[ مجموعة فيروز الديلمي تقتل الأسود العنسي الكذاب في صنعاء ]
بعد أن أسلم باذان أقرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم باذان واليا ً على اليمن وبقي كذلك إلى موته رحمه الله . وبعد وفاة باذان في صنعاء عيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه ( شَهْرَ ) واليا ً مكانه ! .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه يُعلمون أهل اليمن الإسلام ويفقهوهم في الدين وينظمون حياتهم ، منهم : معاذ بن جبل ، وأبو موسي الأشعري ، وخالد بن سعد بن القاص ، ويعلى بن أمية ، والطاهر بن أبي هالة رضي الله عنهم ..
*** وبعد حجة الوداع التي حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ظهر في اليمن دّجّال مشعوذ ، وادعى النبوة وزعم أنه نبي يوحى الله إليه ، وأنه أرسله نبيا ً إلى اليمن !..
الأسود العنسي الكذاب يحكم اليمن :
اسمه ( عبهله بن كعب بن يغوث ) ويلقب بالأسود العنسي لأنه كان أسود اللون ، وهو من قبيلة ( عنس ) التي هي بطن من بطون ( مذحج ) الكبيرة . كما كان يلقب بذي الخمار لأنه كان دائما ً معتما ً بعمامة ومتخمرا ًبخمار.
كان الأسود العنسي كاهنا ً يتعاطى السحر والكهانة والشعوذة . طمعت نفسه إلى الزعامة والقيادة , وفكر في الطريق التي تحقق لـه ذلك .. إنها دعوة النبوة .. ولكن لماذا دعوة النبوة ؟ لأنه أطلع على أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسباب استقرار الإسلام في جزيرة العرب وقدوم الوفود من مختلف مناطق الجزيرة للرسول صلى الله عليه وسلم مبايعين له .. ومن هنا جاءت له فكرة إدعاء النبوة .
ظهر الأسود العنسي في كهف خـُــبان وقدم نفسه لأهلها على أنه نبي فآمنوا به ثم آمنت قبيلة مدحج الكبيرة ثم توجه بجيشه إلى نجران فضمها إلى مُـلكه ثم مراد فضمها إلى ملكه وبقي أن يتوجه إلى صنعاء . ولما علم بذلك شّهْرَ جمع جيشا ً لقتاله ودارت معركة بين الجيشين انتهت بانتصار الأسود العنسي واستشهاد شهر بن باذان رحمه الله وهزيمة جيش المسلمين . وهكذا احتل الأسود العنسي صنعاء وجعلها عاصمة لـه وكان احتلاله لها بعد خمس وعشرين يوما ً من مخرجة واّدعائه النبوة ّ . وتزوج بامرأة شهر بن باذان وكانت امرأة فارسية مؤمنه صالحة وجميــلة اسمها آزاد وكانت تكرهه لأنه كافر كاهن مشعوذ وهي تؤمن بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله .
ولم يمض على خروج الأسود العنسي إلا بضعة أسابيع حتى تملك اليمن وحكمها وانتشرت دعوته انتشار النار في الهشيم وصار فتنه عظيمة للمسلمين .
تبعة على دعوته معظم أهل اليمن وآمنوا أنه رسول من عند الله !!!! وانحاز ولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن إلى حـــــــضـــــرمـــــــــــوت وغيرها ، كمعاذ بن جبل ، وأبي موسي الأشعري ، وغيرهم .
فتنة الأسود وسوار الذهب في رؤيا الرسول ::
واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر السود العنسي فهو أول رجل ادعى النبوة ... وبعد فترة وجيزة ظهر ( مسيلمة الكذاب ) في اليمامة وادعى النبوة وكان هذان الكذابان أخطر تهديد للإسلام والمسلمين وعمل رسول الله على القضاء عليهما .
وقد أراه الله عز وجل رؤيا في منامه ، ورؤياه حقٌ علية الصلاة والسلام .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينما أنا نائم في يَدَيّ سوارين من ذهب ، فأهمني شأنهما ، فأوحى إلى في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا ... فأولتهما كذابين يخرجان بعدي .. فكان أحدهما العنسي ، والأخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة ) .
