفاقية بما يحقق لهذه الدولة اقتناص الفرص الإيجابية وعدم القضاء على بناها التعليمية الجامعية(23).
من هنا يسعى المقاولون من أرباب الشركات الكبرى الخاصة خاصة في البلدان الصناعية، لتعميم عملية تفكيك الضوابط و"التسليع" على قطاع التعليم، فنجدهم يعززون موقفهم بالاستناد إلى رؤيتين(24):
- الرؤية الأولى، يعبر هنا أرباب المؤسسات الموظِّفة، الذين يعتبرون أن نظاما تربويا محررا من رقابة الدولة، ومقسما إلى هويات مستقلة بذاتها ومتنافسة، يمكنه بشكل أفضل أن يتكيف - تلقائيا وبسرعة- مع التطلعات المتغيرة للأوساط الاقتصادية ومع التحولات التكنولوجية المتعاقبة.
- الرؤية الثانية، تستند إلى أن التخلي عن القطاع الخدماتي التعليمي العمومي، وستفتح تلقائيا آفاق أسواق جديدة ومربحة(25).
الانعكاس الثاني: الاتجاه نحو خصخصة التعليم:
ومن انعكاسات العولمة النيوليبيرالية على قطاع التعليم عبر العالم تزايد الأخذ بالخصخصة في خدمات التعليم والتكوين ضمن صيرورة تفكيك الدولة المتدخلة، صيرورة مدعومة بعاملين أساسيين هما:
انتشار وتعميم استخدام التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصالات (NTIC) ضمن ما يسمى بسياسات إقامة البنيات التحتية لمجتمع المعلومات التي تدخل أصلا ضمن الرهانات الاستثمارية لشركات المعلوماتية الكبرى (برامج، وعتاد، وأجهزة اتصال رقمية، وشبكات أنترانت، وإنترنت وأقراص مدمجة، ومحاضرات عن بعد، وجامعات افتراضية... الخ).
القيود المتعلقة بإدارة الميزانيات الحكومية، خاصة في البلدان الخاضعة لبرامج إعادة الجدولة لديونها الخارجية وبرامج التعديل الهيكلي في البلدان النامية، أو في بعض البلدان المتقدمة لكنهت تعاني من استمرار النمو بمعدلات ضعيفة.
بالإضافة إلى ذلك يوجد تزايد في اللجوء إلى صيغ جديدة لتمويل التعليم مثل: الرعاية المالية، ونظام القروض الطلابية، وعقود التوأمة بين الجامعات المحلية والأجنبية، والتكوين حسب الطلب، والتخفيضات الضريبية، والدعم المالي الحكومي المباشر للقطاع الخاص التعليمي والبحثي من أجل التنمية...الخ.
أما "سوق التعليم" فتنقسم إلى خمسة أصناف: سوق التعليم ما قبل المدرسي والابتدائي، سوق التعليم المتوسط، سوق التعليم الثانوي، سوق التعليم العالي، سوق الخدمات المرتبطة بقطاع التعليم كالمطاعم والنقل والمطبوعات والكتب والصحة التعليمية والتجهيز... الخ. وهي الأكثر تعرضا لهجوم موجة الخصخصة(26).
ومن أشكال خصخصة التعليم:
1. ظهور وانتشار المدارس والجامعات الخاصة بسرعة كبيرة بتمويل من شركات خاصة وبإشراف بسيط للحكومات.
2. تحميل الطلاب التكلفة الكاملة للتعليم العام أو جزءا منها في صورة رسوم وضرائب.
3. تطبيق نمط الخصخصة من داخل النظام الحكومي، باعتماد بعض وزارات التعليم نظاما مزدوجا يحتوى مدارس وكليات نوعية وامتيازا، فتتلقى جميع ميزانياتها من الحكومة، إلا أنها لا تفتح أبوابها إلا لنوعية خاصة من الأفراد مقابل دفع رسوم بسيطة نسبيا.
4. تطبيق نظام القروض الطلابية، حيث يقوم أحد البنوك الخاصة أو العامة، الوطنية أو الأجنبية، بإقراض الطالب تكلفة دراسته، ثم يقوم البنك باستردادها بعد تخرج الطالب بفوائد محددة(27).
ورغم أن نمط تمويل التعليم يظل حكوميا في معظمه في معظم دول العالم، حتى في الدول الصناعية الثلاثين الأعضاء في منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية خاصة في التعليمين الابتدائي والثانوي، وذلك بنسب تتراوح ما بين 55 إلى 91%، مع ملاحظة تزايد نصيب القطاع الخاص من تمويل ميزانية التعليم في جميع مستوياته، خاصة في التعليم الجامعي، علما بأن قطاع التعليم يعتبر سوقا مغرية فعلا بما تجيشه الأسر والحكومات والشركات من موارد مالية تصل مئات الملايير من الدولارات سنويا. ومنه فإن حجم تجارة التعليم العالي تقدر حسب إحصائيات 1995م بأزيد من 27 مليار دولار، ويتوقع أنها تزيد حاليا عن 250 مليار دولار. حتى إن تجارة خدمات التعليم العالي في الولايات المتحدة مثلا تحتل مرتبة هامة ضمن الخدمات الخمس الكبرى المصدرة إلى الخارج والتي درت على خزينتها حوالي 7 ملايير دولار سنة 1996(28).
وهذه بعض التقنيات والصيغ الجديدة التي تتبناها بعض الدول لتمويل التعليم العالي:
- تكييف مساهمة الطلبة المالية حسب أهمية الاختصاصات المسجل فيها (نموذج الجامعات الأسترالية).
- حرية تحديد حقوق التمدرس من طرف هيئات التدريس. (نموذج التعليم الجامعي النيوزيلاندي).
- إخضاع نسب رسوم التمدرس لمستويات الدخل العائلي للطالب (النموذج الجامعي البريطاني).
- تقديم معونات للطلبة محددة لزمن معين (النموذج الجامعي الهولندي ).
- تقديم صيغ لتعويض تكاليف التعلم حسب مستوى الدخل (صيغ تلجأ إليها جامعات أسترالية، وهولندية، ونيوزيلاندية، وسويدية... الخ).
- تخفيضات ضريبية أو دعم غير مباشر لقطاع التعليم العالي الخاص، (نموذج الولايات المتحدة).
- تقديم حوافز لهيئات التدريس الأجنبية والطلبة الأجانب للالتحاق بالجامعات الخاصة والتنافس على استجلاب أكبر عدد منهم بالتركيز على طلبة البلدان الغنية الخليجية ودول جنوب شرق آسيا الصاعدة اقتصاديا(29).
الانعكاس الثالث: سعي التعليم الحكومي لأخذ مكان في الأسواق المندمجة
تسعى المنظومة التعليمية الحكومية خاصة العليا لافتكاك حصة من السوق العالمية للتعليم من خلال تطوير هياكلها ومضامين برامجها وخدماتها لتوفير ميزة تنافسية لمخرجات التعليم لتساهم بها في نموها وتقدمها وتنميتها الوطنية، فهذه وزارة التربية ووزارة الشؤون الخارجية بفرنسا تسعيان من خلال إنشاء وكالة تربية فرنسا/Edufrance، مع إدارات الجامعات الفرنسية والمدارس الكبرى المتخصصة من أجل ترقية عرض التعليم العالي الفرنسي في السوق العالمية للتعليم العالي.
بينما تقوم حكومات دول الاتحاد الأوروبي ودول الشراكة الأورومتوسطية، بتبني نظام الليسانس والماستر والدكتوراه/LMD الأنجلوساكسوني لتمكين طلبتها من المنافسة في سوق تعليمية بحثية متعولمة.
ومن خلال تقارير المنظمة العالمية للتجارة يتبين أن العديد من الدول تجري عملية استبدال التشريعات التنظيمية التفصيلية الناظمة لقطاع التعليم العالي بـ"قوانين- إطار" تحدد فقط الأهداف الكبرى التي ينبغي استهدافها، تاركة للمؤسسات التعليمية كامل الحرية لتختار وسائل بلوغها. فالدولة تمنحها استقلاليتها مقابل تخفيض الاعتمادات المالية التي اعتادت منحها إياها سابقا، بهدف حفزها على الدخول في السباق والتنافس لتحسين نوعية خدماتها، ومنه سعيها لاستكشاف فرص تسويق منتجاتها التعليمية في السوق الدولية، مع كل ما ينجر عنه من انعكاسات على اتساع الطبقية والفجوات التعليمية وتنميط الثقافة واللغة داخل الدول وبين أمم الشمال والجنوب(30).