وهذا معناه أن الخطرين اللذين يهددان المسلمين لن يؤثر عليهم طويلا ً وسرعان ما يزولان ويتلاشيان ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرسول يكتب إلى أهل اليمن للقضاء على الأسود ::::
وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي على فتنة العنسي في اليمن فكتب ( كـُـتـُبا ً ) إلى الولاة الذين بقوا على إسلامهم في صنعاء وغيرها يأمرهم فيها على التخلص من العنسي إما بغتياله , وأما بتجـيـيـش الجيش لقتاله ومصولته !
وكان بعض وجوه المسلمين في صنعاء قد تعاملوا مع الأسود العنسي بالتقية ، فأظهروا لـه موافقتهم له وإيمانهم به أنه نبي وكانوا في الحقيقة مؤمنين صالحين متبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم !
وفي مقدمة هؤلاء المؤمنين المستـَخـْــفـيـن بدينهم أبناء الفرس في صـنعاء ، وكان يطلـق ( الأبناء ) أي : أبناء الفرس .
وكان من قادة أبناء الفرس في صنعاء : فــــــــيــــــروز الــــــــــد يلمـــــــي وداذويه الديلمي وجشنش الديلمي والثلاثة كانوا من المسلمين الصالحين ، أظهروا للعنسي أنهم مصدقون له في دعوى النوة ولكنهم حافظوا على إسلامهم سرا ً .
ولذلك ابقى الأسود عليهم في صنعاء .
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
[ هنا تبدأ القصة ]
بعث رسول الله صلى لله عليه وسلم كتبة إلى أبناء الديلمي ووجوه المسلمين الآخرين مع ( وبر بن يُحـنس الأزدي ) .. وأتى بها ابن يحنس إلى صنعاء وسلمها على فيروز الديلمي وإلى الآخرين وتابع ابن يحـنس سيره ووجه باقي الكتب على معاذ بن جبل ومن معه .
تلقى معاذ بن جبل رضي الله عنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم للتنفيذ وصار يتصل بالمسلمين الثابتين في مختلف مناطق اليمن ونجران وحضرموت فوجدا أعدادا ً كثيرة منهم ما زالوا على إسلامهم وإيمانهم ، ولكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم بسبب قوة العنسي ولهذا اسـتخـْــفـوا بإسلامهم وصاروا ينتظرون الفرصة المناسبة للتخلص من العنسي ! ولما اتصل بهم معاذ بن جبل فرحوا ، واستبشروا بقرب التخلص من الطاغية وأبدوا لمعاذ استعدادهم لتنفيذ ما يأمرهم به .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيروز الديلمي يخطط للقضاء على العنسي ::::
وتلقى فيروز في صنعاء كتاب رسول الله صلى الله علية وسلم لـه بالعمل على التخلص من العنسي فصار يتصل بمن يثق به من المسلمين المستخْفين لهذه الغاية ، وكان في مقدمة من وافقوه على القيام بهذه العملية داذوية الديلمي ، وجشنش الديلمي .
وكان من كبار قادة العنسي رجل مُرادي من زعماء قبيلة مراد هو( قيس بن عبد يغوث ) المعروف باسم بن المكشوح المرادي وكان قائدا ً لجيش العنسي
وقد أساء له العنسي كثيرا ً مما جعله يتغير علية ويتمنى لو تخلص منه !
تولى ( فيروز الديلمي ) الاتصال سرا ً بالمسلمين الثابتين في صنعاء والحديث معهم حول كيفية التخلص الأسود العنسي الكذاب . واتصل فيروز بمعاذ وغيرة من أمراء ووجوه المسلمين .
واستعد معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يجهز جيشا ً لمحاربة الأسود في صنعاء
ولكن فيروز نصحه بتأخير هذا وأخبره أنه يُعد العدة للتخلص من الأسود باغتياله فأن نجحت الخطة فإنها ستريح المسلمين من مشقات المعارك !
[ وهنا تبدأ القصة الفعلية ]
وعلم فيروز بكراهية قيس بن مكشوح للأسود وأنه كاذب مُدع مجرم فوجد قيسا ً كارها ً لـه فعرض عليه العودة للإسلام والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه خاتم المرسلين فلبى الدعوة وعاد قيس للإسلام !
وعند ذلك أخبر فيروز قيسا ً بكتاب رسول الله صلى الله علية وسلم بوجوب العمل على التخلص من العنسي وعرض علية الاشتراك في التخطيط لذلك فوافق قيس على ذلك فورا ً وطلب منه أن يبقي الأمر سراً لئلا يشعر بذلك أحد ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيروز يشكل مجموعة مجاهدة للقضاء على الأسود ::::
شكل فيروز مجموعته المجاهدة لاغتيال الكذاب العنسي وكانت المجموعة مكونه من أربعة ( 4 ) : هو ، وداذوية ، وجشنش ، وقائد جيش الأسود العنسي (قيس بن عبد يغوث المرادي ) واتفق الأربعة على التخطيط سريا ً بحيث لا يعلم به أحد ....
[ الجن يُـخبر الأسود العنسي ]
وكان للأسود العنسي شيطان من الجن يخبره عن بعض الأمور ، والحوادث التي لا يعلم بها الأسود لكن الشيطان الجني يَعلم بها !!!
علم َ الشيطان الجنيُّ بما اتفق عليه المجاهدون الأربعة لأن الجن يعلمون الماضي ويعلمون الحاضر . ولكـنهم لا يعلمون المستقبل لأن المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله . سبحانه وتعالى .
وبما أن التحالف وثيق بين الشيطان والأسود العنسي فقد أخبره بما يجري بين المجاهدين الثلاثة وما يقومون به من تخطيط ضده !!
دعا الأسود قائد جيشه قيس بن مكشوح وأخبره أن الوحي جاءه واخبره بتآمر قيس مع الآخرين ضده ونصحه بأن يقتل قيسا ً لاتفاقه مع الأعداء .
فوجئ قيس بانكشاف أمره أمام الأسود وخشي أن يقتله كما خشي أن تنكشف الخطة لذلك عامل الأسود بالتقية وأظهر له متابعته وموافقته له .
حلف قيس بحياته وقال : وذي الخمار: لأنت أعظم في نفسي وأجل عندي من أن أُحدِّثَ بعمل شيء ضدَّك فظلا ً عن التآمر عليك !
انطلى الأمر على الأسود وصدق قيسا ً فيما أظهره لـه من الموالاة والتصديق وقال لـه : لقد صَدَّقك الملك الذي أخبرني عنك ، وعرف أنك تبت مما فعلته وأنا أصدقك واعفوا عنك ! خرج قيس من عند الأسود وذهب سرا ً إلى إخوانه المجاهدون الأربعة وأخبرهم بما قاله لـه الأسود وما رد به علية وعرف الأربعة أنهم في خطر وأنهم مستهدفون وما عليهم إلا أن يعجلوا باغتيال الأسود قبل أن يبطش بهم ! وبينما كان الأربعة مجتمعين علم الأسود باجتماعهم فأرسل رسوله يستدعيهم إلية ولما أقبلوا إليه هددهم بأنه سيقتلهم ومما قال لهم : لماذا تتآمرون على َّ ؟ ألم أقدمكم وأقربكم ألم أجعلكم رؤساء على قومكم ؟
قالوا : بلى !
قال : فماذا يبلغني عنكم ؟ ولماذا تتآمرون علىَّ !
فأعلنوا له الولاء والتصديق ونـفـوا أن يتآمرون عليه فصدقهم وعفا عنهم !
خرجوا من عنده وهم في غاية الحذر والإِِِشفاق ولذلك خشوا أن ينكشف أمرهم وأن لا يصدقهم الأسود في المرات القادمة لذلك قرروا أن يسارعوا ويعجلوا بالتخلص منه !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيروز يتفق مع امرأة الأسود للقضاء عليه ::::
وبعد تفكير طويل عرَف المجاهدون الأربعة أن أحسن طريقة للتخلص من الأسود الكذاب هي اغتياله ولتحقيق ذلك لابد من الاتفاق مع امرأته ( آزاد )
وهي المرأة المؤمنة التي كانت زوجة لـ ( شهر بن باذان ) فلما قتله الأسود تزوجها وكانت تكره الأسود لكفرة وجبروته وتتمنى التخلص منه !
كان بين ( آزاد ) وفيروز الديلمى قرابة فهي ابنة عمة وهي أخته من الرضاعة . بهذه القرابة والحرمة بين فيروز وآزاد ذهب إليها واجتمع بها سرا ً وتحدث معها بصراحة .
وقال لها : يا ابنة عمي لقد علمتي جرائم هذا الرجل الأسود فهو كافر كاذب .... (إلى أخر الحديث) . ثم قال لها : فهل تساعدينا وتعاونينا علية ؟
قالت له يا ابن عمي : أعاونكم على ماذا ؟ ماذا ستفعلون به ؟
قال لها : على إخراجه من صنعاء !