إن هذا التوجه الحكومي الساعي إلى زيادة قدرة منظوماتها التعليمية التنافسية بقدر ما يزيد من الفرص التعليمية بإحداثه التكامل بين التعليمين الحكومي وغير الحكومي، الخاص الوطني والأجنبي، فإنه يكفل أيضا إضفاء معايير "الحوكمة" أو الحكم الراشد على هذا القطاع. كما أن هذا التوجه يراهن على إدخال المنظومات التعليمية المحلية ضمن ديناميكيات التنافس العالمي لكسر الجمود وحلقة البيروقراطية التعليمية وتخلف أساليب ووسائل التعليم والتكوين وتحديث الأطر والبنى الفكرية والمنهجية والتجهيزية المنظمة للنظم التعليمية الموروثة عن عصر المصنعي والزراعي وغير المتماشية مع متطلبات مجتمع المعلومات.
الانعكاس الرابع: العولمة وتغير المناخ الثقافي للسياسات التعليمية
تستند أطروحة التنمية من خلال المدخل التكنولوجي إلى المراهنة على أهمية التكنولوجيا في تغيير أساليب ونظم وفلسفة التعليم حيث تراهن على تأثير التغير التكنولوجي على عمليات الإدارة والتمويل والتدريس وصنع القرار والسياسات التعليمية وأساليب التوجيه داخل المنظومة وخارجها في سوق العمل المتحولة هي أيضا، حيث تتجه تكنولوجيات الاتصال والمعلوماتية والإعلام الرقمية المتجددة إلى إدخال المنظومات التعليمية في جميع دول العالم في مرحلة حضارية انتقالية تجريبية تنقلها من عصر إلى عصر معيدة تشكيل جميع الأنساق الاجتماعية تشكيل جديدا.
إن من أبرز آثار ثورة تكنولوجيا المعلومات على ثقافة التعليم، التراجع المتسارع لدور التلميذ التقليدي، وأساليب التعليم التلقينية، أي بداية نهاية التلميذ التابع والمنقاد إلى السلطة الفوقية للأستاذ والكتاب، وبدايات التخلص من حالة النمطية، والسكونية والطفيلية الحاجرة على ملكات تشغيل الدماغ والتفكير التحليلي النقدي فضلا عن التفكير المبادر الإبداعي.
كما تفرض شبكة الإنترنت على المتعلم المعاصر النظر بصورة تحليلية وتوليفية وشمولية إلى خريطة الفكر الإنساني، من خلال روابط منطقية ومنهجيات العرض ودقة التعبير أي وجود قدر من النظرة المتعددة الاختصاصات(31).
الانعكاس الخامس: العولمة وتغير العلاقة بين عالمي العمل والتعليم
إن المتأمل لعالم الشغل الموروث عن العصر الصناعي حيث تألق النموذج الفايولي والتايلوري لتنظيم وإدارة عالم الشغل وفق النمط التنظيمي الهرمي الذي يشابهه التدرج الهرمي للمستويات التعليمية والإدارة التعليمية، ووفق منطق الفصل الشديد بين العمل المنتج والعمل غير المنتج، وفق المنظور المادي لنظرية القيمة.
كما يجري التحول في عالم الاقتصاد من اقتصاد مصدر القيمة المضافة فيه هو عضلات الإنسان والموارد الطبيعية والمالية إلى اقتصاد يقوم بنسبة متزايد على مصدر قيمة لا مادي، أي معرفي، معلوماتي، ذهني، خيالي. مما يتطلب مرونة لدى الخريجين للتكيف مع أشكال ونظم ومهارات العمل.
فالعولمة لها علاقة بظهور مجتمع الخدمات مجتمع اقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات المجتمع ما بعد الصناعي أو الفائق التصنيع، الذي أحدث ويحدث قطيعة مع نظم ألفناها ومهن ومسارات ترقية تتميز بالاستقرار والرتابة، فالاختراعات تتسارع والتطوير في التقنيات يسير بخطوات حثيثة، مع تناقص كلفتها وإمكانيات تسويقها، وتحول للتقنية من تقنية نخبوية إلى تقنية جماهيرية.