قالت إن إخراجه من صنعاء لا يكفي ، وأنا أعاونكم على قتله ! ووالله ما خلق الله من أحد ٍ هو أبغض إلى منه فهو كافر كاذب ....... ( إلى آخر الحديث )
التقى المجاهدون الأربعة مرة أخرى : ورسموا خطة العملية الجهادية .
واستدعى الأسود قائد الجيش قيس بن مكشوح مرة أخرى وأعاد علة القول بأنه يتآمر مع أعدائه علية وهدد مرة ثانية بالقتل .
فخاطبة قيس بعاطفة ليعفوا عنه، قال لـه : كيف أقتلك وأنا أومن أنك رسول الله ؟ وأنا جندي عندك ، فمرني بما تريد وأجوا أن لا تبقيني دائما ً في خوف وفزع وتهددُني دائما ًبالقتل فإن كنت تريد قتلى فاقتلني الآن وأرحني وموته واحدة أهون على من موتاتٍ كثيرة أمــوتها كل يوم !!
فرق لـه العنسي وعفا عنه .. وخرج قيس من عنه ومر على إخوانه المجاهدون وأخبرهم بما جر بينة وبين الأسود وحثهم على الإسراع في تنفيذ العملية التي اتفقوا عليها !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ مشهـد مُـفـزع ]
فيروز الديلمي يخدع الاسود ::::
وبعد ذلك بفترة قصيرة استدعى العنسي فيروز الديلمي ولما ذهب فيروز إلية وقف معه أمام مائة (100) بعير وبقرة كانت في حضيرتها فدخل عليها الأسود ونحرها بسيفه بطريقة وحشة وهمجية مرعبة أخافت فيروزا ً ..
وبعدما نحرها توجه بالسيف الذي يقطر دما ً نحو فيروز ، وقال لـه : أحقا ً ما بلغني عنك فيروز ؟ لماذا تتآمرون على وتريدون قتلي ؟ والله لقد هممت أن أقتلك بهذا السيف والحـقـك بهذا الأنعام !
أراد فيروز أن يعامله بالتقـية وأن يُـظهر لـه ولاءه وتأييده لـه ، حتى لا تفشل الخطة المرسومة للتخلص منه لأن الحرب خدعة .
طمأن فيروز الأسود قائلا ً : : لقد اخترتك لمصاهرتك ، و تزوجتَ ابنة عمي آزاد وفضلتنا على سائر الأبناء هنا من أهل فارس ، فلو لم تكن نبيا ًما بعنا نصيبنا منك بشيء ، فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الدنيا والآخرة ؟ فنرجو أن لا تسمع كلام أحدٍ عنا ، فنحن معك حيث تحب .
أظهر الأسود موافقته على كلام فيروز وقال لـه : خذ هذه الذبائح المئه ووزع لحمها على أهل صنعاء من أبناء الفرس وغيرهم .
وبعد أن وزع فيروز الذبائح وعاد مرَّ بجانب الأسود العنسي ، وهو يكلم أحد قادته ، فسمعه يقول للقائد : غدا ً سأقتل فيروز وأصحابه فتعال عندي غدا ً لتشهد قتلهم ..
سمع فيروز هذا الكلام وفوجي بما سمع وذهب مسرعا ً إلى إخوانه المجاهدون ، واجتمعت المجموعة المجاهدة وقررت اغتيال الأسود العنسي هذه الليلة قبل أن يأتي الغدُ ويقتلهم هو .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيروز الديلمي مع امرأة الأسود على تفاصيل العملية ::::
كان قائد المجموعة المجاهدة هو فيروز الديلمي نفسه وكان علية أن يتصل بامرأة الأسود المؤمنة آزاد فهي ابنة عمة وأخته من الرضاعة ليتـفق معها على خطة الاغتيال للعنسي !
التقى فيروز بآزاد سرا ً في البيت ، وأطلعها على الأمر فأخبرته بالحراسات المشددة على القصر وقالت لـه : الأسود مُتـَحرّز مُتـَحرّس وليس في القصر حجرة أو غرفة إلا والحراس عليها محيطون بها ولذلك دخولكم علية القصر من بابه غير ممكن ودخولكم الغرف والحجرات من أبوابها غير ممكن أيضا ً لأن الحراس سيمنعونكم أو يقتلونكم !