إن تسارع ظهور أجيال التقنيات منذ عقدين يدفع إلى تسارع تغيير أساليب العمل والإدارة والتسويق والخدمات والتعلم، فقد ولى عهد المهن المتخصصة والمستقرة والدائمة كما أن قصر عمر السلع الجديدة وتقنياتها يؤدي إلى ظهور اختصاصات مهنية جديدة بعضها معروفة وبعضها متخيلة مما يتطلب مزيدا من الاستعداد وعدم الركون إلى المهن المستقرة التي ستدول دولتها؛ ومنه ضرورة إظهار العاملين قدرة على التغيير والتدريب لمتابعة المستجدات.
يتوقع أن يمر الإنسان المنتج مستقبلا فيما بين 4 إلى 6 تحولات مهنية خلال حياته المنتجة: الإنسان المنتج لن يكون كراكب القطار يبدأ من نقطة الانطلاق ويصل إلى خط النهاية عند سن التقاعد مارا بعدة محطات حياتية، بل سيتحول حاله إلى راكب ميترو يركب ثم ينزل بعدة محطات حتى يصل إلى التقاعد: القاعدة هي التبديل الدوري في الوظائف والأعمال والمناطق وليس استقرارها وبالتالي مرونة اكتساب المهارات الجديدة تصبح مفتاح إنسان المستقبل.
- زيادة مهن المعرفة الكثيفة ومهن الاختصاصات المتعددة
الأولى كمهن: مهندس المعلومات، مهندس الذكاء الاصطناعي، مهندس التقنيات الحيوية مهندس تقنيات الليزر أو التقنيات الطبية، مهندس الروبوتات، مهندس البيئة، مدراء خدمات المعلومات.
أما الثانية فتلك المهن التي تجمع بين التقنية والإدارة والاقتصاد والمال والاجتماع وعلوم السلوك والإعلام والسياسة مثل: مهن الاستراتيجيات المالية، استراتيجيات السوق بمتغيراتها المتزايدة العدد، والتفاعلات وتعقيداتها وصولا إلى تكوين الرؤى واتخاذ القرارات في عالم متفاعل الأسواق والمساهمين والمستهلكين.
إنها بيئة عمل تتميز بالتنافسية الشديدة، حرب المعايير الاجتماعية والاقتصادية والتأهيلية المستعرة والمتزايدة فيما يتعلق بنوعية وكلفة المنتجات والخدمات مع ما تتطلبه من تطوير مهارات تعليمية وخبرات مهنية، ومنه فقدان أعلى المهارات لفرص العمل بسبب تضخم أعداد الخبرات عالميا، وانفتاح أسواق العمالة، وانهيار الحدود الوطنية جمركيا، وهشاشة إجراءات حماية العمالة الوطنية.
لقد انتهى عهد الرعاية التي توفر الضمانات الوظيفية الدائمة والمداخيل المستقرة والتقديمات الاجتماعية والصحية والتربوية المغرية. فالشركات الكبرى أصبحت تستقطب عمالة متعددة الجنسيات بمختلف أشكال التعاقد عبر التوظيف الخارجي عبر عقود بالبريد الإلكتروني لإنجاز الأعمال إلكترونيا وتحويل أموال الأجور إلكترونيا أيضا بمعزل عن تدخل السلطات الحكومية.
إضافة إلى زوال بعض المهن الوسيطة كالتوزيع والتسويق والمبيعات التي أصبحت تتم عبر الإنترنت وسوق الإعلانات والمبيعات المباشرة دون الحاجة لوسطاء إنها سوق الاقتصاد الإلكتروني المنافسة للوسطاء(32).
و مع العولمة الجارية للأنشطة والأعمال واجتياح الثورة المعلوماتية يزداد التركيز على الموارد البشرية ذات المستويات والمهارات الفنية العالية لتلبية احتياجات الوظائف في مجال الخدمات وصناعة المعلومات والإنتاج كثيف المعرفة.
لقد أصبحت الميزة التنافسية النسبية لأي دولة-أمة تقاس بنسبة المعرفة من الناتج القومي الخام، كمعيار للتقدم ونجاح برامج التنموية، ومنه أصبحت منظومة التعليم خاصة مؤسسات التعليم العالي تخضع للمعايير المنتشرة في سوق العمل مثل الربحية والتنافسية والجودة، متخلية عن وظيفتها الأساسية المعهودة وهي التربية والتثقيف ونقل التراث وإعادة إنتاج الأنماط الاجتماعية السائدة(33).
- بعض مظاهر أزمات التعليم العالي في الوطن العربي
إن الأزمة في مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي (أزمة مركبة) ومتعددة الأوجه والأبعاد، ويتجلى ذلك من خلال:
أ. أزمة قيمية حضارية:
فلحد الآن لا تزال جامعتنا هياكل بيروقراطية تتميز بالتوسع الكمي الذي لا يمثل قيمة مضافة، وهي أدوات إدارية مستنسخة عن هياكل غربية تم إسقاطها دون إحداث عملية تبيئة حقيقية.
بهذا الصدد هناك من يرى أن الجامعة العربية هي استعارة ثقافية من الغرب، وقد صيغت على غرار جامعات الغرب بدءا من المناهج الدراسية وطرائق البحث والتدريس وانتهاء بالطيلسان (الروب) والوشاح، ومن ههنا كان أحد مصادر الأزمات المزمنة في الحياة الجامعية مطالبتها بتكييف نفسها للخصائص الثقافية الموروثة في المجتمع ويبدو أن الطرق تتفرق بجامعتنا المعاصرة بين الثقافتين، أو إلى الثنائية الثقافية المزمعة للذات والمغبشة للرؤية والمضللة عن معرفة الطريق الصحيح، وإذا كانت الجامعة الغربية التي استعير نمطها، فهل سيكون في مستطاع الجامعة العربية المنسوخة عن نمط الجامعة الغربية أن تحرر ذاتها هي الأخرى، فتنتهج نهج الثقافة الثالثة؟ أم أنها ستقتنع بالاستعارة الناقصة وتتوقف حيث تبارح الجامعة الغربية إلى الأفق الأرحب(34).
ب. أزمة في إنتاج المعرفة وتطوير رأس المال البشري
إن التعمق في قراءة أرقام الميزانيات المخصصة للبحث العلمي من قبل الحكومات المتعاقبة في دولنا العربية ينبئ عن اهتمام بالغ بهذا المجال، بحيث تصنف الدول العربية في أواخر التصنيفات العالمية، أي ضمن خانة النمو البشري المتوسط من حيث معدل الإنفاق على التربية والتعليم، وكذا فيما يخص نسبة الإنفاق على التربية بالمقارنة مع نسب الإنفاق العسكري، لكن البحث العلمي يعاني من عدة عقبات سلبية أهمها:
1. عدم جدية البحوث المقدمة.
2. ضعف الإشراف والتأطير.
3. ضعف قنوات نشر البحوث العلمية.
4. عدم استجابة الجهات المعنية لنتائج البحوث المتوصل إليها.
5. شيوع وباء البيروقراطية داخل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وتسيرها وفقا لأهواء المنظمات النقابية المختلفة(35).
6. ضعف المخصصات المالية المرصودة للبحث العلمي.
7. انعدام الحماية بالنسبة للحقوق الفكرية.
8. تراجع دور الباحث في تدبير الشأن العام(36).
ج. أزمة تخطيطية استراتيجية
يعاني التعليم العالي من الغياب الحقيقي للمبادرات التخطيطية سواء على المدى المتوسط أو البعيد، وأغلب ما يطرح من مقاربات ورؤى وسياسات تعكس في واقع الأمر ردة فعل لواقع معين، فتبني المسار الدولي التعليمي (LMD)، جاء ردة فعل لعوامل دولية ضاغطة، وتحسين منظومة الأجور جاء نتيجة لضغوط الجبهة الاجتماعية الداخلية، وفتح تخصصات ومراكز جامعية في كل مدينة وولاية جاء بدعاوى العصرنة التعليمية وهو ما أثر على مستوى الجودة، في التعليمية المقدمة.
من هنا ينبغي رسم سياسات تعليمية حقيقية متوسطة وقصيرة المدى تراعي الاحتياجات التنموية الحقيقية للواقع العربي بشكل يستجيب لقوى السوق ويحافظ على مقومات المسؤولية الاجتماعية(37).