فقط البيت الذي ينام فيه الأسود يمكن الوصول إليه فهو داخل القصر صحيح ، والحراس على البيت صحيح ، لكن ظهرَ البيت إلى الطريق والطريق شبه مهجور وغير مطروق !!
ودلت آزاد أخاها على طريقة ٍ مضمونه لاغتيال العنسي وقالت لـه : ليس أمامكم إلا أن تنقضوا ظهر البيت وتنقبوه من الطريق غير المطروق ، ونقبـُه ُ سهلٌ يمكن أن يتم في جزء قليل من الليل وعند ذلك تدخلون علية من ( النقب ) الذي تـُحدثونه في ظهر البيت وتقتلونه وهو نائم ، وبذلك لا يعلم بكم الحراس على أبواب الغرف ! واتفقت آزاد مع فيروز على أن يتم ذلك في هذه الليلة وستكون هي في البيت ـ غرفة النوم ـ لتساعدهم في قتل زوجها الكافر الأسود العنسي .
وحتى تكون عملية النقب من الخارج ميسورة ، اتفقت آزاد وفيروز على أن يقتلعا بعض الأجزاء الداخلية للجدار من الداخل والتي تعتبر كالبطانة للجدار، فاقتلعاها ثم غطيا مكانها لئلا يشعر بذلك أحد .
وجلس فيروز عند آزاد قليلا ً قبيل خروجه وأثناء جلوسه عندها دخل الأسود فرآه جالسا ً فانتهره وأراد أن يقتله وأخذته الغيرة !!
فقالت آزاد للأسود : لا تعجل الغيرة تسيطر عليك إن فيروز ابن عمي وأخي في الرضاعة فبيني وبينه قرابة وحرمة ولقد جاءني زائراً !
فصاح الأسود العنسي في فيروز وأخرجه . لكن بعد أن تم الاتفاق مع امرأته آزاد على تفصيلات العملية الجهادية التي ستتم الليلة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجاهدون الأربعة ليلة التنفيذ ::::
خرج أمير المجموعة فيروز الديلمي إلى إخوانه ليخبرهم بتفاصيل العملية وتم الاتصال بالمأمونين المقربين من المؤمنين ليستعدوا للأحداث
القادمة ولمواجهة جيش الأسود بعد مصرعه !
[ هنا بدأ التنفيذ العملي للخطة ]
وبعدما حل الظلام توجه المجاهدون الأربعة إلى الطريق المهجور وقاموا بنقض جدار البيت من الخارج دون أن يشعر بهم أحد ! ونفذوا ذلك في وقت قصير . ودخل الأسود العنسي القصر ومر من بين الحراس الواقفين على باب القصر وعلى أبواب الغرف داخلة وذهب إلى بيته الخاص في القصر ـ غرفة نومه ـ وكانت امرأته في استقباله .
قدمت لـه طعام العشاء وبعدما تعشي وشرب الخمر حتى سَكــر ثم ذهب لفراشة لينام وما هي إلا لحظات حتى غط في نوم ٍ عميق أما امرأته فقد بقيت مستيقظة ، لأنها تنتظر تنفيذ حكم الله فيه !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيروز الديلمي يصرع الأسود العنسي منتصف الليل ::::
عند منتصف الليل دخل فيروز البيت فوجد المرأة آزاد مستيقظة تنتظر ونظر فوجد الأسود نائم في فراش من حرير وقد غرق رأسه في جسده ..
نظر إلية فوجده يغط غطيطا ً شديدا ً وفتح عينية فخاطب فيروز قائلا ً : مالي ولك يا فيروز ؟ فوجئ فيروز بذلك وخشي أن يصحو الأسود ويصيح ويستدعي الحرس على الباب ، وبذلك تفشل العملية ..
سارع فيروز بالهجوم على الأسود العنسي وهو نائم وضربة بالسيف وأخذ برأسه ودق عنقه ووضع ركبته في ظهره فدقة ـ وكان فيروز قويا ً شديدا ً ـ وصرعه ، وقام ليخرج من النقب حيث ينتظر إخوانه الثلاثة ! أمسكت آزاد بثوب فيروز وظنت أنه لم يقتله وأنه يريد أن يهرب فقالت لـه : أين تذهب وتتركني هنا ؟
قال لها أريد أن أدعو إخواني !!