د. أزمة تقنية هيكلية تسييرية: وتتجلى أبعادها في ما يلي
- البعد التقني:
يظهر في عدم التوظيف الفعال لتقانة الإعلام والاتصال في مجالات تطوير وتدريب وتدريس وتنمية الموارد البشرية العاملة بالجامعات العربية ، إذ يلاحظ أن الكثير من المختبرات العلمية والوحدات البحثية تفتقد إلى أدنى الشروط التقنية (خط هاتفي مباشر، وتوفر خطوط الإنترنت داخل هذه المختبرات، ناهيك عن انعدام بعض المواد والأدوات الخاصة الداعمة للمختبرات التقنية(38).
- البعد الهيكلي:
يتجلى في عدم الانسجام بين الهياكل الجامعية المنتشرة بشكل لا يتوافق مع تعداد الطلبة وطبيعة التخصصات، وأنماط البنى المعتمدة في التصاميم التنظيمية المعتمدة في الجامعات العربية المجاورة، ناهيك عن الجامعات الغربية.
- البعد التسييري:
يظهر في انعدام وجود مقاربة فعالة متبناة من طرف صانعي السياسات التعليمية بما يتوافق مع إعداد أدلة تنظيمية للأداء الجامعي أو قوانين خاصة للأستاذ تستجيب مع المتغيرات الوطنية والتحديات العالمية.
إن دمقرطة الجامعة لا تتوقف على إصدار القوانين والتشريعات التي تضمن مشاركة أكبر لمختلف الأطراف في عملية اتخاذ القرار، ولكن تتطلب نوعية معينة من المسيرين في جميع الهياكل التنظيمية الجامعية.
وصفوة القول، وبناء على ما تقدم فإن الأمن القومي الفعلي بحسب المنظمات العصرية لا يمكن أن يتحقق إلا باندماج الجامعة في المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويشير الخبراء بأن المسألة الجوهرية ليست في مقدار ما ينفق من أموال بل في طرق توجيه الإنفاق وفي كيفية تدبير الأموال وفي تحديد الأولويات، وترشيد الإنفاق إلى جانب خلق موارد إضافية، لذلك حان الوقت لنتساءل عن كيفية صرف موارد التعليم وعن أسباب عدم المردودية وعن مواطن الخلل، وأن نتصدى للمثبطات وأهمها سوء التدبير وهدر الطاقات والوقت من دون احتساب المردودية، لقد حان الوقت لنتعلم أخلاقيات التعامل مع المال العام وبث روح المسؤولية والكف عن اعتباره مالا مباحا !
وبالمقابل ينبغي إعادة النظر في طرق تدبير الجامعة، وهذا يقتضي:
- هجر طرق التسيير التقليدية.
- تخليق الإدارة، ببث الأخلاقيات ومحاربة السلوكيات السلبية.
- دمقرطة تسيير الجامعات العربية بما يحقق الشفافية والنزاهة.
- تحقيق التواصل بين مختلف الأسلاك الجامعية ومع المحيط الخارجي.
- بث روح المنافسة الشريفة وقياس المردودية ومكافأة الجودة والتفوق.
- تحمل هيكلة التدريس مسؤولياتها إذا كان عدد ساعات التدريس محدودا، فالغاية هي ترك مجال البحث وإغناء العلم والفكر، لذلك فحوصلة التدريس باعتبارها حوصلة للتفاعل والتأثير، مطالبة بإعطاء المثال في تحمل مسؤولياتها البحثية وغيرها، وإن من حسن تدبير الجامعة أن تأخذ هذه المسألة في الاعتبار وتحمل كل مسؤوليته وإيجاد آليات لتنفيذ ذلك(39 ).
الخاتمة:
إن جامعتنا العربية المتزايدة كما في حاجة إلى أذكاء وإحداث تطور نوعي يواكب ذلك التزايد العددي بما يجعلها تجد لها مكانة مرموقة ولائقة في التصنيفات الدولية العلمية التي تتميز بالصدق العلمي والحياد الأكاديمي.
_______________
أستاذ الادارة والعلوم السياسية وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة ورقلة الجزائر
 الجامعات العربية وسوق العولمة الدولية
ط·آ·ط¢آ¨ط·آ·ط¢آ¯ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸ط¸آ¹ط·آ·ط¢آ©
ط·آ·ط¢آ§ط·آ¸أ¢â‚¬â€چط·آ·ط¢آµط·آ¸ط¸آ¾ط·آ·ط¢آ­ط·آ·ط¢آ©