دخل المجاهدون الأربعة الغرفة وأرادوا حز رأسه بالسيف فحركة الشيطان واضطرب فقال لهم أميرهم فيروز اجلسوا على صدره !
جلس اثنان على صدره وأخذ آخر بشعره وأمسك فيروز بالسيف ليقطع رأسه وصار الأسود يصيح فكتموا صوته وملؤوا فمه بالثياب ولما حز فيروز رأسه بالسيف خار كخوار الثور ، وصرخ بصوت عالٍ جدا ً وقطع فيروز رأسه !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ سخرية وضحك ]
امرأة الأسود تسخر بحراسة ( نبيكم يوحى إلية ) ::::
وسمع الحراس من جنوده الذين على الباب صياحه وأرادوا أن يدخلوا لإنقاذه وظنوه في خطر ولو دخلوا لقضوا على المجاهدين الأربعة فنادوا امرأته من وراء الباب : ما هذا ؟ ماهذا .؟
فتصرفت آزاد بحكمة وأجابتهم إجابة عجيبة كلها سخرية بهم وضحك عليهم : قالت إنه يوحى إلية !!!!!!!!!!!
أي : إن نبيكم يوحي إلية الآن والصوت الذي سمعتموه الآن هو صوت الوحي وإذا دخلتم أفسدتم الوحي ! فارجوا أن لا يدخل منكم أحد !
اطمأن الحراس على سلامة نبيهم الأسود العنسي ووقفوا على الباب يحرسونه وهو يتلقى الوحي !!
وما درى هؤلاء السذج أن الله أنفذ حكمة في هذا المدعي الكذاب ......
وأمضى المجاهدون الأربعة ليلتهم في بيت الأسود بعد هلاكه : فيروز ، وداذوية ، وجشنش ، وقيس بن مكشوح .
[ كيف يتصرفون بعد ذلك ]
لقد نجحت العملية الجهادية وقتل الله الكذاب وهاهو جثة أمامهم لكن كيف يتصرفون بعد ذلك؟ وكيف يقظون على حراس وجنود الأسود وكيف يخبرون المؤمنون الصالحين ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أذان الفجر يعني نجاح العملية الجهادية ::::
اتفقوا على أن يكون الإعلان عن هلاك الأسود العنسي مع أذان الفجر .
كان الأسود العنسي في أثناء حكمة القصير لصنعاء قد أمر بتغيير في كلمات الأذان حيث حذف اسم النبي محمد صلى الله علية وسلم ووضع اسمه هو مكانه ! فكان المؤذن قائلا ً : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن الأسود رسول الله !! ..
كلفوا داذوية الديلمي أن يؤذن هو أذان الفجر الأذان الإسلامي الصحيح ! وكان رفع الأذان الصحيح هو كلمة السر بين المجاهدين الأربعة وبين جمهور المسلمين الصالحين في صنعاء فإذا سمعوا عرفوا أن الأسود قد قـُضي علية وما عليهم إلا أن يهاجموا جيشه في صنعاء !
[ عند طلوع الفجر ]
وعندما طلع الفجر صعدَ داذوية على القصر ورفع الأذان : الله أكبر ..ألله أكبر ..الله أكبر .............( إلى أن وصل )............. اشهد أن محمد رسول الله !!!...............( ثم أكمل الأذان ) .... وبهذا يكون قد ذكر الأذان الصحيح لأول مرة منذ أن أخذ الحكم العنسي ..
سمع المسلمون الأذان فحمدوا الله على ما أنعم به وعلموا أنه تم قتل الأسود العنسي الكذاب وحمل كلٌ منهم سلاحه وتوجه نحو القصر ينصر المجاهدين ويقضي على جيش الكافرين !
وسمع حراس الأسود وجنوده الأذان وفوجئوا به وتجمعوا حول القصر ونظروا إلى المؤذن ومن حولـه : إنهم من المقربين عند الأسود : فقيس بن مكشوح قائد جيش الأسود وهو واقف بجانب المؤذن وفيروز الديلمي هو قريب الأسود بالمصاهرة مقرب عنده أيضاً فما الذي جري ؟ وأين الذي يؤمنون به : الأسود العنسي ؟
[ رأس الأسود تحت أقدام جنوده ]
لم يتركهم أمير المجموعة فيروز الديلمي في حيرتهم فوقف فيهم ونادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمد رسول الله وأشهد أن ألاسود العنسي عَبْهَلَةَ بن كعب كذاب عدو لله وقد قتله الله !!
وتناول رأسه وألقاه من أعلى سطح القصر فتدحرج الرأس بين الحراس والجنود !!
وتجمع المسلمون حول القصر فرحين مستبشرين شاكرين الله .. وأراد الحراس والجنود أن يبطشوا بالأربعة الواقفين على سطح القصر لكنهم رأوا المسلمين يتزايدون ويتوافدون حول القصر ..
وَفـَتَّ في عضدهم مقتل زعيمهم الأسود: فمن أجل من يقاتلون ، وهاهو رأس زعيمهم الكذاب تحت أرجلهم ؟!!
فما كان منهم إلا أن ولو الأدبار وفروا من القصر وما حوله .. وحل محلهم المؤمنون الصالحون الذين جاءوا لنصرة فيروز الديلمي وإخوانه المجاهدين
وأصدر المجاهدون أوامرهم لأتباعهم المؤمنون بملاحقة جيش الأسود والقاء القبض على من يقدرون علية منهم وقالوا : يا أهل صنعاء من دخل علية داخل من جنود الأسود فاقبضوا علية ومن كان عنده أحد من جنود الأسود فليسك به ومن مر بأحد جنود الأسود في الطريق فليقبض علية
ونشط المؤمنون في ملاحقة جنود الأسود وقبضوا على من قدروا علية ... وفر جنود الأسود خارج صنعاء منهزمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عودة اليمن للإسلام وابن جبل وال ٍ عليها ::::
وما أن أشرقت شمس ذلك اليوم المبارك العظيم في تاريخ الأمة الإسلامية حتى عادت صنعاء إلى الإسلام وقـُضي على الفتنه الخطيرة التي جاء بها المتنبئ الكذاب الأسود العنسي ( عبهله بن كعب بن يغوث ) بفضل الله سبحانه ثم بجهود المجموعة المجاهدة
وكانت فتنة الأسود العنسي قصيرة جداً من حيث الزمن !
( قال الضحاك بن فيروز الديلمي : كان ما بين خروج الأسود العنسي بقرية " كهف خبان " ومقتله في صنعاء نحوا ً من أربعة أشهر ! )
[ فيروز يستدعي معاذ ]
وبعد ما استقر الأمر للمسلمين في صنعاء استدعى فيروز الديلمي معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي كان عند قبائل ( السّـكون ) يـُثبتهم على الحق فجاء معاذ رضي الله عنه إلى صنعاء ، وكان أميرا ً عليها يصلى بالناس ويَحكمهم وينظم أمورهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرسول يخبر الصحابة بنجاح العملية الجهادية ::::
وكتب فيروز بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره فيه بانتهاء فتنة الأسود العنسي وعودة اليمن لللإسلام !
[ ولكن ]
ولكن الله أعلم رسوله صلى الله علية وسلم بالخبر مباشرة وعلم رسول الله صلى الله علية وسلم
بمقتل الأسود قبل طلوع الفجر وقبل أن يعلم به أهل صنعاء !!!
قال عبد الله بن رضي الله عنهما : أتى الخبر النبي صلى الله علية وسلم من السماء في الليلة نفسها التي قتل قيها الأسود العنسي .. فلما صلينا الفجر بشرنا رسول الله صلى الله علية وسلم فقال : قـُتل العنسي الليلة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين !
قلنا من هو يا رسول الله
قال هو فيروز فاز فيروز !!
وكان هذا في آخر أيام النبي صلى الله علية وسلم فما عاش صلى الله علية وسلم بعد ذلك إلا يوما ً وليلة !
وبينما كان أهل صنعاء فرحين بعودة اليمن إلى الإسلام وزوال الردة وانتهاء فتنة الأسود فوجئوا بالخبر المفجع يأتيهم من المدينة خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمهم الحزن والأسى.
قال فيروز الديلمي : قتلنا الأسود العنسي وأرسلنا إلى معاذ بن جبل وتراضينا علية وكان يصلي بنا في صنعاء ...
ووالله ما صلى بنا إلا ثلاثة أيام حتى أتانا الخبر بوفاة رسول الله صلى الله علية وسلم !!
وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله أشرف خلق الله علية أفضل الصلاة والسلام .
[ هنا تنتهي قصة البطل فيروز الديلمي رضى الله عنه ]